الفصل العاشر

التطهير العرقي والإرهاب

 ضد الفلسطينيين  والمهاجرين العرب في الكويت

 

          بعد انتهاء حرب الخليج عام 1991, تناقص حجم الفلسطينيين في الكويت من جالية نشيطة وناجحة تعد بأكثر من 450,000 إلى أقل من 30,000 في عام 1998.  فقد أجبرهم الكويتيون على الرحيل عن البلاد مستخدمين ضدهم حملة تطهير عرقية عنيفة ومنظمة. وكانت ذريعتهم في ذلك أن القيادة الفلسطينية قدمت المساندة للعراق أثناء الأزمة. وقد بدأت الفظائع[1] الكويتية ضد الفلسطينيين أثناء الأزمة وقبل الحرب, أي في عام 1990, ولكنها تصاعدت بحدة مباشرة بعد الحرب ابتداء من 28 فبراير/ شباط 1991 ولعدة أشهر تلت. وقد استفادت الحملة الإرهابية الكويتية من صمت الصحافة العربية والعالمية إزاءها, بسبب الرقابة الرسمية في دول التحالف والانشغال بتغطية نشوة النصر. وقد كان ذلك موقفاً غريباً لاسيما من أجهزة الإعلام الغربية, فبينما توسعت شبكات التلفزيون في تغطية أخبار الحرب, فإنها نادراً ما كانت تشير إلى ما يجرى ضد الفلسطينيين في الكويت. وكانت الصحف أكثر موضوعية من وسائل الإعلام الأخرى, فقام القليل منها بتغطية الحملة الإرهابية الكويتية ولكن تلك التغطية لم تكن منتظمة أو مستمرة. والأهم من ذلك كله أن هذا الموضوع لا زال يتم تجنبه ليس فقط من قبل أجهزة الإعلام وإنما من قبل السياسيين في دول التحالف. فقد مرت عشر سنوات على تلك المأساة التي يندى لها جبين البشرية دون التطرق لها, ودون تحقيق العدالة, أو رد الاعتبار لفلسطينيي الكويت الأبرياء.

          يبحث هذا الفصل في تلك المرحلة المظلمة من العلاقات العربية~العربية, فيبدأ بمقدمة تتناول كيف بدأ الفلسطينيون يفدون إلى الكويت حتى أصبحوا أكبر جالية فلسطينية مهاجرة خارج فلسطين والأردن. يلي ذلك توثيق شامل للحملة الإرهابية الكويتية, والتي تجاهلها كافة المؤلفين الذين كتبوا عن حرب الخليج حتى الآن. ثم ينتهي الفصل بتحليل للتفسيرات الكويتية الرسمية لتلك الفظائع.

الهجرة إلى الكويت

 

          بدأت الهجرة الفلسطينية إلى الكويت منذ أوائل القرن العشرين. ففي عام 1932, قام الحاج أمين الحسيني, مفتى فلسطين وزعيمها آنذاك, بزيارة العديد من البلدان الإسلامية لجمع التبرعات من أجل ترميم المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف. وتسابق المسلمون في كل مكان للإسهام في هذا العمل النبيل, بما في ذلك الشيخ أحمد الجابر الذي كان حاكماً للكويت. فدعا المفتى للحضور لبلاده لهذا الخصوص. وعلى إثر الزيارة, طلب من المفتى أن يقوم بإرسال عدد من المعلمين الفلسطينيين للعمل في الكويت. واستجابة لذلك, وصل أول فوج من الفلسطينيين إلى هناك في عام 1936,[2] كما هو مفصل في الملحق 10.أ من هذا الفصل.

          أما أول موجة كبيرة للهجرة الفلسطينية إلى الكويت فقد أعقبت حرب عام 1948, التي أدت لنكبة ضياع فلسطين. وكان من النتائج الرئيسة لقيام إسرائيل على أنقاض فلسطين أن تحول معظم الفلسطينيين إلى لاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا. وحتى يتم إبعاد عدد كبير منهم عن حدود إسرائيل, قامت الأمم المتحدة بالتخطيط لتهجيرهم إلى الأجزاء الأخرى لاسيما البعيدة عن إسرائيل من الشرق الأوسط. وهكذا تبنت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين برنامجاً تعليمياً طموحاً يهدف إلى دمج اللاجئين في اقتصاديات الأقطار العربية, خاصة الغنية منها بالثروة النفطية. وقد حقق البرنامج التعليمي لوكالة الغوث نجاحاً فائقاً لدرجة أن مستوى التعليم الجامعي الفلسطيني في السبعينات من القرن العشرين كان من أعلى المستويات في العالم. فقد بلغت نسبة طلاب الجامعات الفلسطينيين بالمقارنة مع عدد الفلسطينيين إجمالاً حوالي 20/ 1000, في عام 1977. وكانت النسبة تزداد بين اللاجئين حتى وصلت إلى حوالي 47/ 1000, في عام 1986.[3] أما أعلى النسب في العالم, فكانت 30/ 1000 في الولايات المتحدة, و 18/ 1000 في الاتحاد السوفيتي, و 9/ 1000 في فرنسا, و 8/ 1000 في بريطانيا, و 4/ 1000 في الوطن العربي ككل.[4]    

          وكان غالبية الفلسطينيين الذين هاجروا إلى الكويت في الخمسينات من القرن العشرين من الرجال. وبينما كان الكثير منهم شباباً غير متزوجين, فإن غالبية المتزوجين منهم كانوا يتركون عائلاتهم في فلسطين أو الأقطار العربية المضيفة للاجئين. وكان قدومهم للكويت أساساً بهدف العمل وتوفير بعض النقود التي كانوا يرسلونها لعائلاتهم, أي أنهم لم يكونوا يفكرون إجمالاً بالاستقرار هناك. لذلك فإن حياتهم الاجتماعية كانت محدودة, مما أدى إلى عدم اندماجهم في المجتمع الكويتي. ومثال على ذلك ما حدث للمعلمين الفلسطينيين في جزيرة فيلكه. فقد كانوا يعيشون هناك بدون عائلاتهم, لذلك فقد سكنوا معاً في بيت واحد بالجزيرة. وكان من دواعي ذلك توفير بعض المبالغ المالية لإرسالها لعائلاتهم خارج الكويت. وذات مرة قاموا بدعوة البريطاني بيتر لينهارت إلى منزلهم, وقد أصبح هذا فيما بعد أحد علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية. ولدهشته, فإنه اكتشف أنهم لم يكونوا يفكرون في حياتهم بالكويت. وبدلا من ذلك, فان فلسطين هي التي كانت تسكن في عقولهم. وكان من المهم جداً بالنسبة لهم أن يشرحوا له كيف بدأت المشكلة الفلسطينية, وكيف أن بريطانيا كانت هي المسئولة عن حدوثها. فمن خلال وعد بلفور الذي أصدره وزير الخارجية البريطانية في عام 1917, تبنت بريطانيا المشروع الصهيوني الذي كان يهدف إلى إقامة إسرائيل على أنقاض فلسطين وعلى حساب الشعب الفلسطيني. كذلك فإنهم كانوا يلومون الولايات المتحدة لمساندتها لإسرائيل.[5] والحقيقة أن تفكير أولئك الفلسطينيين في الكويت لم يكن يختلف عن تفكير باقي الفلسطينيين أينما وجدوا طيلة الخمسينات والستينات من القرن العشرين. فلم يكونوا يصدقون ما تعرضوا له من ظلم البريطانيين والأميركيين والإسرائيليين, بعد أن أخذ منهم الإسرائيليون وطنهم بالقوة وطردوهم من مدنهم وقراهم ليعيشوا في تلك المخيمات. وفوق ذلك, كان متوقعاً منهم أن ينسوا القضية كلها ويعيشوا بهدوء وسكينة في مخيمات اللاجئين. ولكن بالرغم من قسوة تلك النكبة, فإنهم لم يقبلوا نتيجتها الجائرة وقرروا الاعتماد على أنفسهم. ومكنهم التعليم من تحقيق ذلك الهدف من خلال الحصول على الوظائف خارج المخيمات وفى الأقطار العربية. وكانوا بتصرفهم ذاك يمثلون الرعيل الأول من الرواد الذين ألهموا الأجيال الصاعدة من الفلسطينيين للالتحاق بالتعليم العالي كوسيلة للخلاص من الذل والفقر اللذين تجسدهما الحياة في مخيمات اللاجئين.

          أما عن كيفية تعامل الكويتيين مع الفلسطينيين في الخمسينات والستينات, فقد كانت تلك المرحلة تمثل شهر العسل إذا جاز التعبير. فقد كانت المعاملة حسنة جداً لدرجة أن أول رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية, أحمد الشقيري, قام بالتعبير عن مشاعر الامتنان لذلك أثناء زيارته للكويت في عام 1964. فما كان من مضيفه الشيخ صباح السالم, الذي كان وزيراً للخارجية قبل أن يصبح أميراً فيما بعد, إلا أنْ رد قائلاً بأن الفلسطينيين يستحقون المعاملة الحسنة بسبب مهاراتهم وطريقتهم الجدية في العمل. وأضاف قائلاً: "أنظر إليهم, إن بينهم أفضل الجراحين وأفضل الأطباء وأفضل الإداريين. وبدون هذه المهارات, ما كان من الممكن أن يتم تعيينهم في هذه المناصب."[6] واعترافاً بالخدمات الجليلة التي قدموها للكويت, فإن حوالي ألفي فلسطيني من الرواد الأوائل قد منحوا الجنسية الكويتية.[7]

          وقد لعب الرواد الأوائل من فلسطينيي الكويت وأقطار الخليج العربي الأخرى دوراً رئيساً في قيادة نضال الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه السليبة في فلسطين. فشاركوا في تأسيس مختلف الأحزاب والمنظمات الفلسطينية سواء قبل مجيئهم لمنطقة الخليج أو أثناء وجودهم فيها. وقد عمل العديد من الزعماء الفلسطينيين, ومن بينهم ياسر عرفات, في الكويت بالذات. وكانت الكويت وأقطار الخليج الأخرى محط أنظار الفلسطينيين الباحثين عن العمل. وكان بعض هؤلاء يصلونها من خلال طرق طويلة وخطيرة وسرية في بعض الأحيان, ذلك لان أقطاراً عربية عديدة كانت تحد من حركتهم بعد حرب عام 1948. لذلك كان بعض الفلسطينيين يغامرون للوصول إلى الكويت من خلال الطرق الصحراوية التي تمر بالأردن وسوريا والعراق تفادياً لمراكز الحدود. وكان الكثيرون منهم يموتون في الصحراء أو يتم القبض عليهم إذا ما تم اكتشافهمً ثم يعادون إلى المخيمات أو المدن والقرى التي أتوا منها. وقد ألهمت قصص هؤلاء الرجال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني, فكتب روايته الشهيرة, "رجال في الشمس," التي وصف فيها معاناة ذلك الجيل من المغامرين.[8] وكان غسان كنفاني نفسه من الرواد الأوائل, وقد أصبح مناضلاً ثم شهيداً من أجل قضيته العادلة (لمزيد من التفصيل, اقرأ الملحق 10.ب).

          ومع نهاية الستينات من القرن العشرين, أصبح خريجو الجامعات الفلسطينيون يشكلون المجموعة الرئيسة من المتقدمين للحصول على الوظائف في الأقطار العربية المصدرة للنفط, بما في ذلك الكويت. كما أن حرب عام 1967 ونتائجها أقنعت الفلسطينيين بأن إقامتهم في تلك الأقطار أصبحت دائمة. لذلك بدأت تصرفاتهم تختلف. فبعد أن كانت حياتهم تدور حول فكرة أن إقامتهم في تلك الأقطار مؤقتة, أصبحوا يتصرفون على أساس أنهم يقيمون هناك بصفة دائمة. وأصبح ذلك يعنى عملياً أنه بمجرد أن يحصل أحدهم على وظيفة, فإنه يتزوج أو يحضر عائلته إذا كان متزوجاً. وفى كلتا الحالتين فإنه يقوم باستئجار سكن لعائلته وينفق معظم دخله في البلد الذي يقيم فيه. وعلى الرغم من رغبتهم في الإقامة الدائمة في الأماكن التي يعملون بها, فإن الكويت وأقطار الخليج العربي الأخرى لم تمنحهم الإقامة الدائمة والجنسية التي يستحقونها حسب القوانين المعمول بها, شأنهم في ذلك شأن باقي المهاجرين إلى منطقة الخليج من الجنسيات الأخرى. وهكذا كان عليهم أن يقبلوا العيش رسمياً بإقامات مؤقتة مع انهم يعيشون هناك بشكل دائم ومنذ عشرات السنين. وحتى أبناؤهم الذين ولدوا هناك, لم يشفع لهم ذلك ولم يؤدِ إلى تغيير أحوالهم.

 

أربع موجات من الهجرة الفلسطينية

 

          أدت الحروب التي شنتها إسرائيل على العرب عامة وعلى الفلسطينيين بشكل خاص في الأعوام 1948 و 1956 و 1967 و 1982, إلى أربع هجرات فلسطينية رئيسة. وكانت الهجرة الأولى أكبر تلك الهجرات. وقد حدثت نتيجة لحرب عام 1948, والتي كانت بدورها نتيجة لتطورات تعود للسنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر. ففي عام 1897, عقد أول مؤتمر صهيوني عالمي قرر إقامة دولة يهودية في فلسطين. وعندما فشل الصهاينة في الحصول على موافقة السلطان العثماني على خطتهم, توجهوا لبريطانيا. وفى الثاني من نوفمبر عام 1917, كتب وزير خارجية بريطانيا, بلفور, رسالة للصهاينة وعدهم فيها بالمساعدة البريطانية لإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين مع أن تعداد اليهود في البلاد لم يكن يبلغ خمسة عشر ألف نسمه. وقد أدى ذلك لبدء النضال الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني بهدف الاستقلال, ثم ضد الصهاينة الطامعين بعد ذلك, في محاولة للحفاظ على وحدة البلاد ولمنع تقسيمها. لكن الفلسطينيين لم يتمكنوا من تحقيق أي من هذين الهدفين. وبدلاً من ذلك, فان حرب عام 1948 التي أدت إلى إقامة إسرائيل على أنقاض فلسطين قد تمخضت عن أكبر معاناة للشعب العربي الفلسطيني. فأصبح أكثر من مليون فلسطيني من اللاجئين بعد أن تم الاستيلاء على بيوتهم وممتلكاتهم أو تم تدميرها من قبل الإسرائيليين, وبعد أن تم إجلاؤهم عن مدنهم وقراهم بالقوة وباستخدام الخطة "دال" التي اتبعتها قوات الهاغناه اليهودية.[9] ومن المثير للسخرية أنه بعد اثنتين وخمسين سنة, وبعد أن أصبح عدد الفلسطينيين حوالي سبعة ملايين معظمهم من اللاجئين, وأثناء مباحثات كامب ديفد الثانية في صيف عام 2000 بين الفلسطينيين والإسرائيليين, فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك رفض بإصرار الاعتراف بالمسؤولية الإسرائيلية عن تهجير الفلسطينيين في عام 1948, مع أن ذلك قد أصبح حقيقة منشورة وفى متناول الباحثين في كل مكان. ومما زاد من معاناة الفلسطينيين, أن الإسرائيليين لم يسمحوا لهم بالعودة إلى مدنهم وقراهم بعد الحرب كما لم يعوضوهم عن ممتلكاتهم كما نصت على ذلك قرارات الأمم المتحدة, خاصة القرار رقم 194. وهكذا بقى الفلسطينيون منذ ذلك الحين يعيشون في مخيمات اللاجئين التي أقامتها لهم الأمم المتحدة في الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان وسوريا.

          أما الهجرة الفلسطينية الثانية فقد نتجت عن الاحتلال الإسرائيلي لقطاع غزة (الذي كان تحت الإدارة المصرية) في عام 1956. وكان ذلك امتداداً للعدوان الثلاثي البريطاني~الفرنسي~الإسرائيلي على مصر, والذي استهدف منطقة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء. وقد قاوم الفلسطينيون الاحتلال الإسرائيلي مما أدى إلى استشهاد المئات وجرح الآلاف منهم. وتبع ذلك أن قام كثير من الفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة, لا سيما الذين كانوا جنوداً ورجال شرطة أو من الشباب الذين كان الإسرائيليون يلاحقونهم. وكان الأردن المحطة الأولى لهجرة هؤلاء وذلك لصعوبة الوصول إلى مصر نظراً للاحتلال الإسرائيلي لسيناء والاحتلال البريطاني~الفرنسي لمنطقة القناة. وكانت الرحلة من غزة للخليل في الضفة الغربية, التي أصبحت جزءاً من الأردن في عام 1951, تستغرق ليلة أو ليلتين. وكانت الرحلة تتم ليلاً لأن المنطقة الفاصلة بين غزة والخليل قد أصبحت في أيدي الإسرائيليين بعد عام 1948. ومن الأردن استمر الكثير من الفلسطينيين في هجرتهم ليصلوا إلى منطقة الخليج العربي, ومن ضمنها الكويت.

          وبعد عقد آخر من السنين, اضطر مئات الآلاف من الفلسطينيين لخوض تجربة الهجرة المريرة للمرة الثالثة. فخلال حرب عام 1967, قامت إسرائيل باحتلال قطاع غزة والضفة الغربية للأردن وشبه جزيرة سيناء المصرية والمرتفعات السورية. وقد أدى الاحتلال الإسرائيلي إلى تشتيت العائلات في هذه المناطق وجعل لم شملها مستحيلاً. فأصبح على أعضاء الأسر أن يختاروا ما بين البقاء تحت الاحتلال الإسرائيلي, وهكذا يبقون منفصلين عن باقي أعضاء الأسرة المهاجرين, أو مغادرة المناطق المحتلة ليكونوا بجانب باقي أعضاء أسرهم وأقاربهم. وعلى الرغم من أن الهجرة الثالثة, التي أصبحت تعرف بالنزحة, قد بدأت مباشرة بعد الحرب إلاّ إنها استمرت لعدة سنوات بعد ذلك. وكانت الهجرة تتم إلى الأردن أولاً ومن هناك إلى البلدان الأخرى, خاصة الأقطار العربية المصدرة للنفط نظراً لتوفر العمل فيها. وقد شهدت هذه المرحلة أكبر تدفق للفلسطينيين على الكويت. ونظرا لحجم تلك الموجة من الهجرة الفلسطينية, فإن المهاجرين هذه المرة كانوا يختلفون عن سواهم في الهجرتين السابقتين. وعلى الأخص, كان من بينهم نسبة عالية من النساء والأطفال. وبالإضافة إلى ذلك, فإن غالبية المهاجرين الذين كانوا يعتبرون إقامتهم في الكويت مؤقتة أصبحوا بالفعل مقيمين هناك بصفة دائمة. كما أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة كانت تتبع سياسات من شأنها أن اقتلاع الفلسطينيين من جذورهم وإجبارهم على الهجرة. فعندما كان الفلسطينيون يضطرون للسفر إلى الخارج بهدف العمل, كانت الحكومة الإسرائيلية تصدر لهم تصاريح سفر صالحة لمدة ثلاث سنوات عليهم أن يعودوا للمناطق المحتلة أثناءها وإلاّ خسروا حقهم في العودة والإقامة في بلادهم. وكان من نتيجة تلك السياسات التعسفية أن كثيراً من الفلسطينيين لم يعد بإمكانهم العودة لبلادهم, وأصبحوا نازحين ليس لهم حق العودة.[10]

          أما الهجرة الفلسطينية الرابعة فكانت نتيجة الهجمة الشرسة ضد الوجود الفلسطيني في لبنان والتي بدأت بالحرب الأهلية اللبنانية في منتصف السبعينات وتصاعدت لتبلغ أوجها بالغزو الإسرائيلي للبنان في صيف عام 1982. وكان من نتائج تلك الهجمة أن العديد من الفلسطينيين قد اضطروا لمغادرة لبنان إلى بلدان مختلفة في جميع أنحاء العالم, ولكن القليل منهم توجهوا إلى الكويت نظراً لان الكويتيين كانوا مصممين على عدم استقبالهم هذه المرة. وهكذا, وبحلول عام 1982, أصبح معظم الفلسطينيين البالغ تعدادهم حوالي 4.4 مليون نسمه مشتتين قسرياً في الشرق الأوسط وباقي أنحاء العالم. فلبنان, على سبيل المثال, كان لديه 358,207 من الفلسطينيين والذين كانوا يمثلون حوالي 11 بالمائة من السكان, وبذلك كانوا يشكلون أكبر تجمع فلسطيني خارج فلسطين والأردن. أما الفلسطينيون في الكويت, فقد احتلوا المرتبة الثانية من ناحية العدد. فقد كان في الكويت حوالي 299,710 من الفلسطينيين والذين كانوا يمثلون حوالي 22 بالمائة من السكان (انظر الجدول رقم 1.10).

          وقد أدت الزيادة المطردة في عدد الفلسطينيين بالكويت إلى خوف الكويتيين من أن يصبحوا أقل عدداً منهم, ذلك لان الحضور الفلسطيني بهذا الحجم في البلاد ربما يشكل تحدياً سكانياً لهم. وقد وصل عدد الفلسطينيين في الكويت خلال النصف الأول من عام 1990 إلى حوالي 450,000 نسمه بينما كان عدد الكويتيين 564,262 نسمه (أنظر الجدول 2.10 والجدول 3.10). وقد كان باستطاعة الحكومة الكويتية حل مشكلة عدم التوازن السكاني تلك بأن تمنح الجنسية الكويتية لمن يستحقها من المهاجرين, بما في ذلك الفلسطينيون, ولكنها قررت ألا تفعل ذلك. وقد فضلت حل المشكلة باتخاذ إجراءات صارمة هدفها إنقاص عدد الفلسطينيين القادمين للكويت وكذلك التضييق على الفلسطينيين المقيمين هناك حتى تصبح إقامتهم في البلاد غير مريحة لهم مما يضطرهم للمغادرة. وفوق ذلك, بدأت الحكومة الكويتية في التخطيط للتخلص من الوجود الفلسطيني في البلاد برمته (كما مرَّ في الفصل الثالث). وأخذت الحكومة الكويتية تنتظر ذريعة لتنفيذ ذلك, وجاءت الفرصة عندما قامت القيادة الفلسطينية بمساندة الموقف العراقي خلال أزمة عام 1990.

 

حملة التطهير العرقي والإرهاب ضد الفلسطينيين قبل الحرب

 

          نجحت الحكومة الكويتية في تكوين هوية عرقية لمواطنيها حتى يتميزوا عن باقي سكان البلاد من عامة المهاجرين, وعلى الأخص عن باقي المهاجرين العرب. وقد تعرض مئات الآلاف من هؤلاء المهاجرين العرب إلى حملة إرهاب شرسة ضدهم مباشرة بعد حرب عام 1991 أدت في النهاية إلى إخراجهم من البلاد. وعلى ذلك, فإن خلق تلك الهوية العرقية الكويتية جعل الحملة الإرهابية الموجهة للمهاجرين العرب في الكويت حملة تطهير عرقي لا تختلف عن موجة حملات التطهير العرقي التي حدثت ضد المسلمين في البوسنه والهرسك وأجزاء أخرى من العالم في العقد الأخير من القرن العشرين. وهكذا, فإن مصطلح "التطهير العرقي" لم يتم استعماله هنا سهواً أو من غير دراية, كما أنه بعيد عن المبالغة. فهو يشير إلى الحملة الإرهابية الكويتية التي أدت لإخراج مئات الآلاف من المهاجرين العرب, وعلى الأخص الفلسطينيين, من الكويت بعد حرب الخليج عام 1991. وفى الحقيقة, فإن كلمة "التطهير" بالذات قد وردت على لسان أمير الكويت في وصفه للحملة.[11] كذلك استخدمها العديد من كبار موظفي الحكومة الكويتية في وصفهم للحملة, كما ورد في العديد من وسائل الإعلام الغربية.[12] وحتى لا يكون هناك مجال للالتباس, ينبغي التفريق بين مفهومي العرق والعنصر. فالاختلاف العنصري بين الجماعات البشرية يشير إلى الاختلاف في الصفات الخِلقية, خاصة اللون, والذي استخدم للتمييز العنصري ضد السود في الولايات المتحدة حتى الستينات وفى جنوب أفريقيا حتى التسعينات من القرن العشرين. أما الاختلاف العرقي, فإنه يشير إلى الاختلافات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المكتسبة, خاصة الاختلاف في اللغة أو الدين أو الجنسية. 

          وقبل حدوث أزمة عام 1990 بين العراق والكويت, قدرت بعض المصادر الرسمية عدد الفلسطينيين في الكويت بحوالي 400,000 نسمه,[13] كما قدرت مصادر أخرى عددهم بحوالي 450,000 نسمه.[14]  وخلال الفترة ما بين بداية الأزمة في 2 أغسطس/ آب 1990 وبداية الحرب في 17 يناير/ كانون ثاني 1991, فإن غالبية فلسطينيي الكويت كانوا إما يقضون إجازاتهم خارج الكويت أو انهم قد غادروها بسبب الأزمة. وقد توجه معظمهم إلى الأردن لأنهم يحملون الجنسية الأردنية. وبعد الحرب مباشرة, كان عدد الفلسطينيين الذين بقوا في الكويت يقدر بحوالي 180,000 نسمه.[15] لكن معظمهم قد أجبروا على مغادرة البلاد نتيجة للحملة الإرهابية التي استهدفت إخراجهم منها. وقد تناقص عددهم إلى حوالي 150,000 بحلول أبريل/ نيسان من عام 1991,[16] والى حوالي 100,000 في أغسطس/ آب من نفس العام.[17] وقد صرح بعض المسؤولين الكويتيين, ومنهم سعيد عبد العزيز أبو عباس الذي كان يعمل في وزارة  لدفاع, بأن عدد الفلسطينيين الذين سيسمح لهم بالإقامة في البلاد لن يتجاوز 30,000 نسمه.[18] وطبقاً لرواية أحد الدبلوماسيين الغربيين, فإن النية كانت تقضي بالسماح لعدد من الفلسطينيين  يتراوح ما بين 15,000 إلى 20,000 للإقامة في البلاد, على أن يكون هؤلاء من الذين لا يمكن الاستغناء عن خدماتهم.[19] وبحلول عام 1995, أصبح عدد الفلسطينيين في الكويت لا يتجاوز 26,000 (انظر جدول رقم 1.10), الأمر الذي أكد صحة وجود الخطط الكويتية المذكورة للتخلص من الفلسطينيين.

          وعلى ذلك, فإنه بعد انتهاء الحرب لم يبق في الكويت إلاّ فلسطينيو الضفة الغربية وقطاع غزة ولبنان وذلك لأنهم لم يتمكنوا من الذهاب إلى أي بلد آخر, وخاصة البلدان التي تستضيف أو تتحكم في الجاليات الفلسطينية بالشرق الأوسط, ألا وهى مصر وإسرائيل والأردن ولبنان وسوريا. فقد كانت السياسة الإسرائيلية تركز على تشتيت الفلسطينيين وليس السماح لهم بالعودة للضفة الغربية وقطاع غزة.[20] أما الأردن, فقد سمح للفلسطينيين الحاملين لجوازات سفر أردنية بالعودة دون غيرهم, وقد بلغ عدد هؤلاء حوالي 360,000. وبينما استقر حوالي 300,000 منهم في الأردن, توجه حوالي 4,000 إلى السعودية وأقطار الخليج الأخرى. وهاجر حوالي 21,000 منهم إلى كندا واستراليا والدول الصناعية الأخرى. وكان من نصيب الولايات المتحدة حوالي 2,200, معظمهم ممن لهم أبناء يحملون الجنسية الأميركية ( كما هو موضح في الملحق 10.ج). أما بقية الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة الكويت, وعددهم حوالي 35,000, فقد عادوا للمناطق الفلسطينية المحتلة لأنهم كانوا يحملون بطاقات هوية من سلطات الاحتلال الإسرائيلية تخولهم ذلك.[21]

          وبالنسبة لمصر ولبنان اللتان كانتا تصدران وثائق سفر للفلسطينيين الخاضعين لإشرافهما, فانهما لم تمنحا حملة تلك الوثائق تأشيرات عودة إليهما, وهكذا, لم يتمكن هؤلاء الفلسطينيون من دخول البلدين. والأهم من ذلك كله أن بقية الفلسطينيين لم تكن لديهم أية مساكن أو أعمال أخرى غير التي لهم في الكويت. وكانت المغادرة تعنى بالنسبة لهم أن يصبحوا بلا مأوى أو عمل. وقد عانى الكثيرون منهم من تلك الظروف في كل مرة أجبروا فيها على الرحيل في الأعوام 1948 و1956 و1967 و1982. لذلك, لم يكونوا راغبين في أن يعرِّضوا أنفسهم لهذا الإذلال مرة أخرى في عام 1990. وهكذا بقوا في الكويت في الوقت الذي كان فيه المواطنون الكويتيون يغادرون. فخلال الساعات الأولى التي تلت الغزو العراقي, ترك أعضاء الحكومة الكويتية البلاد إلى السعودية. وقد شجع ذلك المواطنين الكويتيين العاديين ليغادروا هم أيضاً إلى السعودية وباقي أقطار الخليج العربي. وهناك, مدت لهم الحكومة الكويتية في المنفى يد المساعدة, وكذلك فعلت الحكومات الخليجية الأخرى. أما فلسطينيو الكويت, فلم تقدم لهم الحكومة الكويتية أية مساعدة. وهكذا, لم يكن لديهم خيار آخر غير البقاء في الكويت, يعانون من ظروف الأزمة والحرب ويتعرضون لويلات الحملة الإرهابية الجائرة التي تلت الحرب وأدت لإخراجهم من هناك.

          وقد بدأت بوادر الحملة الإرهابية ضد الفلسطينيين في الكويت, في الربع الأخير من عام 1990. فقد أصبحوا هدفاً لعدة انفجارات أدت لقتل العديد منهم وكذلك من العراقيين والعمال الأجانب. كانت "المقاومة" الكويتية هي المسؤولة عن أربعة انفجارات رئيسة وعن عدة انفجارات صغيرة أخرى قبل الحرب. واستهدفت تلك الانفجارات المناطق السكنية ذات الغالبية الفلسطينية وهى العدساني والحساوي وخيطان وكذلك المنطقة التجارية المعروفة بشارع عَمَّان. ونتج عن تلك الانفجارات قتل 46 وجرح 99 شخصا معظمهم من الفلسطينيين. وقد حدث الانفجار الأول في أكتوبر/ تشرين أول 1990 في منطقة الحساوى, الذي كان يقطنه الفلسطينيون والسودانيون والعمال الآسيويون, خاصة الهنود والباكستانيون والسريلنكيون. وتسبب الانفجار في قتل 22 وجرح 35 شخصاً, وكان من بين القتلى خمسة فلسطينيين وأربعة عراقيين. أما الباقون, فكانوا من جنسيات مختلفة. وحدث الانفجار الثاني أيضاً في أكتوبر/ تشرين أول 1990 في منطقة العدساني, التي كانت تقطنها أغلبية فلسطينية. ونتج عن هذا الانفجار قتل ثلاثة وجرح 23, جميعهم من الفلسطينيين ما عدا هندياً واحداً. أما الانفجار الثالث, فقد حدث في نوفمبر/ تشرين ثاني 1990 في منطقة الحساوي, وأدى لقتل سبعة وجرح 37. وبينما كانت غالبية الجرحى من الفلسطينيين, كان القتلى أربعة عراقيين وفلسطينيين وكويتي واحد. وحدث الانفجار الرابع في ديسمبر/ كانون أول 1990 في منطقة خيطان, ونتج عنه قتل 11 وجرح 18 شخصاً. وكان القتلى ستة عراقيين وثلاثة فلسطينيين وسوري وعامل آسيوي. أما الجرحى, فكانوا ثمانية فلسطينيين وثلاثة بدون (أي بدون جنسية) وعراقيين وخمسة من العمال الآسيويين. وأخيراً, حدثت عدة انفجارات صغيرة في يناير/ كانون ثاني 1991 في شارع عمان, مستهدفة الفلسطينيين في تلك المنطقة التجارية.[22]

 

حملة التطهير العرقي والإرهاب ضد الفلسطينيين بعد الحرب

 

          تصاعدت حملة الإرهاب ضد الفلسطينيين بعد الحرب لتصل إلى مرحلة الاضطهاد والتطهير العرقي. وقد قاد الحملة منذ البداية كل من الأمير وولى العهد والأعضاء البارزين في أسرة آل صباح. ففي 21 فبراير/ شباط 1991, كرر ولى العهد تهديدات الانتقام ضد الفلسطينيين في الكويت, وذلك خلال مقابلة له مع روبرت فسك, مراسل صحيفة الإندبندنت (المستقلة) البريطانية, وكان ذلك قبل عودة الحكومة الكويتية إلى الكويت بأيام قليلة. وفى تلك المقابلة, دعا ولى العهد إلى "تطهير" الكويت من "الطابور الخامس." وفى 13 مارس/ آذار 1991, ذكرت صحيفة الغارديان (الحارس) البريطانية عن مسؤولين حكوميين كويتيين قولهم بأن هناك حاجة إلى "تطهير" الأحياء الفلسطينية. وفى 3 أبريل 1991, ذكر ضابط في الجيش الكويتي متفاخرا لصحيفة يو اس اي تودي (الولايات المتحدة اليوم) أن البلاد يجري "تطهيرها" من الفلسطينيين. أما الأمير, فًنه في خطابه الذي ألقاه في 8 أبريل/ نيسان 1991, قد حث الكويتيين على الإسمترار في "تطهير" الكويت ممن اتهمهم "بالطابور الخامس." وفى 8 مايو/ أيار 1991, أيضاً, قامت صحيفة صوت الشعب الحكومية بتحريض الكويتيين على الفلسطينيين بقولها بأن الفلسطينيين قد ارتكبوا جريمة جماعية خلال الأزمة, وذلك عندما انخرطوا في "محاولة جدية لشل العصيان المدني الكويتي للحكم العراقي." وفى عددها الصادر بتاريخ 6 أغسطس/ آب 1991, ذكرت الصحيفة بأن الكويت لا يمكن أن تكون آمنة ما دام أعضاء الطابور الخامس لا يزالون داخلها.[23] وبالطبع, فإن "الطابور الخامس" إشارة واضحة للفلسطينيين بصفة خاصة والمهاجرين العرب من العراق والأقطار العربية التي ساندته في الأزمة أو وقفت على الحياد, لاسيما السودان واليمن.

          بدأت الحملة الإرهابية بعد الحرب مباشرة وبمجرد دخول القوات الكويتية للبلاد في 26 فبراير/ شباط 1991. وقد ذكر عن أعضاء في الجماعات الكويتية المسلحة قولهم أنهم سيطلقون النار على المشتبه بهم من الفلسطينيين بمجرد أن يجدوهم في أماكن سكناهم. واشتركت أربع جماعات مسلحة مع مؤسستي الدولة المسلحتين, أي جهازي الشرطة والجيش, في جهد منظم لإرهاب واضطهاد الفلسطينيين في الكويت. وترأس كل من عادل القلاف وحسين الدشتي وهما من ضباط الأمن الكويتيين, اثنتين من الجماعات الأربع. أما الجماعة المسلحة الثالثة, فقد ترأسها أمين الهندي. وكانت تتصرف كعصابة تتخصص في الاغتصاب والتعذيب والسرقة والقتل. وعرفت الجماعة الرابعة باسم الثاني من أغسطس, وتخصصت في شن الحرب النفسية على الفلسطينيين.[24]

          وقد بدأت الحملة الإرهابية بقتل اثنين من الفلسطينيين بالقرب من دوار للمرور في 27 فبراير/ شباط 1991.[25] وفى 2 مارس/ آذار 1991, دخل الجنود الكويتيون ودباباتهم مناطق التجمعات الفلسطينية, خاصة منطقة حوَلِّي. وبدأوا حملة تفتيش عن الأسلحة وعن المتعاونين مع الحكومة العراقية أسفرت عن القبض على مئات الفلسطينيين.[26] كذلك بدأ القبض على الفلسطينيين على نقاط التفتيش في الشوارع لا لسبب إلاّ لأنهم فلسطينيون. وبمجرد القبض عليهم, كانوا يضربون ثم يؤخذون إلى مراكز الشرطة والاعتقال حيث كان يتم تعذيبهم إلى أن يعترفوا بما كان يريدهم جلاّدوهم أن يعترفوا به.

          وعلى الرغم من فرض الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام, إلاّ أن الصحف الغربية بدأت تنشر تقارير عن تزايد كبير ومفاجئ في عدد الجرحى الفلسطينيين بمستشفى مبارك.[27] ففي الأسبوع الأول من مارس/ آذار 1991, بدأ عشرات الأشخاص يتوافدون على المستشفى لتلقى العلاج من جراء الضرب المبرح والتعذيب. وقد أحضرت للمستشفى جثث ستة من الفلسطينيين الذين أطلق الرصاص على رؤوسهم من قرب بهدف إعدامهم.[28] وبحلول الأسبوع الثالث من مارس/ آذار 1991, وصل عدد الذين تلقوا العلاج من جراء التعذيب للمئات, كما وصل عدد المعتقلين الذين كان يتم استجوابهم وتعذيبهم في مراكز الاعتقال للآلاف.[29] وذكرت منظمة العفو الدولية في تقرير لها صدر في الأسبوع الأول من أبريل/نيسان 1991 بأن تعذيب الفلسطينيين كان لا يزال مستمراً في الكويت حتى ذلك الحين. وتضمن تقرير لصحيفة الغارديان حالة أحد ضحايا الإجرام الكويتي, وهو شاب فلسطيني في الرابعة والعشرين من عمره, ضربه معذبوه لعدة ساعات, ثم ألقوا عليه ماء النار (الأسيد), وبعدها عذبوه بالصدمات الكهربائية.[30]

          واستمرت الحملة الإرهابية الكويتية طيلة عام 1991 حتى حققت هدفها الرئيس ألا وهو إرهاب وترويع الفلسطينيين حتى يغادروا البلاد. ولكي يتحقق الهدف بالسرعة المطلوبة, اتخذت الحكومة الكويتية عدة إجراءات تهدف لإخراج الذين لم يخرجوا بعد. فأولاً, قامت بإنهاء عمل الفلسطينيين وعدم إعادة تشغيل الذين كانوا يعملون منهم في القطاع الحكومي. ثانياً, قامت بطرد الطلاب الفلسطينيين من المدارس الحكومية, وأوقفت الدعم الذي كان مخصصاً لتعليمهم في المدارس الخاصة. ثالثاً, قررت رسوماً جديدة للخدمات الصحية. رابعاً, لم تتدخل للحد من زيادة إيجارات المساكن أو للحد من مطالب أصحابها الكويتيين الذين كانوا يطالبون المستأجرين الفلسطينيين بدفع الإيجارات بأثر رجعى عن طيلة فترتي الأزمة والحرب.[31]

          وكان من أهم نتائج تلك الحملة الإرهابية أن الفلسطينيين بدأوا يشعرون بفقدان الأمن والعدالة. فلم يعد مأموناً لهم أن يمشوا في الشوارع ولا أن يبقوا في بيوتهم. وشكلت قصص الاغتصاب العامل الحاسم الذي دفع معظم الأسر الفلسطينية للرحيل. ولم تعط وسائل الإعلام الغربية هذا العامل الهام حقه من التغطية الإعلامية, إلاّ ما ندر. فقد أذاعت محطة سي ان ان التلفزيونية تفاصيل إحدى قصص الاغتصاب الكويتي للمحصنات المسلمات الفلسطينيات. كما تمت رواية نفس القصة من قبل الدكتور محمد خيري لُبَّاده.[32] لكن جماعات حقوق الإنسان, خاصة مجموعة مراقبة الشرق الأوسط, كانت أكثر جرأة فتحدثت عن العديد من قصص الاغتصاب التي اقترفها الكويتيون بحق الفلسطينيات.[33] وفيما يلي خمسة من قصص الاغتصاب التي رواها لباده.        

          في 27 مايو/ أيار 1991, دخل عدد من أعضاء إحدى الجماعات الكويتية المسلحة الشقة السكنية لعروسين فلسطينيين قد تزوجا لتوهما. وهناك, قسموا أنفسهم إلى مجموعتين. أخذت المجموعة الأولى العروس, نجاح يوسف أسعد والبالغ عمرها ستة وعشرين عاما, إلى إحدى الغرف حيث اغتصبها أعضاء هذه المجموعة واحداً تلو الآخر. وبعد أن فرغوا من جريمتهم, أطلقوا عليها تسع رصاصات في الرأس. وأخذت المجموعة الثانية العريس, محمد موسى محمود مصطفى, إلى غرفة أخرى حيث قام أعضاء هذه المجموعة باغتصابه هو أيضاً, ثم أطلقوا عليه أربع رصاصات في عموده الفقري. وعندما انتهوا من اقتراف جرائمهم البشعة, جلسوا في الشقة يشربون الشاي, ثم قاموا بالاتصال الهاتفي مع عائلة العروس عدة مرات ليخبروهم بما جرى لابنتهم. والقصة الثانية لفتاة فلسطينية في الثامنة عشرة من عمرها, هي أ م م. فقد اختطفها أفراد إحدى المجموعات الكويتية المسلحة لمدة يومين, قاموا خلالهما باغتصابها, ثم أحضروها لمستشفى مبارك في 25 مايو/ أيار 1991. وذكرت أسرتها أنها قد اختطفت من أمام بيتها. والقصة الثالثة حدثت لفتاة فلسطينية عمرها خمسة عشر عاما, هي ف م أ ف, اختطفها كويتيون من أمام منزلها في الفروانيه يوم 4 يونيو/ حزيران 1991, ثم اغتصبوها طيلة يومين. بعد ذلك, أحضروها لمستشفى العدان. وقد رويت قصة رابعة عن طفلة فلسطينية عمرها اثني عشر عاما فقط, هي س م أ د. فقد اختطفها أفراد مجموعة كويتية من أمام بيت أسرتها فى الرميثيه, يوم 6 يونيو/ حزيران 1991, ثم قاموا باغتصابها لمدة يومين. وأخيراً, قامت مجموعة كويتية أفرادها في حوالي العقد الخامس من أعمارهم باختطاف امرأة فلسطينية تجاوز عمرها الخمسين عاماً. وقد اغتصبوها لمدة أسبوع ثم تركوها في منطقة مهجورة. أما قصة اختطافها فتتلخص في أن رجلاً كويتيا قد اقترب منها عارضا مساعدته لها, فأعطاها عنوانا أخبرها بأنه يمكنها لو ذهبت اليه أن تتلقى مساعدات اجتماعية. وعندما ذهبت للمكان, وجدت نفس الرجل هناك حيث قام باختطافها مع آخرين.[34]   

          وإذا كانت حوادث الاغتصاب قد عجلت في رحيل الكثير من العائلات الفلسطينية, فإن الحكومة الكويتية قد تكفلت بالباقين عن طريق زيادة جهودها في إخراجهم من البلاد, وخاصة ترحيلهم بشكل مباشر. ففي الفترة ما بين منتصف يونيو/ حزيران والأسبوع الأول من يوليو/ تموز 1991, تم ترحيل حوالي عشرة آلاف من الفلسطينيين للحدود العراقية.[35] وفى 8 يوليو/ تموز, أعلن وزير الداخلية, أحمد حمود الجابر الصباح, بأنه كان هناك ألف فلسطيني آخرين في معسكرات الاعتقال, بانتظار ترحيلهم.[36] وفى الحقيقة, فإن حملة الترحيل تلك قد أجبرت عشرات الآلاف من الفلسطينيين الآخرين على الرحيل, خاصة الأسر التي تم ترحيل بعض أفرادها, وعلى الأخص معيليها. فلم يكن باستطاعة تلك الأسر أن تبقى في الكويت بعد ترحيل أفرادها الذين كانوا يكسبون لها قوتها.  

          وكان المُرحلون يتركون على الحدود العراقية بالقرب من صفوان. وبالتدريج أصبحت المنطقة تعرف بمركز صفوان للاجئين. وكان الكثيرون من المرحلين لذلك المركز ممن تم تعذيبهم وضربوا بوحشية من قبل القوات الكويتية. وفى معظم الحالات, كان يتم إلقاء المرحلين في تلك المنطقة بدون أية إجراءات قانونية.[37] وقد درج الكويتيون على اعتقال الفلسطينيين وغيرهم من العرب المستهدفين للحملة الإرهابية في نقاط التفتيش المنتشرة في الشوارع. بعد ذلك, كان الضحايا يُضربون ويُعذبون حتى يعترفوا بأنهم كانوا متعاونين مع الحكومة العراقية. فإذا لم يعترفوا, كانوا يرحلون إلى مركز صفوان على الحدود العراقية.[38] وكان من بين المرحلين لمركز صفوان شاب فلسطيني في الثالثة والعشرين من عمره هو فايز نادر. وقبل ترحيله, تعرض فايز للحرق بالمكواة عشر مرات في ذراعيه وقدميه ورأسه. وكان من بين المرحلين أيضاً شاب جزائري في الثلاثين من عمره اسمه عبد القادر. وقد تم اعتقاله سوياً مع فايز نادر, ولمدة أسبوعين. وذكر أنه شاهد في مركز الاعتقال 109 من المعتقلين الذين قيدت أيديهم وراء ظهورهم, كما عصبت أعين معظمهم. وعندما كان الكويتيون يحضرونهم للاستجواب, كانوا يضربونهم بأعقاب البنادق. وفي أثناء الاستجواب, كان يتم تعذيبهم بالكهرباء الموصلة بأصابعهم وبالمناطق المحيطة بآذانهم. وكان يسمح لهم بالشرب مرتين في اليوم وبالأكل مرة كل أربعة أيام.[39] وذكر مرحل ثالث في مركز صفوان, وهو سائق شاحنة سوداني اسمه مصطفى حمزة, أنه بعد إلقاء القبض عليه عصبت عيناه لمدة أسبوعين في مركز الاعتقال المقام في مدرسة السالمية الثانوية للبنات. كما ذكر أن الضابط الكويتي الذي كان مسئولا عن ذلك المركز هو الملازم أول عبد اللطيف العنزي. وذكر مرحل رابع لمركز صفوان, وهو فلسطيني, لجماعة حقوق الإنسان في نيويورك بأنه قد عُذب في المركز المذكور. وحرق معذبوه جسده بقطعة حديدية محماة تستخدم لطبع الحيوانات, كما ضربوه ضرباً مبرحاً, ثم طرحوه على جانب الطريق.[40]

 

 

 

 

 

ولي العهد ومجموعة إرهابيي آل صباح

 

          عاد ولي العهد, الشيخ سعد العبد الله, إلى الكويت في 4 مارس/ آذار 1991, أي قبل عودة الأمير بعشرة أيام. وعندما شاهد تصاعد الحملة الإرهابية, أصابه القلق من جراء الفظائع المستمرة التي كان الكويتيون يقترفونها بحق الأبرياء من الفلسطينيين وغيرهم من المهاجرين العرب. لذلك, أصدر تعليماته لضباط الشرطة الكويتيين بالتوقف عن إساءة معاملة الفلسطينيين على أساس جنسيتهم فقط. وبالرغم من ذلك, استمرت مراكز الشرطة بعملها كمراكز قيادة لظلم الفلسطينيين واضطهادهم في الكويت. وفى 19 مارس/ آذار 1991, استقالت الحكومة تحت ضغوط انتقادية لها بعدم الكفاءة.[41]

          وكان من أشد منتقدي الحكومة عضو مجلس الأمة, عبد الله النيباري, الذي كان أيضاً المتحدث باسم إحدى جماعات المعارضة المعروفة باسم "المنبر الديمقراطي." وطالب النيباري بتشكيل حكومة وحدة وطنية تشمل رموز المعارضة. كما طالبت جماعات معارضة أخرى باستبعاد ثلاثة من كبار الشخصيات في أسرة آل صباح من أي تشكيل حكومي في المستقبل. وكان المقصود بذلك وزراء الخارجية والداخلية والدفاع: صباح الأحمد ونواف الأحمد وعلي الخليفه, على التوالي.[42] واستجابة لتلك المطالب, قام ولى العهد باستبعادهم من التشكيل الوزاري الجديد الذي أعلنه في أبريل/ نيسان 1991. وبالطبع فان الشيوخ الثلاثة لم يكونوا سعداء بتلك التطورات, خاصة الشيخ صباح الأحمد الذي قام على الفور بمساندة تحدى شباب آل صباح لولي العهد. وهكذا, بدأت موجة جديدة من الإرهاب من قبل الجماعات المسلحة والجيش والشرطة ضد الفلسطينيين الأبرياء في محاولة لإجهاض محاولات ولى العهد لاستعادة الأمن والسلام للبلاد. ودفع ذلك ولي العهد للاعتراف بتلك التعديات على الأبرياء في خطاب له أذيع من تلفزيون الكويت يوم 26 مايو/ أيار 1991.[43] كما أقسم أن يقدم للمحاكمة أي شخص يمكن أن يكون مسؤولاً عن ذلك, حتى ولو كان ابنه الوحيد فهد.[44] وأضاف بأن سكان الكويت كانوا يعيشون في "ظل الإرهاب والخوف والرعب," وأن عناصر معينة كانت تعتقل السكان ثم تسلمهم إلى مراكز الشرطة حيث يتم "تعذيبهم." وحث كبار ضباط وزارة الداخلية بأن يتخلصوا من العناصر السيئة في الوزارة والتي لا ترغب في إحلال الأمن والاستقرار بقدر ما ترغب في إشباع رغباتها.[45]

     وتعبيراً عن التحدي لولى العهد, اندلعت في اليوم التالي موجة هستيرية من الاضطهاد للفلسطينيين شملت الشوارع والأحياء السكنية والبيوت. فكان الناس يتعرضون للمضايقات والضرب ثم يؤخذون إلى مراكز الشرطة حيث يتم تعذيبهم, كل ذلك لا لشيء إلاّ لأنهم فلسطينيون.[46] وفوق ذلك, قام غالبية كبار ضباط وزارة الداخلية (حوالي 80 منهم) بتقديم استقالاتهم احتجاجاً على خطاب ولى العهد. وقد ذكرت صحيفة نيويورك تايمز بأنهم طردوا من الوزارة.[47] وعلى الرغم من أهمية ذلك, إلاّ أن أكبر تحد لرغبة ولي العهد في السلام والنظام العام جاء من قبل عدد من شباب الأسرة الحاكمة, عُرفوا بمجموعة إرهابيي آل صباح. وقد عرف الكويتيون هذه المجموعة منذ 5 مارس/ آذار 1991, حيث كانت تضم خمسة من أعضاء الأسرة الحاكمة الذين كان هدفهم معاقبة واغتيال أقطاب المعارضة الكويتية, كما ذكر رئيس بنك الخليج الكويتي عبد العزيز سلطان لبرنامج نايتلاين الذي بثته محطة اي بي سي التلفزيونية الأميركية.[48] وطبقاً لأحد الدبلوماسيين الغربيين, قام ستة أو سبعة من شباب أسرة آل صباح بقيادة عدد من العربات العسكرية المسلحة, في 27 فبراير/ شباط 1991, وباشروا من خلالها السيطرة على مراكز التفتيش الخاضعة للجيش وذلك من أجل "تصيد وإيذاء الفلسطينيين." كذلك, قاموا بتشكيل مجموعات إرهابية تقوم بهجمات معينة يحددونها لها.[49] وعلى الرغم من أن أسماءهم لم تنشر في وسائل الإعلام, إلاّ أن السفارة الأميركية في الكويت قد أعطت ولي العهد قائمة بهم.[50] وكانت القائمة تشمل جراح, ودعيج السلمان, وناصر الأحمد, وأحمد فهد الأحمد, وفهد سعد العبد الله, وباسل سالم صباح. وكان الأخير مسئولاً عن مركز شرطة النقرة الواقع في أكبر الأحياء الفلسطينية.[51] وقامت الجماعات المسلحة التابعة لهم بخطف وتعذيب وقتل الفلسطينيين دون تمييز أو محاكمة أو حق قانوني.[52]

          وقد تصرف هؤلاء الشبان من آل صباح كخارجين على القانون, على الرغم من تحذيرات ولي العهد لهم بأنهم "سيعلقون على أعمدة الإضاءة" إذا استمروا في ارتكاب تلك الأعمال. وأثارت تحدياتهم اهتمام الشيخ سعد العبد الله, الذي بدأ يلتفت أكثر من ذي قبل لأنشطتهم الإرهابية.[53] وفى هذا السياق, اجتمع مع 11 فلسطينيا لمدة 45 دقيقة ليقول لهم بأنه ستتم معاقبة الذين ينتهكون القانون.[54] وكرر ما قاله سابقاً من أنه إذا استمر هؤلاء الشبان من آل صباح  في ارتكاب هجماتهم على الأبرياء من الناس, فإنه "سيعلقهم على أعمدة الإضاءة."[55] ومع ذلك, لم تتوقف أنشطتهم الإرهابية, ودارت حولهم الشبهة في محاولة اغتيال أحد رموز المعارضة آنذاك, حمد الجوعان,[56] الذي أُطلقت النار على صدره خلال الأسبوع الأول الذي تلا الحرب. وقبل إطلاق النار, أراد المعتدى أن يعرِّف نفسه جيداً للضحية سائلاً إياه مراراً: "هل تعرفني؟" وكان ذلك الأسلوب هو نفسه الذي اتبع في اغتيال طبيب الأسنان الفلسطيني, سليم مختار. فقد كرر المجرم الذي قام باغتياله سائلاً إياه: "ألا تعرفني؟" وذلك قبل أن يطلق عليه النار مرتين في مؤخرة الرأس, ومرة في الرقبة, ومرة في الصدر. وكان سليم مختار في السادسة والخمسين من عمره, وقد اكتسب شهرة ككاتب وطبيب أسنان وشخصية محترمة بين الفلسطينيين في الكويت. وقد أوقفته سيارة مرسيدس بيضاء عليها أضواء سيارات الشرطة الزرقاء قبل اغتياله.[57] كذلك كان سليم مختار معروفاً أنه طبيب الأسنان الخاص لعدد من أعضاء أسرة آل صباح, كما أن قاتله كان يعرفه جيداً.[58]

 

نتائج الحملة الإرهابية

 

          أسفرت الحملة الإرهابية الكويتية عن قتل وتعذيب الآلاف من الناس, كانت الغالبية العظمى منهم من الفلسطينيين. وقد تم توثيق ذلك في مئات من المقالات والتقارير الصحفية التي نشرت خلال عام 1991 في العديد من الصحف الأميركية والبريطانية, مثل أتلنتا جيرنل أند كنستتيوشن, بوسطن غلوب, شيكاغو تربيون, كرستيان ساينس مونيتر, ديترويت نيوز, الغارديان, لوس أنجلس تايمز, نيويورك تايمز, سان فرانسسكو كرونكل, يو اس اي تودي, والواشنطن بوست.[59] وعلى الرغم من ذلك النشر, فإن المناسبة لا ينبغي أن تمر دون الإشارة لحقيقة أن ما نشر كان أقل بكثير مما كان يحدث, وذلك يعود للرقابة التي فرضتها القيادة العسكرية لدول التحالف على وسائل الإعلام. وقد نشرت صحيفة بوسطن غلوب ملاحظة كتبها رئيس تحريرها عن تلك الرقابة العسكرية قال فيها "إنّ القيود المفروضة على الصحافة من قبل القيادة العسكرية الأميركية في السعودية تتطلب من الصحفيين المرافقين للقوات الأميركية أن يعملوا تحت إمرة مرافق عسكري, وأن يقدموا تقاريرهم للرقباء العسكريين قبل أن ينشروها"[60] (لمزيد من التفصيل عن كيفية عمل الرقابة العسكرية أثناء حرب الخليج, اقرأ الملحق 10.د).

          وعلى ذلك, فإن تلك المقالات لم تقم بنشر تغطية شاملة من شأنها تمكين الباحثين من إحصاء عدد ضحايا الحملة الإرهابية الكويتية من قتلى وجرحى. وعلاوة على ذلك, فإنها لم تذكر أسماء الكويتيين الذين كانوا ضالعين في قيادة وتنفيذ هذه الحملة, بما في ذلك أعضاء الأسرة الحاكمة. ولكن على عكس الصحف, فإن منظمات حقوق الإنسان الدولية كانت أكثر جرأة في توثيقها ونشرها للفظائع الكويتية. فقد قامت منظمة مراقبة الشرق الأوسط بنشر أول تقرير لها عن انتهاكات حقوق الإنسان في الكويت, كتبه عزيز أبو حمد وأندرو وتلي وكينيث روث, على إثر زيارتين قاموا بهما للكويت في مارس/ آذار ويونيو/ حزيران 1991.[61] أما التقرير الثاني, فقد نشره مجلس النواب الأميركي بناء على شهادات ثلاثة من كبار النشيطين في مجال حقوق الإنسان وهم: كينث روث الذي كان نائباً لمدير منظمة "مراقبة حقوق الإنسان," وجون ج هيلي الذي كان مديراً تنفيذياً لمنظمة "العفو الدولية في الولايات المتحدة," ومايكل بوسنر الذي كان المدير التنفيذي "للجنة المحامين من أجل حقوق الإنسان."[62]  

          ومن أهم المصادر التي وثقت الفظائع الكويتية كتاب بعنوان "هكذا عذبونا في الكويت," والذي كتبه الطبيب الفلسطيني محمد خيري لُبَّاده ونشره في عمان بالأردن عام 1991. وقد عمل الدكتور لُبَّاده في مستشفى مبارك بمدينة الكويت لمدة ستة عشر عاماً. ومثله كمثل آلاف الفلسطينيين الذين بقوا في الكويت أثناء فترة الحكم العراقي, فقد طُرد من عمله في يوليو/ تموز 1991. ويعد كتابه المذكور بالفعل توثيقاً للفظائع الكويتية التي ارتكبت خلال الأشهر الخمسة الأولى التي تلت عودة حكام الكويت للبلاد بعد الحرب. واعتمد الدكتور لباده في كتابه على ما شاهده أثناء عمله في قسم الطوارئ بالمستشفى المذكور. كذلك, فانه استفاد من شبكة علاقاته الاجتماعية الفلسطينية, الأمر الذي مكنه من معرفة معلومات عن الضحايا الفلسطينيين أكثر مما كان باستطاعة الصحفيين ونشطاء منظمات حقوق الإنسان أن يعرفوه عنهم.[63]

          وقدَّر الدكتور لُبَّاده عدد ضحايا الحملة الإرهابية الكويتية بأربعة آلاف قتيل بالإضافة إلى ستة عشر ألفاً عذبوا في مراكز الاعتقال والاستجواب, وخرج الكثيرون منهم بعاهات مستديمة. وعلى الرغم من أن غالبية هؤلاء كانوا من الفلسطينيين, إلاّ أنهم ضموا الكثير من العراقيين واليمنيين والسودانيين والمهاجرين العرب الآخرين. وقد بنى لُبَّاده تقديراته على ملاحظاته الشخصية بالإضافة إلى اكتشاف قبور جماعية في عدة مقابر. ففي مقبرتي مشرف وبيان, تم اكتشاف ثلاثة قبور جماعية ضمت 40 و67 و110 من الجثث. أما في مقبرة الرقة, فقد تم اكتشاف عشرين قبر جماعي, كل واحد منها ضم ما بين 110 و120 جثة.[64] ومن الشواهد التي تدعم تقديرات لُبَّاده قائمة بحوالي ألفى فلسطيني مفقود سلمها وفد فلسطيني لمسؤولين كويتيين. وقد ذكر أعضاء الوفد أن هؤلاء قد فُقدوا منذ 26 فبراير/ شباط 1991, وأن أسرهم قالت بأنهم قد اختطفوا من قبل رجال الشرطة والجيش والجماعات الكويتية المسلحة.[65] ولأنه لم يكن ممكنا معرفة وجودهم في مراكز الاعتقال, فمن المرجح أن يكونوا قد قتلوا.

          أما وسائل الإعلام الغربية, فقد أوردت أرقاماً عن الضحايا أصغر بكثير من تقديرات الدكتور لُبَّاده, وذلك نظرا لعدم انتظامها في النشر عن هذا الموضوع بسبب خضوعها للرقابة العسكرية, أو لتعذر الحصول على المعلومات عن الموضوع إجمالاً, ونتج عن ذلك أنها لم تغطِ الفترة الزمنية كلها. فقد كتب جاك كيلي تقريراً ذكر فيه أن عدد الضحايا الفلسطينيين كانوا 120 قتيلاً و500 مفقوداً و 1,500  سجيناً و6,000 معتقلاً, وذلك خلال الفترة الممتدة ما بين 26 فبراير/ شباط والأسبوع الأول من مايو/ أيار 1991.[66] والملفت للنظر في تقرير كيلي هو عدد المفقودين الذين من المرجح أن يكونوا قد قتلوا ولكن لم يتم العثور على جثثهم حتى ذلك الحين. وذكرت صحيفة لوس أنجيلس تايمز أن حوالي 3,500 قد اعتقلوا على نقاط التفتيش وحدها حتى 13 مارس/ آذار 1991.[67] أما تقرير منظمة مراقبة الشرق الأوسط, فقد ذكر بأن عدد الجثث التي اكتشفت في مقبرة الرقة, حتى لحظة كتابة التقرير, قد وصل إلى 240 جثة.[68] وكان تقرير صحيفة بوسطن غلوب قريباً في تقديراته من تقرير منظمة مراقبة الشرق الأوسط, فذكر بأن القبور الجماعية التي اكتشفت في مقبرة الرقة كانت تضم من ست الى عشر جثث,[69] لكن المعلومات الواردة في هذا التقرير تقتصر على ما تم اكتشافه حتى 27 مارس/ آذار 1991. وأخيراً فإن صحيفة نيويورك تايمز قد نشرت خبراً أكدت فيه ما ذكره لُبَّاده من أنه قد تم اكتشاف 20 قبراً جماعياً في مقبرة الرقة, بحلول أول يونيو/ حزيران.[70] ومن الواضح أن الاختلاف في التقديرات بين هذه المصادر والدكتور لُبَّاده مرده إلى شمول تقديراته لفترة زمنية أطول. وعلى العموم, فإن الحقيقة بخصوص عدد ضحايا حملة الإرهاب الكويتية وما جرى لهم بالضبط لن تكون سهلة المنال إلاّ بعد قيام تحقيق فلسطيني بهذا الخصوص يتابع فلسطينيي الكويت في جميع أنحاء العالم بما في ذلك الكويت نفسها. وإلى أنْ يحدث ذلك, فإن دماء وآلام الضحايا ستستمر في طلبها للعدالة ومحاسبة المجرمين.

قصص من الإرهاب الكويتي

 

          لقد تعرض ضحايا حملة الإرهاب الكويتي, الأموات منهم والناجين على حد سواء, للتعذيب. وشهد فريق من منظمة العفو الدولية بأن غير الكويتيين قد تعرضوا للتعذيب الوحشي من قبل القوات المسلحة وأعضاء الجماعات الكويتية المسلحة, ابتداء من 26 فبراير/ شباط 1991. فكان الناس إما أن يتم إطلاق النار عليهم جهاراً في العلن, أو يؤخذوا لأماكن أخرى ليعذبوا ثم يقتلوا في السر. وكان الضحايا يؤخذون عنوة من بيوتهم ومن الشوارع ومن نقاط التفتيش إلى مراكز الشرطة والمدارس ومراكز الاستجواب والاعتقال. واشتملت وسائل التعذيب على الضرب, والصعقات الكهربائية, والحرمان من الطعام والماء. وكان الضرب يتم بالعصي, وخراطيم المياه, وأعقاب البنادق, والأسلاك (الكابلات) الكهربائية. وتضمنت وسائل التعذيب الأخرى الحرق بلفافات التبغ والشموع وماء النار (الأسيد). كما تضمنت قطع أجزاء من الجسد البشرى بالسكين, والعض, والتهديد بالقتل, والاعتداء الجنسي.[71] وكان يتم تعذيب الضحايا أيضاً بدفع الزجاجات في فتحات الشرج وتنقيط الشمع الساخن المذاب في الأماكن الحساسة من الجسد كفتحات الأذن.[72]

          وقد وصف الدكتور لُبَّاده التعذيب الذي تعرض له شاب فلسطيني أحضر جثته لمستشفى مبارك أعضاء إحدى المجموعات المسلحة. فقد قيد الإرهابيون الكويتيون الشاب الفلسطيني عارياً إلى جدار لعدة أيام وليال قاموا خلالها باستخدام نساء عاهرات لإثارته جنسياً, عندها كانوا يضربونه على عضوه التناسلي بالعصي الكهربائية حتى ينزف دما. كذلك فقد فصلوا كتفه عن جسده جزئياً من جراء ضربه بالفأس مراراً, واقتلعوا عينه اليسرى, وحرَّقوه في جميع أنحاء جسده بلفافات التبغ.[73] وعن حالة أخرى, ذكر طالب فلسطيني من كلية الطب كان يعمل في مستشفى مبارك, واسمه محمد العلول, بأنه قد عالج وجه شاب فلسطيني بخمس وخمسين غرزة. وكان الشاب مصحوباً بجندي كويتي. وذكر أيضاً بأنه عالج شاباً فلسطينياً صغيراً عمره ستة عشر عاما كان يعاني من كسر في ذراعه وجرح في رأسه.[74]

          أما الشاب الفلسطيني, عزمي, فقد أخذه الإرهابيون من بيته لا لسبب إلاّ لأنهم لم يجدوا جاراً له كانوا يبحثون عنه. فماذا فعلوا بعزمي؟ خرقوا رئتيه, وضربوه بالحبال والعصي, وركلوه بأقدامهم. وقد سبب هذا التعذيب إصابته بفشل كلوي, كما أن ظهره قد امتلأ بالحروق التي تلونت باللون الأسود نتيجة الحرق بلفافات التبغ والولاعات. كذلك كان بجسده العديد من الجروح الصغيرة بالإضافة إلى جرح كبير مغطى بضمادة. وكانت هناك عدة إصابات في رأسه وباقي أعضاء جسده. وفلسطيني آخر عمره تسعة وثلاثون عاماً, هو شاكر علي, عُذِّب دونما تهمة أو محاكمة أو عرض على أي مسؤول قضائي. وقد وجد جسده ملقى في الشارع وهو مليء بالكدمات بالإضافة إلى جروح داخلية حول الفك والعينين. كما أُزيل ظفر الإصبع الأكبر من قدمه اليسرى. أما ظهره, فكانت توجد به علامات الحرق بلفافات التبغ. وقد بترت رجله اليسرى من أسفل الركبة نتيجة لإصابتها بالتهابات شديدة ناتجة عن جروحه التي لم تتم معالجتها لأكثر من أسبوع. كذلك أصيب بفشل كلوي نتيجة للضرب, الأمر الذي استلزم حاجته لتغيير دمه باستمرار طيلة ما تبقى له من عمر.[75]

         وقد زار مراسل صحيفة يو اس اي تودي, جاك كيلي, الجناح رقم 18 في مستشفى الفروانيه, الذي كان مخصصاً لضحايا التعذيب من الفلسطينيين والعراقيين. ووجد رجلاً عراقياً عمره ستون عاماً كان جسده قاتماً من جراء الكدمات والضرب المبرح. وعندما طلب الرجل المساعدة من مراسل الصحيفة, أمره الجندي بأن يخرس ثم قام باقتياد الصحفي تحت تهديد السلاح إلى خارج الغرفة. وكان في الغرفة ثلاثة عراقيين وفلسطينيين ومصري واحد. وكلهم كانوا يعانون من الضرب المبرح والتعذيب الذي تلقوه من الجنود الكويتيين. وبعد أن كان هؤلاء يتلقون العلاج, كان الجنود يعيدونهم إلى مركز التعذيب ليضربوا من جديد. وقد ذكر الأطباء بأن الضرب لم يتوقف حتى في المستشفى. فكان الجنود يصفعون المرضى على وجوههم باستمرار, كما كانوا يضربونهم بأعقاب البنادق.[76]

 

علاقات عامة

 

          خلال الأزمة وأثناء الحرب, عملت الحكومة الكويتية على كسب الرأي العام في دول التحالف بشكل خاص. وقد أدى نجاحها في ذلك إلى التعاطف معها قبل الحرب والتغطية على جرائمها بعد ذلك. ففي الولايات المتحدة وحدها, تعاقدت السفارة الكويتية مع ثلاث شركات أميركية للعلاقات العامة, ووظفت عشرات من المتخصصين في تحسين صورة الزبائن لدى الرأي العام. كذلك فإنها استعانت بفريق من المحامين, واستأجرت فرقة من المتخصصين في التأثير على كبار المسؤولين في الحكومة والكونغرس. أما بعد الحرب, فقد تعاقدت السفارة الكويتية مع شركة رندون للعلاقات العامة من أجل تحسين صورة الكويتيين التي تشوهت نتيجة للفظائع التي ارتكبوها أثناء حملتهم الإرهابية.[77]

          وحتى تحصل الحكومة الكويتية في المنفى على تعاطف أكبر, عملت على نشر قصص شديدة المبالغة عن معاناة الكويتيين أثناء فترة الحكم العراقي. وكانت القصة الرئيسة تتلخص في أن عدد الضحايا من المواطنين الكويتيين قد وصل إلى حوالي 25,000 ما بين قتيل ومفقود. وبعد انتهاء الحرب, اتضح أن عدد الكويتيين من القتلى والمفقودين معاً كانوا حوالي ألفين.[78] أما القصة التي كانت أكثر إثارة لوسائل الإعلام فهي قصة حاضنات الأطفال, والتي كانت شركاً لم تقع فيه الصحافة فقط وإنما بعض المنظمات الدولية أيضاً. فقد نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً مفاده أن عدداً كبيراً من الأطفال الكويتيين ماتوا بعدما أخرجتهم القوات العراقية من حاضنات الأطفال التي كانوا يرقدون فيها داخل المستشفيات الكويتية, وذلك حتى تأخذ تلك الحاضنات إلى العراق. وقد روجت الحكومة الكويتية لهذه القصة من خلال حملة علاقات عامة ضخمة شملت كافة دول التحالف, خاصة الولايات المتحدة. وكان إخراج القصة متقناً لدرجة أن معظم أجهزة الإعلام في تلك الدول قد نشرتها أو بثتها. وتمثلت قمة الحملة في رواية القصة من خلال إحدى جلسات الاستماع العلنية في الكونغرس. وبعد الحرب, تبين أن القصة كانت مختلقة تماماً, حيث أن الأطباء والإداريين الكويتيين هم الذين أخفوا الحاضنات, ولم يأخذها الجنود العراقيون. وقد أدى ذلك إلى أن تعتذر منظمة العفو الدولية عن الخطأ الذي وقعت فيه, وذكرت "أنها لم تجد دليلاً يمكن الاعتماد عليه لتأييد تلك القصة."[79] وعلى الرغم من أن ذلك الاعتذار قد جاء متأخراً جداً وبعد وقوع الضرر, إلاّ إنه موقف تحمد عليه تلك المنظمة الدولية, خاصة إذا ما قورن بمواقف أجهزة الإعلام والمنظمات والحكومات التي روجت للقصة قبل الحرب ولم تراجع مواقفها بعد أن تبين زيفها بعد ذلك. 

     وقد لعب سفير الكويت في الولايات المتحدة, سعود ناصر الصباح, دوراً رئيساً في قيادة حملة العلاقات العامة تلك. حتى أنه قد أنكر الحملة الإرهابية الكويتية ضد الفلسطينيين التي اعترف بها ولي العهد. ففي 3 يوليو/ تموز 1991, نقلت الصحيفة الأميركية يو اس اي تودي عنه إنكاره للحملة قائلاً: "لم يواجهني أحد بعد بأية قضية اقترفها أي مواطن كويتي ضد الآخرين في الكويت. ليس لدي أي دليل من أي نوع, ولم يواجهني أحد بشيء من هذا القبيل. هذه كلها تخمينات وشائعات."[80] لكن المساعدة الأكبر التي حصلت عليها الحكومة الكويتية في تغطية جرائمها كانت من المواقف التي اتخذها قادة دول التحالف. فلم يطلب هؤلاء القادة من الحكومة الكويتية أن توقف فظائعها ضد الفلسطينيين وباقي المهاجرين العرب بعد الحرب. ومن الشواهد على ذلك الرسالة التي أرسلها غاري سك, رئيس مجموعة مراقبة الشرق الأوسط, إلى وزير الدفاع الأميركي, دِك شيني, حول التجاوزات الكويتية. وقد اشتكى سِك في تلك الرسالة من أن القوات الأميركية كانت تراقب التجاوزات ولا تتدخل لإيقافها. كذلك فإنه أشار إلى أحد التقارير التي كتبها الصحفي البريطاني, روبرت فسك, في صحيفة الإندبندنت. فقد روى فِسك أن ثلاثة جنود كويتيين كانوا يضربون طفلاً فلسطينياً كان يركب دراجته, يوم 4 مارس/آذار 1991. وبينما لم يقم عناصر القوات الأميركية الخاصة الذين كانوا يرافقون الجنود الكويتيين بعمل أي شيء لوقف تجاوزاتهم, قام فِسك وصحفي آخر بالمهمة.[81]

          وتجسدت السياسة الرسمية الأميركية في هذا الخصوص في الموقف الذي واجهه الملازم الأول تشارلز هوسكنسن, الذي كان ضابطاً في الجيش, في التاسعة والعشرين من عمره, وهو من مدينة فيرفاكس بولاية فرجينيا الأميركية. فقد اقتربت منه امرأة فلسطينية وسألته عن ابنها المختفي, فما كان منه إلاّ أن أحالها للكويتيين. وقد وجد هوسكنسن نفسه حائراً بين طلبات المساعدة المقدمة له من الفلسطينيين والسياسة الرسمية الأميركية التي كانت تقضي بأن يتولى الكويتيون إدارة شئونهم بأنفسهم.[82] أما العقيد رون سميث, فكان واحداً من أربعين عنصر في قيادة الشئون المدنية رقم 352. وكانت وظيفته كمستشار في وزارة الداخلية الكويتية مثالاً آخر على السياسة الأميركية تجاه الحملة الإرهابية الكويتية. فكان هو ومساعده الرقيب جون أميكو ومترجمهما الكويتي فايز, يقضون يومهم متنقلين بين مراكز الشرطة ومراكز الاعتقال والمستشفيات. وكانت مهمتهم في الحقيقة لا تزيد عن توجيههم لبعض الأسئلة عما يجري في تلك الأماكن. فمثلاً, عندما قُتل طبيب الأسنان الفلسطيني سليم مختار, ذهب العقيد سمث لمستشفى مبارك فقط ليتأكد مما حدث. وعندما تأكد من ذلك فعلاً, اقتصر رد فعله على أنه قد تنهد وقال: "كل ما أستطيع أن أفعله هو أن أطرح سؤالاً وآمل أن يؤدي ذلك إلى نتيجة ما."[83]

          وعلى الرغم من ذلك الموقف الرسمي الذي أعطى للكويتيين الحرية في الاستمرار في حملتهم الوحشية, إلاّ أن بعض المسؤولين الأميركيين لم يوافقوا على جرائم الكويتيين, وجاهروا بآرائهم علناً. فقد اعترف السفير الأميركي في الكويت, إدوارد غنيم, بحدوث التجاوزات الكويتية. فأعلن للصحفيين بأن هناك عناصر كويتية "تشن هجمات على الفلسطينيين وغيرهم."[84] وأضاف بأنه قد زود الحكومة بأسماء الأشخاص الذين يقومون بالهجمات وبالأماكن التي وقعت فيها, وبأن الحكومة لم تنفِ وقوع ذلك أبداً.[85] ولمَّا مضت ثلاثة أشهر ولم تتوقف الحملة, قام السفير غنيم بتوجيه انتقاد علني للانتهاكات الكويتية لحقوق الإنسان, وذلك خلال خطاب له ألقاه في غرفة التجارة الكويتية في 6 يونيو/حزيران 1991.[86] وبالإضافة إلى السفير غنيم, قام مسؤول أميركي آخر بالاحتجاج على الانتهاكات الكويتية في رسالة وجهها للسفير الكويتي. فقد ذكر هوارد ل بيرمان, وهو الممثل الديمقراطي لمدينة بانوراما بولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة العلاقات الدولية المتفرعة من لجنة الشئون الخارجية بمجلس النواب الأميركي, في رسالته للسفير: "إنَّ قواتنا لم تقاتل ولم يمت أفراد منها من أجل تحقيق تلك الغاية."[87]         

          أما غالبية المسؤولين في إدارة الرئيس بوش, فلم يساورهم القلق بشأن الحملة الإرهابية الكويتية. فخلال إحدى جلسات الاستماع العلنية في مجلس الشيوخ, يوم 12 يونيو/حزيران 1991, ذكر عضو مجلس الشيوخ إرنست اف هولنغز (وهو ديمقراطي من كارولاينا الجنوبية) لوزير الخارجية جيمس بيكر محتجاً: "هناك في الكويت, التعذيب والاغتصاب ... يستمران تحت (رعاية) الأمير." فرد وزير الخارجية بيكر قائلاً بأن الحرب قد شُنت لمقاتلة العراق, وليس لترسيخ احترام حقوق الإنسان في الكويت. كذلك نُقل عن الرئيس بوش نفسه أنه قد عبَّر عن نفس الموقف. ففي مقابلة له مع جوناثان برودر, المحرر في صحيفة أورنج كاونتي ريجستر, ذكر السفير الكويتي سعود ناصر الصباح بأن الرئيس بوش قد أخبره أثناء لقاء لهما في البيت الأبيض: "إننا لم نخض هذه الحرب من أجل الديمقراطية أو من أجل هذه المحاكمات (يشير إلى المحاكمات الصورية الجائرة التي جرت بعد الحرب في الكويت). فلا تهتم بأية انتقادات بهذا الخصوص."[88]

          وحتى في كتبهم ومذكراتهم التي نشروها عن حرب الخليج, فإن القادة السياسيين والعسكريين في دول التحالف قد تجنبوا تماماً أي ذكر للفظائع الكويتية. ففي مقابلة للرئيس بوش مع القناة التلفزيونية العامة, بي بي اس, والتي بثت في يناير/كانون ثاني 1996, وأيضاً في مذكراته التي نشرها مع مساعده لشئون الأمن القومي (سكوكرفت),[89] تحدث عن كافة جوانب الأزمة والحرب وما تلاهما لكنه تجنب قطعياً ما جرى للفلسطينيين والمهاجرين العرب بعد الحرب, تحت سمع وبصر قوات التحالف. وقد تصرف وزير الخارجية جيمس بيكر بنفس الطريقة في كتابه الذي نشره في عام 1995,[90] فلم يذكر كلمة واحدة عن الحملة الإرهابية الكويتية. وكذلك فعل الفريق كولن باول[91] والقائد السعودي الفريق خالد بن سلطان.[92] وشذ عن القاعدة قليلاً قائد قوات التحالف نورمان  شوارزكوف, عندما كتب عدة أسطر عن محاولته منع الكويتيين من الانتقام من العراقيين. ومع ذلك, فقد تجاهل تماماً ذكر ما حدث للفلسطينيين ولو بكلمة واحدة. فذكر أن العقيد جيسي جونسون كان هو المسئول عن القوات الخاصة في القيادة المركزية الأميركية, وأنه كان مكلفاً " أن يلحق مستشاريه بالوحدات العربية كلها لكي يرافقوها إلى مدينة الكويت. وكانت إحدى مسئولياتهم أن يذكِّروا حلفاءنا, وخاصة الكويتيين, بألاّ ينتقموا من الأسرى العراقيين ... فلم نكن نرغب في أن تحدث جرائم حرب بين أيدينا." [93]

 

التفسير الكويتي الرسمي

 

          حاول الكويتيون تبرير فظائعهم ضد الفلسطينيين في الكويت على أنها عقوبة لهم لموقفهم خلال الأزمة. وتحديداً, تمثلت ذريعة الكويتيين في الموقف الفلسطيني الرسمي المساند للعراق في الجامعة العربية وفي مقولة الربط, التي ربطت بين الانسحاب العراقي من الكويت والانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة. كذلك, اتهم الكويتيون الفلسطينيين بالتعاون مع السلطات العراقية في الكويت أثناء الأزمة. وفيما يلي تحليل للذرائع الكويتية الثلاث.

 

المساندة الفلسطينية للعراق في الجامعة العربية

    

لقد أدى مؤتمر القمة العربي الذي عُقد بشكل طارئ لبحث الغزو العراقي للكويت, في 9 و 10 أغسطس/آب 1990, إلى تشرذم الأقطار العربية إلى عدة معسكرات. فقامت مجموعة منها بتأييد الكويت, والتزمت مجموعة أخرى بمساندة العراق, وامتنعت مجموعة ثالثة عن التصويت, وتحفظت مجموعة رابعة على القرار, وتغيبت "دولة" عن الاجتماع. وقد صممت أقطار الخليج ومعها مصر وسوريا على أن يصدر عن المؤتمر قرار يوافق على إرسال قوات عربية للخليج للوقوف ضد الغزو العراقي, وعلى أن يتضمن القرار أيضاً المصادقة على دعوة الملك فهد للقوات الغربية للقدوم إلى السعودية. أما الأقطار العربية المساندة للعراق, فكانت مصممة بالقدر نفسه على عدم صدور مثل ذلك القرار. وبعد المداولات, بلغت الأصوات المؤيدة للقرار اثنى عشر صوتاً مثلت أقطار الخليج الست: الكويت وقطر والبحرين والإمارات وعمان والسعودية, وكذلك سوريا ولبنان ومصر والمغرب وجيبوتي والصومال. وصوتت ضد القرار ثلاثة أقطار هي العراق وليبيا وفلسطين (ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية). وامتنعت الجزائر والأردن واليمن عن التصويت. وعبرت السودان وموريتانيا عن تحفظاتهما على القرار, وتغيبت تونس عن الاجتماع.[94]

          وقد استخدم المسؤولون الكويتيون التصويت الفلسطيني ضد القرار ذريعة لوصف الفلسطينيين في الكويت على أنهم أعداء يستحقون العقاب. وبدأت التهديدات بعقابهم تُسمع في العلن من قبل كبار المسؤولين الكويتيين أثناء إقامتهم في السعودية, كما سبقت الإشارة إليه. والحقيقة أن معاقبة الفلسطينيين بسبب عدم تأييدهم لذلك القرار كان ظلماً فادحاً. فالهدف الأساس للأقطار العربية التي لم تؤيد القرار كان عدم تغريب العراق وإعطاء الفرصة للحل العربي لكي ينجح, خاصة أن العراق قد أعرب عن نيته في الانسحاب منذ الأسبوع الأول الذي تلا الغزو, كما هو موضح في القسم التالي. وعلى الأخص, كان الهدف حل المشكلة عربياً دون الاستعانة بالقوات الغربية. أما أكثر جوانب هذا الموضوع ظلماً فكان معاقبة مئات الآلاف من الفلسطينيين بالطرد من البلاد وقتل وتعذيب الآلاف منهم ومن المهاجرين العرب الآخرين بسبب تصويت في مؤتمر لم يكونوا مسؤولين عنه على أية حال. وبنفس المنطق, حُمِّل مئات الآلاف من اليمنيين مسؤولية امتناع حكومتهم عن التصويت, مما أفقدهم وظائفهم وإقامتهم التي امتدت في السعودية لعشرات السنين.

 

تأييد مقولة الربط العراقية

 

          كان التأييد الفلسطيني لمقولة "الربط" العراقية الذريعة الثانية التي استخدمها الكويتيون لتبرير حملتهم الإرهابية. وكانت أول إشارة لمقولة الربط قد ذكرت في عرض قدمه العراق للولايات المتحدة في الأسبوع الأول من أغسطس/ آب 1991. وقد قام بإرسال ذلك العرض نائب وزير الخارجية العراقي, نزار حمدون, من خلال رئيس وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق, ريتشارد هيلمز. وقد وصل العرض إلى مستشار الرئيس الأميركي لشئون الأمن القومي, برنت سكوكرفت, وباقي المسؤولين في مجلس الأمن القومي بعد ذلك بأيام, وتحديداً يوم 11 أغسطس/ آب. وقد عرض العراق الانسحاب من الكويت في مقابل إعطائه مدخلاً إلى الخليج من خلال جزيرتي وربه وبوبيان, بالإضافة إلى إجراء مفاوضات حول أسعار النفط (بهدف رفعها). ومع ذلك, فإن العرض العراقي قد رُفض.[95]

          وفي اليوم التالي, أي في 12 أغسطس/آب 1991, أعلن الرئيس صدام حسين عرضاً عراقياً آخر لحل الأزمة أصبح يعرف فيما بعد بمقولة "الربط" العراقية. وطبقاً لذلك, عرض العراق الانسحاب من الكويت في مقابل الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة.[96] وتمثل رد الفعل الأميركي بالرفض السريع للمبادرة, وأصر الرئيس بوش على الانسحاب العراقي غير المشروط من الكويت. ولكن العرب عامة, والفلسطينيين بشكل خاص, رأوا في المبادرة العراقية فرصة ذهبية للغرب ليضغط على إسرائيل لتنهي احتلالها للأراضي العربية. ولذلك, فان القيادة الفلسطينية أيدت المبادرة العراقية, والتي كانت أيضاً ستؤدي للانسحاب العراقي من الكويت. وقد غضب الكويتيون من الموقف الفلسطيني على الرغم من أن الأمر كله لم يكن أكثر من تبادل إعلامي, بعد الرفض الأميركي. وكانت النتيجة أن التهديدات الكويتية بمعاقبة الفلسطينيين قد زادت. وقد حاول الفرنسيون والسوفيت أن يقنعوا الرئيس بوش أن يعطي وعداً بأن تتم معالجة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية في مقابل الانسحاب العراقي من الكويت, ولكن دون جدوى. فقد كان رفضه لتلك المبادرات السلمية كلها نابع من أنه قد استنتج بأن الحرب كانت هي الخيار الأفضل للولايات المتحدة.[97]  

          ولم يكن باستطاعة الفلسطينيين أن يقفوا على الحياد ازاء مقولة "الربط" العراقية, على أية حال. فلأول مرة في تاريخ الصراع العربي~الإسرائيلي, يتمكن زعيم عربي عملياً من تعرية المواقف الغربية ذات المعايير المزدوجة. فلأكثر من 23 سنة, لم يحاول الغرب أن يضغط على إسرائيل لتقوم بتنفيذ قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 ورقم 338, واللذين ينصان على انسحاب إسرائيل من الأراضي العربية التي احتلتها في عام 1967. ولأكثر من 42 عاما, لم يحاول الغرب أيضاً أن يضغط على إسرائيل لتنفذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194, والذي ينص على تعويض اللاجئين الفلسطينيين عن ممتلكاتهم وإعادة توطينهم في بلادهم. ولكن, عندما قام العراق بغزو الكويت, فإن الغرب قام ولم يقعد قبل أن يجمع تحالفاً دولياً ضخماً لإخراج العراق من الكويت بالقوة.

          وكانت مقولة "الربط" العراقية قوية جداً لدرجة أن الأقطار العربية التي شاركت في التحالف بدأت تسعى لدى واشنطن لعمل شيء ما تجاه الأراضي العربية المحتلة. فقام العديد من الدبلوماسيين العرب بزيارة واشنطن مباشرة بعد الحرب ساعين لهذا الغرض. ومع ذلك, فإن إدارة بوش كانت تخشى أن يؤدي أي ضغط على إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية "لإثارة غضب جماعات الضغط القوية والموالية لإسرائيل في الكونغرس."[98] وهكذا, وبدلاً من ممارسة الضغط على إسرائيل لتطبق القرارات الدولية, فإن كل ما فعلته إدارة بوش تمثل في الطلب من إسرائيل أن تحضر مؤتمر السلام الذي انعقد في مدريد عام 1991. ولم ينتج عن ذلك المؤتمر, ولا عن اتفاقيات أُسلو التي أعقبته, سوى انسحاب إسرائيلي من 3 بالمائة فقط من الضفة الغربية وقطاع غزة, والتي تضم التجمعات السكانية الفلسطينية. وانتهت الفترة الانتقالية في 4 مايو/أيار 1999 دون أن تنسحب إسرائيل من باقي الأراضي الفلسطينية. ولم تقم إدارة كلنتُن بأي ضغط على إسرائيل لتوفي بالتزاماتها بالانسحاب. وعلى العكس من ذلك, فإن المبعوث الرئاسي الأميركي دينس روس, المسؤول عن ملف الشرق الأوسط في الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ إدارة ريغَن, كان باستمرار يضغط على الجانب الفلسطيني لكي يقبل بما تطرحه إسرائيل من أفكار. ونجح في نهاية المطاف في أن يثني عزم الفلسطينيين عن إعلان دولتهم في الموعد الذي حددته الاتفاقيات, أي في 13 سبتمبر 2000. أما الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان, فلم يكن نتيجة لرغبة إسرائيلية في تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 425, وإنما نتيجة للخسائر المستمرة التي منيت بها القوات الإسرائيلية من جراء عمليات المقاومة اللبنانية الباسلة. وأكبر دليل على ازدواجية المعايير في السياسة الأميركية في الشرق الأوسط يتمثل في عدم ممارسة الضغط على إسرائيل للانسحاب من مرتفعات الجولان السورية, على الرغم من أن سوريا كانت عضواً في التحالف الذي أجبر العراق على الخروج من الكويت. وبدلاً من الضغط على إسرائيل لتنصاع للقرارات الدولية, كانت إدارة كلنتُن تضغط على سوريا لتوافق على الشروط الإسرائيلية, طيلة التسعينات.

          والحقيقة أن الإسرائيليين لم يحضروا مؤتمر مدريد ولم يقبلوا الدخول في المفاوضات التي تلته نتيجة أية ضغوط أميركية, وإنما نتيجة ضغوط عربية لم يعهدوها من قبل. فقد اكتشفوا أن إسرائيل لم تعد تلك القلعة التي لا يمكن اختراقها, كما كانوا يفضلون الاعتقاد. فقد اخترقتها الصواريخ العراقية ووصلت إلى قلبها. وعلى الرغم من أن تلك الصواريخ لم تكن تحمل رؤوساً ذرية أو كيميائية أو جرثومية, إلاّ أنها أقنعت الإسرائيليين بأن السلام أكثر ضماناً لأمنهم من أنظمة الدفاع الجوي المحدودة في قدرتها والتي لم تستطع أن توقف الصواريخ العراقية على أية حال. كذلك اكتشف الإسرائيليون بأن السلام أكثر ضماناً لأمنهم من استمرار احتلالهم للأراضي العربية. وعلى الأخص, فإنهم اكتشفوا بأنهم عاجزون تماما عن وقف الانتفاضة الأولى التي دخلت عامها الرابع, وكانت لا تزال في قوتها وعنفوانها.[99]

          لقد أظهر رفض إدارة بوش لمقولة "الربط" العراقية بجلاء طبيعة السياسة الأميركية المزدوجة المعايير في العلاقات الدولية. فقد فضلت الولايات المتحدة وحليفاتها الغربيات خوض الحرب عن الضغط على إسرائيل لكي تنفذ القرارات الدولية. كذلك فإن نفس السياسة قد استمرت في عهد كلنتُن. فعندما قامت حكومة نتنياهو الإسرائيلية بوقف العملية السلمية لمدة ثلاث سنوات تقريباً, ما بين 1996 و 1999, لم تقم الدول الغربية عموماً والولايات المتحدة بشكل خاص بأية ضغوط عليها من أي نوع لتلتزم بالاتفاقيات الموقعة. وحتى اتفاقية واي ريفر التي وقعتها مع السلطة الفلسطينية, فإنها لم تنفذها أيضاً. وعلى الرغم من ذلك كله, فإنه حتى القليل من النتائج التي تحققت نتيجة للعملية السلمية في التسعينات من القرن العشرين, فقد تحقق بدرجة كبيرة نتيجة لقوة مقولة "الربط" التي أصرت إدارة بوش على رفضها قبل الحرب ولكن لم يكن بإمكانها أن تستمر على ذلك الإصرار بعد ذلك.

 

 

 

 

التعامل مع السلطات العراقية

 

          لقد اتهم الفلسطينيون الذين بقوا في الكويت أثناء الأزمة والحرب بأنهم "تعاملوا" مع السلطات العراقية خلال تلك الفترة. والمقصود هنا أنهم قد تعاونوا مع "أعداء" الكويت, لذا وجب عقابهم. بادئ ذي بدئ, فإن مقولة أن العراق عدو هي مقولة زائفة من أساسها, وبخاصة من منظور فلسطيني. فالعراق كان دائماً وسيبقى قلعة حصينة من قلاع الأمة العربية, والانتساب إليه والدفاع عنه شرف كبير وواجب. وثانياً وهو الأهم أن جميع الأعمال التي قام بها الفلسطينيون أثناء فترة الحكم العراقي للكويت كانت مدنية ويستحقون عليها المكافأة والمديح, وليس التشهير والعقاب. وأخيراً, فإن الفلسطينيين لم يكن لهم أي دور لا في نشوء الأزمة ولا في تطورها بين العراق والكويت, ومن الظلم تحميلهم أية مسؤولية عن نتائجها. ولكن ما هي حقيقة هذا الاتهام؟ وهل كانت السلطات العراقية بحاجة للفلسطينيين لتوطيد حكمها في الكويت؟ إنّ هذا الاتهام باطل من أساسه لسبب بسيط هو أن السلطات العراقية لم تكن بحاجة لتعامل الفلسطينيين أو غيرهم معها. واستخدام لفظ "التعامل" بالذات أريد به الإيحاء بأن الفلسطينيين قد خدموا السلطات العراقية أمنياً أو عسكرياً, وهذا لم يحدث. والحقيقة أن الفلسطينيين الذين بقوا في الكويت قد زاولوا أعمالهم التي كانوا يرتزقون منها, فذهبوا للمدارس لتعليم الأطفال, وخرجوا للأسواق للبيع والشراء, ووفروا الخدمات الصحية والكهربائية والنفطية للسكان جميعاً كويتيين وغير كويتيين. كانت تلك هي الأعمال التي فعلوها أثناء الحكم العراقي للكويت وعلى أساسها اتهمتهم الحكومة الكويتية في المنفى بأنهم قد تعاملوا مع السلطات العراقية, وبالتالي أضروا بالكويت. أما أكثر أعمالهم التي أثارت غضب حكام الكويت فكان تبديلهم للوحات سياراتهم الكويتية بأخرى عراقية, الأمر الذي اعتبره حكام الكويت بمثابة اعتراف بالحكم العراقي. وباختصار, كان حكام الكويت يفضلون للفلسطينيين ألا يخرجوا للعمل طيلة الأزمة, أي أن يموتوا جوعاً في بيوتهم. لكن لماذا بقي بعض الفلسطينيين في الكويت, في المقام الأول؟

          لقد كان حوالي ثلث الفلسطينيين في الكويت يحملون وثائق سفر تصدرها مصر وسوريا ولبنان بصفتها مضيفة للاجئين الفلسطينيين, أما باقي الفلسطينيين فكانوا يحملون جوازات سفر أردنية.[100] وعلى الرغم من أن تلك الوثائق كان المفروض فيها أن تحل محل جوازات السفر, إلاّ أنها كانت مجلباً لآلام الفلسطينيين في الإقامة والترحال. فغالبية البلدان, خاصة العربية منها, كانت  تتشدد في منح تأشيرات الدخول والإقامة لحملة تلك الوثائق. أما حملة جوازات السفر الأردنية, فكان وضعهم أفضل نظراً لاستطاعتهم العودة للأردن عندما تنتهي أعمالهم أو إقاماتهم. وقد أصبح هؤلاء أردنيين نتيجة لتوحيد الضفتين الغربية والشرقية لنهر الأردن, في عام 1951. وكانت الغالبية العظمى من الأردنيين في الكويت (أي حوالي 95 بالمائة) من أصل فلسطيني.[101] ويمكن تفسير ذلك بأن الأردنيين من الضفة الشرقية لم يكونوا يتعرضون لنفس الضغوط الاقتصادية التي كان يتعرض لها الأردنيون من أصل فلسطيني. ولذلك, لم تكن بهم حاجة للذهاب إلى الكويت بحثاً عن العمل. أما الآن وبعد نصف قرن من التزاوج والعيش سوياً, فان الأردنيين غربيين وشرقيين قد أصبحوا أكثر تجانساً وأكثر قرباً لباقي الفلسطينيين, الأمر الذي جعل العلاقة خاصة جداً بين فلسطين والأردن.

          لقد كانت الطريقة التي وصف بها حكام الكويت تعامل الفلسطينيين مع الحكومة العراقية استمراراً لنهجهم الظالم في تعاملهم مع المهاجرين. فبدلاً من تكريم من هاجروا إليهم ومعاملتهم بالحسنى, فإنهم اضطهدوهم وميزوا ضدهم في المعاملة في كافة مجالات الحياة (كما سبق إيضاحه في الفصل الثالث). فقد وصفوا الناس بالعمالة للسلطات العراقية, وبالتالي بالإضرار بالكويتيين, لأنهم قاموا بأعمالهم الاعتيادية. فانطبق ذلك على المعلمين والطلاب الذين التحقوا بالمدارس, وعلى عمال صيانة المباني والكهرباء الذين أصلحوا مباني كان يستخدمها العراقيون, وعلى الصحفيين الذين كتبوا في صحيفة النداء, وعلى السائقين الذين غيروا لوحات أرقام سياراتهم, وحتى على شاب رآه بعض الكويتيين ذات مرة يرتدي قميصا علية صورة صدام حسين. والحقيقة أن هذه كلها كانت حججاً واهية استخدمها حكام الكويت في حملتهم لترحيل الفلسطينيين من البلاد. ولو كانت الحكومة الكويتية عادلة في توقعاتها من فلسطينيي الكويت, لأرسلت لهم المساعدات أثناء الأزمة كما كانت تفعل مع من تبقى من الكويتيين. فعند الغزو العراقي للكويت في 2 أغسطس 1990, كان ثلث المواطنين الكويتيين يقضون إجازاتهم خارج البلاد. وهكذا, كان عدد الكويتيين داخل الكويت حوالي 380,000, أي أقل من الفلسطينيين بكثير. حتى هؤلاء, أخذ معظمهم يغادر للسعودية الى أن أصبح عدد الكويتيين في الكويت لا يزيد على 120,000 نسمة في ديسمبر/كانون ثاني 1990.[102]

          وبغض النظر عن حساسية الموقف السياسي في الكويت أثناء الأزمة, فإن السلطات العراقية عملت على أن تستمر الحياة اليومية بالنسبة للسكان من فلسطينيين وكويتيين وغيرهم. ولذلك, فإنها طلبت من المعلمين الالتحاق بالمدارس, وإلاّ فانهم سيطردون من أعمالهم. وفي المقابل فإن الحكومة الكويتية في المنفى لم تطلب من المعلمين الامتناع عن العمل, والذي كان سيلزمها أن ترسل لهم المساعدات التي تكفيهم إذا ما امتنعوا عن الذهاب لأعمالهم, كما كانت تفعل مع الكويتيين.وبدلاً من ذلك, فقد وجهت الاتهامات للمعلمين بأنهم كانوا معادين للكويت, في الوقت الذي وافقت فيه على أن يلتحق موظفو الكهرباء والصحة والخدمات النفطية بأعمالهم. ودل ذلك على أن الحكومة الكويتية كانت تنظر إلى الخدمات التعليمية على أنها أقل أهمية من الخدمات الأخرى. وهكذا وجد الفلسطينيون الذين بقوا في الكويت أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه. فلا هم يستطيعون الخروج من البلاد, لأن الدول الأخرى لم تقبلهم, ولا هم يتوقع منهم أن يلتحقوا بأعمالهم. فماذا كان عساهم أن يفعلوا غير الذي فعلوه؟ وقد أدى الموقف الجائر للحكومة الكويتية من هذه القضية إلى إزهاق أرواح العديد من الطلاب والمعلمين الفلسطينيين الأبرياء, ومثال على ذلك ما حدث لطالبات مدرسة طليطلة الثانوية.

          حتى تعيد الحياة لمجراها الطبيعي, حددت السلطات العراقية بالكويت اليوم الأول من سبتمبر/أيلول 1990 للمعلمين ليلتحقوا بأعمالهم وإلاّ فانهم سيفصلون, وتتخذ ضدهم إجراءات قانونية, ويخسرون مكافآتهم وحقوقهم.[103] كذلك فإنها دعت أولياء الأمور لإرسال أبنائهم وبناتهم للمدارس وإلاّ عوقبوا بالسجن لمدة ستة أشهر. وفي 15 يناير/كانون ثاني 1991, تلقت طالبات مدرسة طليطلة الثانوية للبنات أوامر من إدارة المدرسة بالخروج في مسيرة تأييد للعراق. وبعد يوم واحد من بث المسيرة في التلفزيون العراقي, قامت عناصر من الجماعات الكويتية المسلحة بقتل وجرح العديد من طالبات تلك المدرسة. وبعد الحرب, تم اعتقال ناظرة المدرسة السيدة حمده يونس, كما تمت ملاحقة العديد من المعلمين  والطالبات بهدف الانتقام. وفي 4 يونيو/حزيران 1991, اعتقلت الحكومة الكويتية 120 طالبة من طالبات مدرسة طليطلة, وأجبرتهن على توقيع أوراق تنص على موافقتهن على الرحيل مع أسرهن خلال ثلاثة أسابيع. وقد ذكرت إحداهن أنها قد اغتصبت أثناء فترة الاعتقال. أما المعلمون الفلسطينيون عموماً, فقد فصلوا من أعمالهم, وألغيت إقاماتهم.[104] وقد عوقب الطلاب الفلسطينيون عقاباً جماعياً أيضاً عندما أعلن وزير التربية الكويتي, بعد الحرب مباشرة, بأنه لن يسمح لهم الالتحاق بالمدارس الحكومية الكويتية.[105] وبالإضافة إلى ذلك, فإن الحكومة الكويتية قد أوقفت دعمها للمدارس الفلسطينية الخاصة, والذي كان يشكل 50 بالمائة من تكاليف تعليم الطلاب فيها. وهكذا, لم يجد أولياء الأمور وأرباب الأسر الفلسطينيون العاطلون عن العمل في مجملهم من خيار إلاّ مغادرة الكويت في نهاية المطاف.[106]

          وقد نسيت الحكومة الكويتية أو تناست أن الفلسطينيين يعطون للتعليم قيمة كبرى لدرجة أن التدريس قد استمر في فلسطين حتى أثناء فترة الانتفاضة, أي ما بين عامي 1987 و 1993. فعندما كان الإسرائيليون يغلقون المدارس, كان المعلمون الفلسطينيون يعلِّمون طلابهم في أماكن أخرى كالبيوت والمساجد. ولكن أهم من ذلك أن المدارس التي فتحت أبوابها للتدريس في الكويت كانت اثنتي عشرة مدرسة فقط بينما بقيت مئات المدارس الأخرى مغلقة, لأنه لم تكن هناك أعداد كافية لا من المعلمين ولا من الطلاب لفتح تلك المدارس.[107] وهكذا, فإن الذين التحقوا بالمدارس على أية حال, كانوا يشكلون عدداً قليلاً جداً من الطلاب والمعلمين, وذلك لا يستدعي معاقبة الجميع, حتى أولئك الذين كانوا خارج الكويت. [108]

          وبالإضافة إلى المعلمين والطلاب, تمت معاقبة آخرين اتهموا بالتعامل مع السلطات العراقية في الكويت. ففي الفترة الواقعة ما بين 29 مايو/أيار إلى نهاية يوليو/تموز 1991,  أجريت محاكمات لعدد من المهاجرين العرب معظمهم من الفلسطينيين. وكان من بين هؤلاء عامل صيانة وكهربائي. وقد قدم هذان للمحاكمة لأنهما كانا قد أصلحا حوضاً لغسل اليدين في مرحاض بصحيفة النداء التي كانت تساند العراق. ونتيجة "تعاملهما" هذا مع الحكومة العراقية, فقد واجها عقوبة الإعدام بناء على تهم تتصل "بأمن الدولة الخارجي."[109] وقد ذكر متهمون فلسطينيون آخرون أنهم تعرضوا للضرب والتعذيب من قبل الشرطة الكويتية لكي يعترفوا بالتهم الباطلة المنسوبة إليهم. وذكر أحد هؤلاء, وهو محمد علي الشعافي, أنه تعرض للضرب والتعذيب بالصدمات الكهربائية لكي يقر بالاعترافات التي أراد له رجال الشرطة أن يعترف بها.[110]

          أما أشهر المحاكمات بتهمة التعامل مع السلطات العراقية في الكويت, فكانت لمجموعة من 22 صحفياً كانوا يكتبون في صحيفة النداء. فقد ذكر هؤلاء أنهم أجبروا على الاعترافات التي قدمها لهم المحققون الكويتيون. ولذلك, فإنهم لم يقروا أمام المحكمة بأنهم مذنبون. وقد استغرقت محاكمتهم مدة عشر ساعات فقط, بما في ذلك المرافعات والمحصلات. وقد اعتمد ممثلو الحكومة في ادعائهم على معلومات قدمها "مصدر سري," لم تتم دعوته للمثول أمام المحكمة.[111] وهكذا كانت تلك المحاكمات مهزلة بمقاييس العدالة الدولية. فقد اعتمدت على الأقاويل بدلا من الشواهد والإثباتات المادية القطعية, كما لم يعط المتهمون الحق في النقض ولا حتى الحق في استخدام محامين للدفاع عنهم.[112]

          أما أكثر الاتهامات جوراً فكانت اتهام الفلسطينيين بالتعامل مع السلطات العراقية لأنهم استبدلوا لوحات أرقام السيارات الكويتية بلوحات عراقية, أثناء فترة الحكم العراقي للبلاد. فبعد الحرب مباشرة, قُدم أناس عديدون للمحاكمة بهذه التهمة فقط. كما كان أعضاء الجماعات الكويتية المسلحة يقبضون على سائقي السيارات التي كانت لا تزال تحمل لوحات عراقية ويسيئون معاملتهم, مثلما فعلوا بأحد السودانيين.[113] وكان هذا أفضل حظاً من الشاب الفلسطيني, سامر محمد رضوان, الذي كان في الثالثة والعشرين من عمره. فقد أوقفه الكويتيون إلى جدار وصوبت بندقية الى صدره وذلك لأنه لم تكن لديه الأوراق الكويتية الخاصة بتسجيل السيارة.[114]

          لكن لماذا غيَّر السائقون لوحات أرقام سياراتهم في الأساس؟ لقد أصدرت السلطات العراقية تعليمات للسكان ليضعوا اللوحات العراقية على سياراتهم وإلاّ تعرضوا للعقاب.[115] فاستجاب لذلك الذين كانوا يعملون منهم, وغالبيتهم من المهاجرين العرب. أما الكويتيون, فان معظمهم لم يكونوا يعملون لأن الحكومة الكويتية كانت ترسل لهم المساعدات المالية التي تكفيهم, حتى لا يخرجوا من بيوتهم للعمل. لذلك, لم يكونوا بحاجة لاستعمال سياراتهم التي أخفوها في مرائب (كراجات) بيوتهم. وهكذا, لم تكن بهم حاجة لتبديل لوحات السيارات. أما الفلسطينيون, ومعهم باقي المهاجرين العرب والبدون, فإنهم لم يتلقوا المساعدات من الحكومة الكويتية, ولذلك لم يكن أمامهم خيار آخر غير العمل. وحتى يتنقلوا بين أماكن سكناهم ومقار أعمالهم, كان لا بد لهم أن يستعملوا سياراتهم. وحتى يمكنهم  استعمال سياراتهم, كان عليهم استبدال لوحاتها بلوحات عراقية. وحتى لو لم يكونوا يعملون, فإن سياراتهم كانت تقف في الشوارع أسفل العمارات التي يسكنونها, وكان باستطاعة شرطة المرور رؤية لوحاتها, وبالتالي معاقبة أصحابها إذا لم يبدلوا تلك اللوحات. وهكذا, كان الظلم مُركباً. فقد عوقبوا لأنهم كانوا يعملون, وعوقبوا مرة أخرى لأنهم استبدلوا لوحات أرقام سياراتهم.[116]

          والحقيقة أن كثيراً من الفلسطينيين قد استعملوا سياراتهم لتزويد معارفهم من الكويتيين بالمواد التموينية التي لم يكونوا قادرين على الحصول عليها. والأدهى من ذلك, أن الحكومة الكويتية نفسها طلبت من العاملين في خدمات المياه والكهرباء والنفط والصحة أن يستمروا في أداء أعمالهم. وبالطبع كان على هؤلاء أن يغيروا لوحات أرقام سياراتهم حتى يسمح لهم باستعمالها في الذهاب إلى أعمالهم. وبعد الحرب, كافأتهم الحكومة الكويتية بالطرد من أعمالهم ولم يعطوا رواتبهم المستحقة لهم عن طيلة فترة الأزمة, هذا بالإضافة إلى سوء المعاملة بسبب تغيير لوحات السيارات. وفي نفس الوقت, فإن الكويتيين جميعاً قد تمت مكافأتهم سواء من كانوا يعملون منهم أو من كانوا في بيوتهم, وذلك بأن صرفت لهم رواتبهم بأثر رجعي عن طيلة فترة الأزمة.[117]

          وقد شهدت المحاكمات حالة فريدة في نوعها تعطي مثالاً على تعسف الحكومة الكويتية ومبالغتها في اتهام الناس "بالتعامل" مع السلطات العراقية وتقديمهم للمحاكمة. فقد تم تقديم الشاب عدنان عبود للمحاكمة وحكم عليه بالسجن لمدة خمسة عشر عاماً لأنه شوهد أثناء فترة الحكم العراقي يرتدي قميصاً طبعت عليه صورة الرئيس صدام حسين. وفي 24 مايو/أيار, قام رئيس المحكمة العسكرية الكويتية, محمد جاسم بن ناجي, بالنطق بالحكم وبشرحه. وقد اتهم ذلك الشاب "بالترويج لدعاية معادية أثناء الحرب, أدت إلى إضعاف صمود الشعب, وذلك بارتدائه قميصاً عليه صورة الرئيس العراقي."[118]

          وبالرغم من الحملة الدعائية الكويتية للوم الضحايا الفلسطينيين والعرب, فإن الاتهامات كانت باطلة من أساسها لأنه لم يكن هناك بالفعل أي مشاركة أو تعاون عسكري فلسطيني مع السلطات العراقية في الكويت, والتي لم تكن بحاجة لذلك ولم تسعَ إليه, على أية حال. ولكنه كان أمراً يدعو للعجب, فالحكومة الكويتية كانت تأمل أن يقوم المهاجرون بالتصدي للجيش العراقي, وهم الذين كانوا مضطهدين رسمياً وشعبياً لعدة عقود من الزمن, بينما تركت هي البلاد ومعها معظم المواطنين الكويتيين! منطق غريب حقاً.

 

الخلاصة

 

          كانت الحملة الإرهابية الكويتية, التي أدت إلى طرد الفلسطينيين والكثير من المهاجرين العرب من الكويت, صفحة سوداء في تاريخ العلاقات العربية~العربية. فقد تم استخدام الفلسطينيين ككبش فداء من أجل تحويل أنظار الكويتيين بعيدا عن الأعضاء البارزين في الحكومة الكويتية الذين كانوا مسئولين عن أزمة عام 1990. كما برهنت الحملة الإرهابية على أن الكويتيين لم يكونوا بالفعل أولئك الضحايا الذين صورتهم وسائل الإعلام في دول التحالف طيلة مدة الأزمة. وعلى الرغم من أن الكويتيين قد حاولوا تبرير فظائعهم على أنها كانت رداً على التأييد الفلسطيني للعراق, إلاّ أن ذلك في الحقيقة لم يكن إلاّ ذريعة لطرد الفلسطينيين من البلاد. فقد قررت الحكومة الكويتية التخلص منهم قبل أزمة عام 1990 بوقت طويل, وبدأت بتنفيذ تلك السياسة بالفعل قبل الأزمة بسنوات. وعلى الأخص,  فإن تلك السياسة كانت تهدف إلى التمييز ضد المهاجرين, بما في ذلك الفلسطينيون, واضطهادهم حتى لا يفكروا في البقاء في البلاد بصفة دائمة (كما مرَّ في الفصل الثالث).

          كذلك, فإن ما حدث للفلسطينيين كان تجسيداً للصراع العربي~العربي الذي لم يكن قد تم حسمه بعد, والذي نتج عن عدم التوازن الذي أوجدته الثروة النفطية. فبسبب تراكم الفوائض المالية للعائدات النفطية, وجدت الكويت نفسها بحاجة للمهاجرين اللازمين للعمل في مشروعات التنمية فيها. لكن الأسرة الحاكمة, يساندها في ذلك معظم المواطنين الذين يشكلون أقلية في البلاد, أنكرت على المهاجرين حقهم في الإقامة الدائمة والجنسية. وقد أدى ذلك إلى اضطهاد المهاجرين والتمييز ضدهم, وبالتالي إلى إيجاد حواجز مادية ونفسية بين المواطنين والمهاجرين (كما مرَّ في الفصل الثالث).

          وقد أظهرت بشاعة الفظائع التي ارتكبها الكويتيون ضد المدنيين العزل من الفلسطينيين والمهاجرين العرب مدى عمق تلك الحواجز المادية والنفسية بين المجموعتين. كما دللت تلك الفظائع على أن الهوية العرقية التي تمكنت الحكومة الكويتية من إقامتها بين مواطنيها كانت أقوى من الأواصر القومية والدينية التي كان يفترض أن تجمعهم مع المهاجرين العرب في البلاد. فقد طرح الكويتيون, الذين شاركوا في الحملة, عروبتهم وعقيدتهم الإسلامية جانباً وانطلقوا يقتلون ويعذبون ويغتصبون المدنيين الأبرياء العزل وكأن هؤلاء كانوا مسئولين عن الأزمة والحرب. حدث ذلك كله تحت سمع وبصر قوات التحالف العربية والغربية على حد سواء, والتي لم تتدخل لوقف تلك الحملة الإرهابية الجائرة. 

          أخيراً, فإنه ليس من العدل والإنصاف والوفاء أن يعاقب حوالي نصف مليون فلسطيني في الكويت نتيجة لموقف القيادة الفلسطينية المؤيد لمقولة الربط, التي كانت ستؤدي إلى انسحاب القوات العراقية من الكويت على أية حال. فقد تم تجاهل مساهمتهم في بناء ذلك البلد لأكثر من نصف قرن. وحتى بعد الحرب بأكثر من عشر سنوات, فإن الحكومة الكويتية لم تظهر أية دلائل على ندمها لما فعلته ضد الأبرياء الذين قُتلوا وعُذبوا أثناء الحملة الإرهابية, ولا الذين خسروا وظائفهم وممتلكاتهم بعد ذلك. كما أن العدالة لم تتحقق بعد, فالمجرمون الكويتيون الذين كانوا مسئولين عن إزهاق أرواح الأبرياء وتعذيبهم واضطهادهم لم يقدموا للمحاكمة على جرائمهم. وهكذا, فإن محنة الفلسطينيين والبدون والمهاجرين العرب في الكويت لا تزال يتم تجنبها, وكأن شيئا لم يحدث, تماماً كما يتم تجنب محنة العراقيين وهم يعانون لأكثر من عشر سنوات تحت الحصار.

ولا زال التيار المتنكر للعروبة هو المسيطر في الكويت لدرجة أن فيصل الحسيني قوبل بموجة من الاستنكار والتهجم (في الصحافة وفي مجلس الأمة الكويتي) عند زيارته للكويت في أواخر مايو/أيار 2001. ولم يكن من المفروض أن يقوم أي مسئول فلسطيني بزيارة الكويت قبل اعتراف الحكومة الكويتية بالجرائم التي ارتكبتها ضد فلسطينيي الكويت, وتعهدها بمحاكمة المجرمين وإعادة الحق إلى نصابه. لكنه رحمه الله رأى في المناسبة بادرة يمكن أن تؤدي إلى بداية صحوة ضمير في الكويت. وقد قام بتلك الزيارة بصفته المسئول عن ملف القدس في السلطة الوطنية الفلسطينية, وبناء على دعوة من اللجنة الكويتية لمقاومة التطبيع مع إسرائيل. وبعد أن وجد نفسه في وسط يوم حافل بالهجوم والتهكم على شعبه وقضيته, عاد فيصل الحسيني مهموماً محزوناً إلى الفندق, حيث فارق الحياة وحيداً في غرفته, في 31 مايو/أيار 2001, كضحية جديدة لمتغطرسي الكويت الذين لا يحسبون حساباً للأمة ولا لمقدساتها.[119]

 

 

 

الملحق 10. أ

الفلسطينيون الأوائل في الكويت

 

          في عام 1936, وصلت أول بعثة تعليمية فلسطينية إلى الكويت, وكانت تتألف من أربعة أعضاء هم أحمد شهاب الدين, وسعدي بدران, وعبد اللطيف الصالح, وحديد. ونظراً لأن هؤلاء جميعاً كانوا من الذكور, فإن مجلس التعليم الكويتي طلب من أكبر أعضاء البعثة سناً, أحمد شهاب الدين, القيام بإحضار معلمتين للتدريس في أول مدرسة حديثة للبنات في البلاد. وهكذا, انضمت الأختان وصيفه ورفقه عوده للبعثة التعليمية الفلسطينية, في عام 1936. كما انضم للبعثة عضو جديد في عام 1938, هو محمد نجم, الذي أصبح معروفاً بأنه كان مسئولاً عن إنتاج أول مسرحية مثلت في الكويت. وفي عام 1942, عاد إلى فلسطين ليعمل بالتدريس في مدينة يافا, مع أنه كان أصلاً من بلدة إسدود. وقد ترك المعلمون الفلسطينيون انطباعاً إيجابياً جداً لدى الكويتيين, خاصة تفانيهم وإخلاصهم في العمل. وقد أدى ذلك الانطباع إلى مساعدة الكويتيين للعديد من الفلسطينيين للحضور إلى الكويت, على إثر نكبة عام 1948. وقد تجلى ذلك في قيام رئيس مجلس التعليم الكويتي, الشيخ عبد الله الجابر, وكذلك الأعضاء الآخرين في المجلس, مثل نصف النصف, في التعاقد مع معلمين فلسطينيين آخرين. أما محمد نجم, فقد وصل إلى مصر على ظهر قارب في أبريل/ نيسان 1948. وقد وضعته الحكومة المصرية في معسكر للاجئين الفلسطينيين في القنطرة شرق, كان يخضع للحراسة حتى لا يخرج منه أحد. ولكنه تمكن من إرسال رسالة إلى عبد العزيز حسين, الذي كان يشغل منصب مدير البيت الكويتي في القاهرة. وقد ساعده هذا في الخروج من معسكر القنطرة والسفر للكويت. أما الذي حمل الرسالة لعبد العزيز حسين فكان معلماً فلسطينياً آخر هو خير الدين أبو الجبين, وكان قد هرب من المعسكر في وقت سابق. وعندما وصل نجم إلى الكويت, قام بإرسال عدة تأشيرات دخول لمعلمين فلسطينيين آخرين من ضمنهم أبو الجبين, الذي أصبح فيما بعد أول ممثل لمنظمة التحرير الفلسطينية في الكويت.

 

المصادر: عدد من الفلسطينيين الذين كانوا يعملون في الكويت, وكذلك كتاب شفيق غبرا.

Ghabra (1987: 34-37, 54, 58).

 

الملحق 10. ب

غسان كنفاني

          ولد غسان كنفاني في عكا بفلسطين, عام 1936, بعد ذلك عاش مع عائلته في يافا حتى عام 1948. وعلى إثر نكبة فلسطين, توجهت أسرته إلى لبنان ثم إلى سوريا. وهناك, تعلم في مدارس وكالة الغوث الدولية وتخرج منها ليصبح مدرساً للرسم في مدارس اللاجئين الفلسطينيين في سوريا. وبعد وصوله للكويت في عام 1956, استمر في التدريس, لكنه بدأ الكتابة في الصحف أيضاً. وفي عام 1960, ترك الكويت إلى بيروت ليعمل محرراً في مجلة الحرية الأسبوعية. وفي عام 1963, عمل في صحيفة الأنوار اليومية والحوادث الأسبوعية (كنفاني, 1981). وقد عاش غسان كنفاني تحول حركة القوميين العرب إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين, كما عمل جاهداً لتحقيق ذلك التحول. وعندما حدث الانقسام في صفوف الجبهة الشعبية عام 1969, أصبحت مجلة الحرية ناطقة باسم الفصيل الجديد, الجبهة الديمقراطية. عندها, قام غسان كنفاني بتأسيس مجلة الهدف لتكون الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. وقد بقي رئيساً لتحريرها حتى استشهاده, عندما اغتاله الإسرائيليون في يوليو/تموز 1972 (من مقالة لأحمد دحبور في صحيفة الحياة الجديدة الفلسطينية بتاريخ 16 يوليو/تموز 1997).

         وعلى الرغم من أن غسان كنفاني قد كتب العديد من الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة والأعمال النقدية والدراسات, إلاّ أن روايته "رجال في الشمس," والتي نشرها عام 1963, تعد من أهم أعماله. وقد عزى الناقد الأدبي يوسف اليوسف ذلك إلى الصور الرمزية الرائعة التي جسدتها شخصيات الرواية. فقد صورت الرواية النضال الفلسطيني من أجل البقاء في ظروف مستحيلة, في غياب قيادة فلسطينية وفي ظل بعض القيادات العربية الفاسدة والجاهلة آنذاك (اليوسف, 1985). أما أهمية الرواية بالنسبة لنا هنا, فإنها تتمثل في الوصف الدقيق لأهوال الرحلات التي كان يقوم بها الفلسطينيون من مخيمات اللاجئين حتى يصلوا إلى الكويت. ويمكن اعتبارها بحق وصفاً للهجرة الفلسطينية لمنطقة الخليج العربي, والتي كانت في جوهرها نضالاً من أجل البقاء في ظل ظروف عربية في غاية الصعوبة. فقد كانت الأنظمة العربية (ولا يزال معظمها) تحاول جاهدة أن تتحكم في حدود "دولها" بطريقة تهدف إلى منع المواطنين العرب من السفر والتنقل بين أجزاء وطنهم.

 

 

 

 

الملحق 10. ج

ألفان ومئتان من فلسطينيي الكويت في أميركا

 

        تم السماح لحوالي ألفين ومائتين من فلسطينيي الكويت بالحضور إلى أميركا قبل الحرب, ومن خلال عملية نقل جوية رتبتها السفارة الأميركية بالكويت. أما سبب اختيار هؤلاء فيعود أساساً إلى أن أحد أعضاء الأسرة كان أميركياً, وغالباً ما كان طفلاً أو أكثر من الذين ولدوا سابقاً في الولايات المتحدة. وقد تم توزيعهم على عدة ولايات, فاستقرت حوالي مائة عائلة منهم في مدينة لوس أنجيليس بولاية كاليفورنيا, واستقرت حوالي ستين عائلة في مدينة رالي بولاية كارولاينا الشمالية. ولم يكن هناك سبب لاستقرارهم في تلك المدينتين سوى هبوط الطائرتين هناك, فمعظمهم لم يكونوا يعرفون إلى أين يذهبون. وعند وصولهم, تم استقبالهم بحفاوة بالغة وكأنهم أبطال. وكان في استقبالهم فرق موسيقية وجماهير مرحبة وانتهى ببعضهم المطاف إلى النزول في أرقى الفنادق ذات النجوم الخمس. لكن ظروفهم تغيرت سريعاً, وخاصة بعد الحرب. فالحكومة الكويتية رفضت منحهم تأشيرات للعودة للكويت, والحكومة الأميركية طالبتهم بدفع تكاليف السفر والإقامة في الفنادق. وفوق ذلك, فإنها منحتهم تأشيرات إقامة صالحة حتى 31 ديسمبر/كانون ثاني 1991. وقد أدى ذلك لتقليل فرصهم للحصول على وظائف تتناسب ومؤهلاتهم نظراً لتخوف أصحاب العمل من أنهم سيتركون أعمالهم بعد ذلك التاريخ. وبعد أشهر من المعاناة, تم منحهم مهلة لمدة أربع سنوات لتسوية حالاتهم. وقد تمكن غالبيتهم خلال تلك المدة من الحصول على الإقامة الدائمة من خلال وظائفهم أو من خلال الالتحاق رسمياً بأقاربهم أو من خلال اللجوء السياسي. وعلى الرغم من أن حياتهم الجديدة في أميركا لم تكن سهلة أو تخلو من المشاكل, إلا أن صعوباتها لا تذكر بالمقارنة مع معاناة الفلسطينيين الذين بقوا في الكويت.

المصدرThe Los Angeles Times (November 14 & 16, 1991).

 

الملحق 10. د

الرقابة العسكرية على وسائل الإعلام

 

        أظهرت إحدى الدراسات عن التغطية الإعلامية لحرب الخليج أن الحكومة الأميركية ومعها وسائل الإعلام قد اتبعت نظاماً صارماً من الانضباط أدى إلى زيادة تحكم الحكومة في الرأي العام الأميركي لأقصى درجة ممكنة. فقد تحكم القادة العسكريون فيما يمكن نقله من أخبار الحرب عن طريق السماح لصحفيين معينين من مؤسسات إعلامية معينة بمرافقتهم لمشاهدة أماكن مختارة. وإذا ما قام أحد الصحفيين بنقل الأخبار بطريقة "غير ودية," فانه كان لا يسمح له بالمشاركة في التغطية الإعلامية مرة أخرى. وخلال المؤتمرات الصحفية اليومية التي كان يعقدها القادة العسكريون, كانت الفرصة تعطى فقط للصحفيين "المتعاونين" ليقوموا بتوجيه الأسئلة. وإذا ما قام أحد الصحفيين بتوجيه سؤال غير لائق, كان يتم التهكم عليه أمام عدسات التلفزيون على مسمع ومرأى من المشاهدين في جميع أنحاء العالم, فيكون ذلك درساً له ولغيره حتى لا يقوموا بمثل ذلك مرة أخرى. وعندما كان بعض الصحفيين يحاولون الحصول على أخبار الحرب بدون الاتصال بالقيادة العسكرية, كان يتم احتجزاهم لساعات أو أيام. وقد أدت هذه الإجراءات كلها إلى قيام الإعلاميين بفرض رقابة ذاتية على أنفسهم. وهكذا, قام الإعلاميون بالتقيد بقوانين العمل والإجراءات ووجهات النظر التي فرضها عليهم العسكريون, وذلك حتى لا يتم إبعادهم عن تغطية أخبار الحرب. وقد أدى ذلك إلى أقصى درجات التحكم في كيفية رؤية وفهم المواطنين لمسار الحرب ونتائجها. وأخيراً, فإن هذا الأسلوب الجديد أدى إلى تحكم المؤسسة العسكرية بالإعلاميين دونما حاجة لفرض الرقابة العسكرية المباشرة, وأضحت وظيفة الإعلاميين لا تعدو عن كونها توصيلاً لوجهة نظر المؤسسة العسكرية لعامة الناس.

(Marullo, 1993: 138-140).

 

جدول رقم 1.10

التوزيع السكاني للفلسطينيين حتى عام 1982

المناطق والبلدان 1949                1970            1975            1981           1982

اسرائيل             133,000       363,600        436,100       550,800       574,800

الضفة الغربية      720,000      683,700        785,400        833,000      871,600

قطاع غزة              8,520       345,600        390,300        451,000      476,300

فلسطين          1,131,520    1,392,900     1,611,800      1,834,800   1,922,700

الأردن                70,000       591,000        644,200      1,148,334   1,189,600

لبنان                100,000       247,000        288,000         358,207      492,240

الكويت                ------         140,300        194,000         299,710      308,177

سوريا                75,000       155,700        183,000         222,525      229,868

السعودية              ------           31,000          59,000         136,779      147,549

مصر                   7,000         33,000          39,000           45,605        35,436

باقي دول الخليج     ------           15,000          29,000         113,643        64,037

العراق                  4,000         30,000          35,000           20,000        21,284

ليبيا                    ------             5,000           10,000           23,759        23,759

بقية الدول العربية   ------             ------             ------               ------         52,683

الولايات المتحدة     ------          25,000            28,000         104,856     108,045

بقية البلدان            ------            ------             ------            140,116     143,780

المجموع       1,387,520    2,665,900       3,121,000       4,446,938  4,739,158

المصدر:

Brand (1988: 9).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


الجدول رقم 2.10

الفلسطينيون في الكويت في الفترة ما بين 1957 و 1995

 

نسبتهم من المجموع         المجموع          إناث              ذكور                  السنة               

 

1957              11,616           3,557       15,173                7.3

1961              25,741         11,741       37,482              11.7

1965              49,744         27,968       77,712              16.6

1970              79,934         67,762     147,696              20.0

1975            107,770         96,408     204,178              20.5

1981              ------             ------       299,710              20.9

1990              ------             ------       400,000*            18.7

1995              ------             ------         26,000**            0.01

 

المصادر: وزارة التخطيط الكويتية, مجلس الإحصاء السكاني, إحصاء السكان

        لعام 1957؛ والملخصات الإحصائية السنوية للأعوام 1964-1975.

)Alessa, 1981: 34).

  الاقتصاد العربي, رقم 71, يونيو/حزيران-يوليو/تموز 1982, صفحة 15.

*  في عام 1990, كان الفلسطينيون في الكويت يقدرون بحوالي 400,000

   نسمة, ويمثلون حوالي  18.7 بالمائة من السكان.

 (Al-Yahya, 1993: 114).

   كذلك فإن عددهم قد قدر بحوالي 450,000 نسمة من قبل موظفين

   حكوميين أدلوا بذلك بعد  الحرب.

(The New York Times, March 14, 1991; USA Today, April 3, 1991).

** وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأنروا). تم

    ذكرها ضمن الإشارة إلى مقالة بعنوان "الانتشار الفلسطيني" في جريدة

    الحياة بتاريخ 1 يوليو/تموز 1997. وقد ذكرت الإحصائيات والمقالة

    ضمن مقالة لأحمد صدقي الدجاني عنوانها "مستقبل فلسطينيي الخليج في

    ظل اتفاق أسلو 2-4." جريدة الخليج, بتاريخ 17 أكتوبر 1997.

الجدول رقم 3.10

سكان الكويت

 

المجموع                   المهاجرون                          الكويتيون                     السنة

                      النسبة          العدد               النسبة           العدد

 

1957          113,622         55               92,851         45              206,473

1961          161,909         50.4          159,712         49.6            321,621

1965          220,059         47.1          247,280         52.9            467,339

1970          347,396         47             391,266         53               738,662

1975          472,088         47.5          522,749         52.5            994,837

1980          565,613         41.7          792,339         58.3         1,357,952

1985          681,288         40.1       1,016,013         59.9         1,697,301

1989          545,738         26.7

           *(B)250,651         12.3       1,244,572         61.0         2,040,961

1990          564,262          26.3

          *(B)262,324           12.3*    1,316,014         61.4         2,142,600

1995

         **(B)160,000                                                                1,817,397***

 

مصادر: وزارة التخطيط الكويتية, مكتب الإحصاء المركزي, الملخصات

          الاحصائية السنوية, 1989, جدول رقم 11 وجدول رقم 12.

Crystal (1992: 50); KMI (1986: 29).

          بنك الكويت الصناعي, إحصائيات القوى العاملة في الكويت, 16

          أغسطس/آب 1976.

Alessa (1981: 13).

        * (ب) تشير إلى البدون, أي سكان الكويت الذين هم بدون جنسية

         (أنظر الفصل الثالث). وقد بدأت الإحصائيات الرسمية عنهم تظهر

          بشكل منفصل ابتداء من عام 1989. وكانوا قبل ذلك يدمجون مع

          المواطنين.

Human Rights Watch (1995: 11-12).

    ** بحلول عام 1995, كان عدد البدون يقدر ما بين 135,000 (وهذا هو الرقم الرسمي) و

         180,000 (وهذا الرقم أكثر دقة). ويعزى هذا النقصان في عددهم بالمقارنة مع عام

       1990 إلى طرد الكثيرين منهم من البلاد والى منع آخرين من العودة إليها بعد لحرب.

Human Rights Watch (1995: 12).

***  U.S. Bureau of the Census, International Data Base.

ملاحظات ومصادر

 



[1] Congress, 1991: 87.

خلال جلسة الاستماع التي انعقدت يوم 11 يونيو/ حزيران 1991, بإشراف لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي, وصف النائب الديمقراطي لي هاملتون الأعمال الإرهابية الكويتية بأنها "فظائع."

 

[2] Al-Shahi, 1993: 10-11.

[3] El-Najjar, 1993; El-Najjar, 1988.

[4] Hallaj, 1980.

[5] Lienhardt, 1993: 44, 87.

[6] Ghabra, 1987: 41.

 

 [7]  وكان من بين هؤلاء أعضاء البعثة التعليمية الأولى والإداريون الأوائل من أمثال خالد الحسن, الذي أصبح من قياديي حركة فتح, وكذلك طلال الغصين الذي أصبح سفيراً للكويت في الولايات المتحدة, واللواء وجيه المدني الذي أصبح أول رئيس لهيئة أركان جيش التحرير الفلسطيني في الفترة ما بين 1965 و 1969. وكان من بين الرائدات اللاتي لعبن أدواراً هامة في تعليم النساء الكويتيات ميسر شاهين وفايزه كنفانى وألفه قطيني.

[8] Ghabra, 1987: 43, 47-50, 66-70.

[9] El-Najjar, 1993; Elnajjar, 1988.

[10] El-Najjar, 1988.

[11] MEW, 1991: 1, 4-5.

[12] The Guardian, March 13, 1991; USA Today, April 3,

   1991.

[13] Alessa, 1993: 114.

[14] The New York Times, March 14, 1991; USA Today, April

    13, 1991.

[15] The Chicago Tribune, March 4, 1991.

[16] USA Today, April 3, 1991.

[17] The Christian Science Monitor, August 2, 1991.

[18] The New York Times, March 14, 1991.

[19] The New York Times, March 14, 1991.

[20] El-Najjar, 1993.

[21] Van Hear, 1995.

[22] Lubbadah, 1991: 62-63, 84-99.

[23] MEW, 1991: 1, 4-5.

[24] Lubbadah, 1991: 113-116.

[25] The Boston Globe, March 1, 1991.

[26] The Chicago Tribune, March 4, 1991; The New York

    Times, March 4, 1991.

[27] The Boston Globe, March 5, 1991.

[28] The New York Times, March 6, 1991.

[29] Los Angeles Times, March 22, 1991.

[30] The Guardian, April 20, 1991.

[31] The New York Times, June 9, 1991.

[32] Lubbadah, 1991: 160-168.

[33] MEW, 1991: 21-22.

[34] Lubbadah, 1991: 160-168.

[35] USA Today, July 9, 1991.

[36] The New York Times, July 8, 1991.

[37] Los Angeles Times, March 14, 1991.

[38] The Chicago Tribune, March 14, 1991.

[39] The New York Times, March 15, 1991.

[40] The Guardian, March 16, 1991; The Washington Post,

    March 17, 1991.

[41] San Fransisco Chronicle, March 20, 1991.

 

 [42]   في عام 1997, كان عبد الله النيباري هدفاً لمحاولة اغتيال ضده. وقد

      وجدت المحكمة أن المعتدين المباشرين لم يكونوا من آل صباح.

[43] The New York Times, June 11, 1991.

[44] Lubbadah, 1991: 113-116.

[45] Healey, 1991: 47; Roth, 1991: 11.

[46] Los Angeles Times, June 3, 1991.

[47] The New York Times, June 9, 1991.

[48] The Boston Globe, March 5, 1991.

[49] Los Angeles Times, March 29, 1991; The New York

   Times, April 3, 1991.

[50] USA Today, May 7, 1991.

 [51]  لباده (1991: 113-116). وقد أشار العزوني (1992: 51) إلى ثلاثة

     منهم, وهم ناصر الأحمد, وباسل سالم, وأحمد فهد الأحمد.

 [52]  لباده (1991: 113-116).

[53] Los Angeles Times, March 22, 1991; The Guardian,

    March 22, and March 1991.

[54] USA Today, April 3, 1991.

[55] The New York Times, April 3, 1991.

[56] Roth, 1991: 32-33.

في عام 1985, قاد الجوعان استجواباً في مجلس الأمة الكويتي لوزير العدل, الشيخ دعيج السلمان, بخصوص مخالفات مالية قام بها. وقد أدى الاستجواب إلى استقالة الشيخ (روث, 1991: 32-33). وكان الاستجواب يتعلق بسقوط سوق المناخ للأوراق المالية وكيف قامت الحكومة بتعويض الضحايا من المتعاملين. وهكذا, تم فهم محاولة الاغتيال على أنها انتقام منه لأنه تجرأ وحاول التحقيق مع أحد أعضاء الأسرة الحاكمة.

[57] Los Angeles Times, April 9, 1991.

[58]  لباده (1991).

 

 

 

 [59]  في ما يلي قائمة بأسماء تلك الصحف وتواريخ صدور الأعداد التي وثقت الحملة

      الإرهابية الكويتية, عام 1991.

Atlanta Journal and Constitution: March 4, Boston Globe: March 1, 5, 9, 18, 20, 28,

Chicago Tribune: March 4, 14, 16,

Christian Science Monitor: March 4, 26, April 3, 17,

     August 2, September 6, 17,

Detroit News: March 1, 10,

Guardian: March 6, 13, 15, 16, 22, 26, 31, April 2, 9, 19,

     20, June 30, July 5,  

Los Angeles Times: March 1, 8, 14, 22, 28, 29, April 4, 9,

     19, 28, 29, May 26, June 3, November 4, 16,

New York Times: March 4, 6, 10, 11, 14, 15, 31, April 3, 10,

      May 6, June 9, 11, July 8, October 3, 

San Francisco Chronicle: March 20,

USA Today: March 7, April 3, 5, May 7, 30, June 17, July 3, Washington Post: March 9, 17, 19.

 

[60] The Boston Globe, March 5, 1991.

[61] MEW, 1991.

[62] The U.S. House of Representatives, 1991.

 [63]  لباده (1991).

 [64]  لباده (1991: 53).

[65] USA Today, July 9, 1991.

[66] USA Today, May 7, 1991.

[67] The Los Angeles Times, March 14, 1991.

[68] MEW, 1991.

[69] The Boston Globe, March 28, 1991.

[70] The New York Times, June 11, 1991.

[71] Healey, 1991: 43-46.

[72] The Guardian, March 22, 1991.

 [73]  لباده (1991: 57).

[74] The New York Times, March 6, 1991.

[75] The Guardian, March 22, 1991; The Christian Science

    Monitor, March 26, 1991.

[76] USA Today, May 30, 1991.

[77] The Washington Post, March 17, 1991.

[78] San Francisco Chronicle, March 20, 1991.

[79] The Guardian, April 19, 1991.

[80] USA Today, July 3, 1991.

[81] The Boston Globe, March 9, 1991.

[82] USA Today, April 3, 1991.

[83] The Guardian, April 3, 1991.

[84] The Boston Globe, March 18, 1991.

[85] The New York Times, April 3, 1991.

[86] MEW, 1991: 55, 57.

[87] The Los Angeles Times, March 14, 1991.

[88] MEW, 1991: 55, 57.

[89] Bush and Scowcroft, 1998.

[90] Baker, 1995.

[91] Powell, 1995.

[92] Bin Sultan, 1995.

[93] Schwarzkopf, 1992.

[94] Bin Sultan, 1995: 183-184.

[95] Los Angeles Times, April 4, 1991.

[96] The Guardian, October 27, 1991.

[97] Bin Sultan, 1995: 268, 312, 316, 339.

[98] The Christian Science Monitor, April 3, 1991.

[99] Peres, 1993: 56-57.

[100] Ghabra, 1991: 6.

[101] Brand, 1988: 115; Russell, 1989.

[102] Ghabra, 1991.

[103] Ghabra, 1991: 10.

[104] Lubbadah, 1991; USA Today, June 17, 1991.

[105] Los Angeles Times, June 3, 1991.

[106] The Christian Science Monitor, August 2, 1991.

[107] Ghabra, 1991: 13.

[108] Ghabra, 1991: 13.

[109] Healey, 1991: 104.

[110] The Los Angeles Times, May 26, 1991.

 

ربما كان هذا الشخص يدعى محمد على عبد الشافي, وربما الشعافي. وجب التنويه لأن الصحفيين الأجانب عادة لا يلقون بالاً للدقة في كتابة الأسماء, خاصة في حالة وجود حروف عربية غير موجودة في لغاتهم, مثل حرف العين كما في هذه الحالة.

[111] Roth, 1991: 23-24.

[112]   وقد تم الإفراج عن عشرة منهم في أبريل/نيسان 1997, بعد قضاء ست

      سنوات في السجن, وذلك كدليل على تحسن العلاقات بين الكويت

      والأردن.

[113] The Boston Globe, March 1, 1991.

[114] The Atlanta Journal and Constitution, March 4, 1991.

[115] Ghabra, 1991: 11.

[116] Roth, 1991: 98.

[117] The Christian Science Monitor, August 2, 1991.

[118] Roth, 1991: 21-22; The Los Angeles Times, May 26,

     1991.

 

وأضاف رئيس المحكمة بأن هذا العمل قد أدى إلى زيادة شعور المواطنين بتعرضهم للإرهاب كما أدى إلى إضعاف صمودهم وقدراتهم على المقاومة. كما أنه كان يمثل للكويتيين أقسى درجات العقوبة وأسوأ مستويات الإذلال! (كل هذا فعلته صورة صدام حسين!!! ... يا سبحان الله).

 

[119]   تمت تغطية الحدث في مختلف وسائل الإعلام العربية, خاصة محطتي أبو ظبي والجزيرة الفضائيتين وكذلك صحيفة القدس العربي. وكلها أبرزت ما قوبل به الحسيني من هجوم في وسائل الإعلام ومجلس الأمة الكويتي.