تَأليف
حسن علي
النجار
1445 ه \ 2024 م
***
تَأليف
حسن علي
النجار
1445 ه \ 2024 م
***
حقوق
الطبع والنشر
محفوظة للمؤلف
حسن علي
النجار
Copyright © 2024/1445
طبع في
الولايات
المتحدة
الأميركية:
P.O. Box 2401, Alpharetta, GA 30022
كَلِمَاتٌ
لِلْبَحْثِ
فِي
الْكِتَابِ
الأوَّلِ:
إسلام ،
إيمان ، إحسان
، الهداية
للبشرية ، قرآن
، حديث ،
الحقائق
العلمية في
القرآن الكريم
، الخلق
والتطور ،
الاستخلاف في
الأرض ، آدم
والملائكة ،
حرية العبادة
، النفس
والروح ، النواحي
الروحية
والحسية في
التعاليم
الإسلامية ، وعلاقة
القلب والعقل.
كَلِمَاتٌ
لِلْبَحْثِ
فِي
الْكِتَابِ
الثَّانِي:
الأرْكَانُ
الْخَمْسَةُ
لِلإِسْلامِ
، الْعِبَادَاتُ
في الإسْلامِ
، نُطْقُ
الشَّهَادَتَيْنِ
،
وَأدَاءُ
الصَّلَاةِ ،
وَإيتَاءُ
الزَّكَاةِ ، وَصَّوْمُ
رَمَضَانَ ،
وَحِجُّ
الْبَيْتِ لِمَنْ
اسْتَطَاعَ
إلِيْهِ
سَبِيلاً ،
الإسْلامُ: رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِرِسَالَةِ
اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ
Islam: A
Scientific View of God's Message to Humanity (in
Arabic)
Copyright
© 2024 By Hassan Ali El-Najjar. All rights reserved.
Printed
in the United States of America. No part of this publication may be reproduced,
translated, or transmitted in any form or by any means, electronic or
mechanical, including photocopy, recording, or any information storage and
retrieval system, without permission in writing from the publisher.
Published
in the United States of America by the author.
P.O. Box 2401, Alpharetta, GA 30022
ISBN: 978-1-7923-4538-8
LCCN:
2020913930
Keywords
in the first book:
Islam,
Iman, Ihsan, guidance to humanity, Quran, Hadith, Quran scientific evidence,
creation and evolution, God’s caliphs, Adam and angels, free worshipper, soul,
spirit, spiritual-physical relationship, and heart-mind relationship.
Keywords
in the second book:
The five
pillars of Islam, ways of worship in Islam, proclamations of faith, Islamic
prayer, charity (zakat), fasting of Ramadhan, pilgrimage to Makkah, a
scientific view of Islamic ways of worship.
تَعْرِيفٌ
بِالْمُؤَلِّفِ
مؤلفُ
هذا الكتابِ
هو حسن علي
النجار. واسمه
كاملاً هو حسن
علي حسن أحمد
محمد
عبدالهادي (النجار)
محمد جوده
الهاروني. وقد
هاجرَ جدُّهُ
السادسِ ،
جوده ، من
منطقةِ عربِ
وادي فاطمةَ ،
بالقربِ من
مكةَ
المكرمةِ ،
إلى فلسطينَ ،
في القرنِ
الحادي عشر
الهجري ، أي
السابعِ عشر الميلادي.
واستقر في
قريةِ اسدود ،
وهي في أصولِها
أشدود
الكنعانية ،
والتي
استوطنها
الفلسطينيونَ
فيما بعد.
وقد
وُلد المؤلفُ
في غزةَ ،
فلسطين ، في
عامِ 1369 للهجرةِ ،
الموافقُ
لعامِ 1950 للميلاد ،
وتلَقى
السنواتِ
الإحدى عشرةَ
الأولى من
تعليمهِ في
مدارسِ دير
البلح ، بقطاعِ
غزة ، ثم حصلَ
على شهادةِ
الثانويةِ
العامةِ من
مدرسةِ
رَغَدَانِ ،
بالأردن ، عام
1968.
والتحقَ بعد
ذلك بكليةِ
التربيةِ ،
بجامعةِ عينِ
شمسِ
المصريةِ ،
وحصلَ منها
على بكالوريوس
الآدابِ في
تدريسِ
اللغةِ
الإنكليزيةِ ،
في عامِ 1972. ثم عمِلَ
مدرِّساً
وصحافياً في
طرابلس ، ليبيا
، حتى نوفمبر 1976.
وانتقلَ
وعائلتُهُ
إلى
الإماراتِ
العربيةِ
المتحدةِ ،
حيث عملَ
مدرساً في
رأسِ الخيمةِ
، حتى عامِ 1986. وقد
هاجرَ مع
عائلتِهِ في
ذلك العامِ
إلى الولاياتِ
المتحدةِ
الأميركيةِ ،
حيثُ التحقَ
بجامعةِ
جورجيا ، وحصلِ
منها على
الماجستير في
علمِ
الإنسانِ (الأنثروبولوجيا
الثقافية)
عامِ 1988 وعلى
الدكتوراه في
علمِ
الاجتماعِ في
عامِ 1993. ومنذُ عامِ 1991 ،
وحتى عام 2020 ،
عمِلَ
بالتدريسِ في
كليةِ دَلتُن
التابعةِ
لنظامِ
جامعةِ
جورجيا.
وقد
كتبَ المؤلفُ
هذا الكتابِ
باللغةِ الإنكليزيةِ
أيضاً
بعنوانِ:
Islam: A Scientific View of God’s
Message to Humanity
حسن علي
النجار
أطلنطا
، جورجيا ،
الولاياتُ
المتحدةُ
الأميركيةُ ،
في السادس
والعشرينَ
مِنْ جُمادى
الثاني 1445 للهجرةِ
، الموافقُ للثامِنِ
مِنْ ينايرِ \ كانون
الثاني 2024 للميلادِ.
تَعْرِيفٌ
بِكُتِبِ
الْمُؤلِفِ
عَنْ الإسْلَامِ
***
أَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ
بِسْمِ
اللهِ
الرَّحْمَـٰنِ
الرَّحِيمِ
ادْعُ
إِلَىٰ
سَبِيلِ
رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ
ۖ
وَجَادِلْهُم
بِالَّتِي
هِيَ
أَحْسَنُ ۚ
إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ
بِمَن ضَلَّ عَن
سَبِيلِهِ ۖ
وَهُوَ
أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ
(النَّحْلُ
، 16: 125).
وَمَنْ
أَحْسَنُ
قَوْلًا
مِّمَّن
دَعَا إِلَى
اللَّهِ
وَعَمِلَ
صَالِحًا
وَقَالَ إِنَّنِي
مِنَ
الْمُسْلِمِينَ
(فُصِّلَتْ ، 41:
33).
وقال عليه
الصلاة
والسلام:
"بَلِّغُوا
عَنِّي ولو
آيَةً"
(الْبُخَاَرِيُّ:
3461)
***
هذا
العملُ يقدمُ
الإسلامَ على
أنه رسالةُ اللهِ
لهدايةِ
البشريةِ ، من
خلال رؤيةٍ
علميةٍ
لمجموعةٍ من
الموضوعاتِ
العصريةِ
المترابطة.
وبالإضافةِ
إلى ذلك ، فهو
يُعطي القراءَ
بعضَ
المعلوماتِ
الأساسيةِ عن
دينِ اللهِ الحنيفِ
، كما أنه
يحاولُ
الإجابةَ على
بعضِ الأسئلةِ
الجوهريةِ عن
الوجودِ
الإنساني ، والغرضِ
منه. والنيةُ
أن يكونَ
مصدراً للتعريفِ
بالإسلامِ ،
ليس فقط
للقارئِ
العاديِ ، وإنما
أيضاً
للدُعاةِ
والإعلاميينَ
والمربينَ
والباحثينَ ،
مسلمينَ
وغيرِ مسلمين
، على حدٍ
سُواء.
وتمثلُ
آياتُ
القرآنِ
الكريمِ
المرجعَ الأساسَ
لمختلفِ
الموضوعاتِ
التي
تُنَاقِشُها
كُتُبُ هذا
المؤلِّفِ ،
يلي ذلكَ
الحديثُ الشريفُ
، ثم ما
أوردَهُ
أشهرُ
المفسرينَ ،
خاصةُ
الطبريُّ
والقرطبيُّ
وابنُ كثيرٍ ،
الذينَ ذكروا
في تفاسيرِهم
أحاديثَ
الرسولِ ، عليه
الصلاةُ
والسلامُ ،
وآراءَ
الصحابةِ ، رضوانُ
اللهِ عليهِم
، بالإضافةِ
إلى آرائِهِم
وترجيحاتِهم.
ويتبعُ ذلكَ ،
خاصةً في الكتابينِ
الأوليينِ ،
تفسيرُ
الآياتِ
الكريمةِ بما
تم اكتشافُهُ
في العلومِ
الاجتماعيةِ والطبيعيةِ
، بما في ذلكَ
علومِ
الإنسانِ (الأنثروبولوجيا)
والاجتماعِ
والأحياءِ
والفلكِ ،
لتبيانِ الإعجازِ
العلميِ
لكتابِ اللهِ
، لتثبيتِ المؤمنينَ
على
إيمانِهِم ،
ولدعوةِ
غيرِهِم للإيمانِ
بربِّ
العالمينَ
وبرسالتهِ
للبشرية.
وينقسمُ
هذا العملُ
إلى سبعةِ
أجزاءٍ ، أي
كُتُبٍ
مُتَّصِلَةٍ.
يضمُّ الكتابُ
الأولُ منها
(الإسْلامُ:
رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِرِسَالَةِ
اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ)
عشرةَ فصولٍ ،
تتناولُ
مصادرَ
التعريفِ بالإسلامِ
ومستوياتِ
العقيدةِ
الثلاثِ:
الإسلامَ
والإيمانَ
والإحسانَ ،
والإثباتَ
العلميَّ
لوجودِ اللهِ
، سبحانَهُ
وتعالى ، وأنَّ
القرآنَ
الكريمَ هو
رسالتُه
لهدايةِ البشريةِ.
ويلي ذلك بحثٌ
في الخَلقِ
والتطورِ ، بما
في ذلك كيفَ
بدأتْ
الحياةُ على
الأرضِ ، وكيفَ
تطورتْ ، مع
تدخلِ
الخالقِ ،
عزَّ وجلَّ ، في
مسارِها.
ويبحثُ هذا
الجزءُ أيضاً
في تكريمِ
اللهِ
للإنسانِ ، عندما
شاءَ أن
يجعلَهُ
خليفتَهُ في
حكمِ الأرضِ ،
وما
تلا ذلك من
استغرابِ
الملائكةِ ،
وفوزِ آدمَ
عليهِم ، ثم
خروجِه من
الجنةِ. ويلي
ذلك مناقشةٌ لمسألةِ
ما إذا كان
الإنسانُ
حراً في
اختيارِهِ ،
بالإيمانِ
بخالقِهِ أو
بالكفرِ به.
وتبحثُ
الفصولُ
الثلاثةُ
الأخيرةُ من
الكتابِ الأولِ
في علاقةِ
النواحي
الروحيةِ
بالنواحي
الحسيةِ في
التعاليمِ
الإسلاميةِ ،
وفي العلاقةِ
ما بينَ
الروحِ
والعقلِ
والنفسِ والسعادةِ
، وأخيراً في
العلاقةِ
بينَ العقلِ والقلبِ
(وقد تمَّ
نشرُهُ ،
بحمدِ اللهِ ،
على شبكةِ
أمازون ،
للحصولِ على
نُسَخٍ ورقيةٍ
منهُ. كما
يُمكنُ
قراءَتُهُ
وتنزيلُهُ مجاناً
على موقعي
المؤلف:www.ccun.org و www.aljazeerah.info).
أما
الكتابُ
الثاني (الأرْكَانُ
الْخَمْسَةُ
لِلإِسْلامِ: رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِلْعِبَادَاتِ
الْمَفْرُوضَةِ)
فهوَ عَنِ
العباداتِ
الخمسِ
الرئيسةِ في
الإٌسلامِ ،
ويضمُّ خمسةَ
فصولٍ
تتناولُ الشهادتينِ
، والصلاةَ ،
والزكاةَ ،
والصومَ ، وتنتهي
بفصلٍ عنِ
الحَجِّ.
ويهدفُ هذا
الكتابُ إلى
إعطاءِ
معلوماتٍ عن
هذه
العباداتِ
الإسلاميةِ ،
وتبيانِ
الهدفِ منها ،
وفوائدَ كلٍّ
منها للفردِ
والجماعةِ
والمجتمعِ ،
وذلكَ كلهِ
استناداً إلى
آيِّ الذكرِ
الحكيمِ والسُّنةِ
المشرفة (وقد
تمَّ نشرُهُ ،
بحمدِ اللهِ ،
على شبكةِ
أمازون ، للحصولِ
على نُسَخٍ
ورقيةٍ منهُ.
كما يُمكنُ
قراءَتُهُ
وتنزيلُهُ
مجاناً على
موقعي المؤلف
المذكورَيْنِ
أعلاهُ).
وتبحثُ
الأجزاءُ (الْكُتُبُ)
الثلاثةُ
التاليةُ في
المستوى
الثاني من
العقيدةِ
الإسلاميةِ ،
ألا وهو
الإيمان. فيختصُّ
الكتابُ
الثالِثُ (اللهُ ،
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ،
وَأسْمَاؤهُ
الْحُسْنَى ،
مَنْ هُوَ؟
وَمَاذَا يُرِيدُ
لِلْبَشَرِيَّةِ؟)
بالتعريفِ
باللهِ ،
تباركَ
وتعالى ، مِن
خلالِ
صفاتِهِ
وأسمائهِ
الْحُسْنَى ،
التي ذكرها
لنا في
القرآنِ الكريم
، كما يتضمنُ
الحكمةَ مِنْ
خلقِ الإنسانِ
على الأرضِ
(وقد تمَّ
نشرُهُ ،
بحمدِ اللهِ ،
على شبكةِ
أمازون ،
للحصولِ على
نسخٍ ورقيةٍ
منهُ. كما
يُمكنُ
قراءَتُهُ
وتنزيلُهُ مجاناً
، على موقعي
المؤلفِ
المذكورَيْنِ
أعلاهُ).
ويتألفُ
الكتابُ
الرابعُ (رُسُلُ
اللهِ
لِلْمُكَلَّفِينَ
مِنْ خَلْقِهِ)
مِنْ سبعةِ
فصولٍ ، وهوَ
عَنْ رُسُلِ
اللهِ ،
سبحانهُ
وتعالى ،
لخلقِهِ مِنْ
جِنٍّ وإنسٍ.
ويبدأُ بفصلٍ
عنْ
الملائكةِ ،
وهم رُسُلُ
اللهِ
وعِبَادُهُ
الِمُكْرَمُونَ.
كما أنَّ
هناكَ خمسةَ
فصولٍ عن
أُولي العزمِ
مِنَ الرُّسُلِ
، وهم نوحٌ
وإبراهيمُ
وموسى وعيسى
ومحمدٌ ،
عليهِم
صلواتُ اللهِ
وسلامُهُ أجمعينَ.
وهناكَ فصلٌ
سابعٌ عنْ
الإسراءِ
والمعراجِ ،
التي أكرمَ
بها اللهُ ،
سبحانَهُ وتعالى
، خاتَمَ
رُسُلِهِ
برحلةٍ
عظيمةِ إلى السماواتِ
العُلى. وهي
أيضاً معجزةٌ
عِلميةٌ
تبشرُ الإنسَ
وتدعوهم للنفاذِ
إلى أقطارِ
السماواتِ
والأرضِ (ولم
يَتُم نشرُهُ
ورقياً بعدُ ،
على شبكةِ
أمازون. لكنْ
يُمكنُ
قراءَةُ
النسخةِ
الإنكليزيةِ
منه ،
وتنزيلُهُا
مجاناً على
موقعي
المؤلفِ المذكورَيْنِ
أعلاهُ).
ويتناولُ
الكتابُ
الخامسُ (الْقَدَرُ
والْقَضَاءُ
وَالْيَوْمُ
الآخِرُ)
استكمالاً
للمستوى
الثاني مِنَ
العقيدةِ
الإسلاميةِ ،
أي الإيمانِ ،
وذلكَ في ثلاثةِ
فصولٍ ، عنْ
أماراتِ
الساعةِ ،
واليومِ الآخِرِ
، والقدرِ
والقضاءِ (ولم
يَتُم نشرُهُ ورقياً
بعدُ ، على
شبكةِ أمازون.
لكنْ يُمكنُ قراءَةُ
النسخةِ
الإنكليزيةِ
منْ فصلي اليومِ
الآخِرِ ،
والقدرِ
والقضاءِ ،
وتنزيلُهُما
مجاناً على
موقعي
المؤلفِ
المذكورَيْنِ
أعلاهُ).
وبالنسبةِ
للمستوى
الثالثِ
للعقيدةِ
الإسلاميةِ ،
وهو الإحسانُ
، فإنه
سَيَتِمُّ
تناوُلَهُ ،
بمشيئةِ
اللهِ ، في
كتابينِ. ويَتَضَمَّنُ
الكتابُ
السادسُ (مَدْخَلٌ
إِلَى
الشَّرِيعَةِ
الإسْلامِيَةِ:
أوَامِرُ
التَّحْرِيمِ
والنَّهْيِّ
فِي
القُرْآنِ
الكَرِيمِ) ما
نهى عنهُ
اللهُ ، سبحانَهُ
وتعالى ، وما
حَرَّمَهُ. ويحتوي
الكتابُ
السابعُ على
"أوَامِرِ
اللهِ
بِالْعَدْلِ
وَالإحْسَانِ"
(ولم يكتملْ
هذانِ
الكتابانِ
بعدُ. لكنْ
يُمكنُ قراءَةُ
النسخةِ
الإنكليزيةِ
للأولِ
منهُما وتنزيلُهُ
مجاناً على
موقعي
المؤلفِ
المذكورَيْنِ
أعلاهُ).
***
مُحْتَوَيَاتُ
الْكِتَابِ
الْجُزْءُ
الأوَلُ:
رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ
لِلْقُرْآنُ
الكَرِيمُ
الفَصْلُ
الْأوَلُ:
الإسْلَامُ ،
نُبْذَةٌ
مُخْتَصَرَةٌ 008 - 010
الفَصْلُ
الثَانِي:
مُسْتَوَيَاتُ
العَقِيدَةِ
الثَّلَاثِ ،
الإسْلامُ وَالإيمَانُ
َالإحْسَانُ 011 - 016
الفَصْلُ
الثَّالِثُ:
الدَلِيلُ
العِلْمِيُ
عَلَى
وِجُودِ
اللهِ ، وَعَلَى
أنَّ
القُرْآنَ
الْكَرِيمَ
هُوَ رِسَالَتُهُ
لِلْبَشَرِيَّةِ 017- 030
الفَصْلُ
الرَّابِعُ:
الخَلْقُ
وَالتَّطَوُّرُ
فِي
القُرْآنِ
الكَرِيمِ 031 - 055
الفَصْلُ
الْخَامِسُ:
الإنسَانُ ،
خَلِيفَةُ
اللهِ عَلَى
ألأرْضِ
056
- 061
الفَصْلُ
السَّادِسُ:
امْتِحَانُ
آدَمَ أَمَامَ
الْمَلَائِكَةِ
، وَالْخُرُوجُ
مِنَ
الْجَنَّةِ 062
- 073
الفَصْلُ
السَّابِعُ:
عِبَادٌ
مُخَيَّرُونَ
أَمْ
عَبِيْدٌ
مُجْبَرُونَ؟ 074 - 086
الفَصْلُ
الثَّامِنُ:
العَلَاقَةُ
مَا بَيْنَ
النَّوَاحِي
الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ
فِي
التَّعَاليمِ
الإسْلَامِيَّةِ 087- 094
الفَصْلُ
التَّاسِعُ:
الرُّوحُ
وَالْعَقْلُ
وَالنَّفْسُ
وَالسَّعَادةُ
، مِنْ
مَنْظُورٍ
إسْلامِيٍ 095 - 105
الفَصْلُ
الْعَاشِرُ:
الْعَلَاقَةُ
بَيْنَ
الْقَلْبِ
وَالْعَقْل فِي
الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ 106 - 112
الْجُزْءُ
الثَّانِي:
الأرْكَانُ
الْخَمْسَةُ
لِلإِسْلامِ:
رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِلْعِبَادَاتِ
الْمَفْرُوضَةِ
مُقَدِّمَةٌ
113 - 117
الفَصْلُ
الحَادِي
عَشَر: نُطْقُ
الشَّهَادَتَيْنِ: الرُّكْنُ
الأَوَّلُ
فِي
الإِسْلَامِ 118- 125
الفَصْلُ
الثَّانِي
عَشَر: أداءُ
الصلاةِ 126- 134
الفَصْلُ
الثَّالِثُ
عَشَر:
إيتَاءُ
الزَّكَاةِ: كَحَقٍ
لِلْفُقَرَاءِ
عَلَى
الأغْنِيَاءِ 135- 143
الفَصْلُ
الرَّابِعُ
عَشَر:
الصَّوْمُ
وَرَمَضَانُ:
نِعْمَتَانِ
عَظِيمَتَانِ
مِنَ اللهِ
لِلْمُسْلِمِينَ 144- 155
الفَصْلُ
الخَامِسُ
عَشَر:
أَلْحَجُّ
إلَى أوَّلِ
بَيْتٍ للهِ
عَلَى
الأرْضِ 156 - 162
مُلاحَظَاتٌ
اسْتِطْرَادِيَّةٌ
وَتَوْثيِقِيَّةٌ (حَوَاشِي
الْفُصُولِ)
163 – 255
الإسْلَامُ:
رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِرِسَالَةِ
اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ
***
***
***
أَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَـٰنِ
الرَّحِيمِ
***
مُقَدِمَةٌ
الإسلامُ
هو الإيمانُ بالله ،
عز وجل ،
لدرجةِ
الخضوعِ
والاستسلام
له. [1] وبهذا
المعنى ،
فإنَّ
الرُّسُلَ
الذين بعثهم
اللهُ
برسالاتِهِ ،
مثلَ نوحٍ
وإبراهيمَ وموسى
وعيسى ، عليهم
صلواتُ الله
وسلامُهُ أجمعين
، هم والذين
اتبعوهم
بإحسان ،
كانوا مسلمين.
وما كان محمدٌ
، عليهِ أفضلُ
الصلاةُ والسلامُ
، إلا خاتمَ
رُسُلِ اللهِ
المسلمينَ وآخرَهُم
، خصه الله ،
سبحانه
وتعالى
باكتمالِ
وتمامِ
رسالتهِ
للبشرية.
وهكذا ،
فالإسلامُ هو
دينُ اللهِ
الذي ارتضاه
للناسِ على
الأرض لآلاف
السنين ،
ليهديَهُم
سبلَهُم في
هذه الدنيا
ويحاسبَهم
بناءً على ذلك
في الأخرة. [2]
والإسلامُ
كلمةٌ مشتقةٌ
مِنَ الفعلِ
"سَلِمَ" ،
والْمُسْلِمُ
هُوَ “مَنْ
سَلِمَ
النَّاسُ
مِنْ
لِسَانِهِ
وَيَدِهِ” ، كما قالَ
النبيُّ ،
عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ.
وهُوَ
الخضوعُ للهِ
تعالى ،
اشتقاقاً
مِنَ الفعلِ
"أسْلَمَ" ،
كما جاءَ في
الآيةِ الكريمةِ
112
مِنْ سورةِ
الْبَقَرَةِ (2).
والإسلامُ
بالإضافةِ
إلى ذلكَ يعني
"السِّلْمَ"
، كما ذكرتْ
الآيةُ 208 من سورة
الْبَقَرَةِ. [3]
وأخيراً
، فإن
الإسلامَ هو
أولُ مراتبِ
العقيدةِ ،
التي يتأتى
بها الحصولُ
على رضوانِ اللهِ
ورحمتِهِ ،
ونَيْلِ
السعادةِ في
الدارينِ ،
الدُّنيا
والآخرةِ.
ويعلوهُ
الإيمانُ ، كما
أخْبَرَتْنَا
الآيةُ
الكريمةُ 14 مِنْ
سورةِ
الْحُجُرَاتِ
(49).
ويتربعُ
الإحسانُ على
أعلى مراتبِ
العقيدةِ ،
كما جاءَ في
الحديثِ
الشريفٍ ،
المذكورِ في
الفصل الثاني
، مِنْ هذا
الكتابَ. [4]
مَصَادِرُ
التَّعَالِيمِ
الإسْلَامِيَّةِ
أوَّلاً ،
الْقُرْآنُ
الْكَرِيمُ
القرآنُ
الكريمُ هُوَ
أولُ مصادرِ
التعاليمِ
الإسلاميةِ.
فَهُوَ كتابُ
اللهِ ورسالتُهُ
للبشريةِ ،
الذي أوحاهُ
لرسولِهِ على
مدى ثلاثةٍ
وعشرينَ
عاماً ،
ابتداءً مِنَ السَّنَةِ
610
للميلادِ ،
مِنْ خلالِ
المَلَكِ
الْمُعَلِّمِ
، شَدِيدُ
الْقُوَى ،
جِبْرِيلُ ،
عليهِ السلامُ
، كما وَرَدَ
في الآيةِ
الخامسةِ مِنْ
سورةِ
النَّجْمِ (53). [5]
وعندما
كانَ يتنزلُ
الْوَحْيُ
على الرسولِ ،
عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ،
كانَ يمليهُ
على صحابتِهِ
مِنْ كُتَّابِ
الوحيِ. وكانَ
هؤلاءِ
يقرأونَ لُهُ
ما أملاهُ
عليهِم ، حتى
يُقرَّهُ ويُرَتِّبَ
آياتِهِ وسُوَرَهُ
، والتي كانَ
بعضُها
محفوظاُ في
بيتِهِ
وبعضُها
الآخرَ في
بيوتِ
الصحابةِ ،
رضوانُ اللهِ
عليهِم. ولَمْ
تُجمعْ سُوَرُ
القرآنِ
الكريمِ في
كتابٍ واحدٍ
إلا في عهدِ
الخليفةِ
الأولِ ، أبي
بكرٍ الصديقِ
، رضيَ اللهُ
عنهُ. ولكنَّ
الخليفةَ
الثالثَ ،
عثمانَ بنَ
عفانٍ ، رضيَ
اللهُ عنهُ ،
هو الذي
اعتمدَ النُّسخةَ
القريشيةَ مِنَ
القرآنِ
الكريمِ ،
وأحرقَ ما
عداها من
نسخٍ. وهكذا ،
فإنَّ مُصحفَ
عثمانَ يُمَثِّلُ
النسخةَ
الوحيدةَ
للقرآنِ
الكريمِ في العالمِ
، سليمةً
ومحفوظةً
بحفظِ اللهِ ،
عزَّ وجلَّ ،
الذي أخبرَنا
بذلكَ في
الآيةِ
التاسعةِ من
سورةِ الْحِجْرِ(15). [6]
ويحتوي
القرآنُ الكريمُ
على تعاليمِ
اللهِ ، عز
وجل ، للبشريةِ
، بما في ذلكَ
أوامرِهِ
ونواهيهِ ،
والتي أُبلغت
للرسلِ
السابقينَ.
ويشتملُ
أيضاً على
توضيحاتٍ
بشأنِ أوجُهِ
الخلافِ فيما
بينَ اليهودِ
والنصارى ،
مثلِ طبيعةِ
المسيحِ ، عليهِ
السلامُ ،
ورسالتِهِ
لبني إسرائيلَ.
وأولُ
كلمةٍ مِنَ
القرآنِ
الكريمِ نزلَ
بِها جِبْرِيلُ
، عليهِ
السلامُ ، على
النبيِّ مُحَمَّدٍ
، عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ ،
كانت فِعْلَ
الأمْرِ "اقْرَأ."
وذلكَ يعني أنَّ
اللهَ ، سُبْحَانَهُ
وتعالى ، مِنْ
شدةِ حبهِ
لخلقهِ مِنَ
البشرِ ،
أرادَ لهم أن
يكونوا على
أعلى قَدْرٍ مِنَ
الْعِلْمِ ،
الذي يَتَأتَّى
بالقراءةِ
وتراكمِ
المعرفةِ.
وأهمُّ
خصائصِ
القرآنٍ
الكريمٍ ، في
كونِه كلامُ
اللهِ
ورسالتُهُ
للبشرية ، أنَّهُ
محفوظٌ كما
تَنَزَّلَ ،
دونَ أن
يعتريَهُ أيُ
تعديلٍ أو
تغييرٍ منذُ
أكثرَ مِنْ 1400 سنةٍ.
وهُوَ موجودٌ
اليومَ بنصهِ
العربي
الأصيلِ
كتابةً
وصوتاً ،
وكذلك
بترجماتِهِ
العديدةِ
لمعظمِ
اللغاتِ ، في
مكتباتِ
العالمِ ،
وعلى الشبكةِ
العالميةِ ،
في مواقعَ
عديدةٍ ، مثلِ
شبكةِ "تنزيلٍ"
(www.tanzil.net) ،
التي تحملُ 18
ترجمةً
مختلفةً لَهُ
باللغةِ
الإنكليزيةِ
، بالإضافةِ
لترجماتٍ
باللغاتِ
الأخرى ، وبها
أيضاً
تسجيلاتٌ لستةٍ
وعشرينَ من
المقرئينَ ،
بالإضافةِ
إلى وسيلةِ
لبحثِ
كلماتهِ. ومِنَ
المواقعِ
الأخرى
المفيدةِ
للباحثينَ
والقُراءِ
العاديينَ
موقعُ
الإسلامِ (http://quran.ksu.edu.sa) ، الذي
يحملُ النصَّ
العربيَّ
للقرآنِ
الكريمِ ،
وكذلك
العديدَ من
الترجماتِ
إلى لغاتٍ
أخرى. ويمتازُ
هذا الموقعِ
بتحميلهِ
لكتبِ
التفسيرِ
الشهيرةِ ،
خاصةً تلكَ
التي ألَّفها
الطبري
والقرطبي
وابن كثير ، جزاهم
اللهُ خيراً
عن
مجهوداتِهِم
الكبيرةِ في
تفسيرِ كتابِ
اللهِ
الكريمِ. [7]
ثَانِيَاً
، السُّنَّةُ
المُشَرَّفَةُ
تُمَثِّلُ
السُّنَّةُ
المُشَرَّفَةُ
المصدرَ
الثاني
للتعاليمِ
الإسلاميةِ ،
وتشملُ
أحاديثَ النبيِّ
، عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ ،
وأقوالَهُ ،
وما أقرَّهُ
من أقوالِ
الناسِ وأفعالِهِم.
كذلكَ ، فإنها
تتضمنُ
تفسيرَهُ
لآياتِ
القرآنِ الكريمِ
وتشرحُها
ببعضِ
التفصيلِ. كما
تحتوي على
تعاليمِهِ
وأساليبِ
حياتِهِ ،
لتكونَ
أمثلةً
تُحتذى مِنْ
قِبَلِ
المسلمينَ ،
في شَتَّى
مجالاتِ
حياتِهِم.
ولقد
نَهى ، عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ ،
أصحابَهُ ، في
البدايةِ ، عن
كتابةِ أيِّ
شيءٍ يقولُهُ
لهم ما عدا
القرآنِ
الكريمِ ، حتى
لا يختلطَ
ذلكَ مَع
كلامِ اللهِ ،
سبحانَهُ
وتعالى ،
ولكنهُ أباحَ
ذلكَ فيما
بعدُ.
وهكذا ،
فإنَّ بعضَ
أوجُهِ
السُّنةِ
المشرَّفةِ
قد كُتِبَتْ
في حياتِهِ ،
ولكنَّ
أغلبَها لمْ
تُجْمَعْ إلا
بعدَ موتِهِ
بوقتٍ طويلٍ.
وقد أصبحَ جَمْعُ
الحديثِ والتَّثَبُّتُ
منهُ وتخريجُهُ
والحكمُ
بصحتِهِ عِلْماً
عتيداً
قائماً بذاتِهِ
، يقومُ عليهِ
عُلَمَاءٌ أكْفَاءٌ
في كلِّ عصرٍ. [8]
ومِنْ
أمثلةِ شرحِ
الرسولِ ،
عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ ،
لرسالةِ
اللهِ
وتلخيصِها
لخلقهِ ،
الحديثُ الذي
رواهُ عبدُ
اللهِ بنُ عُمَرَ
بنُ الخطَّابِ
، رضيَ اللهُ
عنهما ، والذي
قالَ فيهِ:
سمعتُ رسولَ
اللهِ ، صلى
اللهُ عليهِ
وسلَّمَ ،
يقولُ:
"بُنِيَ
الإسْلامُ
علَى خَمْسٍ ،
شَهادَةِ أنْ
لا إلَهَ
إلَّا
اللَّهُ ،
وأنَّ مُحَمَّدًا
رَسولُ اللهِ
، وإقامِ
الصَّلاةِ ،
وإيتاءِ
الزَّكاةِ ، وحَجِّ
البَيْتِ ،
وصَوْمِ
رَمَضانَ." [9]
وهكذا
، لخصَّ ،
عليه الصلاةُ
والسلامُ ،
العباداتِ المفروضةِ
في حديثٍ
واحدٍ ،
تسهيلاً على
الناسِ ،
بالتأكيدِ
عليها وعلى
عددِها ،
خاصةً أنَّ
هذهِ
العباداتِ
مذكورةٌ في
آياتٍ كثيرةٍ
من سُوَرٍ
مختلفةٍ من
القرآنِ
الكريمِ. فقد
ذُكِرَتْ
الشهادتان ،
مثلاً ، في
الآيةِ 18 مِنْ سورة
آلِ عِمْرَانَ
(3) ،
والآيةِ 40 مِنْ سورةِ
الأحْزَابِ (33) ،
والصلاةُ
والزكاةُ في
الآيةِ 110 مِنْ سورةِ
الْبَقَرَةِ (2) ،
والصومُ في
الآيةِ 183 مِنْ سورةِ
الْبَقَرَةِ (2) ،
والحَجُّ في
الآيةِ 97 مِنْ سورةِ
آلِ عِمْرَانَ
(3). [10]
ثالثاً ،
أَبْحَاثُ
عُلَمَاءِ
المُسْلِمِين
وقد
أصبحتْ أَبْحَاثُ
عُلَمَاءِ
المُسْلِمِين
مَصْدَرَاً
ثالثاً
للمعرفةِ
بالتعاليمِ
الإسلاميةِ.
وجُلُّ هؤلاء
من خريجي
الجامعاتِ ،
الحاصلينَ
على أعلى
الدرجاتِ
العلميةِ في
الدراساتِ
الإسلاميةِ ،
وهم بذلك
خبراءٌ
بالمصدرينِ الأوليين.
فيشرحونَ
للناسِ
أساسياتِ
الدينِ ، مِنْ
عقائدَ
ومعاملاتٍ
وأحكامٍ ،
وخاصةً ما
يستشكلُ على
عامةِ الناسِ
، مثلِ
حساباتِ
المواريثِ
والزكاةِ. كما
أنهم يقيسونَ
مستجداتِ زمانِهِم
على ما وردَ
في القرآنِ
والسنةِ ، فيبينوا
للناسِ ما هو
حرامٌ وما هو
حلالٌ. فمثلاً
، لم يتمْ
ذكرُ
المخدراتِ
نصاً في
القرآنِ الكريم.
فقامَ
العلماءُ
بالتوضيحِ
للناسِ بأن ضَرَرَها
أكبرُ من
نفعِها ،
ولذلك ينطبقُ
عليها حكمُ
اجتنابِ
الخمرِ
المذكورِ في
الآيةِ 190 من سورة الْمَائِدَةِ (5) ، والذي فَسَّرَهُ
النبيُ ، عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ ،
بأنه تحريمٌ
للخمرِ."
[11]
وفي
زمانِنا هذا ،
ظهرت طائفةٌ مِنْ
عُلَمَاءِ
المسلمينَ
المتخصصينَ
في شتى
العلومِ الاجتماعيةِ
والطبيعيةِ ،
الذين أخذوا
على عاتِقهم
استخراجَ
الكنوزِ
العلميةِ من
القرآنِ الكريمِ
والسُّنَّةِ
المشرفةِ ،
وتبيانِها
للناسِ فيما
أصبحَ معروفاً
بالإعجازِ
العلمي
للقرآنِ
الكريم. وهم
في ذلكَ يُثْبِتُونَ
بالأدلةِ
العلميةِ
أنَّ القرآنَ
الكريمَ هو
كتابُ اللهِ ،
العليمِ
الخبيرِ ،
وأنه لم يكن
باستطاعةِ أي
بشرٍ طيلةَ
الثلاثةَ عشرَ
قرناً ، التي
تلتْ نزولَهُ ،
أن يعرفَ
الحقائقَ
العلميةَ
الموجودةَ
فيه. وبذلك ،
فإنهم
يزيدونَ
المسلمينَ
إيماناً
باللهِ
وبكتابهِ
وبرسولهِ ، خاصةً
في هذا العصرِ
الذي أصبحت
فيه المعلوماتُ
متاحةً
للجميعِ في
كلِّ مكانٍ ،
بما في ذلك
تلكَ التي تُرَوِّجُ
للإلحادِ
والاستخفافِ
بالدين. وهم
كذلك يقومونَ
بالدعوةِ
الإسلاميةِ
لغيرِ المسلمينَ
، وخاصةً لِمَنْ
تركوا
الأديانَ
الأخرى
لتصادُمِها
مَعَ العلمِ ،
وذلك بطريقةٍ
علميةٍ
تحترمُ
عقولَهم وذكاءَهم
، كما سيجدُ
القارئُ
الكريمُ ذلكَ في
مختلفِ فصولِ
الكتابِينِ
الأوليين ،
مِنْ كتبِ هذا
المؤلفِ.
الإسْلامُ:
رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِرِسَالَةِ
اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ
***
***
***
أَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَـٰنِ
الرَّحِيمِ
***
مُقَدِّمَةٌ
ذاتَ
يومٍ ، دخلَ
جبريلُ ، عليهِ
السلامُ ،
مسجدَ
المدينةِ
المنورةِ
بينما الرسولُ
، عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ ،
والصحابةُ ، رُضوانُ
اللهِ عليهمِ
، جلوسٌ فيهِ.
فجرى حِوارٌ مِنْ
سؤالٍ وجوابٍ
بينهما ، أصبحَ
فيما بعدُ
حديثاً
مشهوراً ، رواهُ
الخليفةُ
الثاني ، عُمَرُ
بنُ الْخَطَّابِ
، رضيَ اللهُ
عنهُ.
وقد سألَ
جبريلُ
الرسولَ خمسةَ
أسئلةٍ عَنْ
الإسلامِ
والإيمانِ
والإحسانِ
والساعةِ
وأماراتِها.
وكُلَّمَا
أجابَ الرسولُ
على أيٍّ منها
، امتدَحَهُ
جبريلُ ، على
صحةِ الإجابةِ
، بقولِهِ "صَدَقْتْ"
، ثُمَّ خرجَ.
فأخبرَ
الرسولُ ،
عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ،
أصحابّهُ بأنَّهُ
جبريلُ ، الذي
جاءَ لِيُعَلِّمَهُم
دِينَهم.
وقد لَخَّصَ
هذا الحديثُ
الشريفُ
مبادئَ هامةً
للدينِ
الإسلاميِّ ،
وجذبَ انتباهَ
هذا المؤلِّفِ
لمستوياتِ
العقيدةِ
الإسلاميةِ
الثلاثِ:
الإسلامُ
والإيمانُ
والإحسانُ ،
والتي جاءتْ
كُتُبُهُ
السبعةُ على
أساسِها ، في
هذا المشروعِ
البحثي ، الذي
يهدُفُ
للتعريفِ
بدينِ اللهِ
الحنيفِ.
نَصُّ
الحَدِيثِ
عَنْ
عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ قَالَ
، حَدَّثَنِي
أَبِي عُمَرُ
بْنُ
الْخَطَّابِ
، رضي الله
عنهما ،
قَالَ:
بَيْنَمَا
نَحْنُ عِنْدَ
رَسُولِ
اللَّهِ ،
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ،
ذَاتَ يَوْمٍ
، إِذْ طَلَعَ
عَلَيْنَا
رَجُلٌ
شَدِيدُ بَيَاضِ
الثِّيَابِ ،
شَدِيدُ
سَوَادِ
الشَّعَرِ ،
لَا يُرَى
عَلَيْهِ
أَثَرُ
السَّفَر ،ِ وَلَا
يَعْرِفُهُ
مِنَّا
أَحَدٌ ،
حَتَّى جَلَسَ
إِلَى
النَّبِيِّ ،
صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ ،
فَأَسْنَدَ
رُكْبَتَيْهِ
إِلَى
رُكْبَتَيْهِ
، وَوَضَعَ
كَفَّيْهِ
عَلَى
فَخِذَيْهِ ،
وَقَالَ:
يَا
مُحَمَّدُ
أَخْبِرْنِي
عَنْ الْإِسْلَامِ؟
فَقَالَ
رَسُولُ
اللَّهِ ،
صَلَّى
اللَّهُ
عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ:
"الْإِسْلَامُ
أَنْ
تَشْهَدَ
أَنْ لَا إِلَهَ
إِلَّا
اللَّهُ ،
وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ
اللَّهِ ،
وَتُقِيمَ
الصَّلَاةَ ،
وَتُؤْتِيَ
الزَّكَاةَ ،
وَتَصُومَ
رَمَضَانَ ،
وَتَحُجَّ
الْبَيْتَ
إِنْ
اسْتَطَعْتَ
إِلَيْهِ
سَبِيلًا."
قَالَ:
صَدَقْتَ. قَالَ:
فَعَجِبْنَا
لَهُ
يَسْأَلُهُ
وَيُصَدِّقُهُ.
قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي
عَنْ الْإِيمَانِ؟
قَالَ: "أَنْ
تُؤْمِنَ
بِاللَّهِ
وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ،
وَتُؤْمِنَ
بِالْقَدَرِ
خَيْرِهِ
وَشَرِّهِ."
قَالَ:
صَدَقْتَ.
قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي
عَنْ الْإِحْسَانِ؟
قَالَ: "أَنْ
تَعْبُدَ
اللَّهَ
كَأَنَّكَ تَرَاهُ
، فَإِنْ لَمْ
تَكُنْ
تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ
يَرَاكَ."
قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي
عَنْ السَّاعَةِ؟
قَالَ: "مَا
الْمَسْئُولُ
عَنْهَا
بِأَعْلَمَ
مِنْ
السَّائِلِ."
قَالَ:
فَأَخْبِرْنِي
عَنْ أَمَارَتِهَا؟
قَالَ:
"أَنْ
تَلِدَ
الْأَمَةُ
رَبَّتَهَا ،
وَأَنْ تَرَى
الْحُفَاةَ
الْعُرَاةَ
الْعَالَةَ
رِعَاءَ
الشَّاءِ
يَتَطَاوَلُونَ
فِي الْبُنْيَانِ."
قَالَ:
ثُمَّ
انْطَلَقَ.
فَلَبِثْتُ
مَلِيًّا ،
ثُمَّ قَالَ
لِي: يَا
عُمَرُ
أَتَدْرِي مَنْ
السَّائِلُ؟
قُلْتُ:
اللَّهُ
وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ.
قَالَ:
فَإِنَّهُ
جِبْرِيلُ
أَتَاكُمْ
يُعَلِّمُكُمْ
دِينَكُمْ. [12]
الإسْلام
وبناءً
على هذا
الحديثِ
الشريفِ ،
فهناكَ
مستوياتٌ
ثلاثٌ
للعقيدةِ ،
أولُها
الإسلامُ ،
الذي عَرَّفَهُ
النبيُّ ،
عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ،
بأنَّهُ
القيامُ
بالعباداتِ
الخمسِ ، التي
هِيَ بمثابةِ
أعمدةِ بناءِ
هذا الدينِ
الحنيفِ.
وهكذا ،
فالعبادةُ
الأولى
والأساسُ
لإسلامِ الْمَرْءِ
أنْ يَشْهَدَ
أَنَّ لَا
إِلَهَ
إِلَّا
اللَّهُ ،
وَأَنَّ
مُحَمَّدًا
رَسُولُ
اللَّهِ.
وتكمنُ أهميةُ
هذهِ الشهادةِ
في اعترافِهِ
بوجودِ اللهِ
، عَزَّ وَجَلَّ
، كخالقٍ
للكونِ
وللبشرِ ،
واعترافِهِ
أيضاً بِمُحَمَّدٍ
، صلى اللهُ
عليهِ
وسَلَّمَ ،
كخاتَمِ رُسُلِ
اللهِ. وهذا
يعني أنَّهُ
يتقبلُ
الرسالةَ
التي أتى بِها
مِنْ رَبِّهِ
لهدايةِ
البشريةِ ،
ألا وهِيَ
القرآنَ
الكريمَ ،
والسُّنَّةَ
الْمُشَرَّفَةَ
المفسرةَ لَهُ.
وبعدَ نُطقِ
الشهادتين ِ،
يصبحُ المرءُ
مُسلماً ، مُكَلَّفَاً
بالعباداتِ
الأربعِ
الأخرى ، وهِيَ:
إقامُ الصلاةِ
وإيتاءُ
الزكاةِ وصومُ
رمضانَ وحِجُّ
البيتِ لِمَنْ
استطاعَ إليهِ
سبيلا. ومِنْ
المهمِّ أنْ نُلاحظَ
أنَّ هذهِ
العباداتِ قد
فرضَها اللهُ
، سُبْحَانَهُ
وتعالى ، في
آياتٍ عديدةٍ
، لخصَها رسولُهُ
الكريمُ في
هذا الحديثِ
الشريفِ. وقد
وَعَدَ اللهُ
، سبحانَهُ
وتعالى ، عبادَهُ
، أي الذينَ
يعبدونَهُ
بأداءِ هذهِ
العباداتِ ،
بمكافأتِهِم
بالنعيمِ في
جنةِ خُلْدِهِ
، ولكنَّهُم
أيضاً
يتنعمونَ
بسلامِ
الإيمانِ
وحلاوتِهِ في
هذهِ الدُّنيا
، قَبْلَ الآخِرةِ.
أمَّا
المستنكفينَ
عَنْ عبادِتِهِ
، فعقابُهُم
في هذهِ الدُّنيا
شقاءٌ ، ولَهُم
في الآخِرةِ عذابٌ
أليمٌ
(النِّسَاءُ ،
4: 172-173). [13]
وبِالتَّفَكُّرِ
فيما تعنيهِ
هذهِ
العباداتِ ، نَجِدُ
أنَّها ذاتَ
فوائدَ عظيمةٍ
للعبادِ ،
تعودُ عليهِم
بالخيرِ
أفراداً
وجماعاتٍ ، في
هذهِ الدُّنيا
، وفي الآخِرَةِ
، كما هُوُ مُفَصَّلٌ
في الفصلِ
الثامنِ مِنْ
هذا الكتابِ
الأولِ ، وفي
الفصولِ الخمسةِ
للكتابِ
الثاني. وفيما
يلي نبذةٌ
مختصرةٌ عَنْ
هذهِ
العباداتِ
الخمسِ
وفوائدَها.
فالصلاةُ
يَسْبِقُهَا
الوضوءُ ،
الذي هوَ
نظافةٌ
مستمرةٌ للبَدنِ
، خمسَ مرَّاتٍ
يومياً ، وذلكَ
بغسلِ اليدينِ
والوجهِ ، بما
في ذلكَ الفمِ
والأنفِ ،
والذراعينِ ،
ومسحِ الرأسِ
والأرجلِ إلى
الكعبينِ. كما
أنَّ على
المسلمينَ أنْ
يغتسلوا بعدَ
الجِماعِ (المائدةُ
، 5: 6) وبعدَ
الْحَيْضِ
والنَّفَاسِ
، وأنْ يُحافظوا
على ملابِسِهِم
طاهرةً نظيفةً.
وبإقامةِ
الصلواتِ
الخمسِ في
مواقيتِهِا
المحددةِ ،
فإنَّ
المسلمينَ
يعيشونَ حياةً
مُنَظَّمَةً
، يُضبطُ فيها
الوقتُ
والأنشطةُ
اليوميةُ ، ما
بينَ عملٍ
وراحةٍ ونومٍ.
وأهمُّ مِنْ
ذلكَ ، أنَّ
الصلاةَ
اتصالٌ بينَ
العبدِ ورَبِّهِ
في خمسةِ
أوقاتٍ محددةٍ
يومياً ، إنْ
تَمَّ أداؤها
على الوجهِ
الصحيحِ فهيَ
طمأنينةٌ
للنفسِ
وتذكيرٌ
مستمرٌ لها
بالبعدِ عَنْ
الفواحشِ. كما
أنَّ الصلاةَ
، بحركاتِها
الجسديةِ
الفريدةِ ،
كالتكرارِ
المرتبِ
للوقوفِ
والركوعِ
والسجودِ
والجلوسِ ، ما
هيَ إلا رياضةً
مفيدةَ
لمختلفِ
أعضاءِ الجسمِ
، خاصةً
العضلاتِ
والمفاصلِ.
كما أنَّها تُنَشِّطُ
الدورةَ
الدمويةَ ،
لتصلَ إلى بعضِ
الأماكنِ في
الجسمِ
بتركيزٍ أكبرَ
، كما في حالةِ
الدماغِ عندَ
السجودِ. [14]
وبإيتاءِ
الزكاةِ ،
فإنَّ
المسلمَ
يُقَدِّمُ
المساعدةَ
للفقراءِ
والمساكينِ
ويسهمُ في
النهوضِ
بالمجتمعِ من
خلالِ
الإنفاقِ على
أوجُهِ
الزكاةِ الأخرى.
وزكاةُ
المالِ هيَ
ربعُ العشرِ ،
وهوَ مبلغٌ
زهيدٌ ،
ولكنهُ عظيمُ
الفائدةِ إذا
ما أخرجهُ
جميعُ
الموسرينَ.
عندها لا
يشعرُ الفقراءُ
أنهم تُركوا
وحدَهم في
المجتمعِ ،
وبالتالي
تصبحُ
الزكاةُ
تعبيراً
مستمراً عن التعاطفِ
والتضامنِ
الاجتماعي.
وبالطبعِ فإنَّ
الزكاةَ ليست
بديلةً عن
أوجهِ
العطاءِ الأخرى
من صدقاتٍ ،
تقرِّبُ
المتصدقُ من
المستحقِ
للصدقةِ ،
والأهمُّ
أنها
تُقَرِّبُهُ
من ربِّهِ ، الذي
أنعمَ عليه في
المقامِ
الأولِ.
والزكاةُ أيضاً
ليست بديلةً
عن الضرائبِ
التي تجمعُها
الحكوماتُ ،
لتنفِقَها
على
مشروعاتِها
وبرامجِها
المختلفةِ ،
ولكنها تسهمُ
في خدمةِ المجتمعِ
من خلالِ
إنفاقِها على
أوجهٍ رُبَّما
لا تُغطيها
تلكَ
المشروعاتُ
والبرامج.
أما صومُ
شهرِ رمضانَ
، الذي يمتنعُ
المسلمونَ
فيه عن
المأكلِ والمشربِ
والعلاقاتِ
الجنسيةِ ، من
طلوعِ الفجرِ
وحتى غروبِ
الشمسِ ، فإنه
يمثلُ عبادةً
ذاتَ فوائدَ
عظيمةٍ ،
روحيةٍ
وجسديةٍ على
حدٍ سواءٍ.
فالصومُ
يربِّي
النفسَ على
التحكمِ في رغباتِها
، ويقويها على
ترويضِ
غرائزِها الجسديةِ.
وهو يُعطي
الأغنياءَ
فرصةً فريدةً
للإحساسِ
بالجوعِ الذي
يعانيهِ
الفقراءُ والمساكينُ
،
فَيُطَوِّعُ
ذلكَ
نفوسَهُم ويهذبُها
، فيزدادُ
عطاؤهم ،
خاصةً في
رمضان ، حتى
لا يبقى هناكَ
صائمٌ بلا
طعامٍ عندَ
الإفطارِ ،
وفي غيرِ
رمضانَ بعدَ
ذلكَ. أما
الفوائدُ
الجسديةُ
لصومِ شهرِ
رمضانَ فهي
عديدةٌ. فإذا
أكلَ
الصائمونَ
باعتدالٍ عندَ
الإفطارِ ،
فإنَّ
معظمَهم
يفقدونَ جزءاً
هاماً من
أوزانِهم ،
وذلكَ يعني
التخلصَ مِنَ
الدهونِ
الزائدةِ
التي تتجمعُ
خلالَ العامِ
المنصرمِ.
وأهمُّ مِنْ
ذلكَ ، أنَّ
الجسمَ
يتخلصُ مِنَ
السمومِ
والكيميائياتِ
الضارةِ مع
تخلُّصِهِ
مِنَ الدهونِ
الزائدةِ. ومِنْ
أهمِّ فوائدِ
الجوعِ الذي
يحدثُ في النصفِ
الثاني مِنْ
نهارِ الصومِ
، أنَّ الجسمَ
يتخلصُ مِنَ
الخلايا
الضعيفةِ
والمريضةِ وغيرِ
العاديةِ ،
كالخلايا
السرطانيةِ.
وذلكَ لأنَّ
الحكمةَ
الجسديةَ
تقررُ حرمانَ
تلكَ الخلايا
مِنَ الطعامِ
القليلِ
المتوفرِ ،
حتى تزودَ بِهِ
الخلايا
السليمةَ.
وأخيراً ،
فإنَّ الصومَ
يريحُ
الجهازَ
الهضميَ
كلَّهُ ،
طيلةَ النهارِ
في شهرِ
رمضانَ ، مِنَ
العملِ
الشاقِّ الذي
يقومُ بِهِ
طيلةَ الأحدَ
عشرَ شهراً
الأخرى.
والحجُّ هوَ
العبادةُ
الخامسةُ في
الإسلامِ ،
وهو رحلةٌ
يقومُ بها
المسلمُ
المستطيعُ ،
مادياً وجسدياً
، إلى بيتِ
اللهِ
الحرامِ في
مكةَ المكرمةِ
، تاركاً
وراءَه كلَّ
ما يشغلُ
الناسَ في
هذهِ الدُنيا.
ولكونِ
الحَجِّ
تلبيةً مِنَ
المسلمِ
لدعوةِ
ربِّهِ
لزيارةِ
بيتِهِ العتيقِ
، فإنَّهُ
يشعرُ
بسعادةٍ
غامرةٍ عندَ رؤيتِهِ
للكعبةِ
المشرَّفةِ
والطوافِ حولِها
وأثناءِ
أدائِهِ
للمناسكِ
المختلفةِ. وبالإضافةِ
إلى ذلكَ ،
فإنَّ
الحَجَّ
يشتملُ على
شعائرَ
تُذَكِّرُ
بقصةِ
إبراهيمَ
وابنِهِ
إسماعيلَ ،
عليهِما
السلامُ ،
وبما تعني مِنْ
تعاليمَ
إسلاميةٍ ،
خاصةً طاعةِ
الله ، تبارَكَ
وتعالى ،
والحذرِ مِنْ
الشيطانِ
ووساوسهِ. كما
أنَّ الحَجَّ
مؤتمرٌ
عالميٌ
للمسلمينَ ،
على اختلافِ
ألوانِهم
وألسنتِهم
وجنسياتِهم ،
ليتعرفوا على
أحوالِ
بعضِهمُ
البعضِ ، كما
أرادَ لهم
ربُّهم ،
سبحانَهُ
وتعالى (الْحُجُرَاتُ
، 49: 13).
وأخيراً ،
فإنَّ
اجتماعَ
ملايينِ
الْحُجَّاجِ
في مكةَ
المكرمةِ
لأداءِ
مناسكِهم ، في
أيامٍ قليلةٍ
، هو أمرٌ
عظيمٌ. ولذلكَ
، فإنَّ اللهَ
، سبحانَهُ
وتعالى ، قد
أمرَهُم أنْ
يعاملوا
بعضَهم
بالحُسنى
وأنْ يتجنبوا
الجدالَ
(الْبَقَرَةُ
، 2: 197) ، حتى
ينالوا أجزلَ
الثوابِ ،
وهوَ
المغفرةَ والسعادةَ
في الدُنيا
والآخرة. [15]
الإيمَانُ
بأدائِهِ
للعباداتِ المفروضةِ
، فإنَّ العابدَ
يدخلُ إلى
المرتبةِ
الأولى في
دينِ اللهِ ،
وهِيَ
الإسلامُ ،
والتي مِنْ
خلالِها
يرجوا أنْ
ينالَ رضى
اللهِ ، سبحانَهُ
وتعالى ،
ورحمتَهُ ، فَيُسبغُ
عليهِ نِعَمَهُ
في هذهِ الدُّنيا
ويُدخلُهُ في
نعيمِهِ
المقيمِ في
الآخرةِ. ولكنْ
، هناكَ مرتبةٌ
أعلى في
العقيدةِ
الإسلاميةِ ،
وهِيَ
الإيمانُ ،
كما جاءَ في
قولِ اللهِ ، تبارَكَ
وتعالى: "قَالَتِ
الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُل
لَّمْ تُؤْمِنُوا
وَلَـٰكِن
قُولُوا
أَسْلَمْنَا
وَلَمَّا
يَدْخُلِ
الْإِيمَانُ
فِي قُلُوبِكُمْ" (الْحُجُرَاتُ
، 49: 14). فقد
أخبرَتْهُم
الآيةُ
الكريمةُ
أنهم قد
أسلموا ، ولكنَّهم
لم يصلوا
للمرتبةِ
الثانيةِ مِنَ
العقيدةِ ،
وهيَ الإيمانُ.
فالوصولُ
لها يتطلبُ أنْ
يُؤمنَ
المسلمُ
باللهِ
وملائكتِهِ
وكتبِهِ ورُسُلِهِ
واليومِ الآخِرِ
، كما جاءَ في
القرآنِ
الكريمِ: "يَا
أَيُّهَا
الَّذِينَ
آمَنُوا آمِنُوا
بِاللَّـهِ
وَرَسُولِهِ
وَالْكِتَابِ
الَّذِي
نَزَّلَ
عَلَىٰ
رَسُولِهِ
وَالْكِتَابِ
الَّذِي
أَنزَلَ مِن
قَبْلُ وَمَن
يَكْفُرْ
بِاللَّـهِ
وَمَلَائِكَتِهِ
وَكُتُبِهِ
وَرُسُلِهِ
وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ فَقَدْ
ضَلَّ
ضَلَالًا
بَعِيدًا"
(النِّسَاءُ ، 4: 136).
وأضافَ
الرسولُ ،
عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ، عَلَى
ذلكَ الإيمانَ
بالْقَدَرِ ،
خَيْرِهِ وشَرِّهِ
، كما جاءَ في
الحديثِ
الشريفِ
المذكورِ
أعلاه.
وهكذا
، فبينما تُشيرُ
مَرتبةُ "الإسلام"
إلى عالَمِ
الشهادةِ ،
كما تُمَثِّلُهُ
العباداتُ
الحسيةُ
الخمسُ ، فإنَّ
مَرتبةَ
الإيمانِ تُشيرُ
إلى عالَمِ
الغيبِ ، الذي
يُدْرَكُ
بالمعرفةِ
والتفكرِ.
فالإيمانُ
بوجودِ اللهِ
، سبحانَهُ
وتعالى ،
يتأتى
بالتفكيرِ
فيما أخبرَنا
عنهُ في
القرآنِ
الكريمِ مِنْ
حقائقَ علميةٍ
كثيرةٍ ، لَمْ
تكنْ معروفةً
للناسِ أثناءَ
نزولِ الوحيِّ
وحتى القرنِ
الرابعَ عشرَ
للهجرةِ ، أي
العشرين َللميلادِ.
[16]
فالإيمانُ
في هذهِ
الحالةِ يكونُ
بالاعترافِ
بأنَّ القرآنَ
الكريمَ هُوَ
كلامُ اللهِ وَحْدَهُ
، وبأنَّهُ لمْ
يكنْ
بالإمكانِ
لأيِّ بشرٍ أنْ
يأتيَ بِهِ ،
أو بسورةٍ مِنْ
مِثلهِ. ويَتْبَعُ
الإيمانُ
باللهِ ،
الإيمانُ
بملائكتِهِ
وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ
واليومِ الآخِرِ.
والإيمانُ في
هذهِ الحالةِ
أيضاً يَتُمُّ
الوصولُ إليهِ
بإدراكِ
الغيبِ (أي
وجود اللهِ) مِنْ خلالِ
الشواهدِ
التي قدَّمَها
لنا (مِثلِ
القرآنِ
الكريمِ).
ولكنَّ
كثيراً مِنَ
الناسِ
يؤمنونَ
باللهِ غيباً
، ودونما
الحاجةِ إلى
شواهدَ حسيةٍ
أو عقليةٍ ،
أي بالفطرةِ.
أمَّا الفلاسفةُ
، فإنهم يَصِلُونَ
لهذهِ
المرتبةِ
بالمنطقِ ، كقولِهِم
أنَّهُ لا بُدَّ
للخلقِ مِنْ
خالقٍ ،
وللوجودِ مِنْ
مُوجِدٍ ، وهو
اللهُ ، عَزَّ
وَجَلَّ. [17]
وعلى
ذلكَ ،
فالمؤمنُ هوَ
مَنْ يؤمنُ
بوجودِ اللهِ
يقيناً ، كما
يؤمنُ بصدقِ
ما أخبرَ بِهِ
عِبادَهُ في مُحكمِ
كتابِهِ ، بما
في ذلكَ قدرتِهِ
، عَزَّ وَجَلَّ
، على فعلِ أيِّ
شيءٍ يريدُ.
والمؤمنُ يُقِرُّ
أيضاً بوجودِ
الملائكةِ ،
الذينَ هُم
عبادُ اللهِ
المُكْرمونَ
، الذين لا
يعصونَ ما
يأمرُهم بِهِ.
ومنهم جبريلُ
، مُعَلِّمُ
الرُّسُلِ ،
الذي كانَ
يتنزلُ بوحيِّ
اللهِ لهم.
ومنهم ميكالُ
الموَكلُ
بالأرزاقِ ،
وعزرائيلُ
الموَكلُ
بالموتِ ،
وإسرافيلُ
نافخُ الصورِ
، ورضوانُ
خازنُ الجَنةِ
، ومالكُ الموَكلُ
بالنارِ ،
عليهم السلامُ
أجمعينَ.
وهناكَ فئاتٌ
عديدةٌ مِنَ
الملائكةِ ،
الذينَ لهم
وظائفُ
متعلقةٌ
بالبشرِ ،
فمنهم رَقِيبٌ
وعَتِيدٌ
الموَكلانِ
بكتابةِ
أعمالِ الناسِ
مِنْ خيرٍ وشرٍّ
، وناكِرُ ونَكِيرُ
الموَكلانِ
بسؤالِ الميتِ
مباشرةً بَعْدَ
موتِهِ.
وأخيراً ، فإنَّ
منهم سائقٌ
وشهيدٌ ، وهما
الموَكلانِ
بتنظيمِ
الناسِ
وقيادتِهِم
في اليومِ
الآخِرِ.
والإيمانُ
بوجودِ
الملائكةِ
وبتأثيرِهِم
في حياةِ
الناسِ هوَ
جزءٌ مِنَ
الوصولِ إلى
المرتبةِ
الثانيةِ مِنَ
العقيدةِ
الإسلاميةِ. [18]
ويتضمنُ
الإيمانُ
أيضاً
الإقرارَ بأنَّ
اللهَ ،
سبحانهُ
وتعالى ، قد
أرسلَ هُدَاهُ
للبشريةِ مِنْ
قبلُ ، مِنْ
خلالِ كُتُبِهِ
السابقةِ
للقرآنِ
الكريمِ ، مِثْلِ صُحِفِ
إبراهيمَ ،
والتوراةِ
التي أنزلَتْ
على موسى ،
والزَّبُورِ
الذي أنزلَ
على داوودَ ،
والإنجيلِ
الذي أنزلَ
على عيسى بنِ
مريمَ ، عليهِم
الصلاةُ
والسلامُ
أجمعينَ. وقد
تضمنتْ هذهِ
الكتبُ جوهرَ
رسالةِ اللهِ
وهداهُ للبشرِ
، الذي أكدَّ
عليهِ القرآنُ
الكريمُ. ولا
يصحُّ
الإيمانُ إلا
بِحُبِّ جميعِ
رُسُلِ اللهِ
وتوقيرِهِم
والاحتفاءِ بِهِم
بنفسِ القدْرِ
، ودونَ أيِّ
تفريقٍ أو
تمييزٍ بينَهُم.
كيفَ لا ، وهُم
الذينَ
اصطفاهُم رّبُّهُم
لتبليغ
رسالاته
للعالمينَ.
ولا يصلُ
المرءُ إلى
مرتبةِ
الإيمانِ إلَّا
باعتقادِهِ
الراسخِ بأنَّ
هذهِ الحياةَ
ما هِيَ إلَّا
اختبارٌ ،
يقومُ فيهِ
الملائكةُ
بتسجيلِ
أقوالِهِ
وأفعالِهِ ،
التي سيحاسَبُ
عليها عندَ
لقاءِ رَبِّهِ
في اليومِ
الآخِرِ. وعلى
ذلكَ ،
فالإيمانُ
باليومِ الآخِرِ
هوَ تسليمٌ
بوقوعِ
الحسابِ في
ذلكَ اليومِ
العظيمِ.
وبالتالي ،
فإنَّ ذلكَ
تشجيعٌ للناسِ
ليتنافسوا في
عملِ الخيرِ
حتى يفوزوا
بما وعدَهُم رَبُّهُم
مِنْ حياةٍ
أبديةٍ في
نعيمِ جنتهِ ،
كما إنَّهُ
تحذيرٌ لهم
بتجنبِ
المعاصي
والكبائرِ
والشرورِ
التي تودي بِهِم
إلى عذابِ
جهنمَ ،
والعياذُ
باللهِ. (ولمزيدٍ
مِنَ التفصيلِ
عَنْ اليومِ
الآخِرِ
وأحداثِهِ ،
أنظرْ الفصلَ الثاني
مِنَ الكتابِ الخامسِ
لهذا
المؤلِّفِ ،
عنْ الإسلامِ).
وأخيراً
، فإنَّ
المؤمنَ
يُسَلِّمُ
بدقةِ قَدَرِ
اللهِ وعدالةِ
قضائِهِ.
فالناسُ
أحرارٌ فيما
يقولونَ وما
يفعلونَ ،
وذلكَ في
الأمورِ التي
لهم عليها
مقدرةٌ
وسلطانٌ.
ولكنْ ، هناكَ
أمورٌ أخرى لا
يُدركُها
الناسُ ،
لأنها خارجةٌ
عَنْ إرادتِهِم
وسلطانِهِم ،
بعضُها خيرٌ
كنعمةٍ غيرِ
متوقَعةٍ ،
فينبغي
للمؤمنِ أنْ يَحْمَدَ
اللهَ ويشكرَهُ
عليها. وبعضُها
يتراءى للناسِ
على أنها شرٌ
، مَعْ أنَّ
نتائجَها
يمكنُ أنْ
تكونَ خيراً ،
كتلكَ التي
أحدثَها الْخَضِرُ
أمامَ موسى ،
عليهما
السلامُ ،
والتي استنكرَها
موسى قَبْلَ
أنْ يَعْلَمَ
الحكمةَ منها
(الْكَهْفُ ، 18: 65-82). وربما
يَنتجُ عَنْ
بعضِ الأمورِ
شرٌ مستطيرٌ ،
كحدوثِ الموتِ
والدمارِ
نتيجةَ عدمِ
الاستعدادِ
لتجنبِ
الكوارثِ
الطبيعيةِ أو
الحروبِ. وفي
الحالتينِ ،
فإنَّ الشرَّ
حادثٌ بأيدي
الناسِ ،
الذينَ لا
ينبغي أنْ
يلوموا إلَّا
أنفسَهُم ،
خاصةً أنَّ رّبَّهُم
قد حَذَّرَهُم
مِنْ فتنةٍ لا
تُصيبَنَ
الذينَ ظلموا
منهم خاصةً (الأْنْفَالُ
، 8: 25). والمؤمنُ
يَحْمَدُ
اللهَ على كُلِّ
حالٍ ،
ويستخدمُ وقتَهُ
وعِلْمَهُ
ومالَهُ وجسمَهُ
أفضلَ
استخدامٍ ، في
هذهِ الحياةِ
لأنهُ سيُسألُ
عَنْ ذلكَ في
الآخِرَةِ ،
ولا يستسلمُ
للفتنِ
والكوارثِ
والأمراضِ
والمحنِ مِنْ
أيِّ صِنْفٍ ،
وهوُ في ذلكَ
إنما يدفعُ
القْدَرَ بِالْقَدَرِ
، كما تَمَّ
تفصيلُهُ في
الفصل الثاني
مِنَ الكتابِ
الخامسِ لهذا
المؤلِّفِ ،
عنْ الإسلامِ.
[19]
الإحْسَانُ
الإحْسَانُ
مَرْتَبَةٌ
في العقيدةِ
الإسلاميةِ
يصلُها
الإنسانُ
عندما يعبدُ
اللهَ وهوَ
يعلمُ يقيناً
أنَّ اللهَ
يراهُ ، كما
أخبرَنا عَنْ
ذلكَ خاتَمَ
الأنبياءِ ،
عليهِ الصلاةُ
والسلامُ ، في
رَدِّهِ على
سؤالِ جبريلَ
، عليهِ
السلامُ. وهذا
يعني أنَّ
المُحسنَ
يعلمُ أنَّ
اللهَ ، سبحانَهُ
وتعالى ، يسمعُ
كُلَّ ما يقولُهُ
ويرى كُلَّ ما
يفعلُهُ. وهوَ
لذلكَ يتحرى
ألا يقولَ ولا
يفعلَ إلا
الأحسنَ ، وهوَ
في ذلكَ ساعٍ
إلى ما يُرضي
ربهُ ،
متَّبِعاً
لأوامرِهِ
ومتجنباً
لنواهيهِ ،
إدراكاً منهُ
بأنَّ ذلكَ هوَ
الخيرُ ، وهوَ
عينُ الصوابِ.
وبهذا ، فإنَّ
الإحسانَ
أعلى مراتبِ
العقيدةِ
الثلاثِ
وأقربُها إلى
مرضاةِ اللهِ.
ولغوياً
، الإحسانُ
اسمٌ مشتقٌ مِنَ
الفعلِ
أحْسَنَ ، أي
أجادَ في
القولِ وأتقنَ
في العملِ.
والمعنى أنَّ
المحسنَ ينشدُ
الأحسنَ في
أقوالِهِ
وأفعالِهِ ،
ولا يوجدُ ما
هو أحسنُ من
اتِّباعِ
أوامرِ اللهِ
وتجنبِ
نواهيهِ ،
والدعوةِ لهُ
، وعملِ
الصالحاتِ.
وقد
عَبَّرَتْ
آياتٌ كثيرةٌ
في القرآنِ
الكريمِ عَنْ
المعاني
الساميةِ
لكلمةِ
"الإحسانِ."
فاللهُ ،
سُبْحَانَهُ
وتعالى ،
يأمرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ
(النَّحْلُ ، 16: 90) ،
قولاً وعملاً (فُصِّلَتْ
، 41:
33)
، وبمعاملةِ
الوالدينِ
بالحُسنى (الإسْرَاءُ
، 17:
23)،
ويُثْنِى على
المحسنينَ
بإعلانِ
حُبِّهِ لهم (الْبَقَرَةُ
،
2: 195)
، ويطمئنُهُم
بألَّا خوفٌ
عليهِم ولا
هُم يحزنونَ (الْبَقَرَةُ
،
2: 112)
، ويَعِدُهُم
بالجزاءِ
الأوفرِ في
جَنَّةِ خُلْدِهِ
(الْمَائِدَةُ
،
5: 85).
[20]
الْخُلَاصَةُ
أوْضَحَتْ
لنا الآياتُ
الكريمةُ
والأحاديثُ
الشريفةُ أنَّ
هُناكَ ثلاثَ
مستوياتٍ
للعقيدةِ
الإسلاميةِ ،
هِيَ الإسلامُ
والإيمانُ
والإحسانُ.
والمقصدُ هُوَ
تحفيزُ النفسِ
البشريةِ
للارتقاءِ مِنْ
مستوىً إلى آخَرَ
، مِمَّا يحققُ
للأفرادِ
والجماعاتِ
والمجتمعاتِ
أفضلَ ما يُمكنُ
تحقيقُهُ مِنْ
فوائدَ روحيةٍ
وجسديةٍ في
الحياةِ الدُّنيا
، وصولاً إلى
مَرضاةِ
الخالقِ ، عَزَّ
وَجَلَّ ،
ورحمتِهِ
وجنةِ خُلدهِ
، في الآخِرَةِ.
رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَّةٌ
لِرِسَالَةِ
اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ
***
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى
وَعَلَى
أنَّ
القُرْآنَ
الْكَرِيمَ
هُوَ رِسَالَتُهُ
لِلْبَشَرِيَّةِ
***
أَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَـٰنِ
الرَّحِيمِ
***
مُقَدِّمَةٌ
مَعْ
مطلعِ هذا
القرنِ ، أي
الخامسَ عشرَ
للهجرةِ ،
الموافقِ
للحادي
والعشرينَ
للميلادِ ، لم
يَعُدْ كثيرٌ
مِنْ غيرِ
المسلمينَ
يؤمنونَ
باللهِ ،
سبحانَهُ
وتعالى. وحتى
الذينَ
يعلنونَ
إيمانَهم ،
كثيرٌ منهم في
شكٍ مِنْ ذلكَ
، وآخرونَ
يعانون مِنْ
معتقداتٍ
مغلوطةٍ تقودُهم
إلى التصرفِ
بطرقٍ خاطئةٍ
وخطيرةٍ.
وبالمختصرِ
المفيدِ ،
هناكَ جهلٌ
كبيرٌ عَنْ
خالقِ الحياةِ
على هذا
الكوكبِ ، وعَنْ
رسالتِهِ
لهدايةِ
البشريةِ ،
والتي ذُكِرَتْ
في القرآنِ
الكريمِ ، وفي
الكتبِ
السماويةِ
التي سبقتْهُ.
وبناءً
على ذلكَ ،
فهناكَ
مسئوليةٌ تقعُ
على عاتقِ
المؤمنينَ
إزاءَ مَنْ هُم
على ضلالةٍ ،
ومَنْ هُم في
شكٍ فيما
يؤمنونَ بِهِ.
وهناكَ
مسئوليةٌ
أكبرَ إزاءَ
المُلحدينَ
الذينَ لا
يؤمنونَ
باللهِ في
المقامِ
الأولِ ، سواءً
كانَ ذلكَ
عمداً أو عَنْ
جهالةٍ. فما حَدَثَ
لهؤلاءِ رُبما
يكونُ مَرَدُّهُ
إلى غيابِ
الحقائقِ
العلميةِ في
تدريسِهِم عَنْ
اللهِ وكُتُبِهِ
التي أرسلَها
لهدايتِهِم.
فهناكَ
أديانٌ عديدةٌ
تحتوي على
أساطيرَ غيرِ
منطقيةٍ
وطقوسٍ غريبةٍ
لا معنى لها ،
تؤدي في
النهايةِ إلى
تسفيهِ العقلِ
الإنساني ،
وبالتالي إلى
رفضِ
الاعتقادِ
بأنَّ تلكَ
الأساطيرِ
والشعائرِ
الغريبةِ هِيَ
مِنْ عندِ
اللهِ ، الذي
يُفْتَرَضُ
أنْ يكونَ
أكثرَ ذكاءً مِنَ
الناسِ الذينَ
خَلَقَهُم
ليعبدوهُ.
ومِنَ
الأسبابِ
الهامةِ
لانتشارِ
الإلحادِ أنَّ
قادةَ كثيرٍ مِنَ
الأديانِ ،
بما في ذلكَ
الكبيرةِ
منها ، قد
وضعوا أنفسَهُم
وأديانَهُم
على طريقٍ
تصادميٍّ مَعَ
العلمِ. وأدى
ذلكَ إلى
تغريبِ
العلماءِ والمتعلمينَ
والمثقفينَ مِنْ
أتْبَاعِ تلكَ
الأديانِ ، وجَعَلَهُم
أكثرَ عُرضةٍ
للإلحادِ أو غيرَ
مُبالينَ
تجاهَ الدينِ
، أو مُستخفينَ
بِهِ.
مِنْ
هنا ، فإنَّ
المَهمةَ
الأساسيةَ
أمامَ
المؤمنينَ هِيَ
إثباتُ وجودِ
اللهِ ،
بالحقائقِ
العلميةِ
المقْنعةِ ،
وتبليغُ ذلكَ
لمتعلمي
ومثقفي العالَمِ
، وذلكَ مِنْ
خلالِ
استخراجِ
الدُّرَرِ
العلميةِ مِنَ
القرآنِ
الكريمِ ،
واستعمالِها
لإقناعِهِم
بأنَّ اللهَ
موجودٌ ، وأنَّهُ
لم يكنْ لبشرٍ
على الأرضِ أنْ
يَعْرِفَ
الكثيرَ مِنْ
هذهِ الحقائقِ
، سِوَى في
القرنِ
الماضي. ومِنْ
ثَمَّ ، فإنَّ
القرآنَ
الكريمَ لا يُمكنُ
إلَّا أنْ
يكونَ كلامَ
اللهِ. حينَها
، سيسعى هؤلاءِ
بأنفسِهِم لِتَعَلُّمِ
ما يتضمنُهُ مِنْ
هدايةٍ
لِخَلْقِ
اللهِ ، بما
في ذلك مِنْ
أوامرِ اللهِ ونواهيهِ
، أي شريعتِهِ
، التي إذا ما
اتَّبعوها
فإنهم
سينعمونَ
بالسعادةِ في
الدُّنيا
والآخِرَةِ.
هذهِ هِيَ
المَهمةُ
التي يقومُ بِها
الآنَ عددٌ مِنْ
عُلماءِ
المسلمينَ
المتخصصينَ
في العلومِ
الاجتماعيةِ
والطبيعيةِ ،
وهِيَ التي
تستحقُ الدعمَ
والتشجيعَ ،
لتتوسعَ
الدعوةُ إلى
اللهِ ودينِهِ
الحنيفِ ،
وتنتشرَ في
كافةِ أقطارِ
الأرضِ ، إنْ
شاءَ اللهُ.
وعلى
سبيلِ المثالِ
، فإنَّ
القرآنَ
الكريمَ يُخبرُنا
بقصةِ الخلقِ
الأولِ
للحياةِ على
كوكبِ الأرضِ
، بما في ذلكَ
خلقِ الإنسانِ
وتطورِهِ ،
بطريقةٍ تُدْهِشُ
علماءَ
الطبيعياتِ
وتلاميذَهِم
، وتَخْلُبُ
عقولَهُم ، وتُثْلِجُ
صدورَهُم ،
وذلكَ لآنها تُقارِبُ
إلى حدٍ بعيدٍ
آخَرَ ما
توصلتْ إليهِ
أبحاثُهُم.
فهم يعرفونَ
أنَّ الحياةَ
قد بدأتْ على
هذا الكوكبِ
في الماءِ
والطينِ ، ثم
تطورتْ ،
وتخللَ ذلكَ
انقراضُ بعضِ
أشكالِها ، ثُمَّ
عادَ بعضُها
للحياةِ مِنْ
جديدٍ. وهذا كُلُّهُ
مذكورٌ في
كتابِ اللهِ ،
وبدقةٍ بالغةٍ
، وهُوَ موضوعُ
الفصلِ
الرابعِ مِنْ
هذا الكتابِ:
"الْخَلْقُ
والتَّطَوُّرُ
فِي الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ."
أمَّا
هذا الفصلُ ،
فإنَّهُ ينقسمُ
في موضوعاتِهِ
إلى ثلاثةِ
أقسامٍ. يشتملُ
القِسمُ
الأولُ على
أمثلةٍ
للآياتِ
المتضمِنَةِ
لحقائقَ
علميةٍ ، اكتُشفتْ
حديثاً ، عَنْ
خلقِ
السماواتِ
والأرضِ ، وعَنْ
وجودِ
مخلوقاتٍ
ذكيةٍ غيرِ
الإنسانِ. ويتضمنُ
القِسمُ
الثاني أمثلةً
للآياتِ التي
تَذْكُرُ
حقائقَ علميةً
، اكتُشفتْ
حديثاً ، عَنْ
ظُلمةِ ماءِ
المحيطاتِ ،
وتَكَوُّنِ
السُّحُبِ ،
وأزواجِ
النباتِ ،
والحشراتِ. ويُعْنَى
القِسمُ
الثالثُ
بالتعريفِ
بالإعجازِ
العدديِّ في
القرآنِ
الكريم ِ،
وإعطاءِ بعضِ
الأمثلةِ
التي تُظْهِرُ
بجلاءٍ أنَّ
حروفَ وكلماتِ
وسُوَرِ كتابِ
اللهِ مُرَتَّبَةٌ
في نظامٍ عدديٍّ
مُحْكَمٍ ، لا
يُمكنُ أنْ
يكونَ مِنْ صُنْعِ
البشرِ ، وفي
ذلكَ دليلٌ آخَرَ
على وجودِ
الخالقِ ، عَزَّ
وَجَلَّ ،
وعلى أنَّ
القرآنَ
الكريمَ هُوَ
رسالتُهُ
للبشريةِ.
أوَّلاً ،
أمثلةٌ على
الآياتِ
المشتمِلَةِ
على حقائقَ
علميةٍ ، اكتُشفتْ
حديثاً ، عَنْ
خلقِ
السماواتِ
والأرضِ ، وعَنْ
وجودِ
مخلوقاتٍ
ذكيةٍ غيرِ
الإنسانِ
1. يُخبرُنا
اللهُ ، عَزَّ
وَجَلَّ ، أنَّهُ
قَبْلَ خلقِ
السماواتِ
والأرضِ ، كانَ عَرْشُهُ
على الماءِ
، فيقولُ:
وَهُوَ
الَّذِي
خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ
فِي سِتَّةِ
أَيَّامٍ
وَكَانَ عَرْشُهُ
عَلَى
الْمَاءِ (هُودُ
، 11: 7).
وهذا
يَعنى أنَّ
الماءَ سابقٌ
على العناصرِ
الأخرى ،
وبالتالي فهوَ
سابقٌ لِتَكَوُّنِ
النظامِ
الشمسيِّ
الذي نعرفُهُ.
وقد ذَكِرَ
الطبريُّ في
تفسيرِ هذهِ
الآيةِ
حديثاً شريفاً
مروياً عَنْ
أَبِي رَزِينٍ
الْعُقَيْلِيِّ
، الذي قَالَ
، قُلْتُ: يَا
رَسُولَ
اللَّهِ ،
أَيْنَ كَانَ
رَبّنَا
قَبْلَ أَنْ
يَخْلُقَ
السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ؟
قَالَ: "فِي
عَمَاءٍ ، مَا
فَوْقهُ
هَوَاءٌ
وَمَا تَحْتَهُ
هَوَاء. ثُمَّ
خَلَقَ عَرْشَهُ
عَلَى
الْمَاءِ"
(العماءُ هوَ
السحابُ).
كذلك رُوِيَ عَنْ
ابنِ عباسٍ ،
رضيَ اللهُ
عنهما ، أنَّهُ
قالَ “أنَّ
الْمَاءَ كانَ
عَلَى مَتْنِ
الرِّيحِ.”
وبذلكَ
أيضاً قالَ
القرطبيُّ
وابنُ كثيرٍ ،
رَحِمَهُم
اللهُ جميعاً
، وأثابَهُم
على أعمالِهِم
الجليلةِ في
خدمةِ
الإسلامِ
والمسلمينَ. [21]
وهذا
بالضبطِ ما
اكتشفَهُ
البحثُ
العلميُّ
حديثاً ، في
عام 2014 ميلادية.
وخلاصةُ ذلكَ
أنَّ عُمُرَ
بعضِ الماءِ
الموجودِ
لدينا حالياً
يزيدُ على عُمُرِ
الأرضِ ،
المقدر
بحوالي 4.6 بليون
سنةٍ ، أي أنَّهُ
أقدمُ مِنها ،
وحتى أنَّهُ
يزيدُ
قِدَماً على عُمْرِ
الشمسِ. وهذه
الحقيقةُ
العلميةُ تؤِكدُ
ما جاءَ في
الآيةِ
الكريمة ِ،
وبالتالي
فإنها إثباتٌ
على أنَّ
القرآنَ
الكريمَ هوَ
كلامُ اللهِ ،
سبحانَهُ
وتعالى ، الذي
"لَّا
يَأْتِيهِ
الْبَاطِلُ مِن
بَيْنِ
يَدَيْهِ
وَلَا مِنْ
خَلْفِهِ ،
تَنزِيلٌ
مِّنْ
حَكِيمٍ
حَمِيدٍ" (فُصِّلَتْ
، 41:
42) ،
وخاصةً أنَّهُ
جاءَ على لسانِ
النبيِّ الأمِّيِّ
، الذي لم
يعرفْ القراءَةَ
والكتابةَ مِنْ
قَبْلُ ، صلى
اللهً عليهِ
وسَلَّمَ. [22]
2. في
الآيةِ
الكريمةِ 30 ، مِنْ
سورةِ
الأنْبِيَاءِ
(21) ،
يخبرُنا اللهُ
، سبحانهُ
وتعالى ، أنَّ
السماواتِ
والأرضَ
كانتا
ملتصقتينِ في كتلةٍ
واحدةٍ ، لا
ثقبَ فيها. ثُمَّ
أنه فَتَقَهُمَا
، مما أدى إلى
فصلِهِما عن
بعضِهِما
البعضِ ،
وتناثرِهِما
في الفضاءُ ، وذلكَ
في قولِهِ:
أَوَلَمْ
يَرَ
الَّذِينَ
كَفَرُوا
أَنَّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ
كَانَتَا
رَتْقًا
فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا
مِنَ الْمَاءِ
كُلَّ شَيْءٍ
حَيٍّ أَفَلَا
يُؤْمِنُونَ (الأنْبِيَاءُ
، 21: 30).
ثُمَّ
إنَّهُ ،
سبحانهُ
وتعالى ، بعدَ
ذلكَ ، جعلَ
الحياةَ تَدُبُّ
في الأماكنِ
المحتويةِ
على الماءِ
الموجودِ فيهِما
مِنْ قَبْلِ
حدوثِ الفتقِ
، كما أخبرَنا
في الآيةِ
الكريمةِ 7 ، مِنْ
سورةِ هُودٍ (11). وكانَ
هذا جُلَّ
تفسيرِ
الطبريِّ
لمعنى الرَّتْقِ
والْفَتْقِ
في اللغةِ ،
وتَبِعَهُ في
ذلكَ القرطبيُّ
وابنُ كثيرٍ.
وقد
قَدَّرَ بعضُ
علماءِ
الفيزياءِ
الفلكيةِ ،
ابتداءً مِنْ
أوائلِ القرنِ
العشرينَ
للميلادِ ، أنَّ
عُمُرَ الكونِ
يتراوحُ ما
بينَ 10 و20
بليونَ سنةٍ ،
ولكنَّ بعضَهُم
مؤخراً حددَ
بدايتَهُ على
أنها كانتْ
منذُ 13.8
بليونَ
سنةٍ ، وذلكَ
طبقاً لنظريةِ
الانفجارِ
العظيمِ ،
التي يوافقُ
عليها معظمُ
علماءِ الفَلَكِ
في عصرِنا
هذا. وعلى
الرغمِ مِنْ
أنَّ النظريةَ
أرجعتْ
البدايةَ
لانفجارٍ
عظيمٍ ، كما
يدلُّ اسمُها
على ذلكَ ، إلَّا
أنَّ العلماءَ
يتفقونَ الآنَ
على أنَّ
البدايةَ لمْ
تكنْ نتيجةَ
انفجارٍ. [23]
وذلك
تأييدٌ واضحٌ
للحقيقةِ
العلميةِ
التي أشارتْ
إليها الآيةُ
الكريمةُ.
وبالطبعِ ،
فإنَّ علماءَ
الفيزياءِ
الفلكيةِ
يفسرونَ حدوثَ
البدايةِ
لأسبابٍ خاصةٍ
بالمادةِ
والزمنِ
والطاقةِ ،
دونَ التطرقِ
المنطقيِّ
إلى ضرورةِ
وجودِ الخالقِ
العظيمِ ،
الذي شاءَ
إحداثَ تلكَ
البدايةِ. أمَّا
نحنُ
المسلمونَ ،
فنعلمُ
يقيناً أنَّهُ
اللهُ ،
سبحانهُ
وتعالى ، الذي
أخبرَنا بذلكَ
في كتابِهِ
العزيزِ
قروناً طويلةً
قَبْلَ أنْ
يكتشفوا هذهِ
الحقيقةِ
العلميةِ. كيفَ
لا ، وهُوَ
الأوَّلُ ،
الذي لمْ يكنْ
قَبْلَهُ شيءٌ.
وهُوَ المبدئُ
، الذي بدأ
البدايةَ. وهُوَ
بَدِيعُ
السماواتِ
والأرضِ ، وهُوَ
الْعَلِيُّ
الْعَظِيمُ (لمزيدٍ
مِنَ
التفصيلِ ، انظرْ
الكتابَ
الرابعَ لهذا
المؤلِّفِ: اللهُ
،
سُبْحَانَهُ
وَتَعَالَى ، وَأسْمَاؤهُ
الْحُسْنَى ،
مَنْ هُوَ؟
وَمَاذَا
يُرِيدُ
لِلْبَشَرِيَّةِ؟).
3. وفي
الآيةِ
الكريمةِ 51: 47 ، يخبرُنا
اللهُ ،
سبحانهُ
وتعالى ، بأنَّهُ
قد بَنى
السماءَ ،
مستخدماً في
وصفِ ذلكَ
الفعلَ
الماضي "بَنَي"
، أيْ أنَّ
البناءَ قد تَمَّ
وانتهى في
الزمنِ
الماضي. ثمُ َّيخبرُنا
أنَّهُ مُوسِعٌ
لِلسَمَاءِ ، أيْ أنَّ
صفةَ اتساعِ
السماءِ في
حالةٍ مستمرةٍ
، تَعني الحاضِرَ
والمستقبلَ.
وَالسَّمَاءَ
بَنَيْنَاهَا
بِأَيْدٍ وَإِنَّا
لَمُوسِعُونَ
(الذَّارِيَاتُ
، 51: 47).
وهذهِ
حقيقةٌ اتفقَ
عليها علماءُ
الفيزياءِ
الفلكيةِ
ابتداءً مِنَ
القرنِ
العشرينَ
فيما يسمونهُ
"الكونَ
المتوسعَ" ،
بمعنى "الكونَ
دائمَ
الاتساعِ." أمَّا
المفسرونَ
الثلاثةَ
الأوائلَ ،
فكانَ تفسيرُهم
وقفٌ على وصفِ
السماءِ
بالاتساعِ
فقطْ ، دونما
التطرقِ إلى
استمرارِ
الاتساعِ ، وهُوَ
المعنى
الدقيقُ
لغوياً
وعلمياً. [24]
4. كما
يخبرُنا
رَبُّنَا ،
جَلَّ وعَلا ،
في الآيةِ
الكريمةِ 67: 3 ،
أنَّهُ قد خلقَ
سبعَ
سماواتٍ
طباقا ،
أيْ واحدةً
فوقَ الأخرى ،
كطبقاتٍ ،
مستوِياتٍ ،
دونما اختلافٍ
أو عيبٍ أوشَقٍ
فيها ، سواءٌ
نظرتَ إليها مَرَّةً
أو أكثرَ.
الَّذِي
خَلَقَ
سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ
طِبَاقًا مَّا
تَرَىٰ فِي
خَلْقِ
الرَّحْمَـٰنِ
مِن
تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ
الْبَصَرَ
هَلْ تَرَىٰ
مِن فُطُورٍ
(الْمُلْكُ ، 67: 3).
وفي
عصرِنا
الراهنِ ،
هناكَ نظرياتٌ
عديدةٌ عَنْ
وجودِ عدةِ
أكوان متوازيةٍ
، وليسَ فقطْ
الكونُ الذي
نعيشُ فيهِ ،
وفي ذلكَ
تأييدٌ لِمَا
اتفقَ عليهِ
المفسرونَ
الثلاثةَ
لغوياً. والفارقُ
أنَّ تلكَ
النظرياتِ تُشيرُ
إلى السماواتِ
على أنها
أكوانٌ. [25]
5.
وتتصلُ الآيةُ
الكريمةُ 84: 19 في
معناها
بالآيةِ
السابقةِ الذِّكْرِ
، 67: 3
، وذلكَ في وَصفِ
السماواتِ
بأنها طباقٌ ،
أي طبقاتٌ ،
بعضُها فوقَ
بعضٍ. ولكنها
تزيدُ عليها
في أنَّها نبوءةٌ بِرُقِيِّ
الإنسانِ
وسفرِهِ إلى
طبقاتِ
السماءِ ، واحدةً
إثرَ الأخرى.
لَتَرْكَبُنَّ
طَبَقًا عَن
طَبَقٍ (الانْشِقَاقُ
، 84: 19).
وقد
وافقَ
المفسرونَ
الثلاثةَ على
هذا المعنى ،
خاصةً بإيرادِ
تفسيريْ ابنِ
عباسٍ
والشَّعبيِّ
، اللذيْنِ
جعلا ذلكَ
مقتصراً على
النبيِّ ،
عليهِ
الصلاةُ
والسلامُ.
فقالا إنَّ
معنى ذلكَ:
"لَتَرْكَبَنَّ
يَا مُحَمَّدُ
سَمَاءً
بَعْد سَمَاءٍ."
وانفردَ
القرطبيُّ
بطرحِ سؤالٍ عَمَّا
إذا كانَ ذلكَ
بشارةً بحدوثِ
الإسراءِ
والمعراجِ.
ويُمكنُ
الإجابةُ على
سؤالِ
القرطبيِّ
بالنفيِّ.
فسورةُ الانْشِقَاقِ
(84)
مكيةٌ ، وقد
نزلتْ بعدَ
رحلةِ
الإسراءِ
والمعراجِ ،
التي تَمَّ
وصفُها في
سورةِ النَّجْمِ
(53).
فلو كانَ
النبيُّ ، صلى
اللهُ عليهِ
وسَلَّمَ ، هُوَ
المقصودُ
لكانَ الفعلُ
في الزمنِ
الماضي. ولكنْ
كونَ الفعلِ
مضارعاً ،
فإنهُ يفيدُ
المستقبلَ
أيضاً. وذلكَ
يعني أنَّ هذهِ
الآيةَ تخاطبُ
الإنسانَ
عموماً. وهكذا
، فربما تكونُ
هذهِ الآيةُ
الكريمةُ
مبشرةً
بأسفارِ
الإنسانِ في
الفضاءِ
الخارجيِّ ،
وذلكَ بسفرِهِ
مِنْ كوكبٍ
إلى آخَرَ ،
أو مِنْ نظامٍ
شمسيٍّ إلى آخَرَ
، أو مِنْ مَجَرَّةٍ
إلى أخرى ،
واللهُ أعلمُ.
[26]
6. و تتضمنُ الآيةُ
الكريمةُ 55: 33 دعوةً
للجنِّ
والإنسِ بأنْ
يحاولوا التحليقَ
والسفرَ في
الفضاءِ
الخارجيِّ.
وبذلكَ ، فإنَّ
معناها متصلٌ
بمعنى الآيةِ
السابقةِ
الذكرِ ، 84: 19.
يَا
مَعْشَرَ
الْجِنِّ
وَالْإِنسِ
إِنِ اسْتَطَعْتُمْ
أَن
تَنفُذُوا
مِنْ
أَقْطَارِ
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
فَانفُذُوا ۚ
لَا
تَنفُذُونَ
إِلَّا
بِسُلْطَانٍ (الرَّحْمَنِ ، 55: 33).
وهذهِ
نبوءةٌ قد
تحققتْ لِلْجِنِّ
أولاً ، كما
تخبرُنا
الآيةُ
الثامنةُ مِنْ
سورةِ الْجِنِّ
(72):
"وَأَنَّا
لَمَسْنَا
السَّمَاءَ
فَوَجَدْنَاهَا
مُلِئَتْ
حَرَسًا
شَدِيدًا
وَشُهُبًا." فَهُم
قد وصلوا إلى
السماءِ
ولمسوها ،
وذلك نأخذُهُ
مِنَ القرآنِ
الكريمِ على
أنَّهُ
مُسَلَّمٌ بِهِ
، لإننا في
هذا الزمانِ
لسنا مؤهلينَ
بَعْدُ
لإمكانيةِ
البحثِ فيهِ.
ثُمَّ
بدأتْ هذهِ
النبوءةُ
تتحققُ
للإنسانِ بَعْدَ
الْجِنِّ ،
وذلكَ في
النصفِ
الثاني مِنَ
القرنِ
الرابعَ عشرَ
للهجرةِ ،
الموافقِ
للنصفِ
الثاني مِنَ
القرنِ
العشرينَ
للميلادِ ،
عندما بدأ
السوفييتُ
والأميركيونَ
رحلاتهَمُ
الفضائيةِ ، ثُمَّ
لحقَ بهم
الأوروبيونَ
والآسيويونَ
بعدَ ذلكَ. وَفَهْمُ
إعجازِ هذهِ
الآيةِ
الكريمةِ
يكونُ
بمقارنةِ
ردودِ فعلِ
قُرَّاءِ
القرآنِ
الكريمِ قَبْلَ
تحققِ
النبوءةِ
وبعدَ تحققِها.
فَلِقُرونٍ
عديدةٍ ، لم
يتحدثْ حتى
المفسرونَ
الثلاثةُ
الكبارُ عَنْ
مجردِ
التفكيرِ في
إمكانيةِ سفرِ
الإنسانِ بينَ
أقطارِ
السماواتِ
والأرضِ.
لكنَّ
هذا الأمرَ قد
أصبحَ الآنَ
خبراً عادياً
في وسائلِ
الإعلامِ ،
لأنَّهُ لا
يكادُ يَمُرُّ
شهرٌ دونَ
خبرٍ عن رحلةٍ
فضائيةٍ ، ليسَ
فقطْ للدورانِ
حولَ الأرضِ
والوصولِ إلى
المحطةِ
الفضائيةِ
الدوليةِ
وإلى القمرِ ،
وإنما أيضاً
لسبرِ أغوارِ
الفضاءِ
الخارجيِّ
والكواكبِ
الأخرى في
مجموعتِنا
الشمسيةِ ،
وفيما هوَ
أبعدَ منها. [27]
7. ويخبرُنا
اللهُ ،
سبحانَّهُ
وتعالى ، في
الآيةِ
الكريمةِ 65: 12 ، أنَّهُ
"خَلَقَ
سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ
وَمِنَ
الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ"
، أيْ سبعَ
أرضينَ أيضاً
، فيقولُ:
اللَّـهُ
الَّذِي
خَلَقَ
سَبْعَ
سَمَاوَاتٍ
وَمِنَ
الْأَرْضِ
مِثْلَهُنَّ
يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ
بَيْنَهُنَّ
لِتَعْلَمُوا
أَنَّ
اللَّـهَ
عَلَىٰ كُلِّ
شَيْءٍ
قَدِيرٌ وَأَنَّ
اللَّـهَ
قَدْ أَحَاطَ
بِكُلِّ شَيْءٍ
عِلْمًا (الطَّلاقُ
، 65: 12).
والمعنى
أنَّهُ مِثلما
أنَّ هناكَ
سبعَ سماواتٍ
مسكونةٍ
بالملائكةِ
يتنزلُ أمرُ
اللهِ بينَهِنَّ
، فإنَّ هناكَ
سبعَ أرضينَ
مسكونةٍ
أيضاً بخلقِ
اللهِ ، يتنزلُ
أمرُهُ بينَهِنَّ
أيضاً. وهذهِ
الآيةُ
الكريمةُ هيَ
بمثابةُ
نبوءةٍ تشجعُ
الباحثينَ
على اكتشافِ
هذهِ الكواكبِ
المعمورةِ
بمخلوقاتٍ
ذكيةٍ ، يتنزلُ
أمرُ اللهِ ،
سبحانهُ
وتعالى ، بينَهِنَّ.
وقد
اتفقَ
المفسرونَ
الثلاثةَ على
أنَّ هناكَ
سبعَ أرضينَ ،
كما ذكرَ
الطبريُّ ، رَحِمَهُ
اللهُ ، في
تفسيرِهِ ،
فقالَ: "وَلَا
خِلَافَ فِي
السَّمَوَاتِ
أَنَّهَا
سَبْعٌ بَعْضُهَا
فَوْقَ بَعْضٍ
، دَلَّ عَلَى
ذَلِكَ
حَدِيثُ
الْإِسْرَاءِ
وَغَيْرُهُ .
ثُمَّ قَالَ: "
وَمِنْ
الْأَرْضِ
مِثْلهنَّ "
يَعْنِي
سَبْعًا .
وَاخْتُلِفَ فِيهِنَّ
عَلَى
قَوْلَيْنِ:
أَحَدهمَا ،
وَهُوَ قَوْلُ
الْجُمْهُورِ
، أَنَّهَا
سَبْعُ
أَرَضِينَ
طِبَاقًا ، بَعْضُهَا
فَوْقَ بَعْضٍ
، بَيْنَ كُلِّ
أَرْضٍ
وَأَرْضٍ
مَسَافَةً
كَمَا بَيْنَ
السَّمَاءِ
وَالسَّمَاءِ
، وَفِي كُلِّ
أَرْضٍ
سُكَّانٌ
مِنْ خَلْقِ
اللَّهِ."
ومنذُ
بدأتْ أبحاثُ
الفضاءِ ،
والعلماءُ
يبحثونَ عَنْ
أيةِ دلالاتٍ لوجودِ
الحياةِ على
الكواكبِ
الأخرى في
مجموعتِنا
الشمسيةِ ، أو
في المجموعاتِ
الشمسيةِ
الأخرى ، في
مجرتِنا ، أو
في المجراتِ
الأخرى. ومِنْ
أهمِّ
الدلالاتِ
التي يبحثونَ
عنها وجودُ
الماءِ في هذهِ
الكواكبِ. ومِنْ
المكتشَفاتِ
العلميةِ في
هذا المجالِ
ما نشرتْ عنهُ
وكالةُ
الفضاءِ
الأميركيةِ ،
ناسا ، في 22 فبراير 2017. فقد
أشارَ تقريرُها
إلى اكتشافِ
نظامٍ كوكبيٍّ
أسماهُ
العلماءُ تْرَابِسْتْ
رقم واحد ،
يقعُ في
المجموعةِ
الشمسيةِ
المعروفةِ
باسمِ
أكويريوس ،
والتي تبعدُ عَنْ
أرضِنا
بحواليْ 40 سنةٍ ضوئيةٍ
، أيْ حواليْ 235
ترليونَ ميلٍ.
وقد ذَكَرَ
التقريرُ أنَّ
هناكَ سبعَ
كواكبَ ، بحجمِ
الأرضِ ، تدورُ
حولَ شمسِها ،
مَعَ احتمالِ
وجودِ الماءِ
فيها جميعاً ،
واحتمالِ
وجودِ الحياةِ
في ثلاثٍ منها
على الأقلِّ.
والتقريرُ لا
يجزمُ بوجودِ
ماءٍ أو حياةٍ
على هذهِ
المجموعةِ مِنَ
الكواكبِ
بالذاتِ ،
ولكنهُ يفتحُ
البابَ على
إمكانيةِ
اكتشافِ وجودِ
ذلكَ
مستقبلاً ،
سواءً في تلكَ
المجموعةِ أو
في غيرِها.
وهكذا ، فهذا
الاكتشافُ
لعلماءِ
وكالةِ
الفضاءِ
الأميركيةِ
قد أصبحَ مِنَ
الحقائقِ
العلميةِ
التي تشيرُ
إليها هذهِ
الآيةُ
الكريمةُ. [28]
8. وتخبرُنا الآيةُ
الكريمةُ 14: 19
بأنَّ اللهَ ،
سبحانَهُ
وتعالى ، "قد خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ
بِالْحَقِّ":
أَلَمْ
تَرَ أَنَّ
اللّهَ
خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ
بِالْحَقِّ
إِن يَشَأْ
يُذْهِبْكُمْ
وَيَأْتِ بِخَلْقٍ
جَدِيدٍ
(إبراهيم ، 14: 19).
والْحَقُّ
في اللغةِ هُوَ
الصدقُ
والعدلُ ، وهُوَ
عكسُ الباطلِ
، أيْ أنَّ اللهَ
، تبارَكَ
وتعالى ، قد "خَلَقَ
السَّمَاوَاتِ
وَالأَرْضَ"
بالدقة
المتناهية
والتوازن
التام في
العلاقات بين
مكوناتِها.
ففي دورانِها
حولَ الشمسِ ،
تحتلُ الأرضُ
موقعاً
مثالياً أتاحَ
للحياةِ أنْ
تبدأ وتستمرَّ
وتزدهرَ فيها.
فهذا التنوعُ
المدهشُ في
الكائناتِ
النباتيةِ
والحيوانيةِ
على ظهرِها هوَ
نتيجةٌ
لعلاقتِها
الدقيقةِ
والمتوازنةِ
مَعَ الشمسِ
والقمرِ
والكواكبِ
الأخرى. وعلى
الأخصِّ ، فإنَّ
ازدهارَ
الحياةِ على
الأرضِ هوَ مِنْ
تأثيرِ دورانِها
حولَ نفسِها أمامَ
الشمسِ ، مِمَّا
أدى إلى دورةِ
الليلِ
والنهارِ. كما
أنَّ ذلكَ
الازدهارَ
ناتجٌ أيضاً
عن التغيراتِ
الموسميةِ
الناتجةِ عَنْ
دورانِها حولَ
الشمسِ بِمَيْلٍ
نسبيٍّ حولَ مِحْوَرِهَا
، ووصولِ أشعةِ
الشمسِ
بدرجاتٍ
متفاوتةٍ إلى
أقاليمِ
الأرضِ
الجغرافيةِ
المختلفةِ.
ومِنْ
مظاهرِ الدقةِ
والتوازنِ
أيضاً أنَّ
نسبةَ المياهِ
على الأرضِ
وفي جسمِ
الأنسانِ
واحدةٌ ، وهي 70% في
كليهِما. كما
أنَّ هُناكَ
توازناً ما
بينَ
الأكسجينِ
وثاني أكسيدِ
الكربونِ
اللازميْنِ
لتنفسِ
النباتِ
والحيوانِ
على الأرضِ.
وهناك توازنٌ
بينَ طبقةِ
الأوزونِ
والغازاتِ
الأخرى ، خاصةً
تلكَ الناتجةِ
عَنْ التلوثِ
الصناعيِّ ،
والذي إذا
اختلَّ ، فإنَّ
الأوزونَ يَفْقِدُ
قُدرَتَهُ
على حمايةِ
الأرضِ مِنَ
الإشعاعاتِ
الكونيةِ
الضارةِ. وهكذا
، فهذهِ
الأمثلةُ
تشيرُ إلى
الدقةِ
والتوازنِ في
مكوناتِ
الكونِ ، التي
وُصِفَتْ في
هذهِ الآيةِ
الكريمةِ
بأنها
خُلِقَتْ "بِالْحَقِّ."
[29]
9. ويخبرُنا
اللهُ ،
تَبَارَكَ
وَتَعَالَى ، في
الآيةِ
الكريمةِ 79: 30 ، بأنَّهُ
قد دَحَى
الأرْضَ ،
أيْ جعلَها
تشبهُ البيضةَ
في شكلِها ،
وذلكَ بعدَ أنْ
أخبرَنا في
الآياتِ
السابقةِ لها
، في نفسِ
السورةِ ، بأنَّهُ
خلقَ
السماواتِ
وسواهُنَ ،
فيقولُ ، جَلَّ
وَعَلا:
وَالْأَرْضَ
بَعْدَ
ذَٰلِكَ
دَحَاهَا (النازعات
، 79: 30).
والحقيقةُ
العلميةُ في
هذهِ الآيةِ
موجودةٌ في
فعلِ "دَحَى"
، الذي يعني
أنَّهُ جَعَلَ
الأرضَ على
شكلِ
الدَّحْيَة ،
وهيَ بيضةُ
الطيورِ
والدواجنِ.
والدَّحْيَةُ
(أو البيضةُ)
ليستْ كاملةَ
الاستدارةِ ،
وهيَ بذلك
أقربُ
تشبيهاً
للأرضِ مِنْ
أيِّ شيءٍ آخَرَ
موجودٍ في
الطبيعةِ ،
ويعرفُهُ
الناسُ.
ولَمْ
تكنْ هذهِ
الحقيقةُ
العلميةُ
معروفةً لدى
العربِ قبلَ
الإسلامِ ،
ولكنَّ
كثيراً مِنْ
علماءِ
المسلمينَ
أدركوها
وأشاروا
إليها في
كتاباتِهم.
واليومَ
لدينا صورٌ في
غايةِ الروعةِ
والجمالِ
لكوكبِنا
الأزرقَ ،
البيضاويِّ
الشكلِ ، أخذتْ
مِنْ قِبَلِ
روادِ الفضاءِ
، ومِنْ خلالِ
الأقمارِ
الصناعيةِ
ومحطةِ
الفضاءِ
الدوليةِ.
ومِنَ
الطريفِ أنَّ
المفسرينَ
الثلاثةَ لمْ
يُشيروا إلى
معنى كلمةِ
"الدَّحْيَةِ"
، على أنها
البيضةِ ، فلم
يذكروا ذلكَ
في تفسيراتِهم
لهذهِ الآيةِ
الكريمةِ. لكنَّ
مُؤَلِّفَ
هذا الكتابِ ،
الذي عاشَ
أربعَ سنينَ
في طرابلسَ
الغربِ ، سمعَ
الليبيينَ
يستعملونها ،
في إشارتِهم
إلى البيضِ
عموماً ، وإلى
بيضِ الدجاجِ
على وجهِ
الخصوصِ. [30]
10. ويُخبرُنا
اللهُ ،
سبحانَهُ
وتعالى ، في
الآياتِ
الكريمةِ
التاليةِ ،
بأنَّ هناكَ سُكَّانَاً
في السَّمَاواتِ ، أسلموا
لربِّهم ،
وأنهم يعبدونَهُ
ويسبحونَ
باسمِهِ ، كما
فعلَ ويفعلُ
الكثيرُ مِنْ
سُكَّانِ
الأرضِ ،
فيقولُ عَزَّ
وَجَلَّ:
وَمِنْ
آيَاتِهِ
خَلْقُ
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
وَمَا بَثَّ
فِيهِمَا مِن
دَابَّةٍ وَهُوَ
عَلَىٰ
جَمْعِهِمْ
إِذَا يَشَاءُ
قَدِيرٌ (الشُّورَى
، 6: 38).
وَلَهُ
مَن فِي
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
ۖ كُلٌّ لَّهُ
قَانِتُونَ (الرُّومُ
، 30: 26).
أَفَغَيْرَ
دِينِ
اللَّـهِ
يَبْغُونَ
وَلَهُ
أَسْلَمَ مَن
فِي
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
طَوْعًا
وَكَرْهًا
وَإِلَيْهِ
يُرْجَعُونَ (آلِ عِمْرَانَ
، 3: 83).
أَلَمْ
تَرَ أَنَّ
اللَّـهَ
يُسَبِّحُ
لَهُ مَن فِي
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ
صَافَّاتٍ ۖ
كُلٌّ قَدْ
عَلِمَ
صَلَاتَهُ
وَتَسْبِيحَهُ
ۗ وَاللَّـهُ
عَلِيمٌ
بِمَا
يَفْعَلُونَ
(النُّورُ ، 24: 41).
كما يُخبرُنا
رَبُّنَا ، تبارَكَ
وتعالى ، عَنْ
أنَّ هناكَ
مخلوقاتٍ
أخرى بينَ
السماواتِ
والأرضِ ، هُمُ
الْجِنِّ ،
الذينَ منهم
المسلمونَ
الذينَ
يعبدونَهُ ،
ومنهم غيرُ
ذلكَ ، وهمُ
الذينَ
حَذَّرَنَا
مِنَ
الاتصالِ بهم:
قَالَ
فِرْعَوْنُ
وَمَا رَبُّ
الْعَالَمِينَ
﴿٢٣﴾ قَالَ
رَبُّ
السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ
وَمَا
بَيْنَهُمَا إِن
كُنتُم
مُّوقِنِينَ ﴿٢٤﴾ (الشُّورَى
، 26: 23-24).
قُلْ
أُوحِيَ
إِلَيَّ
أَنَّهُ
اسْتَمَعَ
نَفَرٌ مِّنَ
الْجِنِّ
فَقَالُوا
إِنَّا
سَمِعْنَا
قُرْآنًا
عَجَبًا (الْجِنُّ
، 72: 1).
وَأَنَّا
لَمَسْنَا
السَّمَاءَ
فَوَجَدْنَاهَا
مُلِئَتْ
حَرَسًا
شَدِيدًا
وَشُهُبًا (الْجِنُّ
، 72: 8).
وَأَنَّا
مِنَّا
الْمُسْلِمُونَ
وَمِنَّا
الْقَاسِطُونَ فَمَنْ
أَسْلَمَ
فَأُولَـٰئِكَ
تَحَرَّوْا
رَشَدًا (الْجِنُّ
، 72: 14).
وَأَنَّهُ
كَانَ
رِجَالٌ
مِّنَ
الْإِنسِ يَعُوذُونَ
بِرِجَالٍ
مِّنَ
الْجِنِّ
فَزَادُوهُمْ
رَهَقًا (الْجِنُّ
، 72: 6).
وتُشِيرُ هذهِ
الآياتُ
الكريمةُ إلى وجودِ
كائناتٍ حَيَّةٍ
وعاقلةٍ
ومؤمنةٍ
باللهِ ،
وعابدةٍ لَهُ
في السماءِ ،
وبينَ السماءِ
والأرضِ ،
بالإضافة ِإلى
كائناتٍ أخرى
غيرِ مسلمةٍ
للخالق ِ، عَزَّ
وَجَلَّ. أيْ
أنَّ هناكَ
إمكانيةً
لحدوثِ
الاتصالِ بينَنا
وبينَ هذه
الكائناتِ في
المستقبلِ ،
كما حدثَ في
الماضي ، مَعْ
نبيِّ اللهِ سُلَيْمَانَ
، عليهِ
السلامُ: "وَحُشِرَ
لِسُلَيْمَانَ
جُنُودُهُ
مِنَ الْجِنِّ
وَالْإِنسِ
وَالطَّيْرِ
فَهُمْ يُوزَعُونَ (النَّمْلُ
، 27: 17).
ويعززُ ذلكَ
أنَّ الإنسانَ
قد بلغَ مِنَ
العلمِ
مبلغاً يؤهلُهُ
لمحاولةِ
الاتصالِ
بتلكَ
الكائناتِ ،
مادياً مِنْ
خلالِ
المركباتِ
الفضائيةِ ،
وغيرِ ذلكَ مِنْ
وسائلِ
الاتصالاتِ
المختلفةِ.
وربما يكونُ
روادُ الفضاءِ
مِنْ هذهِ
الكائناتِ
أسبقَ مِنا
إلى ذلكَ ،
فيصلونَ
إلينا قَبْلَ
أنْ نصلَ إليهِم.
فإذا ما حدثَ
ذلكَ الاتصالُ
، لا ينبغي أنْ
يكونَ مفاجأةً
أو صدمةً
للناسٍ ، بما
في ذلكَ
المسلمينَ ،
وخاصةً الذينَ
يعرفونَ كتابَ
اللهِ منهم. [31]
ثَانِيَاً
، أمْثِلَةٌ
على الآياتِ
الْمُشْتَمِلَةِ
على حَقَائِقَ
عِلْمِيَّةٍ
، اكْتُشِفَتْ
حَدِيثَاً ، عَنْ
ظُلْمَةِ مَاءِ
الْمُحِيطَاتِ
، وَتَكَوُّنِ
السُّحُبِ ، وَأزْوَاجِ
النَّبَاتِ ،
وَالْحَشَرَاتِ
11. تُقَدِّمُ
لنا الآيةُ
الكريمةُ 24: 40 وصفاً
دقيقاً
لمستوياتٍ
مختلفةٍ مِنَ الظلامِ
الموجودِ في
مياهِ
المحيطاتِ ، كما
نقرأُ في قولِهِ
، سبحانَهُ
وتعالى:
أَوْ
كَظُلُمَاتٍ
فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ
يَغْشَاهُ
مَوْجٌ مِّن
فَوْقِهِ
مَوْجٌ مِّن
فَوْقِهِ
سَحَابٌ ۚ
ظُلُمَاتٌ
بَعْضُهَا
فَوْقَ
بَعْضٍ إِذَا
أَخْرَجَ يَدَهُ
لَمْ يَكَدْ
يَرَاهَا ۗ
وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ
اللَّـهُ
لَهُ نُورًا
فَمَا لَهُ مِن
نُّورٍ (النُّورُ
، 24: 40).
وهذهِ
الحقيقةُ
العلميةُ لمْ
تُكتشفْ إلا
حديثاً. فلمْ
يكنْ
باستطاعةِ أيِّ
إنسانٍ
الوصولُ إلى
أعماقِ مياهِ
المحيطاتِ ،
ويصورُها لنا
قَبْلَ القرنِ
الهجريِّ
الرابعَ عشرَ
(العشرينَ
للميلادِ) ،
عندما بدأتْ
محاولاتُ
استكشافِ
الإعماقِ ، مِثلما
قامَ بهِ
الفرنسيُّ
فيليب كوستو
وفريقُهُ في
الثمانيناتِ
مِنَ القرنِ
العشرينَ
للميلادِ ،
الذينَ عرضوا
رحلاتِهم
البحريةِ في
البرنامجِ
التلفزيونيِّ
الشهيرِ
آنذاكَ ، "عَالَمُ
الْبِحَارِ."
وقد
تبينَ أنَّ
هناكَ ثلاثَ
مستوياتٍ مِنَ
النورِ
والظلامِ في
مياهِ
المحيطاتِ.
أولُها يمتدُ
مِنْ سطحِ
الماءِ إلى
حواليْ 600 قدمٍ تحتَهُ
، حيثُ يتغلغلُ
ضوءُ الشمسِ
في الماءِ بِقَدَرٍ
يكفي للرؤيةِ.
وثانيها يمتدُ
مِنْ حواليْ 600
قدمٍ إلى
حواليْ 3000
قدمٍ تحتَ سطحِ
الماءِ ،
والرؤيةُ فيهِ
ضعيفةٌ جداً ،
لأنَّهُ لا
يسمحُ إلا
بمقدارٍ ضئيلٍ
مِنْ ضوءِ
الشمسِ
للوصولِ إليهِ.
ثُمَّ يبدأُ
المستوى
الثالثُ مِنَ
العمقِ بعدَ
ذلكَ ، وهوَ
الذي يُشَكِّلُ
90% مِنْ
مياهِ
المحيطاتِ ،
حيثُ الظلامُ
التامُّ
الدامسُ ،
الذي لا
يستطيعُ
الإنسانُ فيهِ
أنْ يرى يَدَهُ
، كما وَصَفَتْهُ
الآيةُ
الكريمةُ. [32]
12. وَتُقَدِّمُ
الآيتان
الكريمتان
التاليتان
وصفاً دقيقاً
لكيفيةِ تَكَوُّنِ
السُّحُبِ
ونزولٍ المطرٍ
والْبَرَدِ ، وذلكَ قَبْلَ
نشوءِ العلومِ
الحديثةِ
المختصةِ
بذلك َ، بأكثرَ
مِنْ ثلاثةَ
عشرَ قرناً مِنَ
الزمنِ. فأنظرْ
قولَ اللهِ ، تَبَارَكَ
وتَعَالَى:
اللَّـهُ
الَّذِي
يُرْسِلُ
الرِّيَاحَ
فَتُثِيرُ
سَحَابًا
فَيَبْسُطُهُ
فِي السَّمَاءِ
كَيْفَ
يَشَاءُ
وَيَجْعَلُهُ
كِسَفًا
فَتَرَى
الْوَدْقَ
يَخْرُجُ
مِنْ خِلَالِهِ
ۖ فَإِذَا
أَصَابَ بِهِ
مَن يَشَاءُ
مِنْ
عِبَادِهِ
إِذَا هُمْ
يَسْتَبْشِرُونَ (الرُّومُ
، 30: 48).
أَلَمْ
تَرَ أَنَّ
اللَّـهَ
يُزْجِي
سَحَابًا
ثُمَّ
يُؤَلِّفُ
بَيْنَهُ
ثُمَّ يَجْعَلُهُ
رُكَامًا
فَتَرَى
الْوَدْقَ
يَخْرُجُ
مِنْ
خِلَالِهِ
وَيُنَزِّلُ
مِنَ السَّمَاءِ
مِن جِبَالٍ
فِيهَا مِن
بَرَدٍ فَيُصِيبُ
بِهِ مَن
يَشَاءُ
وَيَصْرِفُهُ
عَن مَّن
يَشَاءُ ۖ
يَكَادُ
سَنَا
بَرْقِهِ
يَذْهَبُ
بِالْأَبْصَارِ (النُّورُ
، 24: 43).
وهكذا ،
تصفُ لنا هاتانِ
الآيتانِ
الكريمتانِ
الدورةَ
المائيةَ
بدقةٍ تحسدُهُما
عليها ملخصاتُ
هيئاتِ
الأرصادِ
الجويةِ في
عصرنِا
الحاضرِ.
فتبدأُ هذهِ
الدورةُ
بتبخرِ مياهِ
المحيطاتِ
والبحارِ
والأنهارِ
والبحيراتِ
نتيجةً
لحرارةِ
الشمسِ. فتأتي
الرياحُ
الباردةُ
لتساعدَ
جزيئاتِ بخارِ
الماءِ
لتتكثفَ مَعْ
بعضِها البعضِ
، لتصبحَ سُحُبَاً.
ثُمَّ تَحملُ
الرياحُ السُّحُبَ
أفقياً إلى
أماكنَ أخرى ،
وتعلو بِها
رأسياً إلى
طبقاتِ الْجَوِّ
الباردةِ. عندَها
يزدادُ تَكَثُّفُ
(تَرَاكُمُ)
جزيئاتِ بخارِ
الماءِ مَعْ
بعضِها البعضِ
، فتصبحُ أكثرَ
ثِقَلاً مِنْ
أنْ تستطيعَ
الرياحُ حملَها
، فتسقطُ على
هيئةِ ما
نسميهِ مطراً
(وَدْقَاً). أمَّا
البَرَدُ ،
فإنَّهُ
يتكونُ نتيجةَ
تكثفٍ أكبرَ ،
بسببِ تعرضهِ
لدرجاتِ
الحرارةِ
الأكثرَ
انخفاضاً في
الطبقاتِ
العلويةِ مِنَ
الْجَوِّ، مِمَّا
يؤدي إلى تَجَمُّدِ
قطراتِ الماءِ
، فتصبحُ
كراتٍ ثلجيةٍ
لا تَقْدِرُ
السُّحُبُ
على حملِها ،
فتسقطُ على
هيئةِ ما
نسميهُ
بَرَدَاً. [33]
13. تَذْكُرُ
الآيةُ
الكريمةُ 36: 36
بأنَّ اللهَ ،
سبحانَهُ
وتعالى ، قد
خلقَ الأزواجَ
كُلَّها
للتكاثرِ ،
بما في ذلكَ أزواجَ
النباتِ والإنسانِ
، وغيرِ ذلكَ
مِمَّا لمْ يَعْلَمْهُ
الإنسانُ بعدُ.
سُبْحَانَ
الَّذِي
خَلَقَ
الْأَزْوَاجَ
كُلَّهَا
مِمَّا
تُنبِتُ
الْأَرْضُ
وَمِنْ أَنفُسِهِمْ
وَمِمَّا لَا
يَعْلَمُونَ
(يَسِ ، 36:
36).
وبالإضافةِ
لكلمةِ "أزْوَاجٍ"
الواردةِ في
هذهِ الآيةِ ،
وردتْ كَلِمَتَا
"زَوْجٍ" و "زَوْجَيْنِ"
في آياتٍ أُخرى
، وكُلُّها
تشيرُ إلى
وجودِ عنصريْ
الذكورةِ
والأنوثةِ
اللازِمَيْنِ
للتكاثرِ
الجنسيِّ في
النباتِ
تحديداً. وهذهِ
حقيقةٌ علميةٌ
أصبحتْ
معروفةً الآنَ.
فهناكَ أزواجٌ
مِنَ
النباتاتِ
واضحةٌ للعيَانِ
في ذكورتِها
وأنوثتِها ،
على شكلِ
شجرتيْن
مستقلتيْنِ
عن بعضِها
البعضِ ،
مثلما هوَ
الحالُ في
أشجارِ
النخيلِ ،
فبعضُها ذَكَرٌ
وبعضُها الآخَرَ
أنثى. وِلا
تنمو فاكهتُها
ولا تنضجُ إلا
بالتلقيحِ
الطبيعيِّ ، عَنْ
طريقِ الرياحِ
والحشراتِ ،
أو بالتلقيحِ
الصناعيِّ ،
بتدخلِ
الإنسانِ.
وهناكَ أزواجٌ
في النباتاتِ
على شكلِ زهرتَيْنِ
مختلفتينِ ،
ولكنهما
موجودتانِ في
نفسِ النبتةِ
، إحداهُما
تحملُ عناصرَ
التذكيرِ
والأُخرى
تحملُ عناصرَ
التأنيثِ في
ذلكَ النباتِ
، كما هو
الحالُ في
الخيارِ
مثلاً. وهناكَ
نوعٌ ثالثٌ مِنَ
النباتاتِ
تشتملُ أزهارُها
على عنصريْ
التذكيرِ
والتأنيثِ
معاً ، مِثْلُ
الطماطمِ
(البندورةِ) ،
فيكونُ
التلقيحُ
فيها أسرعَ
وأكثرَ
نجاحاً. [34]
14. تَضَمَّنَ
القرآنُ
الكريمُ
الإشارةَ إلى ثمانيةِ
أنواعٍ مِنَ
الحشراتِ ، أربعةُ
أنواعٍ منها ذُكِرَتْ
بصفةِ الْمُفْرَدِ
المؤنثِ ، وهيَ
النحلةُ
والنملةُ
والبعوضةُ
والعنكبوتُ ،
وأربعةُ
أنواعٍ أُخرى
ذُكِرَتْ
بصفةِ الجمع الذي يشيرُ
للذكورِ
والإناثِ
معاً ، وهيَ
الذبابُ
والفراشُ
والجرادُ والْقُمَّلُ.
وهذا
التفريقُ في
الإشارةِ إلى
هذهِ الأنواعِ
مِنَ الحشراتِ
يُمَثِّلُ
تعبيراً عَنْ
حقائقَ علميةٍ
وردتْ في كتابِ
اللهِ الكريمِ
، قَبْلَ
اكتشافِ
العلماءِ لها
بأكثرَ مِنْ
ثلاثةَ عشرَ
قرناً ، أيْ
بعدَ اكتشافِهِم
للمجهرِ الْمُكَبِّرِ
، الذي مَكَّنَهُم
مِنْ دراسةِ
حياةِ هذهِ
الحشراتِ ،
بما في ذلكَ
تمييزِ ذكورِها
من إناثِها.
والإعجازُ
العلميُّ هنا
يكمنُ في
الإشارةِ إلى
الأنواعِ
الأربعةِ
الأولى مِنَ
الحشراتِ
بصفةِ المفردِ
المؤنثِ ،
وذلكَ لِتَمَيُّزِ
الإناثِ عَنْ
الذكورِ فيها
بصفاتٍ خاصةٍ
وهامةٍ.
فالنحلةُ هيَ
التي تعملُ
وتنتجُ العسلَ
، والنملةُ هيَ
التي تعملُ
داخلَ المسكنِ
وخارجَهُ ،
والبعوضةُ هيَ
التي تهاجمُ
الإنسانَ
والحيوانَ
لتمتصَ الدمِ
، وأنثى
العنكبوتِ هيَ
التي تبني بيتَها
الذي هوَ
بمثابةِ شبكةِ
الصيدِ
بالنسبةِ لها.
أمَّا ذكورُ
هذهِ الأنواعِ
الأربعةِ مِنَ
الحشراتِ ، فَهُم
للتزاوجِ فقطْ
، ويموتونَ أو
يُقتلونَ بعدَ
ذلكَ.
فالآياتُ
الكريمةُ
التاليةُ
تشيرُ إلى
النحلةِ
بأفعالِ
الأمرِ
المؤنثةِ: "اتَّخِذِي"
و "كُلِي" و "فَاسْلُكِي."
وتشيرُ إلى
النملةِ
بالاسمِ
المفردِ
المؤنثِ: "نَمْلَةٌ."
وتشيرُ إلى
البعوضةِ
أيضاً بالاسمِ
المفردِ
المؤنثِ: "بَعُوضَةً."
كما تصفُ
العنكبوتَ
باستعمالِ
الفعلِ
الماضي
المؤنثِ: "اتَّخَذَتْ"
، كما يلي:
وَأَوْحَىٰ
رَبُّكَ
إِلَى
النَّحْلِ
أَنِ اتَّخِذِي
مِنَ
الْجِبَالِ
بُيُوتًا
وَمِنَ
الشَّجَرِ
وَمِمَّا
يَعْرِشُونَ ﴿٦٨﴾
ثُمَّ كُلِي
مِن كُلِّ
الثَّمَرَاتِ
فَاسْلُكِي
سُبُلَ
رَبِّكِ
ذُلُلًا يَخْرُجُ
مِن بُطُونِهَا
شَرَابٌ
مُّخْتَلِفٌ
أَلْوَانُهُ
فِيهِ
شِفَاءٌ
لِّلنَّاسِ إِنَّ
فِي ذَٰلِكَ
لَآيَةً
لِّقَوْمٍ
يَتَفَكَّرُونَ
﴿٦٩﴾ (النَّحْلُ
، 16: 68-69).
قَالَتْ
نَمْلَةٌ
يَا
أَيُّهَا
النَّمْلُ
ادْخُلُوا
مَسَاكِنَكُمْ (النَّمْلُ ، 27: 18).
إِنَّ
اللَّـهَ لَا
يَسْتَحْيِي
أَن يَضْرِبَ
مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً
فَمَا
فَوْقَهَا (الْبَقَرَةُ
، 2: 26).
مَثَلُ
الَّذِينَ
اتَّخَذُوا
مِن دُونِ اللَّـهِ
أَوْلِيَاءَ
كَمَثَلِ
الْعَنكَبُوتِ
اتَّخَذَتْ
بَيْتًا وَإِنَّ
أَوْهَنَ
الْبُيُوتِ
لَبَيْتُ
الْعَنكَبُوتِ لَوْ
كَانُوا
يَعْلَمُونَ
(الْعَنْكَبُوتُ
، 29: 41).
والحقيقةُ
العلميةُ
المتضمَّنَةُ
في الآيتينِ
الكريمتينِ 16: 68-69 تتلخصُ
في أنَّ إناثَ
النحلِ هيَ
التي تعملُ
خارجَ مساكنِها
، وبالتالي
فهيَ التي
تنتجُ العسلَ.
أمَّا ذكورُ
النحلِ
فيموتونَ
خلالَ تسعينَ
يوماً بعدَ
تزاوجِهِم مَعَ
الملِكةِ.
وهذهِ
الحقيقةُ
العلميةُ
تنطبقُ أيضاً
على النملِ ،
فالذكورُ
يموتونَ بعدَ
تزاوجِهِم مَعَ
الملِكةِ ،
وتبقى الإناثُ
فقطْ على قيدِ
الحياةِ ،
تعملُ داخلَ
المساكنِ
وخارجِها ،
كما تَمَّ ذِكْرُهُ
في الآيةِ
الكريمةِ 27: 18.
وبالنسبةِ
للبعوضٍ ، فإنَّ
الأنثى ، أيْ
البعوضةَ ،
تعيشُ ضِعْفَ
حياةِ الذَّكَرِ
، وهيَ وحدَها
التي تَعُضُّ
الإنسانَ
والحيوانَ
لتمتصَ الدمَ
اللازمَ لها
لإنتاجِ بيضِها
، وذلكَ
باستخدامِ
إبرتِها
الماصةِ
الموجودةِ في
فمِها. أمَّا
الذَّكَرُ ،
فلا يحتاجُ
إلى الدمِ ولا
يستطيعُ العضَّ
لعدمِ وجودِ
الإبرةِ
الماصةِ لديهِ.
وهكذا ، فإنَّ
الآيةَ
الكريمةَ 2: 26 بذكرِها
لأنثى البعوضِ
بالتحديدِ ،
فإنها تشيرُ
لحقيقةٍ
علميةٍ محددةٍ
، وهِيَ أنَّ
البعوضةَ هِيَ
التي تؤذي
الإنسانَ ،
على صغرِ حجمِها.
أمَّا
الآيةُ
الكريمةُ 29: 41 ، فإنَّها
تخبرُنا
بحقيقتينِ
علميتينِ.
أولاهُما أنَّ
إناثَ
العنكبوتِ هِيَ
التي تبني
بيوتَها
الشبكيةِ ،
ولا يُعينُها
في ذلك الذكورُ.
ولذلكَ ، فالدِّقةُ
هنا تكمنُ في
الإشارةِ إلى
البيتِ على أنَّهُ
لأنثى
العنكبوتِ.
وثانيهما أنَّ
أوهنَ البيوتِ
بيتُ
العنكبوتِ.
فبيتُ
العنكبوتِ هُنا
لا يعني
الشبكةَ
العنكبوتيةَ
الضعيفةَ فقطْ
، بل إنَّهُ
إشارةٌ إلى
العلاقةِ
الأسريةِ في
بيتِ
العنكبوتِ ،
وهِيَ أضعفُ
العلاقاتِ
الأسريةِ ،
كيفَ لا وأنثى
العنكبوتِ
تقومُ بأكلِ
الذكرِ
مباشرةً بعدَ
حدوثِ الجماعِ
، وبعضُها
تأكلُ الذكورَ
حتى قَبْلَ
ذلكَ ، أثناءَ
المغازلاتِ.
وهكذا ، فهذهِ
الحقائقُ
الدقيقةُ
المتضمَّنةُ
في هذهِ
الآياتِ
الكريمةِ ما
كانَ ممكناً
أنْ تتمَّ
معرفتُها إلا
حديثاً ، بعدَ
الدراسةِ
الدقيقةِ
لعالَمِ
الحشراتِ ،
الذي أصبحَ
ممكناً بعدَ
اختراعِ
أجهزةِ
المجاهيرِ
المكبِّرةِ.
***
وبالنسبةِ
للأنواعِ
الأربعةِ الأُخرى
مِنَ الحشراتِ
، التي ذَكَرَهَا
القرآنُ
الكريمُ بصفةِ
الجمعِ المذَكرِ
، وهيَ الذبابُ
والفراشُ
والجرادُ والْقُمَّلُ
، فهذهِ الصفةُ
أيضاً تُمَثِّلُ
تعبيراً عَنْ
حقائقَ علميةٍ
لَمْ تُكتشفْ
إلا مؤخراً ،
أيْ بعدَ
اكتشافِ
المجهرِ
المكبِّرِ ،
الذي مَكَّنَ
العلماءَ مِنْ
دراسةِ حياةِ
هذهِ الحشراتِ.
فهذهِ
الأنواعُ
الأربعةُ مِنَ
الحشراتِ ذُكِرَتْ
بصفةِ الجمعِ
الْمُذَكَرِ
لأنَّ الذكورَ
والإناثَ
منها يعملونَ
، وإناثُها لا
تقتلُ الذكورَ
ولا تتميزُ
عنهم ، كما هوَ
الحالُ في
أنواعِ
الحشراتِ
الأربعةِ
السابقةِ
الذكرِ.
فالآيةُ
الكريمةُ 22: 73 ، تذكرُ
الذبابَ
مرتينِ بصيغةِ
الجمعِ
المذكرِ ،
وذلكَ يتمشى مَعَ
حقيقةٍ علميةٍ
دقيقةٍ. فقد تمكنَ
العلماءُ مِنْ
معرفةِ أنَّ عُمُرَ
الذبابِ في
الظروفِ
العاديةِ يصلُ
إلى حواليْ 35 يوماً ،
لا فرقَ في
ذلكَ بينَ
الذكورِ
والإناثِ.
لذلكَ ، أشارتْ
الآيةُ
الكريمةُ
لكليهِما
معاً ، ولَمْ
تُخصصْ
الإناثَ فقطْ
، كما كانَ
الحالُ
بالنسبةِ
للحشراتِ
الأربعِ
السالفةِ
الذكرِ ، فَسُبْحَانَ
اللهِ ، الْخَالِقِ
، الْبَارِئِ
، الْخَبِيرِ
، الْعَلِيمِ.
يَا
أَيُّهَا
النَّاسُ
ضُرِبَ
مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا
لَهُ إِنَّ
الَّذِينَ
تَدْعُونَ
مِن دُونِ
اللَّـهِ لَن
يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ
اجْتَمَعُوا
لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ
الذُّبَابُ
شَيْئًا لَّا
يَسْتَنقِذُوهُ
مِنْهُ ضَعُفَ
الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ
(الْحَجُّ ، 22: 73).
أمَّا
الْفَرَاشُ ،
فقد ذُكِرَ في
الآيةِ
الكريمةِ 101: 4 ، التي
تصفُ حالَ
الناسِ عندَ
النفخةِ
الأولى في الصُّورِ
، إيذاناً
بقيامِ
الساعةِ ، في
بدايةِ اليومِ
الآخِرِ ، حينَها
سيكونونَ مِنَ
الضعفِ وقِلَّةِ
الحيلةِ مثلَ
الفراشِ
المبثوثِ ، أيْ
المنتشرِ على
غيرِ هُدَى:
يَوْمَ
يَكُونُ
النَّاسُ كَالْفَرَاشِ
الْمَبْثُوثِ
(الْقَارِعَةُ
، 101: 4).
وقد ذُكِرَ
الفَراشُ هنا
أيضاً بصيغةِ
الجمعِ
المذكرِ لأنَّ
ذلكَ يُعَبِّرُ
عنْ حقيقةٍ
علميةٍ
مؤداها أنَّهُ
لا فرقَ بينَ
الإناثِ
والذكورِ في
الفَراشِ ، مِنْ
حيثُ مُدَّةِ
الحياةِ
وتقسيمِ
العملِ ، ولا
تتميزُ
الإناثُ عَنْ
الذكورِ في
شيءٍ هامٍّ يُذْكَرُ.
ولذلكَ ،
أشارتْ الآيةُ
الكريمةُ لِكُلٍّ
منهُما بصفةِ
الجمعِ
المذكرِ ، ولَمْ
تُخصصْ
الإناثَ فقطْ
، كما هوَ
الحالُ في
الحشراتِ
الأربعِ التي
ذُكِرَتْ
أولاً.
وَتَمَّتْ
الإشارةُ إلى
الجرادِ والْقُمَّلِ
في الآيةِ
الكريمةِ 7: 133 ،
بصفةِ الجمعِ
المذكرِ
أيضاً ،
ويُعَبِّرُ
ذلكَ عَنْ
حقيقةٍ علميةٍ
، مُؤداها أنَّهُ
لا فرقَ بينَ
الذكورِ
والإناثِ في
هذينِ
النوعينِ مِنَ
الحشراتِ ، مِنْ
حيثُ مراحلَ
التطورِ ومدةِ
الحياةِ. لذلكَ
، أشارتْ
الآيةُ
الكريمةُ لكلٍّ
منهما بصفةِ
الجمعِ
المذكرِ ، ولَمْ
تُخصصْ
الإناثَ فقطْ
، كما كانَ
الحالُ
بالنسبةِ
للحشراتِ
الأربعِ
السالفةِ
الذكرِ.
فَأَرْسَلْنَا
عَلَيْهِمُ
الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ
وَالْقُمَّلَ
وَالضَّفَادِعَ
وَالدَّمَ
آيَاتٍ
مُّفَصَّلَاتٍ
فَاسْتَكْبَرُوا
وَكَانُوا
قَوْمًا
مُّجْرِمِينَ
(الأعْرَافُ ،
7: 133).
كما ذُكِرَ
الجرادُ وَحْدَهُ
في الآيةِ
الكريمةِ 54: 7 ، التي
تصفُ حالَ
الناسِ بَعْدَ
نفخةِ الصورِ
الثانيةِ ،
التي تُخْرِجُهُم
مِنْ باطنِ
الأرضِ إلى
سطحِها ،
فيكونونَ
كالجرادِ
المنتشرِ:
خُشَّعًا
أَبْصَارُهُمْ
يَخْرُجُونَ
مِنَ
الْأَجْدَاثِ
كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ
(الْقَمَرُ ، 54: 7).
وَيُقَدِّرُ
العلماءُ حجمَ
أسرابِ
الجرادِ
بعشرةِ
بلايينَ
(ملياراتٍ) لِكُلٍّ
منها ، وهذا
هوُ أقربُ تصورٍ
معروفٍ لدينا
لتقديرِ
أعدادِ الناسِ
عندَ خروجِهم
مِنْ باطنِ
الأرضِ
أفواجاً ،
ومجيئِهم
للحسابِ ، كما
ذَكَرَتْ
الآيةُ
الكريمةُ:
يَوْمَ
يُنفَخُ فِي
الصُّورِ
فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (النَّبَأُ
، 78: 18). [35]
15. هناكَ
العديدُ مِنَ
الكتبِ
والأبحاثِ
المنشورةِ ،
التي تتناولُ الحقائقَ
العلميةَ في
القرآنِ
الكريمِ ،
والتي يُمكنُ
أنْ تُعَدُّ
استطراداً
لموضوعِ هذا
الفصلِ ،
والذي يليهِ:
"الْخَلْقُ وَالتَّطَوُّرُ
فِي الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ." ومِنْ
أمثلةِ هذهِ
الكتبِ ، تلكَ
التي ألَّفَهَا
محمد زعلول
النجار، وموريس
بوكاي ، و إ.
إبراهيم
وآخرين ، وشاه
منصور علَم ، وأزاربور
، ويحيى
أمريك ، ومحمد
هُمايون خان. [36]
ثَالِثَاً
، الإعْجَازُ
الْعَدَدِيِّ
فِي الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ
16. مُنْذَ
العقودِ
الأخيرةِ
للقرنِ
الرابعَ عشرَ
للهجرةِ (أيْ
أواخرِ القرنِ
العشرينَ
للميلادِ) ،
ظهرتْ فئةٌ مِنَ
الباحثينَ فِي
الإعجازِ
العدديِّ للقرآنِ
الكريمِ ، لكنَّ
أبحاثَهُم لا
تزالُ في
بدايتِها ،
ولا تتصفُ
بالشموليةِ ،
وليسَ لها طرقُ
بحثٍ متفقٌ
عليها ، كما
أنَّها
انتقائيةٌ في
معظمِ
الأحوالِ.
وعلى الرغمِ مِنْ
ذلكَ ، فقد بَيَّنَتْ
أعمالُهُم أنَّ
حروفَ وكلماتِ
وآياتِ وسُوَرَ
كتابِ الله الكريمِ
معدودةٌ
ومرتبةٌ فِي
نظامٍ عدديٍّ
مُحْكَمٍ ، يُعطي
دليلاً على إنَّهُ
مِنْ عندِ
الخالقِ ، عّزَّ
وَجَلَّ ، وأنُّهُ
مِنَ
المستحيلِ
على أحدٍ غيرِهِ
أنْ يأتيَ بِمِثْلِهِ
أبداً ،
تصديقاً لقولِهِ
، سُبْحَانَّهُ
وتعالى: "قُل
لَّئِنِ
اجْتَمَعَتِ
الْإِنسُ
وَالْجِنُّ
عَلَىٰ أَن
يَأْتُوا
بِمِثْلِ
هَـٰذَا
الْقُرْآنِ
لَا
يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ
وَلَوْ كَانَ
بَعْضُهُمْ
لِبَعْضٍ ظَهِيرًا"
(الإسْرَاءُ ، 17: 88). كما أنَّ مِنْ
شأنِ هذهِ
الأبحاثِ
التدليلُ على
أنَّ النظامَ
العدديَ
المتقنَ في
القرآنِ
الكريمِ يُمَثِّلُ
ضمانةً لعدمِ
المسِّ بكتابِ
اللهِ ، مِنْ
تغييرٍ أو
تبديلٍ أو
إضافةٍ أو حذفٍ.
إذْ لو حدثَ
ذلكَ لاختلَّ
التوازنُ
العدديُّ في
علاقاتِ
الحروفِ
والكلماتِ
والآياتِ
والسُّوَرِ مَعْ
بعضِها البعضِ
، ولأمكنَ
للباحثينَ
المختصينَ
اكتشافُ ذلكَ.
وهكذا ، فهذهِ
الأبحاثُ
تهدفُ أيضاً
إلى تبيانِ
قولِ الْحَقِّ
، تَبَارَكَ
وتَعَالَى: "
إِنَّا
نَحْنُ
نَزَّلْنَا
الذِّكْرَ وَإِنَّا
لَهُ
لَحَافِظُونَ"
(الْحِجْرِ ، 15: 9).
أَمْثِلَةٌ
عَلَى
أَبْحَاثِ
الإعْجَازِ الْعَدَدِيِّ
فِي
الْقُرْآنِ
الْكَرِيمِ
هناكَ
اليومَ
المئاتُ مِنَ
الباحثينَ في
هذا المجالِ ،
فيما يلي خمسةٌ
منهم ، على
سبيلِ المثالِ
فقطْ ، دونما
المساسِ
بأهميةِ
الأخرينَ
وقيمةِ أبحاثِهم.
كانَ رَشَادُ خَلِيفَه (1973 و1981)
أولَ مَنْ
اكتشفَ أهميةَ
العددِ 19
للتدليلِ على
وجودِ نظامٍ
عدديٍّ مُحْكَمٍ
في القرآنِ
الكريمِ. فبدأَ
بالآيةِ
الأولى لكتابِ
اللهِ ، أيْ
البسملةِ ،
فوجدَها مُكَوَّنَةً
مِنْ 19
حرفٍ ، كما
وجدَ أنَّ كُلَّ
كلمةٍ فيها
مكررةٌ في
القرآنِ
الكريمِ بعددٍ
يُعتبرُ مِنَ
المُضاعَفاتِ
التامةٍ
للعددِ 19. وَوَجَدَ
أنَّ الحروفَ
النورانيةَ
المقطعةَ ،
الموجودةَ في
بداياتِ 29 مِنَ
السُّوَرِ ،
لها دلالاتٌ
عدديةٌ.
فمثلاً ،
الحروفُ
النورانيةُ (أ
ل م) ، التي
تبدأُ بها كُلٌّ
مِنْ سورةِ الْبَقَرَةِ
(2) ، وآلِ عِمْرَانَ
(3) ، والْعَنْكَبُوتِ
(29) ، والرُّومِ
(30) ، ولُقْمَانَ
(31) ، والسَّجْدَةِ
(32) ، مكررةٌ
في القرآنِ
الكريمِ 9,899
مرة ، وتلكَ مِنَ
المُضاعَفاتِ
التامةِ
للعددِ 19.
وقد شَجَّعَتْ
نتائجُ أبحاثِهِ
الكثيرَ مِنَ
الباحثينَ
للسيرِ على
نهجِهِ ، في
محاولاتِهم لإيجادِ
المزيدِ مِنْ
أعدادِ
الحروفِ
والكلماتِ
التي تَقْبَلُ
القسمةَ على
العدديْنِ 19 و7.
وعلى الرغمِ مِنَ
الأثرِ الطيبِ
لأعمالِهِ في
هذا المجالِ ،
إلَّا إنَّهُ
شَطَّ بعيداً
عندما أخذَ يُرَكِّزُ
على إثباتِ
نظريتِهِ حتى
بوسائلَ
ملتويةٍ ،
بدلاً مِنْ
قبولِ نتائجِ
البحثِ كما هِيَ
، وأدَّى ذلكَ
إلى تَجَرُّؤُهِ
على حذفِ آيَتَيْنِ
مِنَ القرآنِ
الكريمِ. [37]
تناولَ بَسَّامُ
جَرَّار (2003) موضوعَ
العددِ 19 ،
مُبيناً
أهميتَهُ
بالنسبةِ
للمعجزةِ
العدديةِ
للقرآنِ
الكريمِ ، كما
استخدمَ حسابَ
الْجُمَّلِ
في تقديرِ قِيَمِ
حروفِ الآياتِ
الكريمةِ مَحَلِّ
البحثِ.
فمثلاً ، قامَ
بالتدليلِ
على التماثُلِ
ما بينَ آدَمَ
وعِيسَى ،
عليهِما
السلامُ ،
عددياً ، في
الآيةِ
الكريمةِ:
"إِنَّ
مَثَلَ
عِيسَىٰ
عِندَ
اللَّـهِ كَمَثَلِ
آدَمَ ۖ
خَلَقَهُ مِن
تُرَابٍ
ثُمَّ قَالَ
لَهُ كُن
فَيَكُونُ"
(آلِ عِمْرَانَ
، 3: 59). فلاحظَ
أنَّ تكرارَ
كلمةِ (عِيسَى)
في القرآنِ
الكريمِ هُوَ 25 مَرّةً
، كما أنَّ
تكرارَ كلمةِ
(آدَمَ) هُوَ
أيضاً 25 مَرَّة.
وبإحصاءِ عددِ
كلمةِ (عِيسَى)
مِنْ بدايةِ المُصحفِ
وحتى كلمةِ (عِيسَى)
في الآيةِ 59 مِنْ
سورةِ آلِ عِمْرَانَ
، وجدَ أنها
الكلمةُ رقم 7. وبإحصاءِ
عددِ كلمةِ
(آدَمَ) مِنْ
بدايةِ المُصحفِ
وحتى كلمةِ
(آدَمَ) في
الآيةِ 59
من سورةِ آلِ
عِمْرَانَ ،
وجدَ أنها
الكلمةُ رقم 7
أيضاً.
كما بحثَ بَسَّامُ جَرَّار عَنْ
تماثُلٍ ثانٍ
، في سُوَرٍ أُخرى
، فوجدَهُ في
سورةِ مَرْيَمَ.
ومعلومٌ أنَّ
مَرْيَمَ هِيَ
ابنةُ عِمْرَانَ
، وكانَ
التماثُلُ
الأولُ في
سورةِ آلِ عِمْرَانَ
، ثُمَّ إنَّ
تفصيلَ
الكلامِ في خَلْقِ
عِيسَى ، عليهِ
السلامُ ، جاءَ
في سورةِ مَرْيَمَ. فوجدَ أنَّ
ترتيبَ سورةِ
مَرْيَمَ في
المُصحفِ هوَ 19.
ولَمْ تَرِدْ
كلمةُ (عِيسَى)
في سورةِ مَرْيَمَ
إلا مَرَّةً
واحدةً ، وذلكَ
في الآيةِ 34.
والملاحَظُ
أنَّ كلمةَ (عِيَسى)
في الآيةِ 34 هِيَ
التكرارُ 19 لهذهِ
الكلمةِ في
القرآنِ
الكريمِ.
وكذلكَ كانَ
الحالُ في
كلمةِ (آدَمَ) ،
التي ذُكِرَتْ
في
الآيةِ 58 ،
فلمْ تتكررْ
في سورةِ مَرْيَمَ
إلَّا مَرَّةُ
واحدةً ، وهِيَ
أيضاً
التكرارُ 19
في القرآنِ
الكريمِ.
وهكذا ، ففي
السّورةِ رقم 19
كانَ التكرارُ
19 لكلمةِ (عِيسَى)
والتكرارُ 19
لكلمةِ (آدَمَ).
وإذا بدأَ
العدُّ مِنَ
الآيةِ 34 مِنْ
سورةِ مَرْيَمَ
، والتي ذُكِرَ
فيها اسمُ عِيسَى
، عليهِ
السلامُ ، تَكُونُ
الآيةُ 58
التي ذُكِرَ
فيها اسمُ آدَمَ
، عليهِ السَّلامُ
، هِيَ الآيةُ
25 (وفي
ذلكَ تأكيدٌ
آخَرَ للتماثُلِ
بينهما).
وبالإضافةِ
إلى جهودِهِ
القيِّمةِ في
الإعجازِ
العدديِّ
للقرآنِ
الكريمِ ، فإنَّ
بَسَّام جَرَّار
مِنْ
المفسرينَ
المعاصرينَ
لكتابِ اللهِ
، والذي يمتازُ
تفسيرُهُ
بالعمقِ
اللغويِّ
والاستشهاداتِ
العلميةِ
والاجتماعيةِ
المعاصرةِ ، مِمَّا
أكسبَ تفاسيرَهُ
المسجلةِ على
الفيديو
قبولاً
كبيراً على
الشبكةِ
العالميةِ. [38]
وقد اهتمَّ
عَدْنَانُ
الرِّفَاعِي (2009) أيضاً
بالعددِ 19.
فَرَتَّبَ
حروفَ
الأبجديةِ
العربيةِ
بطريقةٍ خاصةٍ
، أعطى فيها قِيَمَاً
عدديةً
مختلفةً لِكُلِّ
حرفٍ. وطَبَّقَ
ذلكَ على
الآيةِ
الأولى في
كتابِ اللهِ ،
وَهِيَ
البسملةِ ،
التي وصفَها
بأنها مفتاحُ
المعجزةِ
العدديةِ
للقرآنِ
الكريمِ ، حيثُ
أنَّ حروفَها 19.
كما أشارَ إلى
أنَّ الآيةَ
الكريمةَ
"عَلَيْهَا
تِسْعَةَ
عَشَرَ" (الْمُدَّثِّرُ
، 74: 30) ، والتي تَذْكُرُ
العددَ 19 ، يبلغُ
مجموعُ القيمِ
العدديةِ
لحروفِها 114 ، وهُوَ عددُ
سُوَرِ
القرآنِ
الكريمِ ،
والذي يعتبرُ
أيضاً مِنَ
المضاعفاتِ
التامةِ
للعددِ 19. وأضافَ بأننا
لو حذفنا
المكررَ مِنَ الحروفِ
النورانيةِ ، لأصبحَ
مجموعُ الْقِيَمِ
العدديةِ
لهذهِ الحروفِ
361 ، وهُوَ مِنَ
المضاعفاتِ
التامةِ
للرقم 19.
ثُمَّ أشارَ
إلى أنَّ
القيمةَ
العدديةَ
للآياتِ
الكريمةِ 30-37 مِنْ سورةِ
الْمُدَّثِّرِ
(74) هِيَ 2185، وهذا
العددُ هُوَ مِنَ
المضاعفاتِ
التامةِ
للعددِ 19.
كما قَدَّمَ
أمثلةً عديدةً
مِنَ الآياتِ
وأجزاءِ
الآياتِ التي
تبلغُ قيمتُها
العدديةِ أحَدَ
المضاعفاتِ
التامةِ
للعددِ 19. وفي ذلكَ
كُلُّهُ خيرٌ
مِنْ حيثُ
المقصدِ ، لكنَّهُ
يُمثلُ
الحالاتِ
التي تنطبقُ
عليها
القاعدةُ فقطْ
، ويتركُ ما تَبَقَّى.
ولا تزالُ هذهِ
الانتقائيةُ
تٍمَثِّلُ
المشكلةَ
الأساسيةَ
التي تواجُهُ
الباحثينَ في
الإعجاز
العدديِّ
للقرآنِ
الكريمِ ،
بصفةٍ عامةٍ. [39]
وَيُعْتَبَرُ
عَبْدُ
الدَّائِمِ
الْكَحِيل (2006) مِنْ بينَ
أشْهَرِ
الباحثينَ في
مجالِ
الإعجازِ
العدديِّ
للقرآنِ
الكريمِ. وقد
بدأَ بانتقادِ
رشاد خليفة
لانتقائيتِهِ
، التي أودتْ
بِهِ إلى حذفِ
الحروفِ
والكلماتِ
التي لا تتمشى
مَعَ نظريتِهِ
بشأنِ العددِ 19.
وأضافَ بأنَّ
هناكَ
إعجازاتٍ
عدديةً أًخرى
، مِثل العددِ
7 ، الذي
اعتبرَهُ
أساسَ النظامِ
الرقميِّ في
جميعِ كلماتِ
وآياتِ وسُوَرِ
القرآنِ
الكريمِ.
وأشارَ أيضاً
إلى العددِ 11 ،
الحاضرِ في أحرفِ
الآياتِ
الـتي تتحدثُ
عَنْ وحدانيةِ
اللهِ ،
تَبَارَكَ وتعالى
، والعددِ 13 ،
الذي يُمَثِّلُ
عددَ سنواتِ
الدعوةِ في
مكةَ المكرمةِ
، والعددِ 23 ، الذي يُمَثِّلُ
عددَ سنواتِ
الوحيِّ ،
والعددِ 29
الذي يُمَثِّلُ
عددَ السُّوَرِ
التي تبدأُ
بحروفٍ مقطعةٍ. كما قَدَّمَ
الكثيرَ مِنَ
الحقائقِ
الرقميةِ ،
التي تشملُ
أولَ آيةٍ
وأولَ سورةٍ مِنَ
القـرآنِ
الكريمِ ،
وأظهرَ
التناسُقَ
الرقميَّ السُّباعِيَّ
في سورةِ
الإخلاصِ.
كما
انتقدَ
الْكَحِيلُ
استخدامَ
حسابِ الْجُمَّلِ
للتدليلِ على
التطابقِ بينَ
عددِ الكلماتِ
وأرقامِ السُّوَرِ
لأنَّهُ لا
يقومُ على
أساسٍ علميٍّ
، وأنَّ مِثْلَ
هذا التطابقِ
لمْ يحدثْ إلا
في حالاتٍ
انتقائيةِ مُعَيَّنَهٍ.
وحَذَّرَ
الباحثينَ
بالبقاءِ بعيداً عن
التنبؤِ
بالغيبِ ،
الذي لا يعلمُـهُ
إلَّا اللهَ ،
سبحانَهُ
وتعالى . كما حَذَّرَهُم
مِنَ
الاستدلالِ
بالأرقامِ
للتنبؤِ
بتواريخَ أو
أحـداثٍ سياسيةٍ.
وذكرَ
بأنَّ أبحاثَ
الإعجازِ
الرقميِّ
تقتصرُ
حالياً على
قراءةِ حَفْصٍ
عَنْ عَاصِمٍ
، أيْ على الْمُصْحَفِ
الإمامِ.
ونادى بوضعِ
ضوابطَ خاصةٍ
بأبحاثِ
الإعجازِ
الرقميِ.
فالمعطَياتُ
ينبغي أنْ
تكونَ صحيحةٌ
، وذلكَ
بالحصولِ
عليها مِنَ
القرآنِ
الكريمِ ، لا
مِنْ غيرِهِ.
كذلكَ ينبغي
لمنهجِ البحثِ
أنْ يكونَ
صحيحاً أيضاً.
ومِنْ شأنِ
ذلكَ أنْ يؤدِّي
إلى نتائجَ
صحيحةٍ ، أيٍ
أنها تُمَثِّلُ
معجزةً
حقيقيةً لا
مجالَ
للمصادفةِ
فيها.
وبالإضافةِ
إلى ذلكَ ،
فإنَّهُ قامَ
بجهدٍ كبيرٍ
في معالجةِ
مشكلةِ عدمِ
الدِّقَّةِ
لدى بعضِ
الباحثينَ في
إحصاءِ عددِ
حروفِ وكلماتِ
القرآنِ الكريمِ.
فقد ترأسَ
لجنةً مِنَ
الخبراءِ مِنْ
مختلفِ
الأقطارِ
العربيةِ ، عَمِلَتْ
لحوالي سبعِ
سنينَ مِنْ
أجلِ وضعِ
قواعدَ
وإرشاداتٍ
محددةٍ
لتحقيقِ ذلكَ
الغرضِ (2012).
كما نتجَ عَنْ
أعمالِها
تطويرُ نسخةٍ
حاسوبيةٍ
للقرآنِ
الكريمٍ ، بما
في ذلكَ
برمجيةِ بحثٍ
لكلماتِهِ
وحروفِهِ ،
على أساسِ
القواعدِ
والإرشاداتِ
التي اتفقتْ
عليها اللجنةُ
، وخاصةً أنَّ
الحروفَ
الموجودةَ هِيَ
تلكَ
المكتوبةُ في
المُصحفِ ،
وليستْ
المنطوقةَ ،
كما هُوَ
الحالُ في
الحروفِ
المشددةِ (2018). [40]
ولتفادي
مشكلةِ
الانتقائيةِ
في البحثِ ،
ولالتزامِ
الدِّقةِ في
حسابِ عددِ
حروفِ وكلماتِ
القرآنِ
الكريمِ ، قامَ
خالدُ
الفقيه (2017) بإجراءِ
بحثٍ يشملُ
كتابَ اللهِ
الكريمِ كَكُلٍّ
، مستخدماً
حسابِ الْجُمَّلِّ
، الذي استخدمَهُ
باحثونَ
آخرونَ مِنْ قَبْلِهِ.
وقد التزمَ في
حسابِهِ لعددِ
حروفِ وكلماتِ
القرآنِ
الكريمِ
بالقواعدِ
والإرشاداتِ
التي وضعتْها
اللجنةُ التي
ترأسَها عبدُ
الدائمِ
الكحيل (2012) ،
خاصةً إحصاءِ
الحروفِ بناءً
على كتابتِها
فقطْ ، أيْ
عدمِ حسابِ
الحرفِ مرتينِ
إذا كانَ
مشدداً ، كما
فعلَ بعضُ
الباحثينَ.
فبدأَ بحسابِ
العاملِ
الثابتِ (Constant) للقرآنِ
الكريمِ ،
وذلكَ بتقسيمِ
قيمتِهِ
الأبجديةِ (23,506,544)
على المجموعِ
التراكميِّ
لأرقامِ آياتِهِ
(333,667). فتوصلَ إلى
أنَّ العاملَ
الثابتَ
للقرآنِ
الكريمِ هوَ: 70.44911244.
وركزَ على
أهميةِ هذا
العاملِ
الثابتِ
باعتبارِهِ مِفتاحاً لِفَكِّ
الأسرارِ
الإحصائيةِ
لكلماتِ
وآياتِ وسُوَرِ
القرآنِ
الكريمِ. كما
قامَ بحسابِ
النسبةِ
الذهبيةِ
لكتابِ اللهِ
، لمقارنتِها
مَعَ النسبةِ
الذهبيةِ
لكثيرٍ مِنَ
الكائناتِ
الحيةِ
والجماداتِ (Ф).
وقد فعلَ ذلكَ
بقسمةِ عددِ سُوَرِ
القرآنِ
الكريمِ (114) على العاملِ
الثابتِ
للقرآنِ
الكريمِ (70.44911244) ، فتوصلَ
إلى أنَّ
النسبةَ
الذهبيةَ
لكتابِ اللهِ
هِيَ:1.618189304 ،
والتي تَتَمَاثَلُ
بنسبةِ 99.99% مَعَ
القيمةِ
العدديةِ
للنسبةِ
الذهبيةِ ،
والتي تبلغُ 03398871.618 بالضبطِ.
وذلكَ دليلٌ
ساطعٌ على أنَّ
القرآنَ
الكريمَ هُوَ
كتابُ اللهِ ،
الْحَكِيمِ
الْخَبِيرِ ،
وأنَّهُ لا يُمْكِنُ
لأيِّ مخلوقٍ
أنْ يأتيَ بِمْثْلِهِ
أبداً. [41]
الإسْلامُ:
رُؤْيَةٌ
عِلْمِيَةٌ
لِرِسَالَةِ
اللهِ لِلْبَشَرِيَّةِ
***
***
***
أَعُوذُ
بِاللهِ مِنَ
الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ
بِسْمِ
اللهِ الرَّحْمَـٰنِ
الرَّحِيمِ
***
مُقَدِّمَةٌ
بيَّنَ
اللهُ ،
سبحانه
وتعالى ، لنا
كيفَ بدأ خلقَ
الكونِ ، بما
فيهِ من سبعِ
سماواتٍ وسبعِ
أرضينَ ، وما
فيها وما
بينها مِن
كائناتٍ ، كما
تَمَّ
استعراضُهُ مِن
خلالِ الآياتِ
العشرِ
الأولى التي ذُكِرَتْ
في الفصلِ
الثالثِ مِن
هذا الكتابِ.
أمَّا هذا
الفصلُ ، فإنهُ
يركزُ على
استعراضِ
معاني 43 آيةً مِنَ الذكرِ
الحكيمِ ، ذاتِ
الصلةِ بخلقِ
الحياةِ
وتطورِها على
الأرضِ ، خاصةً
فيما يتعلقُ
بخلقِ
الإنسانِ
وتطورِهِ.
وقد
تَمَّ الرجوعُ
للمفسرينَ
الثلاثةِ
الكبارِ (الطَّبَرِيِّ
والْقُرْطُبِيِّ
وابنِ كثيرٍ)
لشرحِ معاني
هذهِ الآياتِ
الكريمةِ ، ثُمَّ
تلا ذلكَ
مقارنةُ هذهِ
المعاني
بالحقائقِ
العلميةِ ،
خاصةً تلكَ
التي توصلَ
إليها علماءُ
تاريخِ
الإنسانِ
(الأنثروبولوجيا)
والأحياءِ
والفلكِ.
والهدفُ مِن
ذلكَ هوَ
التوصلُ إلى
استعراضٍ
لقصةِ خلقِ
اللهِ ،
سبحانهُ
وتعالى ،
للحياةِ
وتطورِها على
الأرضِ ، ليسَ
فقطْ بالرجوعِ
للمعاني
اللغويةِ
للآياتِ
الكريمةِ ،
وإنما أيضاً
بالرجوعِ
للحقائقِ
العلميةِ
المتصلةِ
بتلكَ
المعاني.
ويمكنُنا
القولُ بأنَّ
نظريةَ
التطورِ ،
التي تسودُ
شتى العلومِ ،
يُمكنُ أنْ
تستمدَّ
تأييداً لها مِن
معانِي هذهِ
الآياتِ
الكريمةِ ،
التي تشيرُ
إلى أنَّ اللهَ
، سبحانهُ
وتعالى ، قد
بدأ بخلقِ
الحياةِ على
الأرضِ ، ثُمَّ
تركَها
لتتطورَ ،
نتيجةً
للتكيفِ مَعَ
البيئاتِ
المختلفةِ
على هذا
الكوكبِ ، مع
تدخلهِ ، عزَّ
وجلَّ ،
لتحسينِ
مخلوقاتِهِ ،
مِن حينٍ إلى
آخَرَ يُحَدِّدُهُ
هُوَ.
والحقائقُ
العلميةُ
التي تتضمنُها
معانِي هذهِ
الآياتِ
الكريمةِ لمْ
تكنْ معروفةً
لأهلِ العلمِ
، لا في زمنِ
التنزيلِ ولا
لأكثرَ مِن
ثلاثةَ عشرَ
قرناً بعدَ
ذلكَ ، إلى أنْ
بدأ تأسيسُ
العلومِ
الحديثةِ في
القرنِ
الثالثَ عشرَ
للهجرةِ ،
الموافقِ
للقرنِ
التاسعَ عشرَ
للميلادِ.
وعلى ذلكَ ،
فإنَّ هذا الجُهدَ
يهدفُ إلى
التعريفِ
بهذهِ
الحقائقِ ،
كإثباتاتٍ
علميةٍ على
وجودِ اللهِ ،
سبحانهُ
وتعالى ، وعلى
أنَّ القرآنَ
الكريمَ هوَ
رسالتُهُ
للبشريةِ.
الآيَاتُ
الْكَرِيمَةُ
الْمُتَعَلِّقَةُ
بِخَلْقِ
الإنْسَانِ وَتَطَوُّرِهِ
1-2. يخبرُنا
اللهُ ،
سبحانهُ
وتعالى ، في
الآيةِ 29:
19 أنَّهُ يُبْدِئُ
الْخَلْقَ
ثُمَّ
يُعِيدُهُ ،
وأنَّهُ قد
فعلَ ذلكَ مِن
قبلُ ، عندما
انقرضَ
الإنسانُ عَن
وجهِ الأرضِ (76: 1) ، ثُمَّ
أعادَ خلقَهُ
مِن جديدٍ. كذلكَ
فإنهُ يأمرُنا
في الآيةِ
التاليةِ 29: 20 أنْ
نسيرَ في
الأرضِ ، لنرى
كيفَ بدأ
الخلقَ ، وذلكَ
حتى نؤمنَ
بأنهُ قادرٌ
على النشأةِ
الثانيةِ في
اليومِ الآخِرِ
، فيقولُ ،
جَلَّ وعَلا:
أَوَلَمْ
يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ
اللَّـهُ
الْخَلْقَ
ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ
ذَٰلِكَ
عَلَى اللَّـهِ
يَسِيرٌ)الْعَنْكَبُوتُ
، 29: 19(.
هَلْ
أَتَىٰ عَلَى
الْإِنسَانِ
حِينٌ مِّنَ
الدَّهْرِ لَمْ
يَكُن
شَيْئًا
مَّذْكُورًا (الإنْسَانُ
، 76: 1).
قُلْ
سِيرُوا فِي
الْأَرْضِ فَانظُرُوا
كَيْفَ
بَدَأَ
الْخَلْقَ ثُمَّ
اللَّـهُ
يُنشِئُ
النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ
اللَّـهَ
عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ
قَدِيرٌ )الْعَنْكَبُوتُ
، 29: 20(.
وقد تَمَّ
تنفيذُ هذا
الآمرِ
الإلهيِّ مِنْ
خلالِ تأسيسِ
العلومِ
الحديثةِ
التي تبحثُ
في بدايةِ
الحياةِ على
الأرضِ ، مِثلِ
علمِ تاريخِ
الإنسانِ
(الأنثروبولوجيا)
بفروعِهِ
الأربعةِ
(الآثارِ
والأحياءِ
واللغةِ
والثقافةِ) ،
والعلومِ
الطبيعيةِ
الأخرى ، كعلم
ِالأحياءِ
والفيزياءِ
والكيمياءِ
والجيولوجيا
والجغرافيا
الطبيعيةِ.
وبمقارنةِ ما
توصلَ إليهِ
العلماءُ مِن
حقائقَ في هذهِ
العلومِ ، عَن
بدايةِ الخلقِ
والتطورِ ، مَع
ما تتضمنُهُ
معاني آياتِ
القرآنِ
الكريمِ ، تَظهرُ
حقيقةٌ ساطعةٌ
للعيانِ ، وهيَ
أنَّ تلكَ
الآياتِ
الكريمةِ ما
هيَ إلا أدلةً
على أنها مِن
عندِ عَالِمِ
الْغَيْبِ
والشَّهَادَةِ
، حتى نؤمنَ
بأنهُ الْخَالِقُ
الْعَظِيمُ ،
ومِن ثَمَّ
نتبعَ أوامرَهُ
، ونتجنبَ
نواهيهِ ،
فنفوزَ
بسعادةِ
الداريْنِ ،
الدُّنيا
والآخِرَةِ.
3.
ثُمَّ يؤكدُ
لنا رَبُّنَا
هذا المعنى في
الآيةِ
الكريمةِ 50: 15 ، التي
تشيرُ إلى أنهُ
كانَ هناكَ خَلْقٌ
أولٌ للحياةِ
على الأرضِ ،
فيقولُ:
أَفَعَيِينَا
بِالْخَلْقِ
الْأَوَّلِ
ۚ بَلْ هُمْ
فِي لَبْسٍ
مِّنْ خَلْقٍ
جَدِيدٍ (قَ ، 50: 15).
4. وتخبرُنا
الآيةُ
الكريمةُ 21: 30 ،
أنَّ اللهَ ،
سبحانهُ
وتعالى ، قد
جعلَ الماءَ
شرطاً لوجودِ
الحياةِ ،
فتقولُ:
أَوَلَمْ
يَرَ
الَّذِينَ
كَفَرُوا
أَنَّ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ
كَانَتَا
رَتْقًا
فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا
مِنَ
الْمَاءِ
كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا
يُؤْمِنُونَ (الأنْبِيَاءُ
، 21: 30).
ولمْ
يَثْبُتْ
أبداً أنَّ هُناكَ
كائناتٍ حيةً
على الأرضِ لا
تحتوي على
الماءِ أو لا
تحتاجُهُ.
وحتى في
محاولاتِ
علماءِ الفلكِ
لرصدِ وجودِ
حياةٍ في
الكواكبِ
الأخرى ،
فإنهم يبحثونَ
عن وجودِ
الماءِ فيها
أولاً ، لعلمِهِم
أنَّ لا حياةً
بدونِ ماءٍ ،
كما أخبرَنا رَبُّنَا
، سبحانهُ
وتعالى ، في
هذهِ الآيةِ
الكريمةِ.
واللهُ
، تبارَكَ
وتعالى ، هُوَ
الأوَّلُ
والأخِرُ ، وهُوَ
الْحَيُّ الْقَيُّومُ
، الذي بدأَ
الحياةَ في
السماواتِ
والأرضِ ،
بمشيئتِهِ ،
وكلامِهِ ،
وبنفخِ روحِهِ
في كائناتِهِ
، وبيديهِ
أيضاً. فنحنُ
نعلمُ مكوناتِ
الخلايا
الحيةِ في
الكائناتِ
البدائيةِ
الوحيدةِ
الخليةِ ، وفي
الكائناتِ
المتقدمةِ
المعقدةِ ،
ولكننا لا
نعرفُ كيفَ
بدأتْ الحياةُ
في الخليةِ
الأولى ، إلا
مِنْ خلالِ ما
أخبرَنا بهِ
اللهُ عَن ذلكَ.
فهوَ الذي
أنزلَ أمرَهُ
على الخليةِ
الأولى لتدبَّ
الحياةُ فيها
، فأصبحَ هذا
الأمرُ
بمثابةِ
البرمجيةِ
الأساسِ ، أيِ
الصِّبغةِ
الوراثيةِ
الأولى ،
المسؤولةِ عَن
قيامِ أعضاءِ
الجسمِ بوظائِفِها
كما ينبغي لها
أنْ تفعلَ ،
فهذهِ هِيَ
النفخةُ
الأولى مِنْ رُوحِ
اللهِ ، التي
بدأتْ الحياةَ
على الأرضِ ،
واللهُ أعلمُ.
5. وتخبرُنا
الآية
الكريمة
30: 20 أنَّ
اللهَ ،
سبحانهُ
وتعالى ، قد
بدأَ خَلْقَ
الإنسانِ مِنَ
التُّرَابِ ،
بالإضافةِ
إلى الماءِ ،
كما وَرَدَ في
الآيةِ
الكريمةِ 21: 30 ، السالفةِ
الذكرِ:
وَمِنْ
آيَاتِهِ
أَنْ خَلَقَكُم
مِّن تُرَابٍ ثُمَّ
إِذَا أَنتُم
بَشَرٌ
تَنتَشِرُونَ
(الرُّومُ
، 30: 20).
فالماءُ
هوَ الشرطُ
الأساسُ
لوجودِ
الحياةِ ،
ولكنَّ هذهِ
الآيةَ
الكريمةَ قد
أضافتْ التُّرَابَ
إلى الماءِ ،
في الإشارةِ
للخلقِ الأولِ
للحياةِ على
هذا الكوكبِ ،
بما في ذلكَ
خلقِ الإنسانِ.
وقد تكررَ ذِكْرُ
الخلقِ الأولِ
مِنَ التُّرَابِ
في خمسِ آياتٍ
أخرى ، في
القرآنِ
الكريمِ. [42]
6. ونقرأُ
في الآيةِ
الكريمةِ 32: 7 ، أنَّ
اللهَ ، سبحانَهُ
وتعالى ، قد
بدأَ خَلْقَ
الإنسانِ مِنَ
الطينِ:
الَّذِي
أَحْسَنَ
كُلَّ شَيْءٍ
خَلَقَهُ وَبَدَأَ
خَلْقَ
الإنْسَانِ
مِنْ طِينٍ (السَّجْدَةُ
، 32: 7).
والكلمةُ
ذاتُ الصلةِ
في هذهِ الآيةِ
الكريمةِ هِيَ
"بَدَأَ" ،
والتي تُبينُ
لنا بوضوحٍ أنَّ
خَلْقَ
الحياةِ على
الأرضِ قد تّمَّ
على مراحلَ ،
أيْ أنَّهُ لمْ
يحدثْ مَرَّةً
واحدةً. وهكذا
، فإنَّ الخلقَ
الأولَ
للإنسانِ قد
بدأَ مِنَ
الطينِ.
وقد عَلِمْنَا
مِنَ الآيةِ
الكريمةِ 21: 30
أنَّ الماءَ
هوَ الشرطُ
الأساسُ
لوجودِ
الحياةِ ،
ولكنَّ
الترابَ قد ذُكِرَ
كشرطٍ ثانٍ في
الآيةِ
الكريمةِ 30: 20 ،
بالإضافةِ
إلى الماءِ ،
فيما يتعلقُ
بخلقِ
الإنسانِ. أمَّا
هذهِ الآيةُ
الكريمةُ (32: 7) ،
فقد ذَكَرَتْ
أنَّ خلقَ
الإنسانِ قد
بدأَ مِنَ
الطينِ ، وفي
ذلكَ تأكيدٌ
للآيتينِ
السابقتينِ ،
لأنَّ الطينَ
ما هوَ إلا
ترابٌ مخلوطٌ
بالماءِ. وما
لدينا اليومَ
مِنْ حقائقَ
علميةٍ يؤكدُ
على أنَّ
الحياةَ قد
بدأتْ في
الطينِ ، كما
جاءَ في الآيةِ
الكريمةِ. [43]
7. الآيةُ
الكريمةُ 37: 11 تصفُ
لنا الطينَ
الذي خُلِقَتْ
فيهِ الحياةُ
، بأنهُ كانَ
طيناً لازباً:
فَاسْتَفْتِهِمْ
أَهُمْ
أَشَدُّ
خَلْقًا أَم
مَّنْ
خَلَقْنَا ۚ
إِنَّا
خَلَقْنَاهُم
مِّن طِينٍ
لَّازِبٍ (الصَّافَّاتُ
، 37:
11).
وقد
أوْرَدَ
المفسرونَ
الثلاثةَ شرحَ
الصحابةِ ،
بما في ذلكَ
ابنِ عباسٍ ،
لمعنى "لازِبٍ"
، فذكروا بأنَّ
اللازِبَ هوَ
اللاصقُ ، أيْ
الذي يلتصقُ
بعضُهُ ببعضٍ
، أو بِما
أصابَهُ.
8. وتُزودُنا
الآيةُ
الكريمةُ 15: 26 بصفةٍ أُخرى
للطينِ الذي تَمَّ
استخدامُهُ
في خَلْقِ
الحياةِ على
الأرضِ ،
فتقولُ:
وَلَقَدْ
خَلَقْنَا
الإِنسَانَ
مِن صَلْصَالٍ
مِّنْ حَمَإٍ
مَّسْنُونٍ (الْحِجْرُ
، 15: 26).
والصلصالُ
هوَ الطينُ
الجافُّ. أمَّا
الْحَمَأُ
المسنونُ ،
فهوَ الطينُ
الْمُنْتِنُ
الْمُتَغَيِّرُ
إلى سوادٍ ،
كما ذَكَرَ
المفسرونَ
الثلاثةُ مِن
بينَ ما ذكروا
مِنَ المعاني.
وعلى
ذلكَ ، يُمكنُ
القولُ بأنَّهُ
باختلاطِ
الماءِ بذلكَ
الطينِ الجافِّ
، فإنهُ أصبحَ
رَطِباً ، لَزِجاً
، ولاصِقاً.
ولأنهُ كانَ
يحتوي على
عناصرَ الأرضِ
الأوليةِ ، مِثْلِ
كبريتاتِ
الهيدروجينِ
، كانتْ لهُ
رائحةٌ منتنةٌ.
وذلكَ
يتفقُ تماماً
مَع ما توصلَ
إليهِ علماءُ
الأحياءِ ، مِنْ
أنَّ الحياةَ
قد بدأتْ في
المستنقعاتِ
، أو الأماكنَ
التي يختلطُ
فيها الماءُ
بترابِ الأرضِ
الذي يحتوي
على العناصرَ
الأوليةِ
المختلفةِ ،
بما في ذلكَ
النتنةِ
الرائحةِ
منها ، مثلِ
الكبريتِ ، مُكَوِّنَاً
الطينِ
المنتنِ
اللزجِ (انظرْ
المُلْحَقَ
الأوَّلَ ،
في نهايةِ هذا
الفصلِ). [44]
9. وتؤكدُ
لنا الآيةُ
الكريمةُ 55: 14 وصفَ
الطينِ
المستخدمِ في
الخلقِ الأولِ
، بأنهُ كانَ
صلصالاً يشبهُ
الفخارِ ،
فتقولُ:
خَلَقَ
الإِنسَانَ
مِن صَلْصَالٍ
كَالْفَخَّارِ (الرَّحْمَـٰنِ
، 55: 14).
والصلصالُ
هوَ الطينُ
الجافُّ. أمَّا
الفَخارُ ،
فهوَ الطينُ
المخبوزُ على
النارِ
للتخلصِ مِنَ
المياهِ
الموجودةِ
فيهِ ، ليصبحَ
قوياً وصلداً.
ولكنهُ عندما
اختلطَ
بالماءِ ،
فإنهُ قد أصبحَ
جاهزاً لبدءِ
الحياةِ فيهِ
، لأنَّ اللهَ
، سبحانهُ
وتعالى ، جعلَ
مِنَ الماءِ كُلَّ
شيءٍ حَيٍّ ،
واللهُ أعلمُ.
10. وتنصُّ الآيةُ الكريمةُ 71: 14 بوضوحٍ على أنَّ الخلقَ لمْ يحدثْ مَرَّةً واحدةً ، وإنما حدثَ على مراحلَ أو أطوارٍ متعددةٍ ، كما أشارَ إلى ذلكَ الفعلُ "بَدَأَ" ، في الآيةِ الكريمةِ 32: 7 ، السالفةِ الذكرِ ، وال