مقدمة

القصة الحقيقية لحرب الخليج

 

    في الثاني من أغسطس/آب 1990, قام العراق بغزو الكويت كمحصلة لتطورات تراكمت طيلة القرن العشرين. وردا على ذلك، قامت الولايات المتحدة الأميركية بقيادة تحالف من إحدى وثلاثين دولة أجبر العراق على الانسحاب من الكويت. وقد أدت حرب الخليج التي حدثت عام 1991 لاستشهاد مئات الآلاف من الجنود العراقيين بالإضافة إلى عدة آلاف من المدنيين العراقيين والمدنيين الفلسطينيين في الكويت إثر انتهاء المعركة. وخلال العقد الذي تلا الحرب، فان العراق قد وضع تحت حصار ونظام للعقوبات الاقتصادية أديا لوفاة حوالي مليون ونصف من العراقيين, من بينهم حوالي نصف مليون من الأطفال. فما الذي حدث ليستوجب كل هذا القتل وكل هذه الوفيات؟ لماذا قام العراق بغزو الكويت؟ ولماذا تم تدمير قدرات العراق العسكرية والاقتصادية بدلاً من التوقف عند إنهاء غزوه للكويت؟

       لقد نشرت مئات الكتب عن مختلف جوانب حرب الخليج، ولكن هذا الكتاب يختلف عنها في أنه يحلل الحرب بموضوعية. كما أنه يتعامل مع الأزمة التي أدت لتلك الحرب على أنها إحدى التطورات التاريخية، بدلا من تفسيرها وكأنها حدث عارض أو عمل فوضوي أدى للإخلال بالنظام العالمي. ويتعرض هذا الكتاب للجوانب الأساسية للأزمة وللحرب والتي أغفلتها الغالبية العظمى من تلك الكتب. وهكذا, فان المحصلة النهائية لهذا الكتاب تتمثل في القصة الحقيقية لحرب الخليج والتي تروى هنا بطريقة تحترم ذكاء القراء. كما أن هذا الكتاب يركز بشكل خاص على أسباب وكيفية دخول أميركا هذا الصراع. أخيراً, فان هذا الكتاب ينفرد عن باقي الكتب بميزات ثلاث في هذا المجال. فأولاً, انه ينتقد إدارة بوش على الطريقة التي عالجت بها الأزمة في البداية ثم الحرب بعد ذلك. ثانياً, انه يحلل المصالح الغربية في الوطن العربي, والتي كان لها دورٌ قويٌ في نشأة الأزمة وتطورها. ثالثاً, لأن المؤلف عاش في الوطن العربي, بما في ذلك منطقة الخليج, وفى الولايات المتحدة على حد سواء, فان ذلك قد مكنه من القدرة على تزويد القراء برؤية متعمقة للأحداث من الجانبين العربي والأميركي, الأمر الذي لا يتمتع به معظم من كتبوا عن الموضوع.

        لقد زعم مؤيدو حرب الخليج أنها قد شنت بصفة أساسية لإنهاء الغزو العراقي للكويت ووضع حد لطموحات الرئيس العراقي صدام حسين.[1] هذه المزاعم سيتم بحثها بالعلاقة مع الأهداف الأكثر أهمية للحرب. وبصفة خاصة, فإن البحث سيتركز على الأسئلة الأساسية التالية. أولاً, هل كانت الحرب حقيقة تهدف إلى إنهاء الغزو العراقي للكويت, أم أنها كانت لإعادة فرض هيمنة القوى الغربية الرئيسة -- الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا -- على المنطقة؟  ثانياً, من هم أصحاب المصلحة الحقيقية في الحرب؟ وبكلمات أخرى, ألم يكن تدمير قدرات العراق هدفاً بحد ذاته, لأن العراق كان يمثل تهديداً لإسرائيل في غياب العملية السلمية في الشرق الأوسط؟  ثالثاً, ألم تكن الحرب تمثل فرصة ذهبية لتبرير هيمنة العسكريين على المجتمع, خاصة في الولايات المتحدة؟ أخيراً, ألم تكن الحرب نتيجة لتصاعد الصراع بين الوحدويين والسياديين العرب؟ ذلك الصراع الذي أدى في النهاية إلى طغيان مصلحة الدولة القطرية على المصلحة القومية العربية.

        لم يتطرق معظم المؤلفين إلى كيفية دخول أميركا الحرب. وعلى وجه الخصوص, فإن نفوذ خبراء الشرق الأوسط من أعوان إسرائيل في الإدارة الأميركية لم تتم دراسته في معظم الأعمال التي كتبت عن الحرب. لذلك فإن جزءاً هاماً من البحث في هذا الكتاب هو عن هؤلاء الخبراء. فمن هم؟ وكيف أثروا على الرئيس جورج بوش, وعلى وزير خارجيته جيمس بيكر , وعلى مجلس الأمن القومي الأميركي, في صنع القرارات قبل وبعد الأزمة والحرب؟  للإجابة على هذه الأسئلة, سيكون هناك تركيز على دور هؤلاء الخبراء في دمغ العراق بأنه معاد للولايات المتحدة قبل الغزو بوقت طويل.[2]  ثم كيف تمكن هؤلاء الخبراء من التأثير على مجلس الأمن القومي في جلسته الثانية التي عقدت مباشرة بعد الغزو العراقي للكويت؟ إن دراسة تأثير هؤلاء الخبراء على الرئيس بوش تأخذ المناقشة إلى عدة شئون أخرى لها علاقة بالموضوع, مثل المصالح القومية الأميركية, والرئاسة, والديمقراطية في أميركا.

بالنسبة للحرب نفسها, فان في الكتاب محاولة للإجابة على الأسئلة الأساسية التي نادراً ما التفت إليها المؤلفون الآخرون. وبشكل خاص, هل كانت الإدارة الأميركية مترددة في خوض الحرب أم أنها كانت مصرة على شنها؟ وهل كانت الإدارة الأميركية راغبة في قبول الحلول السلمية للأزمة, أم أنها كانت تصر على عدم السماح للعراق بالانسحاب بدون قتال؟ وأخيرا, هل توقفت الحرب عندما خرجت القوات العراقية من الكويت, أم أنها قد مددت عمداً لتصبح إسرافاً في القتل والتدمير؟

        لقد تم انتقاد الإدارة الأميركية لانتهاجها سياسة ذات معيارين بالنسبة لتنفيذ سياستها في الشرق الأوسط. وهذا الكتاب يحلل تلك السياسة من خلال الإجابة على الأسئلة التالية. أولاً, هل كانت إدارة بوش تتبع نفس المعايير في سياستها الخارجية, أم أنها كانت تتبع سياسة ذات معيارين أدت بها إلى اعتبار الغزو العراقي للكويت على أنه عدوان ينبغي التصدي له, بينما اعتبرت الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية أمراً يمكن تسويته بالمساعي السلمية التي يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية؟ وهل قامت الإدارة الأميركية بالضغط على إسرائيل لتنسحب من الأراضي العربية المحتلة مثلما فعلت لإجبار العراق على الخروج من الكويت؟ ولماذا تم التعايش الأميركي مع الاحتلال الإسرائيلي لعقود عديدة, منذ عام 1967, بينما لم يتم احتمال الغزو العراقي للكويت لأكثر من خمسة أشهر؟ هل كان لذلك علاقة بحقيقة أن خبراء السياسة الخارجية في الإدارة الأميركية كانوا يدعمون السياسة التوسعية الإسرائيلية؟[3] وهل كان ذلك لأنهم كانوا يتجاهلون حتى "دعاة السلام" الإسرائيليين , مثل شمعون بيرس, الذي كان قد توصل إلى اتفاق مع الملك حسين لبدء مسار السلام في عام 1987؟[4] وأخيرا, ألا يمكن لمواقف هؤلاء الخبراء أن تفسر لماذا كانت إدارة بوش تصر على  رفض جميع المبادرات السلمية لحل الأزمة, بحجة أنها كانت "ربطا".[5]

 

فصول الكتاب

 

        هذه الأسئلة ستتم الإجابة عليها في مختلف فصول الكتاب. وسيرى القارئ كيف قامت إدارة بوش بمعالجة الأزمة والحرب في الخليج. ومن خلال البحث والتحليل لهذه الأسئلة وإجاباتها, ستظهر القصة الحقيقية لحرب الخليج. وينقسم الكتاب إلى جزئين, الأول يحتوي على الفصول الخمسة الأولى التي يجمعها كونها خلفية لفهم الأزمة. أما الجزء الثاني, فيضم الستة فصول الأخيرة التي تتناول الأزمة والحرب وما بعدها.

ففي الفصل الأول, سيتم البحث في المطالب العراقية بالكويت, الأمر الذي سيلقى ضوءا على العلاقة الخاصة بين الكويت والعراق, تلك العلاقة التي طالما أغفلت كعامل هام أدى لتطور الأزمة.

لقد وُصف الغزو العراقي للكويت بأنه نتيجة للنزاعات الحدودية والاختلاف على أسعار النفط. وعلى الرغم من أن ذلك كان صحيحاً,[6]  إلاّ أن الأزمة ما كانت تستدعى غزواً عسكرياً لحلها لو أن الأمر كان كذلك فقط. لقد كانت هناك علاقة خاصة بين العراق والكويت. فطيلة القرن العشرين، كان العراق يطالب بالكويت على أنها جزء من أراضيه. والحقيقة أن غزو العراق للكويت عام 1990 كان المحاولة العراقية الرابعة لاستردادها.[7] ونتيجة لتلك العلاقة الخاصة, كان العراقيون يشعرون دائما بأن من واجب الكويتيين مساندة العراق. وهكذا, توقعوا المساندة الكويتية لهم أثناء الحرب العراقية~الإيرانية وبعدها. وقد ظهرت الأزمة إلى العلن عندما بدأت الحكومة الكويتية تطالب العراق بسداد ديون الحرب. وتعمقت الأزمة بعد ذلك عندما لم يستجب الكويتيون لمطالب العراق بتعديل الحدود وبوقف الزيادة في إنتاج النفط, والتي أدت إلى هبوط كبير في الأسعار. وهكذا، فان الفصل الأول يركز على العلاقة الخاصة بين العراق والكويت ، كخلفية ضرورية لفهم تطور الأزمة والحرب.

أما الفصل الثاني , فانه يركز على العلاقة بين السعودية والكويت بهدف إيضاح الدور الهام الذي لعبه السعوديون خلال الأزمة والحرب. فمنذ الساعات الأولى من دخول القوات العراقية للكويت، لجأت الأسرة الحاكمة وأعضاء الحكومة الكويتية للسعودية. ولم يقتصر الدعم السعودي على تقديم اللجوء للكويتيين بل تعداه للموافقة على استقبال وتمويل قوات التحالف. فكيف يمكن تفسير هذا الموقف السعودي المؤيد للكويت؟ صحيح أن إدارة بوش هي التي أقنعت السعوديين لاتخاذ ذلك الموقف.[8] ولكن كان هناك سبب هام آخر، ألا وهو أن الأسرتين الحاكمتين كانتا حليفتين طيلة القرن العشرين. ففي عام 1901، قام حاكم الكويت مبارك الصباح بمساندة عبد العزيز آل سعود في استعادة حكم عائلته لنجد. وقام آل سعود برد الجميل لآل صباح أولاً في عام 1961 عندما ساندوهم ضد المحاولة العراقية الثالثة لاستعادة الكويت. بعد ذلك, توثقت العلاقات بين العائلتين بانضمام الكويت لمجلس التعاون الخليجي, عام 1981.[9] وبالرغم من ذلك ، فالعلاقات بينهما لم تكن دائما ودية، فقد كان بينهما نزاعات حدودية, وحتى قتال في بعض الأحيان, كما يوضح الفصل الثاني من هذا الكتاب.[10]

أما الفصل الثالث , فانه يبحث في علاقات الكويتيين بالمهاجرين الذين قدموا للإقامة والعمل في الكويت. وبشكل خاص, فانه يحلل سوء معاملة هؤلاء المهاجرين من قبل الحكومة الكويتية بهدف فهم أحد جوانب الصراع العربي~العربي. كذلك فانه يساعد في فهم كيفية تعامل الكويتيين مع العراقيين, خاصة الموقف الكويتي إزاء المطالب العراقية بشأن الحدود وإنتاج النفط, وكذلك مطالبة الكويت للعراق بدفع الديون المستحقة عليه بمجرد انتهاء الحرب العراقية~الإيرانية؟  في الحقيقة، لا يمكن فهم ذلك دون ربطه بالطريقة التي تعاملت بها الحكومة الكويتية مع الآخرين. فالمهاجرون في الكويت -- والذين يشار إليهم هناك على أنهم عمالة أجنبية -- قد تعرضوا بانتظام لسياسة تمييز رسمية مما أضر بهم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. وكان ذلك من جراء حرمانهم من الإقامة الدائمة والجنسية هم وأبنائهم الذين ولدوا في البلاد وتربوا فيها. [11] وعلى الرغم من أن الكويت ليست القطر العربي الوحيد الذي ينتهج مثل تلك السياسة إزاء المهاجرين، إلا إنها تتميز في ذلك عن باقي الأقطار العربية للأسباب الثلاثة التالية. أولاً، يوجد في الكويت مجموعة سكانية كبيرة من غير المواطنين الذين لا يحملون جنسية أية دولة أخرى، وهؤلاء يطلق عليهم اسم "البدون" أي الذين هم بدون جنسية. وقد عاش هؤلاء عرضة للاستغلال من قبل الحكومة الكويتية التي كانت تشغلهم في أقل الوظائف أجوراً في الشرطة والجيش ، وبدون أن يؤدى ذلك إلى تعديل أوضاعهم القانونية في البلاد. [12] ثانياً, كان في الكويت أكبر جالية فلسطينية خارج فلسطين والأردن. وعلى الرغم من أن الفلسطينيين قد هاجروا للعمل في الكويت منذ الثلاثينات من القرن العشرين، وأنهم قد أسهموا إسهاماً رئيساً في بناء الكويت الحديثة، إلاّ انهم قد تعرضوا للتمييز ضدهم شأنهم في ذلك شأن البدون. كما حرموا كباقي المهاجرين من أي حق في الإقامة الدائمة أو الجنسية مهما امتدت إقامتهم ومهما كانت خدماتهم للبلاد. [13] ثالثاً, لقد أدت السياسات التمييزية الكويتية إلى انفصال مادي ونفسي بين المهاجرين والمواطنين الكويتيين، مما ولد الريبة وفقدان الثقة المتبادل بين المجموعتين، الأمر الذي أدى إلى مرحلة خطيرة من التصعيد وصلت إلى حد حملة الإرهاب التي تعرض لها الفلسطينيون والبدون وكثير من المهاجرين بعد انتهاء الحرب. [14] ومما يدعو للعجب أنه بالرغم من التمييز وسوء المعاملة لهاتين المجموعتين قبل الحرب، إلاّ أن الحكومة الكويتية كانت تتوقع منهما أن تكونا أكثر ولاء لها من المواطنين الكويتيين. وهكذا, وجهت اللوم للفلسطينيين والبدون بعد الحرب, وذلك على بقائهم وعملهم في البلاد أثناء فترة الإدارة العراقية. والحقيقة أنهم, وبعكس الكويتيين, لم يكن بإمكانهم المغادرة إلى أي مكان ولم تمد الحكومة الكويتية في المنفى يد المساعدة لهم كما فعلت إزاء المواطنين الكويتيين. وقدم هؤلاء للكويتيين ككبش فداء, وكتبرير للحملة الإرهابية ضدهم بعد الحرب, والتي أشغلت الكويتيين عن مساءلة حكومتهم عن مسئوليتها عن الأزمة والحرب. وبينما ستتم مناقشة الحملة الإرهابية ضد الفلسطينيين في الفصل العاشر, ستتم مناقشة السياسات التمييزية الكويتية ضد المهاجرين في الفصل الثالث.

ويشمل الفصل الرابع تحليلاً للصراع في إطاره العربي الذي طالما تم طمسه ونفيه كأنه غير موجود. فقد تطورت الأزمة العراقية~الكويتية كنتيجة لحقيقة أن حكومتي البلدين تمثلان عقيدتين سياسيتين متصادمتين. في هذا الصراع العربي~ العربي, يمثل حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم في العراق عقيدة سياسية تقارب اشتراكيات المجتمعات الغربية. أما الحكومة الكويتية, فإنها لا تزال تستند على نظام قبلي يسمح للمواطنين فقط بأن يتمتعوا بالحقوق الإنسانية الأساسية, بينما يمنع ذلك عن الأغلبية العظمى من السكان, وجلهم من المهاجرين العرب. وبينما يقوم أتباع العقائد السياسية المختلفة , مثل الأحرار والمحافظين في الولايات المتحدة والمجتمعات الصناعية الأخرى, بتداول السلطة سلميا فيما بينهم وذلك بقبولهم نتائج الانتخابات, فان ذلك لم يحدث في الوطن العربي بعد. فبعض الأقطار العربية لا تزال بلا نظم انتخابية تتعدد فيها الأحزاب, وبعضها الآخر ليست لديها انتخابات على الإطلاق. و بالإضافة إلى ذلك, فان المنافسة بين الأقطار العربية تعمق من هذه الاختلافات في النظم والعقائد السياسية. وعلى ذلك, فانه يمكن فهم الغزو العراقي للكويت في عام 1990 بشكل أفضل إذا ما تم تحليله كنتيجة للصراع بين عقيدتين سياسيتين مختلفتين, في غياب وطن عربي ديمقراطي موحد.

ويركز الفصل الخامس على تحليل دور المصالح الغربية في تطور الأزمة والحرب. فقد أظهرت حرب الخليج أن النخب الحاكمة في الغرب راغبة في خوض حرب رئيسة من أجل الحفاظ على مصالحها في الخليج. فقد اعتبر حكام الغرب أن الغزو العراقي للكويت تهديد لمصالحهم النفطية. ولكنهم أيضا كانوا قد ناصبوا العراق العداء قبل غزوه للكويت بوقت طويل. فلكي تتم المحافظة على المصالح الغربية, تم إشغال الحكومات العراقية المتتالية بالقتال ضد الأقلية الكردية في البلاد طيلة القرن العشرين. فبين عامي 1922 و 1975 , ثار الأكراد العراقيون عدة مرات ضد الحكومة المركزية, تلقوا أثناءها مساعدات من بريطانيا والولايات المتحدة وإسرائيل وإيران.[15]  ونتيجة لذلك, فان العراق لم يحظ بأكثر من خمسة أعوام من السلام, ما بين عامي 1975 و 1980. بعد ذلك, بدأت الحرب العراقية~الإيرانية واستمرت حتى عام 1988. وكانت تلك الحرب غير بعيدة في أسبابها عن المشكلة الكردية, فقد بدأت كنتيجة لإلغاء اتفاقية 1975 بين العراق وإيران, والتي أنهت التمرد الكردي.[16]

وعندما توقفت الحرب العراقية~الإيرانية عام 1988, كان العراق مدينا بحوالي 90 بليون دولار, كما كان في حاجة ماسة للمال من أجل إعادة بناء اقتصاده.[17] ولكن هبوط أسعار النفط لم يمكن العراق من المضي قدما في خططه لإعادة الإعمار. وهكذا, يمكن القول أن أزمة العراق الاقتصادية في عام 1990, كانت أساسا نتيجة للحرب العراقية~الإيرانية التي دامت حوالي ثمانية أعوام, كما كانت أيضا نتيجة للحرب الأطول لإنهاء التمرد الكردي في البلاد.

 بالإضافة للمصالح النفطية, فإن للنخب الحاكمة في الغرب مصلحة في إبقاء ظاهرة سيطرة العسكريين على المجتمع. ففي شهور قليلة خلال عامي 1989 و 1990, أدى سقوط الاتحاد السوفيتي إلى حرمان الصناعات الحربية الغربية من ادعاءاتها بضرورة إبقاء الإنفاق على التسلح على أعلى مستوى ممكن. وقد سعد الناس في الولايات المتحدة لدرجة أن كثيراً منهم بدأوا يتحدثون عن العائدات المالية للسلام, وأنه قد آن الأوان لكي تتناقص الضرائب المفروضة للإنفاق العسكري. وعندما نشبت الأزمة العراقية~الكويتية, بدأت الصناعات الحربية ومساندوها من بين النخب الحاكمة في الغرب بالمطالبة من جديد باستمرار الإنفاق العسكري الباهظ. وهكذا, ما أن انتهت الحرب الباردة الأولى, حتى انبرى أصحاب المصلحة ينادون بحرب باردة جديدة. فقد كانت الحرب الباردة قبل كل شئ تجارة رابحة للمستفيدين منها. ففي الولايات المتحدة وحدها, بلغت تكاليفها حوالي 12.8 ترليون دولار في الفترة ما بين عامي 1945 و 1990.[18]

أما الفصل السادس, فانه يركز على أزمة عام 1990 وجذورها. فعلى الرغم من أن العلاقات العراقية~الكويتية اتصفت بالتوتر طيلة القرن العشرين بشكل عام, إلا أن ذلك التوتر كان يزداد خلال الأزمات, لا سيما في الأعوام 1901, 1902, 1938 و 1961 ولكنه وصل ذروته بغزو عام 1990. فعندما انتهت الحرب العراقية~الإيرانية عام 1988, طلب الكويتيون اعترافاً عراقياً بالحدود بين القطرين.[19]  وعندما لم يوافق العراق على ذلك, ردوا بتوجيه الضغوط الاقتصادية عليه. فبدأوا أولاً بالمطالبة بسداد ديونهم على العراق والتي بلغت حوالي 12 بليون دولار. ثم زادوا إنتاجهم من النفط بشكل يخالف كثيراً حصة الإنتاج المقررة من قبل منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك). وقد أدى ذلك إلى هبوط حاد في أسعار النفط بلغ حوالي 30 في المائة.[20] وعندما أحس العراقيون بتأثير تلك الضغوط الاقتصادية, ردوا محذرين بإرسال قواتهم إلى الحدود. وعندما فشلت مباحثات جدة في حل المنازعات بين البلدين, تهيأت الظروف للغزو العراقي للكويت.[21]

تركزت ردة الفعل العربية للغزو على المبادرات الدبلوماسية التي كانت تهدف إلى تأمين الانسحاب العراقي من الكويت في أسرع وقت ممكن. لكن المواقف المتصلبة للولايات المتحدة وبريطانيا في الأمم المتحدة وضغوطهما على بعض الدول العربية أدت إلى أن تقوم الجامعة العربية بإدانة الغزو والمطالبة بالانسحاب العراقي الفوري. وكانت نقطة التحول عندما وافق الملك فهد على استقبال القوات الأميركية في بلاده[22] والتي أصبحت أيضا الخطوة الأولى نحو إخراج القوات العراقية من الكويت وما تبع ذلك من تدمير لحق بالعراق.

وقد أسهمت إدارة بوش في تفاقم الأزمة عندما أوحت للعراقيين بأنها لن تتدخل في النزاع. ففي 23 يوليو/تموز عام 1990, صرحت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية, مارغريت تتوتر, بأن الولايات المتحدة "ليس لها اتفاقيات دفاعية مع الكويت, ولا تربطها بالكويت أية تعهدات خاصة بالأمن أو بالدفاع."[23] وبعد ذلك بيومين, أي في 25 يوليو/تموز 1990, أكدت السفيرة أبريل غليسبي للرئيس العراقي صدام حسين بأن الولايات المتحدة لن تتدخل في "المنازعات العربية~ العربية."[24]

وقد لعبت إسرائيل دورا أساسيا في تصعيد الأزمة من خلال تهديداتها بالهجوم على المنشآت الذرية العراقية. وتبع ذلك موجة إعلامية معادية للعراق في جميع أنحاء أوروبا وأميركا الشمالية مباشرة بعد التهديدات العراقية لإسرائيل, والتي أطلقت رداً على التهديدات الإسرائيلية.[25] ثم بدأت الدول الأوروبية في اعتراض الشحنات الصناعية التي كان العراق قد اشتراها سابقاً, وذلك بحجة أنها يمكن أن تستخدم في بناء مدفع بابل, الذي كان يمكن أن يهدد التفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط. أخيراً, قام عملاء إسرائيليون باغتيال جيرالد بول, مصمم المدافع الكندي الذي صمم مدفع بابل.[26]

أما كيف تم اتخاذ قرار الحرب, فهذه واحدة من أعجب ملابسات حرب الخليج. فلم يستغرق الرئيس بوش أكثر من يومين من التفكير قبل أن يستنتج أن العراق كان على خطأ. والحقيقة أنه لا الرئيس ولا الهيئة التشريعية (الكونغرس) ولا حتى وسائل الإعلام سمحوا لأنفسهم أن يفكروا جدياً في احتمال أن تكون الحكومة الكويتية مسئولة عن تصعيد الأزمة أيضاً. فقد اعتبروا الغزو العراقي للكويت تحدياً لاستقرار النظام العالمي. ومع ذلك, فقد تجاهلوا خرق الكويت لنظام إنتاج النفط العالمي, وهو الأمر الذي أدى إلى هبوط حاد في الأسعار. كذلك فانهم قد تجاهلوا العلاقة الخاصة بين الكويت والعراق على الرغم من أن تلك العلاقة تشبه إلى حد بعيد العلاقة بين سوريا ولبنان, والتي سمحت لسوريا بأن ترسل قواتها إلى لبنان وأن تبقى هناك  دونما اعتراضات جدية على ذلك إقليمياً ودولياً. وأخيراً, وباستنتاجها أن العراق كان هو الطرف المخطئ, فان إدارة بوش قد تجاهلت الخلفية التاريخية للصراع العربي~ العربي.

وقد وجد الرئيس بوش نفسه بين سندان تاتشر ومطارق الصقور في إدارته. فجميعهم كانوا يطالبونه بموقف قوى ضد العراق. أما مارغريت تاتشر, فقد ألقت عليه محاضرة في التاريخ الاستعماري البريطاني مبينة له كيف استطاعت أن تهزم الأرجنتين في حرب الفولكلاند, قبل ذلك بسنوات قليلة فقط.[27] أما صقور الحرب من حول بوش, خاصة لاري ايغلبرغر, وريتشارد هاس, ودينيس روس, وديك شيني, وبرنت سكوكرفت, فلم يتوقفوا عن حثه ليأخذ موقفاً قوياً ضد العراق.[28] وكما يتبين من الفصل السابع, فان هذه الضغوط أدت بالرئيس بوش للموافقة على خيار الحرب بدلاً من العقوبات الاقتصادية كحل للازمة.

وهكذا , وبمجرد أن تم اتخاذ قرار الحرب في الأيام القليلة الأولى من الأزمة, فان إدارة بوش قد بدأت في التحضير لها. فقامت على الفور بإرسال قوات أميركية للسعودية بعد إقناعها بأنها كانت في خطر.[29] وتلا ذلك بناء التحالف ثم استصدار قرارات الأمم المتحدة اللازمة باستخدام الدبلوماسية البيكرية التي اعتمدت وسائل المداهنة والانتزاع  والتهديد وشراء الأصوات.[30] وهذه المرحلة من الأزمة هي الموضوع الرئيس للفصل الثامن, والذي يتضمن توثيقا لرفض إدارة بوش لجميع المبادرات السلمية لحل الأزمة. ويحتوي الفصل السابع أيضا على تحليل لدور الكونغرس, خاصة محاولة الديمقراطيين تجنب الحرب.

وبينما كان ذلك كله يحدث , فان حق الشعب الأميركي في معرفة الحقيقة حول الأزمة العراقية~الكويتية قد تم تجاهله من قبل إدارة بوش ومؤيديها في الكونغرس. وحتى عندما عقد هؤلاء المؤيدون جلسات استماع, فانهم لم يعطوا فرصة كافية للخبراء الحقيقيين -- خاصة علماء الاجتماع والسياسة والتاريخ المختصين بالشرق الأوسط -- ليتحدثوا عن الأزمة. وقد أدى ذلك لحرمان الكونغرس والشعب الأميركي عامة من فهم الخلفية الاجتماعية والسياسية والتاريخية التي أدت إلى نشوء الأزمة وتطورها. فقد كانت جلسات الاستماع تلك متحيزة وتهدف إلى تأجيج مشاعر الشعب الأميركي ضد العراق. وفى إحدى تلك الجلسات, تم اتهام العراقيين بأنهم قد أخذوا المعدات الطبية من المستشفيات الكويتية بما في ذلك حاضنات الأطفال  بعد أن أخرجوا الأطفال منها. وقد كانت تلك القصة مثيرة جداً للمشاعر لدرجة أن العديد من الأجهزة الإعلامية قد نشرتها أو بثتها أثناء الأزمة ثم أجرت تحقيقات حول صحتها بعد الحرب. وقد أجريت مقابلات مع مدير المستشفى الكويتي المعني ومع أطبائه الذين أكدوا جميعا أن ذلك لم يحدث قط. وعلى العكس من ذلك, فقد اعترفوا بأنهم هم الذين أخفوا تلك المعدات حفاظاً عليها أثناء الأزمة والحرب.[31]

وهكذا, ومنذ الأيام القليلة الأولى بعد الغزو, تم إقفال باب البحث في كيفية تعامل أميركا مع الأزمة. لم يكن مطروحاً ما إذا كانت أميركا ستحل الأزمة بالطرق السلمية. ذلك لان قرار الحرب قد اتخذ في اليومين الأولين وقبل أية مناقشة أو محاولة بحث عن أفضل الحلول. وذلك يفسر الفرص القليلة التي أعطاها أعضاء  في الكونغرس للخبراء الذين يمكن أن ينادوا بحل الأزمة سلميا, سواء بالمفاوضات أو بالعقوبات الاقتصادية. وفى الحقيقة , كانت هناك حاجة ماسة لمثل هؤلاء الخبراء الذين كانوا سيعرِّفون الشعب الأميركي وممثليه بتاريخ العلاقات العراقية~الكويتية. وفوق ذلك , فان الذين حاولوا إعطاء فرصة للخبراء ليتحدثوا منادين باللجوء إلى العقوبات الاقتصادية بدلاً من الحرب, مثل عضو مجلس الشيوخ سام نن, فقد تم انتقادهم كما هو موثق في الفصل الثامن.

ونجحت إدارة بوش في كبح المعارضة والتقليل من حجمها في الكونغرس وذلك تحضيراً للحرب ضد العراق. تلك الحرب التي توقع لها الرئيس العراقي أن تكون مروعة في نتائجها , لذلك فانه قد وصفها بأنها ستكون "أم المعارك" (الفصل التاسع). وقد أثبتت الحرب أنها تستحق أن توصف بذلك الاسم. فقد مثلت أكبر هجوم على أية قوات عربية في التاريخ. وكان عدد الشهداء والجرحى العرب غير مسبوق في التاريخ أيضاً, خاصة بالنظر إلى قصر أمد الحرب. فقد استشهد مئات الآلاف من العراقيين خلال أربعة وأربعين يوما فقط.

وقد بدأت "أم المعارك" أو حرب الخليج للسيطرة على الكويت في 17 يناير/كانون الثاني وانتهت في 28 فبراير/شباط 1991. وتمخضت عن تدمير معظم البنى التحتية المدنية والعسكرية والصناعية وكذلك "مراكز الجاذبية الحيوية" في العراق.[32] كما تسببت في وقوع عدد هائل من الخسائر البشرية بين العسكريين  والمدنيين. وقدر قائد قوات التحالف , الفريق شوارزكوف, عدد الجنود العراقيين الذين استشهدوا أثناء الحملة الجوية بحوالي مائة ألف جندي, كما قدر عدد الذين استشهدوا أثناء الحرب البرية بحوالي خمسين ألف جندي.[33] أما التقديرات الأخرى فتراوحت ما بين خمسين ألفا ومائتي ألف جندي عراقي (الفصل التاسع).

وبالإضافة إلى ذلك , فان "أم المعارك" كان يمكن أن تتطور إلى حرب إبادة ذرية لو أن القيادة العراقية سمحت باستخدام الأسلحة الكيميائية. فقد اعترف الفريق باول بأنه ووزير الدفاع شيني قد فكرا في استخدام الأسلحة الذرية التكتيكية في حالة إقدام العراقيين على استعمال أسلحتهم الكيميائية.[34]  وهكذا, فان القرار العراقي الحكيم بعدم استخدام الأسلحة غير التقليدية هو الذي جنب العراق والمنطقة بأكملها التدمير الشامل.

وحتى بدون ذلك , تميزت حرب الخليج بالإسراف في القتل والتدمير, وكانت "مذبحة" بحق , كما وصفها وزير الخارجية الأميركية, جيمس بيكر.[35] حتى حلفاء أميركا البريطانيون والفرنسيون لم يستطيعوا إخفاء حقيقة أنها كانت "قتلا شهوانيا غير مبرر." [36]  كذلك فإنها قد وصفت بأنها حرب استهدفت قتل آلاف الجنود العراقيين أثناء انسحابهم,[37]  الأمر الذي كان مناقضا للتأكيدات التي أعطاها وزير الخارجية الأميركي جيمس بيكر لوزير الخارجية العراقي طارق عزيز في جنيف والتي كان مؤداها أن "الأميركيين لا يطلقون النار على ظهور أعدائهم,"[38]  وكذلك فإنه كان مناقضاً لإعلان الرئيس بوش في 24 فبراير/شباط 1991 أن "قوات التحالف لن تهاجم الجنود العراقيين غير المسلحين أثناء انسحابهم."[39]

وعلى الرغم من تلك الخسائر البشرية والمادية الضخمة, إلاّ أن معظم منتقدي حرب الخليج في الولايات المتحدة كانوا يريدون مزيدا من القتل والتدمير,[40] وحتى احتلال العراق وتغيير حكومته.[41] فانتقد بعضهم الرئيس بوش لإعلانه وقف إطلاق النار مبكرا.[42] وانتقده آخرون لأنه لم يذهب في الحرب إلى مدى كاف.[43] كذلك فإنهم انتقدوا باول وشوارزكوف على ذلك "النجاح المنقوص," وذهبوا هؤلاء في انتقادهم لهما بأنهما سمحا لنصف قوات الحرس الجمهوري العراقية بالانسحاب دون تدميرها, وذلك بهدف المحافظة على صورة العسكرية الأميركية![44]

والحقيقة أن هذه الانتقادات تثير عدة أسئلة خطيرة لم يتناولها معظم الذين كتبوا عن حرب الخليج. فأولاً, ألم يكن التدمير الذي لحق بالعراق وإيقاع الخسائر الهائلة في أرواح العراقيين أمراً كان بالإمكان تجنبه, أم أنه كان مقصودا بالفعل؟ ثانياً, لماذا لم يسمح للقوات العراقية أن تنسحب فتتجنب بذلك التدمير والخسائر الهائلة في الأرواح؟ ثالثاً, وبكلمات أخرى أوضح: هل شنت الحرب فعلاً لإخراج القوات العراقية من الكويت, أم أنها كانت تهدف إلى إنزال أقصى درجات التدمير الممكن بالعراق ذاته؟

كما يتبين من الفصل التاسع, فإن التحالف الذي قادته الولايات المتحدة لم يكن يريد السماح للعراق بالانسحاب بدون خسائر في قوته العسكرية والاقتصادية وصناعته الحربية. ولذلك, فان الإسراف في القتل والتدمير كان هدفاً بحد ذاته. لكن لماذا كان قادة التحالف مصممين على تدمير العراق؟ الجواب يكمن في التطورات التاريخية التي أدت إلى أزمة عام 1990. وعلى وجه الخصوص, فان تدمير العراق كان يهدف إلى إنهاء التهديد العراقي للتفوق العسكري الإسرائيلي في الشرق الأوسط. وهكذا, كانت حرب الخليج بالفعل حرباً تم خوضها لصالح إسرائيل ولكن بقوات غير إسرائيلية.[45]

أما الفصل العاشر, فانه يركز على حملة الإرهاب التي شنتها قوات الجيش والشرطة والجماعات المسلحة (المليشيات) الكويتية ضد الفلسطينيين بعد الحرب مباشرة. والجدير بالذكر أن هذا الموضوع لم يتضمنه أي من الكتب التي نشرت عن حرب الخليج حتى الآن. فأثناء الحرب, كان يسمح للأميركيين وكذلك لمواطني دول التحالف الأخرى بأن يقرأوا ويسمعوا ويشاهدوا فقط ما يريدهم القادة العسكريون للتحالف أن يعرفوه. وقد حدث ذلك نتيجة التحكم في كيفية تغطية وسائل الإعلام للحرب.[46] فكان الناس يشاهدون كيف تقوم القنابل "الذكية" بتدمير المنشآت والأسلحة العراقية "بشكل متقن." كذلك فإن خسائر قوات التحالف في الأرواح كانت منخفضة بشكل لا يصدق, حتى أن بعضها قد حدث نتيجة "لنيران الأصدقاء."[47] ومع ذلك, فإن وسائل الإعلام بصفة عامة قد تجنبت تغطية الخسائر العراقية في الأرواح وكذلك التدمير الذي لحق بالعراق ككل. خرج عن ذلك الصمت مراسل الشبكة التلفزيونية الأميركية سي ان ان في بغداد, بيتر أرنيت, الذي أرسل تقريرا عن ضرب ملجأ العامرية المدني في وسط بغداد بالقنابل "الذكية", والذي أدى لقتل مئات المدنيين هناك. وبالطبع فإن ذلك قد أزعج قادة التحالف لدرجة أن الرئيس بوش كان لا يزال يشعر بالمرارة لإذاعة ذلك التقرير حتى بعد ذلك بعدة سنوات, كما ذكر في اللقاء الذي أجرى معه في محطة بي بي اس في يناير/كانون الثاني عام 1996 وأيضا في كتابه الذي نشره عام 1998.[48]

وبالإضافة إلى ذلك, فان وسائل الإعلام في دول التحالف نادراً ما كانت تنشر شيئاً حول حملة الإرهاب التي تعرض لها الفلسطينيون والبدون والمهاجرون العرب الآخرون في الكويت, بعد الحرب مباشرة. والواقع أن حملة الإرهاب الكويتية تلك كانت أكثر ارتباطاً بأوضاع ما قبل الحرب من ارتباطها بالموقف الفلسطيني المؤيد للعراق. فخلال العقدين السابقين للغزو العراقي للكويت عام 1990, كانت الحكومة الكويتية تتحفز للتخلص من الفلسطينيين,  لكنها كانت تنتظر ذريعة لتفعل ذلك.[49] وعندما عبرت القيادة الفلسطينية عن تأييدها لمبادرة "الربط" العراقية, وجدت الحكومة الكويتية العذر الذي كانت تبحث عنه لإخراج الفلسطينيين من البلاد. وقد بدأت الحملة على شكل تهديدات أطلقها المسؤولون الكويتيون من منفاهم في السعودية,[50] ثم بدأ التنفيذ عند عودة قوات الجيش والشرطة الكويتية بعد الحرب.[51]

وأثناء تلك الحملة, كان الآلاف من المدنيين الفلسطينيين والبدون والمهاجرين العرب الأبرياء يؤخذون من بيوتهم ومن الشوارع إلى أقسام الشرطة ومراكز الاعتقال, حيث كانوا يعذبون ويقتلون وتغتصب نساؤهم. وقد كان قتل وتعذيب الفلسطينيين في الكويت يحدث بمعرفة تامة من قبل حكومات التحالف التي لم تتدخل جدياً لوقف الحملة, خاصة في الشهرين اللذين تليا الحرب. وفوق ذلك, فان الحملة الإرهابية الكويتية نادراً ما كانت تذكر في وسائل إعلام دول التحالف ولم يتم ذكرها بتاتاً في التقارير الحكومية الرسمية. وحتى عندما نشر القادة السياسيون والعسكريون كتبهم ومذكراتهم بعد الحرب بسنوات, فانهم قد تجنبوا ذكر تلك الحملة وما جرى خلالها.[52] هذه الفظائع التي تعرض لها الفلسطينيون هي الموضوع الرئيس للفصل العاشر.[53]

ويشمل الفصل الحادي عشر والأخير تقييما لنتائج الحرب, خاصة بالنسبة للشرق الأوسط والولايات المتحدة. وعلى وجه الخصوص, فانه يتضمن تحليلا لتأثير الحرب على الديمقراطية والحرب الباردة والظاهرة العسكرية في المجتمع الأميركي. ويركز الجزء الأول من الفصل على كيفية صنع قرارات الحرب في أميركا, خاصة الدور الذي يلعبه الموظفون الرسميون غير المنتخبين في صنع تلك القرارات, الأمر يثير أسئلة خطيرة حول الديمقراطية الأميركية. ويركز الجزء الثاني من الفصل على قيام مؤيدي الحرب في الولايات المتحدة بجهد حثيث لاستبدال الحرب الباردة الأولى, التي شنوها ضد الشيوعيين لحوالي نصف قرن من الزمان, بحرب باردة ثانية يكون المسلمون فيها هم أعداء الغرب هذه المرة. يلي ذلك تحليل للنتائج السلبية الرئيسة للحرب , خاصة المعاناة المستمرة لضحايا الحرب من الشعب العراقي نتيجة للحصار والعقوبات الاقتصادية. كذلك فان الفصل الحادي عشر يتضمن تقييما لأوضاع حقوق الإنسان والديمقراطية والظاهرة العسكرية في الوطن العربي, وعلاقة ذلك بحرب الخليج. يلي ذلك مناقشة لما آلت إليه المشكلة الفلسطينية, وللصراع ما بين الوحدويين العرب ودعاة السيادة الوطنية, ثم يختتم الفصل بالدروس المستفادة من الحرب. والخلاصة أن القارئ سيطلع على جزء هام من القصة الحقيقية لحرب الخليج والذي لم يتطرق إليه أحد من قبل.

 

ملاحظات ومصادر

 



[1] Bush and Scowcroft (1998: 340, 371, 388, 467).

[2] Baker (1995: 267-269); Bush and Scowcroft (1998: 305-307).

 [3] في عام 1988 , قام دينيس روس, ومارتن انديك, وريتشارد هاس بكتابة وثيقة يمكن وصفها بأنها محابية للاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية. وقد أصبحت تلك الوثيقة منذ ذلك الحين المرجع الرئيس للسياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط.

 

Washington Institute for Near East Policy (1988);  Christison (1998).

[4] Peres (1993: 56-57).

وصف شمعون بيرس هنا بأنه "داعية سلام" إنما هو نسبي بالمقارنة مع زعماء الليكود, لكنه ليس وصفاً مطلقاً. فمن الصعب أن يكون الشخص صهيونياً وداعية سلام في نفس الوقت.

[5] Whitaker (1991); Bush and Scowcroft (1998: 292-293, 362,

   365, 367-369).

[6] Graz (1990); Daneshku (1990); Salinger and Laurent

   (1991: 31).

[7] (Al-Rashid, 1960: 127-27; Dickson, 1956: 136-41; Joudhah,

   1964: 61-67; Asiri, 1990: 7).

 

   كانت المحاولات الثلاثة السابقة في الأعوام 1901 و 1902 و 1961.

 

[8] Bin Sultan (1995: 183-84); Pimlott (1992: 41-46); Salinger an

   Laurent (1991: 90-113).

[9] Al-Iktissad Al-Arabi (61), July 1981: 23-27.

10 (Dickson, 1956: 148-155,  250-257; Joudah, 1964:

    116-47).

كان القتال في الجهراء في عام 1920, أما المنازعات الحدودية فانها تلت مؤتمر العقير الذي عقد أصلا لتسوية تلك المنازعات, عام 1923.

         

[11] Alessa (1981: 16-18); Brand (1988); Russell (1989);

    Shah and Al-Qudsi (1989); Farah et al. (1980); Human

    Rights Watch (1995).

[12] Middle East Watch (1991: 51-53); Human Rights Watch

    (1995: 66-79).

[13] Al-Shahi (1993: 10-11); Ghabra (1987: 34-37, 54, 58);

    Alessa (1981: 16-18, 106-111).

[14] Al-Sabah, Su'ad ((1983: 28); Al-Sabah, Youssif (1980:

    138-139); Lubbadah (1992); Russell (1989); Farah et al.

    (1980).

      [15] Ghareeb (1981);Yassin (1995: 37, 49-51); Al-Barrak (1989:

              27-37, 63-85, 98-105, 205-253); Al-Bazzaz (1989);

         Timmerman (1991: 17-19); O’Ballance (1996: 93).

[16] Ghareeb (1990: 29-32); Al-Farzali (1982: 23-43, 123-133).

[17]  Powell (1995: 459).

[18] Center for Defense Information (1996).

الترليون يساوي ألف بليون, والبليون يساوي ألف مليون.

[19] Graz (1990).

[20] Graz (1990); Daneshku (1990); Salinger and Laurent

    (1991: 31).

   [21] Jaber (1990); Pimlott (1992: 40); Bin Sultan (1995: 158-59);

                Al-Yahya (1993: 84, 113).

[22] Bin Sultan (1995: 183-84); Pimlott (1992: 41-46); Salinger

   and Laurent (1991: 90-113).

[23] Cipkowski (1992: 57).

[24] Sciolino (1991: 271-292).

 

الاجتماع المشهور بين السفيرة أبريل غليسبي والرئيس صدام حسين, والذي عقد في 25 يوليو/تموز عام 1990, موثق بالكامل في كتاب سالينو المذكور عاليه. أما أهم جملة فيه وهى "لكننا ليس لدينا رأي في المنازعات العربية~ العربية , مثل نزاعكم مع الكويت" فهي موجودة في صفحة 280 من نفس المصدر.

[25] Pimlott (1992: 37).

[26] Timmerman (1991: 377-79, 387-88).

[27] Baker (1995: 278-79); Powell (1995: 467).

[28] Bush and Scowcroft (1998: 256); Baker (1995: 6, 10).

[29] Bush and Scowcroft (1998: 319-320); Baker (1995: 279).  

[30] Baker (1995: 305).

[31] Lubbadah (1991: 44-45); The Guardian (April 19, 1991).

[32] "Centers of gravity" (Bin Sultan, 1995).

 

اصطلاح "مراكز الجاذبية الحيوية" استعمله المخططون العسكريون الأميركيون للإشارة إلى جميع الأهداف غير العسكرية التي خططوا لتدميرها في العراق خلال الحملة الجوية, مثل المؤسسات الاقتصادية والصناعية, والطرق, والجسور, والمباني.

[33] Schwarzkopf (1992: 441-42).

[34] Powell (1995: 486, 503-4, 511-12); Levrani

  (1997: 68).

[35] Baker (1995: 436).

[36] Schwarzkopf (1992: 467-69).

       [37] Powell (1995: 517); Schwarzkopf (1992: 466); Baker (1995:

               409-410).

[38] Baker (1995: 360).

[39] Baker (1995: 410).

[40] Yetive (1997: 44).

[41] Gordon and Tainor (1995: 447).

[42] Cipkowski (1992: 153).

[43] Brown and Shukman (1991: 180).

[44] Gordon and Trainor (1995: x, xii, xiv).

       [45] Schwarzkopf (1992: 382-383); Powell (1995: 472-473);

               Sibbald (1992: 110); Bin Sultan (1995: 313-315).

[46] (Yetive, 1997: 130-131).

 

تمكنت وزارة الدفاع الأميركية من التحكم بالتغطية الإعلامية للحرب من خلال السماح لجماعات معينة من الصحفيين الموالين لها لمرافقة مندوبي الوزارة الذين كانوا يأخذونهم لمناطق معينة يريدونهم أن يقوموا بتغطيتها.

 

[47] (Cipkowski, 1992: 157-158).

 

من بين 144 أميركي و عشرة من البريطانيين و اثنين من الفرنسيين الذين قتلوا في الحرب, قتل ستة عشر منهم خطأ بنيران قوات صديقة لهم.

 

[48] Bush and Scowcroft (1998: 469-70);  Schwarzkopf (1992:

    435).

      [49] Shah and Al-Qudsi (1989: 22);  Farah et al. (1989: 33-40)

              Russell (1989).

[50] Fisk, Robert of the Independent (February 21, 1991).

[51] Lubbadah (1991: 113-116); Healy (1991: 47); Roth (1991:

    11).

[52] Bush and Scowcroft (1998); Baker (1995); Powell (1995);

    Schwarzkopf (1992); and Bin Sultan (1995).

 

حتى القائد السعودي خالد بن سلطان الذي نشر كتابه عام 1995, التزم هو الآخر سياسة الصمت المطبق حيال الحملة الإرهابية الكويتية ضد المدنيين الفلسطينيين والعرب, بعد الحرب.

 

[53]  بالطبع فإن فلسطينيي الكويت لم يكونوا وحدهم ضحايا الحرب. فقد قاسى العديد من المهاجرين العرب من الاضطهاد والتنكيل بهم بعد الحرب أيضاً. كذلك فان المدنيين العراقيين والكويتيين قد عانوا من ويلات الحرب. كما تعرض اليمنيون للطرد الجماعي من السعودية, لا لذنب سوى التأييد الرسمي المعنوي من الحكومة اليمنية للعراق.