Al-Jazeerah: Cross-Cultural Understanding

www.ccun.org

www.aljazeerah.info

Books, February 2021

 

Al-Jazeerah History

Archives 

Mission & Name  

Conflict Terminology  

Editorials

Gaza Holocaust  

Gulf War  

Isdood 

Islam  

News  

News Photos  

Opinion Editorials

US Foreign Policy (Dr. El-Najjar's Articles)  

www.aljazeerah.info

 

 

 

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

تَأليف

حسن علي النجار

1442 ه \ 2020 م

CCUN Publishing & News

*** 

================================================================================

حقوق الطبع والنشر محفوظة للمؤلف حسن علي النجار

Copyright © 2020/1442

طبع في الولايات المتحدة الأميركية:

P.O. Box 724, Dalton, GA 30722-0724

www.ccun.org

كلمات للبحث:

إسلام ، إيمان ، إحسان ، الهداية للبشرية ، قرآن ، حديث ، الحقائق العلمية في القرآن الكريم ، الخلق والتطور ، الاستخلاف في الأرض ، آدم والملائكة ، حرية العبادة ، النفس والروح ، النواحي الروحية والحسية في التعاليم الإسلامية ، علاقة القلب والعقل ، الشهادتان ، الصلاة ، الزكاة ، صوم رمضان ، الحج ، الله ، الملائكة ، اليوم الآخر ، القضاء والقدر ، نوح ، إبراهيم ، موسى ، عيسى ، محمد ، الإسراء والمعراج.

***

Islam: A Scientific View of God's Message to Humanity (in Arabic)

Copyright © 2020 by Hassan Ali El-Najjar. All rights reserved.

Printed in the United States of America. No part of this publication may be reproduced, translated, or transmitted in any form or by any means, electronic or mechanical, including photocopy, recording, or any information storage and retrieval system, without permission in writing from the publisher.

Published in the United States of America by the author.

P.O. Box 724, Dalton, GA 30722-0724

ISBN: 978-1-7923-4538-8

 

LCCN: 2020913930

Keywords:

Islam, Iman, Ihsan, guidance to humanity, Quran, Hadith, Quran scientific evidence, creation and evolution, God’s caliphs, Adam and angels, free worshipper, soul, spirit, spiritual-physical relationship, heart-mind relationship, proclamation of faith, prayer, zakat (charity), fasting Ramadhan, pilgrimage (Haj), Allah, angels, Last Day, God’s precise measurement and just decrees, Noah, Abraham, Moses, Jesus, Muhammed and his Night Journey (Al-Issra Wal Mi’raj).

=====================================================================================

إهداءٌ

لأُسرَتي الصغيرةِ والكبيرةِ

ولكلِّ من يريدُ السعادةَ في الدُنيا والآخرة

والخيرَ للبشريةِ جمعاء

======================================================================================

محتويات الكتاب

مقدمة

Contents

الإسْلامُ: رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

الفصلُ الأولُ: الإسْلَامُ ، نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ

الفصل الثاني: مُسْتَوَيَاتُ العَقِيدَةِ الثَّلَاثِ ، الإسْلامُ وَالإيمَانُ وَالإحْسَانُ

الْفَصْلُ الثَالِثُ: الدَلِيلُ العِلْمِيُ عَلَى وِجُودِ اللهِ

الْفَصْلُ الْرَابِعُ: الخَلْقُ وَالتَّطَوُّرُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ

الفَصْلُ الخَامِسُ: الْإنْسَانُ خَلِيفَةُ اللهِ عَلَى الأرْضِ

الْفَصلُ السَّادِسُ: امْتِحَانُ آدَمَ أَمَامَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ

الفَصْلُ السابِعُ: عِبَادٌ مُخَيَّرُونَ أَمْ عَبِيْدٌ مُجْبَرُونَ؟

الفَصْلُ الثَّامِنُ: العَلَاقَةُ مَا بَيْنَ النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي التَّعَاليمِ الإسْلَامِيَّةِ

الفَصْلُ التَاسِعُ: الرُّوحُ وَالْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ

الفَصْلُ العَاشِرُ: الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَر:  نُطْقُ الشَّهَادَتَيْنِ ، الرُّكْنُ الأَوَّلُ فِي الإِسْلَامِ

الْفَصْلُ الثَّانِي عَشَر: إقَامُ الصَّلاةِ

الْفَصْلُ الثَّالثُ عَشَر: إيتَاءُ الزَّكَاةِ ، الفريضةُ الثالثةُ في الإسلام

الْفَصْلُ الرَّابِعُ عَشَر: الصَّوْمُ وَرَمَضَانُ ، نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ مِنَ اللهِ لِلْمُسْلِمِينَ

الْفَصْلُ الخَامِسُ عَشَر: أَلْحَجُّ إلَى أوَّلِ بَيْتٍ للهِ عَلَى الأرْضِ


====================================================================================================

 الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

 

تَأليف

حسن علي النجار

1442 \ 2020

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 

ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ

إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ ۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (النحل ، 26: 125).

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت ، 41: 33).

وقال عليه الصلاة والسلام: "بَلِّغُوا عَنِّي ولو آيَةً" (البخاري: 3461)

 

***

مُقَدِّمَةٌ

***

 هذا الكتابُ يقدمُ الإسلامَ على أنه رسالةُ اللهِ لهدايةِ البشريةِ ، من خلال رؤية علمية لمجموعة من الموضوعات العصرية المترابطة. وبالإضافة إلى ذلك ، فهو يعطي القراء بعض المعلومات الأساسية عن دين الله الحنيف ، كما أنه يحاول الإجابة على بعض الأسئلة الجوهرية عن الوجود الإنساني ، والغرض منه. والنية أن يكون مصدراً للتعريف بالإسلام ، ليس فقط للقارئ العادي ، وإنما أيضاً للدُعاة والإعلاميين والمربين والباحثين ، مسلمين وغير مسلمين ، على حدٍ سواء.

وتمثلُ آيات القرآن الكريم المرجع الأساس لمختلف الموضوعات التي يناقشها هذا الكتاب ، يلي ذلك الحديثُ الشريف ، ثم ما أورده أشهرُ المفسرين ، خاصةُ الطبري والقرطبي وابن كثير ، الذين ذكروا في تفاسيرهم أحاديث الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، وآراء الصحابة ، رضوان الله عليهم ، بالإضافة إلى آرائهم وترجيحاتهم. ويتبع ذلك تفسير الآيات الكريمة بما تم اكتشافه في العلوم الاجتماعية والطبيعية ، خاصة علوم الأنثروبولوجيا والاجتماع والأحياء والفلك ، لتبيان الإعجاز العلمي لكتاب الله ، لتثبيت المؤمنين على إيمانهم ، ولدعوة غيرهم للإيمان برب العالمين وبرسالته للبشرية. 

وينقسمُ الكتابُ إلى ثلاثة أجزاء. يضم الجزء الأول منها عشرة فصول ، تتناول مصادر التعريف بالإسلام ومستويات العقيدة الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان ، والإثبات العلمي لوجود الله ، سبحانه وتعالى ، وأن القرآن الكريم هو رسالته لهداية البشرية. ويلي ذلك بحثٌ في الخَلق والتطور ، بما في ذلك كيف بدأت الحياة على الأرض ، وكيف تطورت ، مع تدخل الخالق عز وجل في مسارها. ويبحث هذا الجزء أيضاً في تكريم الله للإنسان ، عندما شاء أن يجعله خليفته في حكم الأرض ، وما تلى ذلك من استغراب الملائكة ، وفوز آدم عليهم ، ثم خروجه من الجنة. ويلي ذلك مناقشة لمسألة ما إذا كان الإنسانُ حراً في اختياره ، بالإيمان بخالقه أو بالكفر به. وتبحث الفصول الثلاثة الأخيرة من الجزء الأول في علاقة النواحي الروحية بالنواحي الحسية في التعاليم الإسلامية ، وفي العلاقة ما بين الروح والعقل والنفس والسعادة ، وأخيراً في العلاقة بين العقل والقلب.

أما الجزء الثاني من الكتاب فهو عن العبادات الخمس الرئيسة في الإٌسلام ، ويضم خمسة فصول تتناول الشهادتين ، فالصلاة ، والزكاة ، والصوم ، وتنتهي بفصلٍ عن الحج. ويهدف هذا الجزء إلى إعطاء معلومات عن هذه العبادات الإسلامية ، وتبيان الهدف منها ، وفوائد كل منها للفرد والجماعة والمجتمع ، وذلك كله استناداً إلى آيِّ الذكر الحكيم والسُّنة المشرفة.

ويبحث الجزء الثالث من الكتاب في المستوى الثاني من العقيدة الإسلامية ، ألا وهو الإيمان. ويضم هذا الجزء عشرة فصول ، منها أربعة فصول عن الإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر والقدر والقضاء. كما أن هناك خمسة فصول عن أُولي العزم من الرسل ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، عليهم صلوات الله وسلامه. كما أن هناك فصلاً عن رحلة الإسراء والمعراج ، التي أكرم بها الله ، سبحانه وتعالى ، خاتم رسله برحلة عظيمة إلى السماوات العُلى ، وهي أيضاً معجزة علمية تبشر الإنس وتدعوهم للنفاذ إلى أقطار السماوات والأرض.

وبالنسبة للمستوى الثالث للعقيدة الإسلامية ، وهو الإحسان ، فإنه سيكون كتاباً منفصلاً لوحده ، بمشيئة الله ، لكبر حجمه ، الذي يحتوي على أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، ونواهيه.

ومن خلال المعالجة العلمية لموضوعات الكتاب ، تظهر حقيقة ساطعة لا لبس فيها ، وهي أن القرآن الكريم يمثل وثيقة علمية في غاية الدقة ، وأنه كلام الله ، عالم الغيب والشهادة ، الخالق ، البارئ ، المصور ، الرحمن ، الرحيم ، الذي لا يريد لخلقه إلا أن يكونوا سعداء في هذه الدنيا ، بامتثالهم لتعاليمه وأوامره ، فيفوزوا برضاه ورحمته ، التي تدخلهم جنته ، حيث السعادة الأبدية.

عن المؤلف

مؤلفُ هذا الكتاب هو حسن علي النجار جوده الهاروني. واسمه كاملاً هو حسن علي حسن أحمد محمد عبد الهادي (النجار) محمد جوده الهاروني. وقد هاجر جده السادس ، جوده ، من منطقة عرب وادي فاطمة ، بالقرب من مكة المكرمة ، إلى فلسطين ، في القرن الحادي عشر الهجري ، أي السابع عشر الميلادي. واستقر في قرية اسدود ، وهي في أصولها أشدود الكنعانية ، والتي استوطنها الفلسطينيون فيما بعد.

وقد وُلد المؤلف في غزة ، فلسطين ، في عام 1369 للهجرة ، الموافق لعام 1950 للميلاد ، وتلقى السنوات الإحدى عشرة الأولى من تعليمه في مدارس دير البلح ، بقطاع غزة ، ثم حصل على شهادة الثانوية العامة من مدرسة رغدان ، بالأردن ، عام 1968. والتحق بعد ذلك بكلية التربية ، بجامعة عين شمس المصرية ، وحصل منها على بكالوريوس الآداب في تدريس اللغة الإنكليزية ، في عام 1972. ثم عمل مدرساً وصحافياً في طرابلس ، ليبيا ، حتى نوفمبر 1976. وانتقل وعائلته إلى الإمارات العربية المتحدة ، حيث عمل مدرساً في رأس الخيمة ، حتى عام 1986. وقد هاجر مع عائلته في ذلك العام إلى الولايات المتحدة الأميركية ، حيث التحق بجامعة جورجيا ، وحصل منها على الماجستير في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا الثقافية) عام 1988 وعلى الدكتوراه في علم الاجتماع في عام 1993. ومنذ عام 1991، وحتى نشر هذا الكتاب في ديسمبر 2020 ، عمل بالتدريس في كلية دلتُن التابعة لنظام جامعة جورجيا. 

وقد كتب المؤلف هذا الكتاب باللغة الإنكليزية أيضاً بعنوان:

Islam: A Scientific View of God’s Message to Humanity

وهو جهدٌ خالصٌ لوجه الله ، تبارك وتعالى ، لتعريف الناس بالإسلام ، كما هو بجماله وكماله ، خاصة في هذا الزمان الذي كثر التهجم فيه على دين الله ، ولكن كثر الطلب أيضاً للتعرف عليه.

أرجو الله ، سبحانه وتعالى ، أن يتقبله كإسهامٍ في نشر نوره بين الناس المتعطشين له في مشارق الأرض ومغاربها.

حسن علي النجار ،

دلتُن ، جورجيا ، الولايات المتحدة الأميركية ، في الحادي والعشرين من ربيع الثاني 1442 هجرية ، الموافق للسادس من ديسمبر 2020 ميلادية.


========================================================
=============================================

 الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

تَأليف

حسن علي النجار

***

محتويات الكتاب

(مع أرقام الصفحات في النسخة الورقية)

الْجُزْءُ الأوَلُ: رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِلْقُرْآنُ الكَرِيمُ

الفَصْلُ الْأوَلُ: الإسْلَامُ ، نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ 01-12

الفَصْلُ الثَانِي: مُسْتَوَيَاتُ العَقِيدَةِ الثَّلَاثِ ، الإسْلامُ وَالإيمَانُ وَالإحْسَانُ 13- 24

الفَصْلُ الثَّالِثُ: الدَلِيلُ العِلْمِيُ عَلَى وِجُودِ اللهِ ، وَعَلَى أنَّ القُرْآنَ الْكَرِيمَ هُوَ رِسَالَتُهُ لِلْبَشَرِيَّةِ  25 - 60

الفَصْلُ الرَّابِعُ: الخَلْقُ وَالتَّطَوُّرُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ 61 - 116

الفَصْلُ الْخَامِسُ: الإنسَانُ ، خَلِيفَةُ اللهِ عَلَى ألأرْضِ 117 - 128

الفَصْلُ السَّادِسُ: امْتِحَانُ آدَمَ أَمَامَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ  129 - 152

الفَصْلُ السَّابِعُ: عِبَادٌ مُخَيَّرُونَ أَمْ عَبِيْدٌ مُجْبَرُونَ؟  153 - 185

الفَصْلُ الثَّامِنُ: العَلَاقَةُ مَا بَيْنَ النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي التَّعَاليمِ الإسْلَامِيَّةِ  186 - 205

الفَصْلُ التَّاسِعُ: الرُّوحُ وَالْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ  206 - 231

الفَصْلُ الْعَاشِرُ: الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ  232 - 247

الْجُزْءُ الثَّانِي: الأرْكَانُ الْخَمْسَةُ لِلإِسْلامِ

الفَصْلُ الحَادِي عَشَر: نُطْقُ الشَّهَادَتَيْنِ 248- 269

الفَصْلُ الثَّانِي عَشَر: أداءُ الصلاةِ 270- 297

الفَصْلُ الثَّالِثُ عَشَر: إيتَاءُ الزَّكَاةِ  1298- 319

الفَصْلُ الرَّابِعُ عَشَر: صَّوْمُ رَمَضَان ، نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ مِنَ اللهِ لِعِبَادِهِ  320- 347

الفَصْلُ الخَامِسُ عَشَر: حِجُّ الْبَيْتِ 348- 365

الْجُزْءُ الثَّالِثُ: الإيمَانُ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ وَالْقَضَاءِ (في كتاب منفصل):

الفَصْلُ السَّادِسُ عَشَر: اللهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ                     

الفَصْلُ السَّابِعُ عَشَر: الْمَلَائِكَةُ ، عِبَادُ اللهِ المُكْرَمِينَ 

الفَصْلُ الثَّامِنُ عَشَر: نُوحٌ ، صَانِعُ الْفُلْكِ 

الفَصْلُ التَّاسِعُ عَشَر: إبْرَاهِيمُ ، خَلِيلُ اللهِ 

الفَصْلُ العِشْرُون: مُوسَى ، كَلِيمُ االله ، المُؤَيَّدُ بِتِسْعِ مُعْجِزَاتٍ  

الفَصْلُ الحَادِي والعِشْرُون: عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، مِنْ مُعْجِزَاتِ اللهِ فِي خَلْقِهِ 

الفَصْلُ الثَّانِي والعِشْرُون: مُحَمَّدٌ ، رَحْمَةُ اللهِ لِلْعَالَمِينَ 

الفَصْلُ الثَّالِثُ والعِشْرُون: الإسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ 

الفَصْلُ الرَّابِعُ والعِشْرُون: اليومُ الآخِرُ وَأَحْدَاثُهُ الأَرْبَعَةُ الْكُبْرَى

الفَصْلُ الخَامِسُ والعِشْرُون: دِقَّةُ قَدَرِ اللهِ وَعَدَالَةُ قَضَائِهِ

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

** 

الفصلُ الأولُ 

***  

الإسْلَامُ: نُبْذَةٌ مُخْتَصَرَةٌ 

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ***

مُقَدِمَةٌ

الإسلامُ هو الإيمان بالله ، عز وجل ، لدرجة الخضوع والاستسلام له. وبهذا المعنى ، فإن الرسل الذين بعثهم الله برسالاته ، مثل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين ، هم والذين اتبعوهم بإحسان ، كانوا مسلمين. وما كان محمدٌ ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، إلا خاتم رسل الله المسلمين وآخرهم ، خصه الله ، سبحانه وتعالى باكتمال وتمام رسالته للبشرية. وهكذا ، فالإسلام هو دين الله الذي ارتضاه للناس على الأرض لآلاف السنين ، ليهديهم سبلهم في هذه الدنيا ويحاسبهم بناء على ذلك في الأخرة. [1]

والإسلامُ كلمةٌ مشتقة من الفعل سَلِمَ ، والمسلمُ هو من سَلِمَ الناسُ من لسانه ويده ، كما قال النبي ، عليه الصلاةُ والسلام. وهو الخضوع لله تعالى ، اشتقاقاً من الفعل أسْلَمَ ، كما جاء في الآية الكريمة 112 من سورة البقرة (2). والإسلامُ بالإضافة إلى ذلك يعني السِّلْمَ ، كما ذكرت الآية 208 من سورة البقرة. [2]

وأخيراً ، فإن الإسلامَ هو أول مراتب العقيدة ، التي يتأتى بها الحصول على رضوان الله ورحمته ، لنيل السعادة في الدارين ، الدنيا والآخرة ، ويعلوهُ الإيمان ، كما أخبرتنا الآية الكريمة 14 من سورة الحجرات (49). ويتربع الإحسانُ على أعلى مراتب العقيدة ، كما جاء في الحديث الشريف ، المذكور في الفصل الثاني ، والذي بناء عليه ، تم تقسيم هذا الكتاب إلى جزئي الإسلام والإيمان ، بالإضافة إلى الجزء الأول المُقَدِّمُ لهما. أما الإحسان ، فإنه سيكون كتاباً منفصلاً لوحده ، بمشيئة الله ، لكبر حجمه الذي يحتوي على أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، ونواهيه. [3]

مَصَادِرُ التَّعَالِيمِ الإسْلَامِيَّةِ

أوَّلاً ، الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ

 القرآنُ الكريمُ هو أول مصادر التعاليم الإسلامية. فهو كتابُ اللهِ ورسالتُهُ للبشرية ، الذي أوحاه الله لرسوله على مدى ثلاثة وعشرين عاماً ، ابتداء من السنة 610 للميلاد ، من خلال المَلَكِ المُعَلِّمِ ، شديد القوى ، جبريل ، عليه السلام ، كما ورد في الآية الخامسة من سورة النجم (53). [4]

وعندما كان الوحيُ يتنزلُ على الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، كان يمليه على صحابته من كُتَّاب الوحي. وكان هؤلاء يقرأون له ما أملاهُ عليهم ، حتى يقره ويرتب آياته وسوره ، والتي كان بعضها محفوظاُ في بيته وبعضها الآخر في بيوت الصحابة ، رضوان الله عليهم. ولم تجمع سور القرآن الكريم في كتابٍ واحد إلا في عهد الخليفة الأول ، أبي بكرٍ الصديق ، رضي الله عنه. ولكن الخليفة الثالث ، عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، هو الذي اعتمد النسخة القريشية من القرآن الكريم ، وأحرق ما عداها من نسخ. وهكذا ، فإن مصحف عثمان يمثل النسخة الوحيدة للقرآن الكريم في العالم ، سليمة ومحفوظة بحفظ الله ، عز وجل ، الذي أخبرنا بذلك في الآية التاسعة من سورة الحجر(15). [5]

ويحتوي القرآن الكريم على تعاليم الله ، عز وجل ، للبشرية ، بما في ذلك أوامره ونواهيه ، والتي أبلغت للرسل السابقين. ويشتمل أيضاً على توضيحات بشأن أوجه الخلاف فيما بين اليهود والنصارى ، مثل طبيعة المسيح ، عليه السلام ، ورسالته لبني إسرائيل.

وأول كلمة من القرآن الكريم نزل بها جبريل ، عليه السلام ، على النبي محمد ، عليه الصلاة والسلام ، كانت فعل الأمر "اقرأ." وذلك يعني أن الله ، سبحانه وتعالى ، من شدة حبه لخلقه من البشر ، أراد لهم أن يكونوا على أعلى قدرٍ من العلم الذي يتأتى بالقراءة وتراكم المعرفة.

وأهم خصائص القرآن الكريم ، في كونه كلام الله ورسالته للبشرية ، أنه محفوظ بنصه العربي الأصيل ، دون أن يعتريه أي تعديل أو تغيير منذ أكثر من 1400 سنة. وهو موجودٌ اليوم بنصه العربي الأصيل كتابة وصوتاً ، وكذلك بترجماته العديدة لمعظم اللغات ، في مكتبات العالم ، وعلى الشبكة العالمية ، في مواقع عديدة مثل شبكة تنزيل (www.tanzil.net) ، التي تحمل 18 ترجمة مختلفة له باللغة الإنكليزية ، بالإضافة لترجمات باللغات الأخرى ، وبها أيضاً تسجيلات لستة وعشرين من المقرئين ، بالإضافة إلى وسيلة لبحث كلماته. ومن المواقع الأخرى المفيدة للباحثين والقراء العاديين موقع الإسلام (http://quran.ksu.edu.sa) ، الذي يحمل النص العربي للقرآن الكريم ، وكذلك العديد من الترجمات إلى لغات أخرى. ويمتاز هذا الموقع بتحميله لكتب التفسير الشهيرة ، خاصة تلك التي ألفها الطبري والقرطبي وابن كثير ، جزاهم الله خيراً عن مجهوداتهم الكبيرة في تفسير كتاب الله.[6]

ثَانِيَاً ، السُّنَّةُ المُشَرَّفَةُ

تمثل السُّنَّةُ المُشَرَّفَةُ المصدر الثاني للتعاليم الإسلامية ، وتشمل أحاديث النبي ، عليه الصلاة والسلام ، وأقواله ، وما أقره من أقوال الناس وأفعالهم. كذلك ، فإنها تتضمن تفسيره لآيات القرآن الكريم وتشرحها ببعض التفصيل. كما تحتوي على تعاليمه وأساليب حياته ، لتكون أمثلة تحتذى من قبل المسلمين ، في شتى مجالات حياتهم.

ولقد نهى ، عليه الصلاة والسلام ، أصحابه ، في البداية ، عن كتابة أي شيء يقوله لهم ما عدا القرآن الكريم ، حتى لا يختلط ذلك مع كلام الله ، سبحانه وتعالى ، ولكنه أباح ذلك فيما بعد.  وهكذا ، فإن بعض أوجه السُّنة المشرَّفة قد كتبت في حياته ، ولكن أغلبها لم تُجمع إلا بعد موته بوقت طويل. وقد أصبح جمع الحديث والتثبت منه وتخريجه والحكم بصحته علماً عتيداً قائماً بذاته ، يقوم عليه علماء أكفاء في كل عصر. [7]

ومن أمثلة شرح الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، لرسالة الله وتلخيصها لخلقه ، الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنهما ، والذي قال فيه: سمعت رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يقول: " بُنِيَ الإسْلامُ علَى خَمْسٍ، شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وأنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسولُهُ ، وإقامِ الصَّلاةِ ، وإيتاءِ الزَّكاةِ ، وحَجِّ البَيْتِ ، وصَوْمِ رَمَضانَ.[8]

وهكذا ، لخص ، عليه الصلاة والسلام ، العبادات المفروضة في حديث واحد ، تسهيلاً على الناس ، بالتأكيد عليها وعلى عددها ، خاصة أن هذه العبادات مذكورة في آيات كثيرة من سور مختلفة من القرآن الكريم. فقد ذكرت الشهادتان ، مثلاً ، في الآية 18 من سورة آل عمران (3) ، والآية 40 من سورة الأحزاب (33) ، والصلاة والزكاة في الآية 110 من سورة البقرة (2) ، والصوم في الآية 183 من سورة البقرة (2) ، والحج في الآية 97 من سورة آل عمران (3). [9]

ثالثاً ، أَبْحَاثُ عُلَمَاءِ المُسْلِمِين

وقد أصبحت أَبْحَاثُ عُلَمَاءِ المُسْلِمِين مصدراً ثالثاً للمعرفة بالتعاليم الإسلامية. وجُلُّ هؤلاء من خريجي الجامعات الإسلامية ، الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في الدراسات الإسلامية ، وهم بذلك خبراء بالمصدرين الأوليين. فيشرحون للناس أساسيات الدين من عقائد ومعاملات وأحكام ، وخاصة ما يستشكل على عامة الناس ، مثل حسابات المواريث والزكاة. كما أنهم يقيسون مستجدات زمانهم على ما ورد في القرآن والسنة ، فيبينوا للناس ما هو حرامٌ وما هو حلالٌ. فمثلاً ، لم يتم ذكر المخدرات نصاً في القرآن الكريم. فقام العلماء بالتوضيح للناس بأن ضررها أكبر من نفعها ، ولذلك ينطبق عليها حكم اجتناب الخمر المذكور في الآية 190 من سورة المائدة (5) ، والذي فسره النبي ، عليه الصلاة والسلام ، بأنه تحريم للخمر." [10]

وفي زماننا هذا ، ظهرت طائفة من علماء المسلمين المتخصصين في شتى العلوم الاجتماعية والطبيعية ، الذين أخذوا على عاتقهم استخراج الكنوز العلمية من القرآن الكريم والسنة المشرفة ، وتبيانها للناس فيما أصبح معروفاً بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم. وهم في ذلك يثبتون بالأدلة العلمية أن القرآن الكريم هو كتاب الله ، العليم الخبير ، وأنه لم يكن باستطاعة أي بشر طيلة الثلاثة عشر قرناً الماضية أن يعرف الحقائق العلمية الموجودة فيه. وبذلك ، فإنهم يزيدون المسلمين إيماناً بالله وبكتابه وبرسوله ، خاصة في هذا العصر الذي أصبحت فيه المعلومات متاحة للجميع في كل مكان ، بما في ذلك تلك التي تروج للإلحاد والاستخفاف بالدين. وهم كذلك يقومون بالدعوة الإسلامية لغير المسلمين ، وخاصة لمن تركوا الأديان الأخرى لتصادمها مع العلم ، وذلك بطريقة علمية تحترم عقولهم وذكاءهم ، كما سيجد القارئ الكريم ذلك في مختلف فصول هذا الكتاب ، لا سيما في الجزء الأول منه ، وخاصة في الفصلين الثالث والرابع.

====================================================================================================

 الإسْلامُ:

 رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

***

الفصل الثاني

***

مُسْتَوَيَاتُ العَقِيدَةِ الثَّلَاثِ

الإسْلامُ وَالإيمَانُ وَالإحْسَانُ

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ***

مُقَدِّمَةٌ

 ذات يوم ، دخل جبريل ، عليه السلام ، مسجد المدينة المنورة بينما الرسول ، عليه الصلاةُ والسلام ، والصحابة ، رضوان الله عليهم ، جلوسٌ فيه. فجرى حوارٌ من سؤالٍ وجواب بينهما ، أصبح فيما بعد حديثاً مشهوراً رواه الخليفة الثاني ، عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه.

وقد سأل جبريل الرسول خمسة أسئلة عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأماراتها. وكلما أجاب الرسول على أيِ منها ، امتدحه جبريل ، على صحة الإجابة ، بقوله "صدقت" ، ثم خرج. فأخبر الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، أصحابه بأنه جبريل ، الذي جاء ليعلمهم دينهم.

وقد لخص هذا الحديث الشريف مبادئ هامة للدين الإسلامي ، وجذب انتباه هذا المؤلف لمستويات العقيدة الإسلامية الثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان ، والتي تم تناولها كعناوين لأجزاء هذا الكتاب ، وهذا الفصلُ بصفة خاصة.

نَصُّ الحَدِيثِ

عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنهما ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَر ،ِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنْ الْإِسْلَامِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا." قَالَ: صَدَقْتَ. قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِيمَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ." قَالَ: صَدَقْتَ.

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ؟ قَالَ: "أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ."

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ السَّاعَةِ؟ قَالَ: "مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنْ السَّائِلِ." قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا؟ قَالَ:

"أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا ، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ."

قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ. فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنْ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ.

قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ. [11]

الإسْلام

وبناءً على هذا الحديث الشريف ، فهناك ثلاثة مستويات للعقيدة ، أولها الإسلام ، الذي عرَّفه النبي ، عليه الصلاة والسلام ، بأنه القيامُ بالعبادات الخمسة ، التي هي بمثابة أعمدة بناء هذا الدين الحنيف. وهكذا ، فالعبادة الأولى والأساس لإسلام المرء أن يَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. وتكمن أهمية هذه الشهادة في اعترافه بوجود الله ، عز وجل ، كخالق للكون وللبشر ، واعترافه أيضاً بمحمد ، كخاتم رسل الله. وهذا يعني أنه يتقبل الرسالة التي أتى بها محمدٌ من ربه لهداية البشرية ، ألا وهي القرآن الكريم ، والسُّنة المشرَّفة المفسرة له.

وبعد نطق الشهادتين ، يصبح المرءُ مسلماً ، مكلفاً بالعبادات الأربعة الأخرى ، وهي إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا. ومن المهم أن نلاحظ أن هذه العبادات قد فرضها الله ، سبحانه وتعالى ، في آيات عديدة ، لخصها رسوله الكريم في هذا الحديث الشريف ، الذي تمت الإشارة إليه في الفصل الأول من هذا الكتاب. وقد وعد الله ، سبحانه وتعالى ، عباده ، أي الذين يعبدونه بأداء هذه العبادات ، بمكافأتهم بالنعيم في جنة خلده ، ولكنهم أيضاً يتنعمون بسلام الإيمان وحلاوته في هذه الدنيا ، قبل الآخرة. أما المستنكفين عن عبادته ، فعقابهم في هذه الدنيا شقاءٌ ، وهم في الآخرة من أهل النار.

وبالتفكر فيما تعنيه هذه العبادات ، نجد أنها ذات فوائد عظيمة للعباد ، تعود عليهم بالخير أفراداً وجماعات ، في هذه الدنيا ، وفي الآخرة ، كما هو مفصل في الفصل الثامن والجزء الثاني من هذا الكتاب. وفيما يلي نبذة مختصرة عن هذه العبادات الخمس وفوائدها.

فالصلاةُ يسبقها الوضوء ، الذي هو نظافة مستمرة للبدن ، خمس مرات يومياً ، وذلك بغسل اليدين والوجه ، بما في ذلك الفم والأنف ، والذراعين ومسح الرأس والأرجل إلى الكعبين. كما أن على المسلمين أن يغتسلوا بعد الجماع (5: 6) وبعد الحيض والنفاس ، وأن يحافظوا على ملابسهم طاهرة نظيفة. وبإقامة الصلوات الخمس في مواقيتها المحددة ، فإن المسلمين يعيشون حياة منظمة ، يضبط فيها الوقت والأنشطة اليومية ، ما بين عمل وراحة ونوم. وأهم من ذلك ، أن الصلاة اتصالٌ بين العبد وربه في خمسة أوقات محددة يومياً ، إن تم أداؤها على الوجه الصحيح فهي طمأنينة للنفس وتذكير مستمر لها بالبعد عن الفواحش. كما أن الصلاة ، بحركاتها الجسدية الفريدة ، كالتكرار المرتب للوقوف والركوع والسجود والجلوس ، ما هي إلا رياضة مفيدة لمختلف أعضاء الجسم ، خاصة العضلات والمفاصل. كما أنها تنشط الدورة الدموية ، لتصل إلى بعض الأماكن في الجسم بتركيز أكبر ، كما في حالة الدماغ عند السجود. [12]

وبإيتاء الزكاة ، فإن المسلم يقدم المساعدة للفقراء والمساكين ويسهم في النهوض بالمجتمع من خلال الإنفاق على أوجه الزكاة الأخرى. وزكاة المال هي ربع العشر ، وهو مبلغ زهيد ، ولكنه عظيم الفائدة إذا ما أخرجه جميع الموسرين. عندها لا يشعر الفقراء أنهم تركوا وحدهم في المجتمع ، وبالتالي تصبح الزكاة تعبيراً مستمراً عن التعاطف والتضامن الاجتماعي. وبالطبع فإن الزكاة ليست بديلة عن أوجه العطاء الأخرى من صدقات ، تقرب المتصدق من المستحق للصدقة ، والأهم أنها تقربه من ربه ، الذي أنعم عليه في المقام الأول. والزكاة أيضاً ليست بديلة عن الضرائب التي تجمعها الحكومات ، لتنفقها على مشروعاتها وبرامجها المختلفة ، ولكنها تسهم في خدمة المجتمع من خلال إنفاقها على أوجه لا تغطيها تلك المشروعات والبرامج.

أما صوم شهر رمضان ، الذي يمتنع المسلمون فيه عن المأكل والمشرب والعلاقات الجنسية ، من طلوع الفجر وحتى غروب الشمس ، فإنه يمثل عبادة ذات فوائد عظيمة ، روحية وجسدية على حدٍ سواء. فالصومُ يربي النفس على التحكم في رغباتها ، ويقويها على ترويض غرائزها الجسدية. وهو يعطي الأغنياء فرصة فريدة للإحساس بالجوع الذي يعانيه الفقراء والمساكين ، فيطوع ذلك نفوسهم ويهذبها ، فيزداد عطاؤهم ، خاصة في رمضان ، حتى لا يبقى هناك صائم بلا طعام عند الإفطار ، وفي غير رمضان بعد ذلك. أما الفوائد الجسدية لصوم شهر رمضان فهي عديدة. فإذا أكل الصائمون باعتدال عند الإفطار ، فإن معظمهم يفقدون جزءاً هاماً من أوزانهم ، وذلك يعني التخلص من الدهون الزائدة التي تتجمع خلال العام المنصرم. وأهم من ذلك ، أن الجسم يتخلص من السموم والكيميائيات الضارة مع تخلصه من الدهون الزائدة. ومن أهم فوائد الجوع الذي يحدث في النصف الثاني من نهار الصوم ، أن الجسم يتخلص من الخلايا الضعيفة والمريضة والغير عادية ، كالخلايا السرطانية. وذلك لأن الحكمة الجسدية تقرر حرمان تلك الخلايا من الطعام القليل المتوفر ، حتى تزود به الخلايا السليمة. وأخيراً ، فإن الصوم يريح الجهاز الهضمي كله ، طيلة النهار في شهر رمضان ، من العمل الشاق الذي يقوم به طيلة الأحد عشر شهراً الأخرى.

والحج هو العبادة الخامسة في الإسلام ، وهو رحلة يقوم بها المسلم المستطيع ، مادياً وجسدياً ، إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة ، تاركاً وراءه كل ما يشغل الناس في هذه الدنيا. ولكون الحج تلبية من المسلم لدعوة ربه لزيارة بيته العتيق ، فإنه يشعر بسعادة غامرة عند رؤيته للكعبة المشرفة والطواف حولها وأثناء أدائه للمناسك المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الحج يشتمل على شعائر تُذَكِّر بقصة إبراهيم وابنه إسماعيل ، عليهما السلام ، وهو بذلك يربط الإسلام بالإيمان. كما أن الحج مؤتمرٌ عالمي للمسلمين ، على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وجنسياتهم ، ليتعرفوا على أحوال بعضهم البعض ، كما أراد لهم ربهم ، سبحانه وتعالى (49: 13). وأخيراً ، فإن اجتماع ملايين الحجاج في مكة لأداء مناسكهم ، في أيامٍ قليلة ، هو أمرٌ عظيم. ولذلك ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، قد أمرهم أن يعاملوا بعضهم بالحسنى وأن يتجنبوا الجدال (2: 197) ، حتى ينالوا أجزل الثواب ، وهو المغفرة والسعادة في الدنيا والآخرة. [13]

الإيمَانُ

بأدائه للعبادات المفروضة ، فإن المسلم يحقق المرتبة الأولى من العقيدة ، وهي الإسلام ، والتي من خلالها يرجوا أن ينال رضى اللهُ ، سبحانه وتعالى ، ورحمته ، فيسبغ عليه نعمه في هذه الدنيا ويدخله في نعيمه المقيم في الآخرة. ولكن هناك مرتبة أعلى في العقيدة ، وهي الإيمان ، كما أخبرنا ربنا ، سبحانه وتعالى ، في قوله: "قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ"  (الحجرات ، 49: 14). فقد أخبرتهم الآية الكريمة أنهم أسلموا ، ولكنهم لم يصلوا للمرتبة الثانية من العقيدة ، وهي الإيمان.

فالوصول لها يتطلب أن يؤمن المسلمُ بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، كما جاء في القرآن الكريم: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّـهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا" (النساء ، 4: 136). وزاد الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، على ذلك بالإيمان بالقدر خيره وشره ، كما جاء في الحديث الشريف أعلاه.

وهكذا ، فبينما يشير الإسلام إلى عالم الشهادة ، كما تمثله العبادات الحسية الخمس ، فإن الإيمان يشير إلى عالم الغيب ، الذي يُدْرَكُ بالمعرفة والتفكر. فالإيمان بوجود الله ، سبحانه وتعالى ، يتأتى بالتفكير فيما أخبرنا عنه في القرآن الكريم من حقائق علمية كثيرة ، لم تكن معروفة للناس أثناء نزول الوحي وحتى القرن الرابع عشر للهجرة ، أي العشرين للميلاد. [14]  

فالإيمان في هذه الحالة يكون بالاعتراف بأن القرآن الكريم هو كلام الله وحده ، وبأنه لم يكن بالإمكان لأي بشرٍ أن يأتي به ، أو بسورة من مثله. ويتبع الإيمان بالله ، الإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. والإيمان في هذه الحالة يتم الوصول إليه بإدراك الغيب (وجود الله) من خلال الشواهد التي قدمها لنا (مثل القرآن الكريم). ولكن كثيراً من الناس يؤمنون بالله غيباً ، ودونما الحاجة إلى شواهد حسية أو عقلية ، أي بالفطرة. أما الفلاسفة ، فإنهم يصلون لهذه المرتبة بالمنطق ، فيقولون أنه لا بد للخلق من خالق ، وللوجود من موجد ، وهو الله ، عز وجل. [15]

وعلى ذلك ، فالمؤمن هو من يؤمن بوجود الله يقيناً ، كما يؤمن بصدق ما أخبر به عباده في محكم كتابه ، بما في ذلك قدرته ، عز وجل ، على فعل أي شيء يريد. والمؤمن يقر أيضاً بوجود الملائكة ، الذين هم عباد الله المكرمون ، الذين لا يعصون ما يأمرهم به. ومنهم جبريل ، معلم الرسل ، الذي كان يتنزل بوحي الله لهم. ومنهم ميكال الموكل بالأرزاق ، وعزرائيل الموكل بالموت ، وإسرافيل نافخ الصور ، ورضوان خازن الجنة ، ومالك الموكل بالنار ، عليهم السلام أجمعين. وهناك فئات عديدة من الملائكة ، الذين لهم وظائف متعلقة بالبشر ، فمنهم رقيب وعتيد الموكلان بكتابة أعمال الناس من خير وشر ، وناكر ونكير الموكلان بسؤال الميت مباشرة بعد موته. وأخيراً ، فإن منهم سائق وشهيد ، وهما الموكلان بتنظيم الناس وقيادتهم في اليوم الآخر. والإيمان بوجود الملائكة وبتأثيرهم في حياة الناس هو جزء من المرتبة الثانية من العقيدة. [16]

ويتضمن الإيمان أيضاً الإقرار بأن الله ، سبحانه وتعالى ، قد أرسل هداه للبشرية من قبل ، من خلال كتبه السابقة للقرآن الكريم ، مثل صحف إبراهيم ، والتوراة التي أنزلت على موسى ، والزبور الذي أنزل على داوود ، والإنجيل الذي أنزل على عيسى بن مريم ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين. وقد تضمنت هذه الكتب جوهر رسالة الله وهداه للبشر ، الذي أكد عليه القرآن الكريم. ولا يصح الإيمان إلا بحب جميع رسل الله وتوقيرهم والاحتفاء بهم بنفس القدر ، ودون أي تفريق أو تمييز بينهم. كيف لا وهم الذين اصطفاهم ربهم لتبليغ رسالاته للعالمين.

ولا يصل المرء إلى مرتبة الإيمان إلا باعتقاده الراسخ بأن هذه الحياة ما هي إلا اختبار ، يقوم فيه الملائكة بتسجيل أقواله وأفعاله ، التي سيحاسب عليها عند لقاء ربه في اليوم الآخر. وعلى ذلك ، فالإيمان باليوم الآخر هو تسليم بوقوع الحساب في ذلك اليوم العظيم. وبالتالي فإن ذلك تشجيع للناس ليتنافسوا في عمل الخير حتى يفوزوا بما وعدهم ربهم من حياة أبدية في نعيم جنته ، كما إنه تحذير لهم بتجنب المعاصي والكبائر والشرور التي تودي بهم إلى عذاب جهنم ، والعياذ بالله. لمزيد من التفصيل عن اليوم الآخر وأحداثه ، أنظر الفصل الرابع والعشرين من هذا الكتاب.

وأخيراً ، فإن المؤمن يُسَلِّمُ بدقة قدر الله وعدالة قضائه. فالناسُ أحرارٌ فيما يقولون وما يفعلون ، وذلك في الأمور التي لهم عليها مقدرة وسلطان. ولكنْ هناك أمورٌ أخرى لا يدركها الناس ، لأنها خارجة عن إرادتهم وسلطانهم ، بعضها خيرٌ كنعمة غير متوقعة ، فينبغي للمؤمن أن يحمد الله ويشكره عليها. وبعضها يتراءى للناس على أنها شرٌ ، مع أن نتائجها يمكن أن تكون خيراً ، كتلك التي أحدثها الخضر أمام موسى ، عليهما السلام ، والتي استنكرها موسى قبل أن يعلم الحكمة منها (الكهف ، 18: 65-82). وربما ينتج عن بعض الأمور شرٌ مستطير ، كحدوث الموت والدمار نتيجة عدم الاستعداد لتجنب الكوارث الطبيعية أو الحروب. وفي الحالتين ، فإن الشر حادثٌ بأيدي الناس ، الذين لا ينبغي أن يلوموا إلا أنفسهم ، خاصة أن ربهم قد حذرهم من فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منهم خاصة (8: 25). والمؤمن يحمد الله على كل حال ، ويستخدم وقته وعلمه وماله وجسمه أفضل استخدام في هذه الحياة لأنه سيسأل عن ذلك في الآخرة ، ولا يستسلم للفتن والكوارث والأمراض والمحن من أي صنف ، وهو في ذلك إنما يدفع القدر بالقدر ، كما تم تفصيله في الفصل الخامس والعشرين من هذا الكتاب. [17]

الإحْسَانُ

الإحْسَانُ مرتبة في العقيدة يصلها الإنسان عندما يعبد الله وهو يعلمُ يقيناً أن الله يراه ، كما أخبرنا عن ذلك خاتم المرسلين ، عليه الصلاة والسلام ، في رده على سؤال جبريل ، عليه السلام. وهذا يعني أن المُحسن يعلم أن الله ، سبحانه وتعالى ، يسمع كل ما يقوله ويرى كل ما يفعله. وهو لذلك يتحرى ألا يقول ولا يفعل إلا الأحسن ، وهو في ذلك ساعياً إلى ما يرضي ربه ، متَّبِعاً لأوامره ومتجنباً لنواهيه ، إدراكاً منه بأن ذلك هو الخير ، وهو عين الصواب. وبهذا ، فإن الإحسان أعلى مراتب العقيدة الثلاث وأقربها إلى مرضاة الله.

ولغوياً ، الإحسانُ اسمٌ مشتقٌ من الفعل أحْسَنَ ، أي أجاد في القول وأتقن في العمل. والمعنى أن المحسن ينشد الأحسن في أقواله وأفعاله ، ولا يوجد ما هو أحسن من اتباع أوامر الله وتجنب نواهيه ، والدعوة له ، وعمل الصالحات ، كما تعبر عنه الآية الكريمة 41: 33. وسيكون الإحسانُ كتاباً منفصلاً لوحده ، بمشيئة الله ، يحتوي على أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، ونواهيه.

وقد عبرت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن المعاني السامية لكلمة "الإحسان." فالله ، سبحانه وتعالى ، يأمر بالإحسان ، قولاً وعملاً ، وبمعاملة الوالدين بالحسنى ، ويثنى على المحسنين بإعلان حبه لهم ، ويطمئنهم بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، ويعدهم بالجزاء الأوفر في جنة خلده. [18]

الْخُلَاصَةُ

أوضحت لنا الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة أن هناك ثلاث مستويات للعقيدة الإسلامية ، هي الإسلام والإيمان والإحسان. والمقصد هو تحفيز النفس البشرية للارتقاء من مستوى إلى آخر ، مما يحقق للأفراد والجماعات والمجتمعات أفضل ما يمكن تحقيقه من فوائد روحية وجسدية في الحياة الدنيا ، وصولاً إلى مرضاة الخالق ، عز وجل ، ورحمته وجنة خلده ، في الآخرة.

========================================================================================

 الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الْفَصْلُ الثَالِثُ

***

الدَلِيلُ العِلْمِيُ عَلَى وِجُودِ اللهِ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى

وَعَلَى أنَّ القُرْآنَ الْكَرِيمَ هُوَ رِسَالَتُهُ لِلْبَشَرِيَّةِ

 ***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

***

مُقَدِّمَةٌ

 مع مطلع هذا القرن ، الخامس عشر للهجرة ، الموافق للحادي والعشرين للميلاد ، لم يعد كثيرٌ من غير المسلمين يؤمنون بالله ، سبحانه وتعالى. وحتى الذين يعلنون إيمانهم ، كثيرٌ منهم في شكٍ من ذلك. وآخرون يعانون من معتقدات مغلوطة تقودهم إلى التصرف بطرقٍ خاطئة وخطيرة. وبالمختصر المفيد ، هناك جهلٌ كبير عن خالق الحياة على هذا الكوكب ، وعن رسالته لهداية البشرية ، والتي ذكرت في القرآن الكريم ، وفي الكتب السماوية التي سبقته. 

وبناءً على ذلك ، فهناك مسئوليةٌ تقع على عاتق المؤمنين إزاء من هم على ضلالة ، ومن هم في شكٍ فيما يؤمنون به. وهناك مسئولية أكبر إزاء الملحدين الذين لا يؤمنون بالله في المقام الأول ، سواء كان ذلك عمداً أو عن جهالة. فما حدث لهؤلاء ربما يكون مرده إلى غياب الحقائق العلمية في تدريسهم عن الله وكتبه التي أرسلها لهدايتهم. فهناك أديانٌ عديدة تحتوي على أساطير غير منطقية وطقوس غريبة لا معنى لها ، تؤدي في النهاية إلى تسفيه العقل الإنساني ، وبالتالي إلى رفض الاعتقاد بأن تلك الأساطير والشعائر الغريبة هي من عند الله ، الذي يفترض أن يكون أكثر ذكاءً من الناس الذين خلقهم ليعبدوه.

ومن الأسباب الهامة لانتشار الإلحاد أن قادة كثير من الأديان ، بما في ذلك الكبيرة منها ، قد وضعوا أنفسهم وأديانهم على طريق تصادمي مع العلم. وأدى ذلك إلى تغريب المتعلمين والمثقفين من أتباع تلك الأديان ، وجعلهم أكثر عرضة للإلحاد أو اللامبالاة تجاه الدين ، أو الاستخفاف به.

من هنا ، فإن المهمة الأساسية أمام المؤمنين هي إثبات وجود الله ، بالحقائق العلمية المقنعة ، وتبليغ ذلك لمتعلمي ومثقفي العالم ، وذلك من خلال استخراج الدُّرر العلمية من القرآن الكريم ، واستعمالها لإقناعهم بأن الله موجودٌ ، وأنه لم يكن لبشرٍ على الأرض أن يعرف الكثير من هذه الحقائق سوى في القرن الماضي. ومن ثم ، فإن القرآن الكريم لا يمكن إلا أن يكون كلام الله. حينها ، سيسعى هؤلاء بأنفسهم لتعلم ما يتضمنه القرآن الكريم من أمور هداية الله لخلقه ، بما في ذلك أوامره ونواهيه ، أي شريعته ، التي إذا ما اتبعوها فإنهم سينعمون بالسعادة في الدنيا والآخرة. 

هذه هي المهمة التي يقوم بها الآن عددٌ من علماء المسلمين المتخصصين في العلوم الاجتماعية والطبيعية ، وهي التي تستحق الدعم والتشجيع ، لتتوسع الدعوة إلى الله ودينه الحنيف ، وتنتشر في كافة أقطار الأرض ، إن شاء الله.

وعلى سبيل المثال ، فإن القرآن الكريم يخبرنا بقصة الخلق الأول للحياة على كوكب الأرض ، بما في ذلك خلق الإنسان وتطوره ، بطريقة تدهش علماء الطبيعيات وتلاميذهم ، وتخلب عقولهم ، وتثلج صدورهم ، وذلك لآنها تقارب إلى حدٍ بعيد آخر ما توصلت إليه أبحاثهم. فهم يعرفون أن الحياة قد بدأت على هذا الكوكب في الماء والطين ، ثم تطورت ، وتخلل ذلك انقراض بعض أشكالها ، ثم عاد بعضها للحياة من جديد. وهذا كله مذكورٌ في كتاب الله ، وبدقة بالغة ، وهو موضوع الفصل الرابع من هذا الكتاب: "الخلق والتطور في القرآن الكريم."  

أما هذا الفصل ، فينقسم في موضوعاته إلى ثلاثة أقسام. يشتمل القسم الأول على أمثلة للآيات المتضمنة لحقائق علمية ، اكتشفت حديثاً ، عن خلق السماوات والأرض ، وعن وجود مخلوقات ذكية غير الإنسان.  ويتضمن القسم الثاني أمثلة للآيات التي تذكر حقائق علمية ، اكتشفت حديثاً ، عن ظلمة ماء المحيطات ، وتكون السحب ، وأزواج النبات ، والحشرات. ويَعْنَى القسم الثالث بالتعريف بالإعجاز العددي في القرآن الكريم ، وإعطاء بعض الأمثلة التي تظهر بجلاء أن حروف وكلمات وسور هذا الكتاب مرتبة في نظام عددي محكم ، لا يمكن أن يكون من صنع البشر ، وفي ذلك دليل آخر على وجود الخالق ، عز وجل ، وعلى أن القرآن الكريم هو رسالته للبشرية.

أولاً ، أمثلة على الآيات المشتملة على حقائق علمية ، اكتشفت حديثاً ، عن خلق السماوات والأرض ، وعن وجود مخلوقات ذكية غير الإنسان

1. يخبرنا الله ، عز وجل ، أنه قبل خلق السماوات والأرض ، كان عرشه على الماء ، فيقول:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ  (هود ، 11: 7).

وهذا يعنى أن الماء سابقٌ على العناصر الأخرى ، وبالتالي فهو سابقٌ لتكون النظام الشمسي الذي نعرفه. وقد ذكر الطبري في تفسير هذه الآية حديثاً مروياً عَنْ أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيّ ، الذي قَالَ ، قُلْت : يَا رَسُول اللَّه ،  أَيْنَ كَانَ رَبّنَا قَبْل أَنْ يَخْلُق السَّمَوَات وَالْأَرْض؟ قَالَ: "فِي عَمَاء ، مَا فَوْقه هَوَاء وَمَا تَحْته هَوَاء ، ثُمَّ خَلَقَ عَرْشه عَلَى الْمَاء" (العماء هو السحاب). كذلك روى عن ابن عباس ، رضي الله عنه ، أنه قال ، أن الْمَاء كان عَلَى مَتْن الرِّيح. وكذا روى القرطبي وابن كثير ، رحمهم الله جميعاً ، وأثابهم على أعمالهم الجليلة في خدمة الإسلام والمسلمين.

وهذا بالضبط ما اكتشفه البحث العلمي حديثاً ، في عام 2014 ميلادية. وخلاصة ذلك أن عمر بعض الماء الموجود لدينا حالياً يزيد على عمر الأرض ، المقدر بحوالي 4.6 بليون سنة ، أي أنه أقدم منها ، وحتى أنه يزيد قِدَماً على عمر الشمس. وهذه الحقيقة العلمية تؤكد ما جاء في الآية الكريمة ، وبالتالي فإنها إثباتٌ على أن القرآن الكريم هو كلام الله ، سبحانه وتعالى ، الذي "لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ، تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت ، 41: 42) ، وخاصة أنه جاء على لسان النبي الأمي ، الذي لم يعرف القراءة والكتابة من قبل ، صلى الله عليه وسلم. [19]

2. في الآية الكريمة 21: 30 ، يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، أن السماوات والأرض كانتا ملتصقتين في كتلة واحدة ، لا ثقب فيها. ثم أنه فتقهما ، مما أدى إلى فصلهما عن بعضهما البعض ، وتناثرهما في الفضاء ، فيقول:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ  (الأنبياء ، 21: 30). 

ثم إنه ، سبحانه وتعالى ، بعد ذلك ، جعل الحياة تدب في الأماكن المحتوية على الماء الموجود فيهما من قبل حدوث الفتق ، كما أخبرنا في الآية 11: 7. وكان هذا جل تفسير الطبري لمعنى الرتق والفتق في اللغة ، وتبعه في ذلك القرطبي وابن كثير.

وقد قدر بعض علماء الفيزياء الفلكية ، ابتداء من أوائل القرن العشرين ، إلى أن عمر الكون يتراوح ما بين 10 و20 بليون سنة ، ولكن بعضهم مؤخراً حدد بدايته على أنها كانت منذ 13.8 بليون سنة ، وذلك طبقاً لنظرية الانفجار العظيم ، التي يوافق عليها معظم علماء الفلك في عصرنا هذا. وعلى الرغم من أن النظرية أرجعت البداية لانفجار عظيم ، كما يدل اسمها على ذلك ، إلا أن العلماء يتفقون الآن على أن البداية لم تكن نتيجة انفجار. [20]

وذلك تأييدٌ واضحٌ للحقيقة العلمية التي أشارت إليها الآية الكريمة. وبالطبع ، فإن علماء الفيزياء الفلكية يفسرون حدوث البداية لأسباب خاصة بالمادة والزمن والطاقة ، دون التطرق المنطقي إلى ضرورة وجود الخالق العظيم ، الذي شاء إحداث تلك البداية. أما نحن ، فنعلم يقيناً أنه الله ، سبحانه وتعالى ، الذي أخبرنا بذلك في كتابه العزيز قروناً طويلة قبل أن يكتشفوا هذه الحقيقة العلمية ، كيف لا وهو ألأول الذي لم يكن قبله شيء ، وهو المبدئ الذي بدأ البداية ، وهو بديع السماوات والأرض ، وهو العلي العظيم (انظر الفصل السادس عشر: الله ، كما وصف نفسه في القرآن الكريم).  

3. في الآية الكريمة 51: 47 ، يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، بأنه قد بنى السماء ، مستخدماً في وصف ذلك الفعل الماضي "بني" ، أي أن البناء قد تم وانتهى في الزمن الماضي. ثم يخبرنا أنه موسعٌ للسماء ، أي أن صفة اتساع السماء في حالة مستمرة ، تعني الحاضر والمستقبل.

وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (الذاريات ، 51: 47).

وهذه حقيقة اتفق عليها علماء الفيزياء الفلكية ابتداء من القرن العشرين فيما يسمونه "الكون المتوسع" بمعنى "الكون دائم الاتساع." أما المفسرون الثلاثة الأوائل فكان تفسيرهم وقفٌ على وصف السماء بالاتساع فقط ، دونما التطرق إلى استمرار الاتساع ، وهو المعنى الدقيق لغوياً وعلمياً. [21]

4. في الآية الكريمة 67: 3 ، يخبرنا ربنا ، جل وعلا ، أنه قد خلق سبع سماوات طباقا ، أي واحدة فوق الأخرى ، كطبقات ، مستويات ، دونما اختلاف أو عيب أوشق فيها ، سواء نظرت إليها مرة أو أكثر.

الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ (الملك ، 67: 3).

وفي عصرنا الراهن ، هناك نظريات عديدة عن وجود عدة أكوان متوازية ، وليس فقط الكون الذي نعيش فيه ، وفي ذلك تأييد لما اتفق عليه المفسرون الثلاثة لغوياً. والفارق أن تلك النظريات تشير إلى السماوات على أنها أكوان. [22]

5. الآية الكريمة 84: 19 تتصل في معناها بالآية السابقة الذكر ، 67: 3 ، في صفة السماوات بأنها طباق ، أي طبقات ، بعضها فوق بعض. ولكنها تزيد عليها في أنها نبوءة برقي الإنسان وسفره إلى طبقات السماء ، واحدة إثر الأخرى.

لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَن طَبَقٍ (الانشقاق ، 84: 19).

وقد وافق المفسرون الثلاثة على هذا المعنى ، خاصة بإيراد تفسيري ابن عباس والشَّعبي ، اللذين جعلا ذلك مقتصراً على النبي ، عليه الصلاةُ والسلام. فقالا إن معنى ذلك: "لَتَرْكَبَنَّ يَا مُحَمَّد سَمَاء بَعْد سَمَاء." وانفرد القرطبي بطرح سؤال عما إذا كان ذلك بشارة بحدوث الإسراء والمعراج.

ويمكن الإجابة على سؤال القرطبي بالنفي ، فسورة الانشقاق (84) مكية ، وقد نزلت بعد رحلة الإسراء والمعراج ، التي تم وصفها في سورة النجم (53). فلو كان النبي ، عليه الصلاة والسلام ، هو المقصود لكان الفعل في الزمن الماضي. ولكن لكون الفعل مضارعاً ، يفيد المستقبل أيضاً ، فإن هذه الآية تخاطب الإنسان عموما. وعلى ذلك ، فربما تكون هذه الآية الكريمة مبشرة بأسفار الإنسان في الفضاء الخارجي ، وذلك بسفره من كوكب إلى آخر ، أو من نظام شمسي إلى آخر ، أو من مجرة إلى أخرى ، والله أعلم. [23]

6. الآية الكريمة 55: 33 تتضمن دعوة للجن والإنس بأن يحاولوا التحليق والسفر في الفضاء الخارجي. وبذلك ، فإن معناها متصل بمعنى الآية السابقة الذكر ، 84: 19.

يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا ۚ لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (الرحمن ، 55: 33).

 وهذه نبوءة قد تحققت للجن أولاً ، كما تخبرنا الآية الثامنة من سورة الجن (72): " وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا." فهم قد وصلوا إلى السماء ولمسوها ، وذلك نأخذه من القرآن الكريم على أنه مُسَلَّمٌ به ، لإننا في هذا الزمان لسنا مؤهلين بعد لإمكانية البحث فيه.

ثم بدأت هذه النبوءة تتحقق للإنسان بعد الجن ، وذلك في النصف الثاني من القرن الرابع عشر للهجرة ، الموافق للنصف الثاني من القرن العشرين للميلاد ، عندما بدأ السوفييت والأميركيون رحلاتهم الفضائية ، ثم لحق بهم الأوروبيون والآسيويون بعد ذلك. وفهم إعجاز هذه الآية الكريمة يكون بمقارنة ردود فعل قُراء القرآن الكريم قبل تحقق النبوءة وبعد تحققها. فلقرونٍ عديدة ، لم يتحدث حتى المفسرون الثلاثة الكبار عن مجرد التفكير في إمكانية سفر الإنسان بين أقطار السماوات والأرض.

لكن هذا الأمر أصبح الآن خبراً عادياً في وسائل الإعلام ، لأنه لا يكاد يمر شهرٌ دون خبرٍ عن رحلة فضائية ، ليس فقط للدوران حول الأرض والوصول إلى المحطة الفضائية الدولية وإلى القمر ، وإنما أيضاً لسبر أغوار الفضاء الخارجي والكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية ، وفيما بعدها. [24]

7. في الآية الكريمة 65: 12 ، يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، أنه خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن ، أي سبع أرضين أيضاً ، فيقول:

اللَّـهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّـهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا  (الطلاق ، 65: 12).

والمعنى أنه مثلما أن هناك سبع سماوات مسكونة بالملائكة يتنزل أمر الله بينهن ، فإن هناك سبع أرضين مسكونة أيضاً بخلق الله ، يتنزل أمره بينهن أيضاً. وهذه الآية الكريمة هي بمثابة نبوءة تشجع الباحثين على اكتشاف هذه الكواكب المعمورة بمخلوقات ذكية ، يتنزل أمر الله ، سبحانه وتعالى ، بينهن.

وقد اتفق المفسرون الثلاثة على أن هناك سبع أرضين ، كما ذكر الطبري ، رحمه الله ، في تفسيره ، فقال: " وَلَا خِلَاف فِي السَّمَوَات أَنَّهَا سَبْعٌ بَعْضهَا فَوْق بَعْض ، دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيث الْإِسْرَاء وَغَيْره . ثُمَّ قَالَ : " وَمِنْ الْأَرْض مِثْلهنَّ " يَعْنِي سَبْعًا . وَاخْتُلِفَ فِيهِنَّ عَلَى قَوْلَيْنِ : أَحَدهمَا : وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور - أَنَّهَا سَبْع أَرَضِينَ طِبَاقًا بَعْضهَا فَوْق بَعْض ، بَيْن كُلّ أَرْض وَأَرْض مَسَافَة كَمَا بَيْن السَّمَاء وَالسَّمَاء ، وَفِي كُلّ أَرْض سُكَّانٌ مِنْ خَلْق اللَّه."

ومنذ بدأت أبحاث الفضاء ، والعلماء يبحثون عن أية دلالات لوجود الحياة على الكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية ، أو في المجموعات الشمسية الأخرى ، في مجرتنا ، أو في المجرات الأخرى. ومن أهم الدلالات التي يبحثون عنها وجود الماء في هذه الكواكب. ومن المكتشفات العلمية في هذا المجال ما نشرت عنه وكالة الفضاء الأميركية ، ناسا ، في 22 فبراير 2017. فقد أشار تقريرها إلى اكتشاف نظام كوكبي أسماه العلماء ترابست رقم واحد ، يقع في المجموعة الشمسية المعروفة باسم أكويريوس ، والتي تبعد عن أرضنا بحوالي 40 سنة ضوئية ، أي حوالي 235 ترليون ميل. وقد ذكر التقرير أن هناك سبع كواكب ، بحجم الأرض ، تدور حول شمسها ، مع احتمال وجود الماء فيها جميعاً ، واحتمال وجود الحياة في ثلاث منها على الأقل. والتقرير لا يجزم بوجود ماء أو حياة على هذه المجموعة من الكواكب بالذات ، ولكنه يفتح الباب على إمكانية اكتشاف وجود ذلك مستقبلاً ، سواء في تلك المجموعة أو في غيرها. وهكذا ، فهذا الاكتشاف لعلماء وكالة الفضاء الأميركية قد أصبح من الحقائق العلمية التي تشير إليها هذه الآية الكريمة. [25]

8. تخبرنا الآية الكريمة 14: 19 بأن الله ، سبحانه وتعالى ، قد خلق السماوات والأرض بالحق:

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (إبراهيم ، 14: 19).

الحق في اللغة هو الصدق والعدل ، وهو عكس الباطل. ومعنى كلمة "بالحق" أي بالدقة المتناهية والتوازن التام في العلاقات بين مكونات الكون. ففي دورانها حول الشمس ، تحتل الأرض موقعاً مثالياً أتاح للحياة أن تبدأ وتستمر وتزدهر فيها. فهذا التنوع المدهش في الكائنات النباتية والحيوانية على هذا الكوكب هو نتيجة لعلاقتها الدقيقة والمتوازنة مع الشمس والقمر والكواكب الأخرى. وعلى الأخص ، فإن ازدهار الحياة على الأرض هو من تأثير دورانها حول نفسها ، مما أدى إلى دورة الليل والنهار. كما أن ذلك الازدهار ناتجٌ أيضاً عن التغيرات الموسمية الناتجة عن دورانها حول الشمس بميل نسبي حول محورها ، ووصول أشعة الشمس بدرجات متفاوتة إلى أقاليم الأرض الجغرافية المختلفة.

ومن مظاهر الدقة والتوازن أيضاً أن نسبة المياه على الأرض وفي جسم الأنسان واحدة ، وهي 70% في كليهما. كما أن هناك توازناً ما بين الأكسجين وثاني أكسيد الكربون اللازميْن لتنفس مملكتي النبات والحيوان على الأرض. وهناك توازنٌ بين طبقة الأوزون والغازات الأخرى ، خاصة الناتجة عن التلوث الصناعي ، والذي إذا اختل ، فإن الأوزون يفقد قدرته على حماية الأرض من الإشعاعات الكونية الضارة. كل هذه الأمثلة تشير إلى الدقة والتوازن في مكونات الكون ، التي وصفت في هذه الآية الكريمة بأنها خُلقت "بالحق." [26]

9. في الآية الكريمة 79: 30 ، يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، بأنه قد دَحَى الأرض ، أي جعلها تشبه البيضة في شكلها ، وذلك بعد أن أخبرنا في الآيات السابقة لها ، في نفس السورة ، بأنه خلق السماوات وسواهن ، فيقول ، جل وعلا:

وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَاهَا (النازعات ، 79: 30).

والحقيقة العلمية في هذه الآية موجودة في فعل "دَحَى" ، التي تعني أنه جعل الأرض على شكل الدَّحْيَة ، ألا وهي بيضة الطيور والدواجن. والدحية (أو البيضة) ليست كاملة الاستدارة ، وهي بذلك أقرب تشبيهاً للأرض من أي شيء آخر موجودٌ في الطبيعة ، ويعرفه الناس.

ولم تكن هذه الحقيقة العلمية معروفة لدى العرب قبل الإسلام ، ولكن كثيراً من علماء المسلمين أدركوها وأشاروا إليها في كتاباتهم. واليوم لدينا صورا في غاية الروعة والجمال لكوكبنا الأزرق ، البيضاوي الشكل ، أخذت من قبل رواد الفضاء ، ومن خلال الأقمار الصناعية ومحطة الفضاء الدولية.

ومن الطريف أن المفسرين الثلاثة لم ييشيروا إلى معنى كلمة "الدحية" ، على أنها البيضة ، فلم يذكروا ذلك في تفسيراتهم لهذه الآية الكريمة. لكن مؤلف هذا الكتاب ، الذي عاش أربع سنين في طرابلس الغرب ، سمع الليبيين يستعملونها ، في إشارتهم إلى البيض عموماً ، وإلى بيض الدجاج على وجه الخصوص. [27]

10. في الآيات الكريمة التالية ، يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، بأن هناك سكان في السماوات أسلموا لربهم ، وأنهم يعبدونه ويسبحون باسمه ، كما فعل ويفعل الكثير من سكان الأرض ، فيقول عز وجل:

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَىٰ جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ (الشورى ، 6: 38).

وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ (الروم ، 30: 26).

أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّـهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (آل عمران ، 3: 83).

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ (النور ، 24: 41).

كما يخبرنا ، سبحانه وتعالى ، عن أن هناك مخلوقات أخرى بين السماوات والأرض ، هم الجن ، الذين منهم المسلمون الذين يعبدونه ، ومنهم غير ذلك:

قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴿٢٣﴾ قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ ﴿٢٤﴾ (الشورى ، 26: 23-24).

قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (الجن ، 72: 1).

وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (الجن ، 72: 8).

وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَـٰئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (الجن ، 72: 14).

هذه الآيات الكريمة تخبرنا بوجود كائنات حية وعاقلة ومؤمنة بالله ، وعابدة له في السماء ، وبين السماء والأرض ، بالإضافة إلى كائنات أخرى غير مسلمة للخالق ، عز وجل. أي أن هناك إمكانية لحدوث الاتصال بيننا وبين هذه الكائنات في المستقبل ، كما حدث في الماضي ، مع نبي الله سليمان ، عليه السلام: "وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (النمل ، 27: 17).

ويعزز ذلك أن الإنسان قد بلغ من العلم مبلغاً يؤهله لمحاولة الاتصال بتلك الكائنات ، مادياً من خلال المركبات الفضائية ، وغير ذلك من وسائل الاتصالات المختلفة. وربما يكون رواد الفضاء من هذه الكائنات أسبق منا إلى ذلك ، فيصلون إلينا قبل أن نصل إليهم. فإذا ما حدث ذلك الاتصال ، لا ينبغي أن يكون مفاجأة أو صدمة للناس ، بما في ذلك المسلمين ، وخاصة الذين يعرفون كتاب الله منهم. [28]

ثانياً ، أمثلة على الآيات المشتملة على حقائق علمية ، اكتشفت حديثاً ، عن ظلمة ماء المحيطات ، وتكون السحب ، وأزواج النبات ، والحشرات

11. الآية الكريمة 24: 40 تقدم لنا وصفاً دقيقاً لمستويات مختلفة من الظلام الموجود في مياه المحيطات ، كما نقرأ في قوله ، سبحانه وتعالى:

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّـهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ (النور ، 24: 40).

وهذه الحقيقة العلمية لم تكتشف إلا حديثاً. فلم يكن باستطاعة أي إنسان الوصول إلى أعماق مياه المحيطات ويصورها لنا قبل القرن الهجري الرابع عشر (العشرين للميلاد) ، عندما بدأت محاولات استكشاف الإعماق ، مثل ما قام به الفرنسي فيليب كوستو وفريقه في الثمانينات ، الذين عرضوا رحلاتهم البحرية في البرنامج التلفزيوني الشهير ، "عالم البحار."

وقد تبين أن هناك ثلاث مستويات من النور والظلام في مياه المحيطات. أولها يمتد من سطح الماء إلى حوالي 600 قدم تحته ، حيث يتغلغل ضوء الشمس في الماء بقدر يكفي للرؤية. وثانيها يمتد من حوالي 600 قدم إلى حوالي 3000 قدم تحت سطح الماء ، والرؤية فيه ضعيفة جداً ، لأنه لا يسمح إلا بمقدار ضئيل من ضوء الشمس للوصول إليه. ثم يبدأ المستوى الثالث من العمق بعد ذلك ، الذي يشكل 90% من مياه المحيطات ، حيث الظلام التام الدامس ، الذي لا يستطيع الإنسان فيه أن يرى يده ، كما وصفته الآية الكريمة. [29]

12. الآيتان الكريمتان التاليتان تقدمان وصفاً دقيقاً لكيفية تكون السحب ونزول المطر والبرَد ، وذلك قبل نشوء العلوم الحديثة المختصة بذلك ، بأكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمن. فأنظر قول الله ، سبحانه وتعالى:

اللَّـهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ ۖ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (الروم ، 30: 48).

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّـهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ ۖ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ (النور ، 24: 43).

هاتان الآيتان الكريمتان توصفان الدورة المائية بدقة تحسدهما عليها ملخصات هيئات الأرصاد الجوية في عصرنا الحاضر. فتبدأ هذه الدورة بتبخر مياه المحيطات والبحار والأنهار والبحيرات نتيجة لحرارة الشمس. فتأتي الرياح الباردة لتساعد جزيئات بخار الماء لتتكثف مع بعضها البعض ، لتصبح سحباً. ثم تحمل الرياح السحب أفقياً إلى أماكن أخرى ، وتعلوا بها رأسياً إلى طبقات الجو الباردة. عندها يزداد تكثف (تراكم) جزيئات بخار الماء مع بعضها البعض ، فتصبح أكثر ثقلاً من أن تستطيع الرياح حملها ، فتسقط على هيئة ما نسميه مطراً (ودقاً). أما البَرَد ، فإنه يتكون نتيجة تكثف أكبر ، بسبب تعرضه لدرجات الحرارة الأكثر انخفاضاً في الطبقات العلوية من الجو، مما يؤدي إلى تجمد قطرات الماء ، فتصبحُ كراتٍ ثلجيةٍ لا تقدر السحب على حملها ، فتسقط على هيئة ما نسميه بَرَدَاً. [30]

13. الآية الكريمة 36: 36 تذكر بأن الله ، سبحانه وتعالى ، قد خلق الأزواج كلها للتكاثر ، بما في ذلك أزواج النبات والإنسان ، وغير ذلك مما لم يعلمه الإنسان بعد.

سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (يس ، 36: 36).

وبالإضافة لكلمة أزواج الواردة في هذه الآية ، وردت كلمتا زوج وزوجين في آيات أخرى ، وكلها تشير إلى وجود عنصري الذكورة والأنوثة اللازمين للتكاثر الجنسي في النبات تحديداً. وهذه حقيقة علمية أصبحت معروفة الآن. فهناك أزواج من النباتات واضحة للعيان في ذكورتها وأنوثتها ، على شكل شجرتين مستقلتين عن بعضها البعض ، مثلما هو الحال في أشجار النخيل ، فبعضها ذكرٌ وبعضها الآخر أنثى. ولا تنمو فاكهتها ولا تنضج إلا بالتلقيح الطبيعي ، عن طريق الرياح والحشرات ، أو بالتلقيح الصناعي ، بتدخل الإنسان. وهناك أزواج في النباتات على شكل زهرتين مختلفتين ، ولكنهما موجودتان في نفس النبتة ، إحداهما تحمل عناصر التذكير والأخرى تحمل عناصر التأنيث في ذلك النبات ، كما هو الحال في الخيار مثلاً. وهناك نوعٌ ثالث من النباتات تشتمل أزهارها على عنصري التذكير والتأنيث معاً ، مثل الطماطم (البندورة) ، فيكون التلقيح فيها أسرع وأكثر نجاحاً. [31]

14. تضمن القرآن الكريم الإشارة إلى ثمانية أنواع من الحشرات ، أربعة أنواع منها ذكرت بصفة المفرد المؤنث ، وهي النحلة والنملة والبعوضة والعنكبوت ، وأربعة أنواع أخرى ذكرت بصفة الجمع الذي يشير للذكور والإناث معاً ، وهي الذباب والفراش والجراد والقمل. وهذا التفريق في الإشارة إلى هذه الأنواع من الحشرات يمثل تعبيراً عن حقائق علمية وردت في كتاب الله الكريم ، قبل اكتشاف العلماء لها بأكثر من ثلاثة عشر قرناً ، أي بعد اكتشافهم للمجهر المكبِّر ، الذي مكنهم من دراسة حياة هذه الحشرات ، بما في ذلك تمييز ذكورها من إناثها.

والإعجاز العلمي هنا يكمن في الإشارة إلى الأنواع الأربعة الأولى من الحشرات بصفة المفرد المؤنث ، وذلك لتميز الإناث عن الذكور فيها بصفات خاصة وهامة. فالنحلة هي التي تعمل وتنتج العسل ، والنملة هي التي تعمل داخل المسكن وخارجه ، والبعوضة هي التي تهاجم الإنسان والحيوان لتمتص الدم ، وأنثى العنكبوت هي التي تبني بيتها الذي هو بمثابة شبكة الصيد بالنسبة لها. أما ذكور هذه الأنواع الأربعة من الحشرات ، فهم للتزاوج فقط ، ويموتون أو يقتلون بعد ذلك.

فالآيات الكريمة التالية تشير إلى النحلة بأفعال الأمر المؤنثة: "اتخذي" و"كلي" و"فاسلكي." وتشير إلى النملة بالاسم المفرد المؤنث "نملةٌ." وتشير إلى البعوضة أيضاً بالاسم المفرد المؤنث "بعوضة." كما تصف العنكبوت باستعمال الفعل الماضي المؤنث "اتخذت" ، كما يلي:

وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ ﴿٦٨﴾ ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴿٦٩﴾  (النحل ، 16: 68-69).

قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ  (النمل ، 27: 18).

إِنَّ اللَّـهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا (البقرة ، 2: 26). 

مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (العنكبوت ، 29: 41).

والحقيقة العلمية المتضمنة في الآيتين الكريمتين 16: 68-69 تتلخص في أن إناث النحل هي التي تعمل خارج مساكنها ، وبالتالي فهي التي تنتج العسل. أما ذكور النحل فيموتون خلال تسعين يوماً بعد تزاوجهم مع الملكة. وهذه الحقيقة العلمية تنطبق أيضاً على النمل ، فالذكور يموتون بعد تزاوجهم مع الملكة ، وتبقى الإناث فقط على قيد الحياة تعمل داخل المساكن وخارجها ، كما تم ذكره في الآية الكريمة 27: 18.

وبالنسبة للبعوض ، فإن الأنثى ، أي البعوضة ، تعيش ضعف حياة الذكر ، وهي فقط التي تعض الإنسان والحيوان لتمتص الدم اللازم لها لإنتاج بيضها ، وذلك باستخدام إبرتها الماصة الموجودة في فمها. أما الذكر ، فلا يحتاج الدم ولا يستطيع العض لعدم وجود الإبرة الماصة لديه. وهكذا ، فإن الآية الكريمة 2: 26 بذكرها لأنثى البعوض بالتحديد ، فإنها تشير لحقيقة علمية محددة ، عن أن البعوضة هي التي تؤذي الإنسان ، على صغر حجمها.

أما الآية الكريمة 29: 41 ، فإنها تخبرنا بحقيقتين علميتين. أولاهما أن إناث العنكبوت هي التي تبني بيوتها الشبكية ، ولا يعينها في ذلك الذكور. ولذلك ، فالدقة هنا تكمن في الإشارة إلى البيت على أنه لأنثى العنكبوت. وثانيهما أن أوهن البيوت بيت العنكبوت. فبيت العنكبوت هنا لا يعني الشبكة العنكبوتية الضعيفة فقط ، بل إنه إشارة إلى العلاقة الأسرية في بيت العنكبوت ، وهي أضعف العلاقات الأسرية ، كيف لا وأنثى العنكبوت تقوم بأكل الذكر مباشرة بعد حدوث الجِماع ، وبعضها تأكل الذكور حتى قبل ذلك ، أثناء المغازلات. وهكذا ، فهذه الحقائق الدقيقة المتضمنة في هذه الآيات الكريمة ما كان ممكناً أن تتم معرفتها إلا حديثاً وبعد الدراسة الدقيقة لعالم الحشرات ، الذي أصبح ممكناً بعد اختراع أجهزة المجاهير المكبِّرة.

***

وبالنسبة للأنواع الأربعة الأخرى من الحشرات ، التي ذكرها القرآن الكريم بصفة الجمع المذكر ، وهي الذباب والفراش والجراد والقمل ، فهذه الصفة أيضاً تمثل تعبيراً عن حقائق علمية لم تكتشف إلا مؤخراً ، أي بعد اكتشاف المجهر المكبِّر ، الذي مكن العلماء من دراسة حياة هذه الحشرات. فهذه الأنواع الأربعة من الحشرات ذكرت بصفة الجمع المذكر لأن الذكور والإناث منها يعملون ، وإناثها لا تقتل الذكور ولا تتميز عنهم ، كما هو الحال في أنواع الحشرات الأربعة السابقة الذكر.

فالآية الكريمة 22: 73 ، تذكر الذباب مرتين بصيغة الجمع المذكر ، وذلك يتمشى مع حقيقة علمية دقيقة. فقد تمكن العلماء من معرفة أن عمر الذباب في الظروف العادية يصل إلى حوالي 35 يوماً ، لا فرق في ذلك بين الذكور والإناث. لذلك ، أشارت الآية الكريمة لكليهما معاً ، ولم تخصص الإناث فقط ، كما كان الحال بالنسبة للحشرات الأربع السالفة الذكر ، فسبحان الله ، الخالق ، البارئ ، الخبير ، العليم.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ (الحج ، 22: 73).

أما الفراش ، فقد ذكر في الآية الكريمة 101: 4 ، التي تصف حال الناس عند النفخة الأولى في الصور ، إيذاناً بقيام الساعة ، في بداية اليوم الآخر ، حينها سيكونون من الضعف وقلة الحيلة مثل الفراش المبثوث ، أي المنتشر على غير هدى:

يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (القارعة ، 101: 4).

وقد ذكر الفراش هنا أيضاً بصيغة الجمع المذكر لأن ذلك يتمشى مع الحقيقة العلمية التي مؤداها أنه لا فرق بين الإناث والذكور في الفراش ، من حيث مدة الحياة وتقسيم العمل ، ولا تتميز الإناث عن الذكور في شيء هام يذكر. ولذلك ، أشارت الآية الكريمة لكل منهما بصفة الجمع المذكر ، ولم تخصص الإناث فقط ، كما هو الحال في الحشرات الأربع التي ذكرت أولاً.

وتمت الإشارة إلى الجراد والقمل في الآية 7: 133 ، بصفة الجمع المذكر أيضاً ، وذلك يتمشى مع حقيقة علمية ، وهي أنه لا فرق بين الذكور والإناث في هذين النوعين من الحشرات ، من حيث مراحل التطور ومدة الحياة. لذلك ، أشارت الآية الكريمة لكل منهما بصفة الجمع المذكر ، ولم تخصص الإناث فقط ، كما كان الحال بالنسبة للحشرات الأربع السالفة الذكر.

فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُّجْرِمِينَ (الأعراف ، 7: 133).

كما ذُكر الجراد وحده في الآية الكريمة 54: 7 ، التي تصف حال الناس بعد نفخة الصور الثانية ، التي تخرجهم من باطن الأرض إلى سطحها ، فيكونون كالجراد المنتشر:

خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ (القمر ، 54: 7).

 ويقدر العلماء حجم أسراب الجراد بعشرة بلايين (مليارات) لكل منها ، وهذا هو أقرب الصور المعروفة لدينا لتقدير أعداد الناس عند خروجهم من باطن الأرض أفواجاً ، ومجيئهم للحساب ، كما ذكرت الآية الكريمة:

يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (النبأ ، 78: 18). [32]

15. هناك العديد من الكتب والأبحاث المنشورة ، التي تتناول الحقائق العلمية في القرآن الكريم ، والتي يمكن أن تعد استطراداً لموضوع هذا الفصل ، والذي يليه: " الخلق والتطور في القرآن الكريم." ومن أمثلة هذه الكتب والأعمال ، تلك التي ألفها محمد زعلول النجار، وموريس بوكاي ، و إ. إبراهيم وآخرين ، وشاه منصور علَم ، وأزاربور ، ويحيى أمريك ، ومحمد هُمايون خان. [33]

ثالثاً ، الإعجاز العددي في القرآن الكريم

16. منذ العقود الأخيرة للقرن الرابع عشر للهجرة (أي أواخر القرن العشرين للميلاد) ، ظهرت فئة من الباحثين في الإعجاز العددي للقرآن الكريم ، لكن أبحاثهم لا تزال في بدايتها ، ولا تتصف بالشمولية ، وليس لها طرق بحث متفق عليها ، كما أنها انتقائية في معظم الأحوال. وعلى الرغم من ذلك ، فقد بينت أعمالهم أن حروف وكلمات وآيات وسور كتاب الله الكريم معدودة ومرتبة في نظام عددي محكم ، يعطي دليلاً على إنه من عند الخالق ، عز وجل ، وأنه من المستحيل على أحد غيره أن يأتي بمثله أبداً ، تصديقاً لقوله سبحانه وتعالى: " قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا" (الإسراء ، 17: 88). كما أن من شأن هذه الأبحاث التدليل على أن النظام العددي المتقن في القرآن الكريم يمثل ضمانة لعدم المس بكتاب الله ، من تغيير أو تبديل أو إضافة أو حذف. إذ لو حدث ذلك لاختل التوازن العددي في علاقات الحروف والكلمات والآيات والسور مع بعضها البعض ، ولأمكن للباحثين المختصين اكتشاف ذلك. وهكذا ، فهذه الأبحاث تهدف أيضاً إلى تبيان قول الحق ، تبارك وتعالى: " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" (الحجر ، 15: 9).

أَمْثِلَةٌ عَلَى أَبْحَاثِ الإعْجَازِ الْعَدَدِيِّ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

هناك اليوم المئات من الباحثين في هذا المجال ، فيما يلي خمسة منهم ، على سبيل المثال فقط ، دونما المساس بأهمية الأخرين وقيمة أبحاثهم. كان رشاد خليفه (1973 و1981) أول من اكتشف أهمية العدد 19 للتدليل على وجود نظام عددي محكم في القرآن الكريم. فبدأ بالآية الأولى لكتاب الله ، البسملة ، فوجدها مكونة من 19 حرف ، كما وجد أن كل كلمة فيها مكررة في القرآن الكريم بعدد يعتبر من المضاعفات التامة للعدد 19. كما وجد أن الحروف النورانية المقطعة ، الموجودة في بدايات 29 من السور ، لها دلالات عددية. فمثلاً ، الحروف النورانية (أ ل م) ، التي تبدأ بها كل من سورة البقرة (2) ، وآل عمران (3) ، والعنكبوت (29) ، والروم (30) ، ولقمان (31) ، والسجدة (32) ، مكررة في القرآن الكريم 9,899 مرة ، وتلك من المضاعفات التامة للعدد 19. وقد شجعت نتائج أبحاثه الكثير من الباحثين للسير على نهجه ، في محاولاتهم إيجاد المزيد من أعداد الحروف والكلمات التي تقبل القسمة على العددين 19 و7. وعلى الرغم من الأثر الطيب لأعماله في هذا المجال ، إلا إنه شط بعيداً عندما أخذ يركز على إثبات نظريته حتى بوسائل ملتوية ، بدلاً من قبول نتائج البحث كما هي ، وأدى ذلك إلى تجرؤه على حذف آيتين من القرآن الكريم. [34]

تناول بسام جرَّار (2003) موضوع العدد 19 ، مبيناً أهميته بالنسبة للمعجزة العددية للقرآن الكريم ، كما استخدم حساب الجُمَّل في تقدير قيم حروف الآيات الكريمة محل البحث. فمثلاً ، قام بالتدليل على التماثل ما بين آدم وعيسى ، عليهما السلام ، عددياً ، في الآية الكريمة "إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ" (آل عمران ، 3: 59). فلاحظ أن تكرار كلمة (عيسى) في القرآن الكريم هو 25 مرّة ، كما أنّ تكرار كلمة (آدم) هو أيضاً 25 مرّة. وبإحصاء عدد كلمة (عيسى) من بداية المصحف وحتى كلمة (عيسى) في الآية 59 من سورة آل عمران ، وجد أنها الكلمة رقم 7. وبإحصاء عدد كلمة (آدم) من بداية المصحف وحتى كلمة (آدم) في الآية 59 من سورة آل عمران ، وجد أنها الكلمة رقم 7 أيضاً.

كما بحث بسام جرَّار عن تماثل ثانٍ ، في سور أخرى ، فوجده في سورة مريم. ومعلوم أنّ مريم هي ابنة عمران ، وكان التماثل الأول في سورة آل عمران ثم إنّ تفصيل الكلام في خلق عيسى ، عليه السّلام ، جاء في سورة مريم. ومن ذلك أن ترتيب سورة مريم في المصحف هو 19. ولم ترد كلمة (عيسى) في سورة مريم إلا مرّة واحدة ، وذلك في الآية 34. والملاحظ أنّ كلمة (عيسى) في الآية 34 هي التكرار 19 في القرآن الكريم. وكذلك كان الحال في كلمة (آدم) ، التي ذكرت في الآية 58 ، فلم تتكرر في سورة مريم إلا مرّة واحدة ، وهي أيضاً التكرار 19 في القرآن الكريم. وهكذا ، ففي السّورة رقم 19 كان التكرار 19 لكلمة (عيسى) والتكرار 19 لكلمة (آدم). وإذا بدأ العدّ من الآية 34 من سورة مريم ، والتي ذكر فيها اسم عيسى ، عليه السلام ، تكون الآية 58 التي ذكر فيها اسم آدم ، عليه السّلام ، هي الآية 25 (وفي ذلك تأكيد آخر للتماثل بينهما).

وبالإضافة إلى جهوده القيمة في الإعجاز العددي للقرآن الكريم ، فإن بسام جرَّار من المفسرين المعاصرين لكتاب الله ، والذي يمتاز تفسيره بالعمق اللغوي والاستشهادات العلمية والاجتماعية المعاصرة ، مما أكسب تفاسيره المسجلة على الفيديو قبولاً كبيراً على الشبكة العالمية. [35]

وقد اهتم عدنان الرفاعي (2009) أيضاً بالعدد 19. فرتب حروف الأبجدية العربية بطريقة خاصة ، أعطى فيها قيماً عددية مختلفة لكل حرف. وطبق ذلك على الآية الأولى في كتاب الله ، البسملة ، التي وصفها بأنها مفتاح المعجزة العددية للقرآن الكريم ، حيث أن حروفها 19. كما أشار إلى أن الآية الكريمة "عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ" (المدثر ، 74: 30) ، والتي تذكر العدد 19 ، يبلغ مجموع القيم العددية لحروفها 114 ، وهو عدد سور القرآن الكريم ، والذي يعتبر أيضاً من المضاعفات التامة للعدد 19. وأضاف بأننا لو حذفنا المكرر من الحروف النورانية ، لأصبح مجموع القيم العددية لهذه الحروف 361 ، وهو من المضاعفات التامة للرقم 19. ثم أشار إلى أن القيمة العددية للآيات الكريمة 30-37 من سورة المدثر (74) هي 2185 ، وهذا العدد هو من المضاعفات التامة للعدد 19. كما قدم أمثلة عديدة من الآيات وأجزاء الآيات التي تبلغ قيمتها العددية أحد المضاعفات التامة للعدد 19. وفي ذلك كله خير من حيث المقصد ، لكنه يمثل الحالات التي تنطبق عليها القاعدة فقط ، ويترك ما تبقى. ولا تزال هذه الانتقائية تمثل المشكلة الأساسية التي تواجه الباحثين في الإعجاز العددي للقرآن الكريم ، بصفة عامة. [36]

ويعتبر عبد الدائم الكحيل (2006) من بين أشهر الباحثين في مجال الإعجاز العددي للقرآن الكريم. وقد بدأ بانتقاد رشاد خليفة لانتقائيته ، التي أودت به إلى حذف الحروف والكلمات التي لا تتمشى مع نظريته بشأن العدد 19. وأضاف بأن هناك إعجازات عددية أخرى مثل العدد 7 ، الذي اعتبره أساس النظام الرقمي في جميع كلمات وآيات وسور القرآن الكريم. وأشار أيضاً إلى العدد 11 ، الحاضر في أحرف الآيات الـتي تتحدث عن وحدانية الله تعالى ، والعدد 13 ، الذي يمثل عدد سنوات الدعوة في مكة المكرمة ، والعدد 23 ، الذي يمثل عدد سنوات الوحي ، والعدد 29 الذي يمثل عدد السور التي تبدأ بحروف مقطعة.  كما قدم الكثير من الحقائق الرقمية ، التي تشمل أول آية وأول سورة من القـرآن الكريم ، وأظهر التناسق الرقمي السباعي في سورة الإخلاص.

كما انتقد استخدام حساب الجُمَّل للتدليل على التطابق بين عدد الكلمات وأرقام السور لأنه لا يقوم على أساس علمي ، وأنَّ مثل هذا التطابق لم يحدث إلا في حالات انتقائية معينه. وحذر الباحثين بالبقاء بعيداً عن التنبؤ بالغيب ، الذي لا يعلمـه إلا الله ، سبحانه وتعالى . كما حذرهم من الاستدلال بالأرقام للتنبؤ بتواريخ أو أحـداث سياسية . وذكر بأن أبحاث الإعجاز الرقمي تقتصر حالياً على قراءة حفص عن عاصم ، أي على المصحف الإمام. ونادى بوضع ضوابط خاصة بأبحاث الإعجاز الرقمي. فالمعطيات ينبغي أن تكون صحيحة ، وذلك بالحصول عليها من القرآن الكريم ، لا من غيره. كذلك ينبغي لمنهج البحث أن يكون صحيحاً أيضاً. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى نتائج صحيحة ، أي أنها تمثّل معجزة حقيقية لا مجال للمصادفة فيها.   

وبالإضافة إلى ذلك ، فإنه قام بجهد كبير في معالجة مشكلة عدم الدقة لدى بعض الباحثين في إحصاء عدد حروف وكلمات القرآن الكريم. فقد ترأس لجنة من الخبراء من مختلف الأقطار العربية ، عملت لحوالي سبع سنين من أجل وضع قواعد وإرشادات محددة لتحقيق ذلك الغرض (2012). كما نتج عن أعمالها تطوير نسخة حاسوبية للقرآن الكريم ، بما في ذلك برمجية بحث لكلماته وحروفه ، على أساس القواعد والإرشادات التي اتفقت عليا اللجنة ، وخاصة أن الحروف الموجودة هي تلك المكتوبة في المصحف ، وليست المنطوقة ، كما هو الحال في الحروف المشددة (2018). [37]

ولتفادي مشكلة الانتقائية في البحث ، ولالتزام الدقة في حساب عدد حروف وكلمات القرآن الكريم ، قام خالد الفقيه (2017) ببحث يشمل كتاب الله الكريم ككل ، مستخدماً حساب الجُمَّل ، الذي استخدمه باحثون آخرون من قبله. وقد التزم في حسابه لعدد حروف وكلمات القرآن الكريم بالقواعد والإرشادات التي وضعتها اللجنة التي ترأسها عبد الدائم الكحيل (2012) ، خاصة إحصاء الحروف بناء على كتابتها فقط ، أي عدم حساب الحرف مرتين إذا كان مشدداً ، كما فعل بعض الباحثين. فبدأ بحساب العامل الثابت (Constant) للقرآن الكريم ، وذلك بتقسيم قيمته الأبجدية (23,506,544) على المجموع التراكمي لأرقام آياته (333,667). فتوصل إلى أن العامل الثابت للقرآن الكريم هو: 70.44911244. وركز على أهمية هذا العامل الثابت باعتباره مفتاحاً لفك الأسرار الإحصائية لكلمات وآيات وسور القرآن الكريم. كما قام بحساب النسبة الذهبية لكتاب الله ، لمقارنتها مع النسبة الذهبية لكثير من الكائنات الحية والجمادات (Ф). وقد فعل ذلك بقسمة عدد سور القرآن الكريم (114) على العامل الثابت للقرآن الكريم (70.44911244) ، فتوصل إلى أن النسبة الذهبية لكتاب الله هي:1.618189304 ، والتي تتماثل بنسبة 99.99% مع القيمة العددية للنسبة الذهبية ، والتي تبلغ 03398871.618 بالضبط. وذلك دليل ساطع على أن القرآن الكريم هو كتابُ الله ، الحكيم الخبير ، وأنه لا يمكن لأي مخلوق أن يأتي بمثله أبداً. [38]  

=========================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلْبَشَرِيَّةِ

***

الْفَصْلُ الْرَابِعُ

 ***

الخَلْقُ وَالتَّطَوُّرُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ

 ***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ 

***

مُقَدِّمَةٌ

 بيَّن الله ، سبحانه وتعالى ، لنا كيف بدأ خلق الكون ، بما فيه من سبع سماوات وسبع أرضين ، وما فيها وما بينها من كائنات ، كما تم استعراضه من خلال الآيات العشر الأولى التي ذكرت في الفصل الثالث من هذا الكتاب. أما هذا الفصل ، فإنه يركز على استعراض معاني 43 آية من الذكر الحكيم ، ذات صلة بخلق الحياة وتطورها على الأرض ، وعلى الأخص فيما يتعلق بخلق الإنسان وتطوره.

وقد تم الرجوع للمفسرين الثلاثة الكبار (الطبري والقرطبي وابن كثير) لشرح معاني هذه الآيات الكريمة ، ثم تلا ذلك مقارنة هذه المعاني بالحقائق العلمية ، خاصة تلك التي توصل إليها علماء تاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) والأحياء والفلك. والهدف من ذلك هو التوصل إلى استعراض لقصة خلق الله ، سبحانه وتعالى ، للحياة وتطورها على الأرض ، ليس فقط بالرجوع للمعاني اللغوية للآيات الكريمة ، وإنما أيضاً بالرجوع للحقائق العلمية المتصلة بتلك المعاني.

ويمكننا القول بأن نظرية التطور ، التي تسود شتى العلوم ، يمكن أن تستمد تأييداً لها من معاني هذه الآيات الكريمة ، التي تشير إلى أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد بدأ بخلق الحياة على الأرض ، ثم تركها لتتطور ، نتيجة للتكيف مع البيئات المختلفة على هذا الكوكب ، مع تدخله ، عز وجل ، لتحسين مخلوقاته ، من حينٍ إلى آخر يحدده هُوَ.

والحقائق العلمية التي تتضمنها معاني هذه الآيات الكريمة لم تكن معروفة لأهل العلم ، لا في زمن التنزيل ولا لأكثر من ثلاثة عشر قرن بعد ذلك ، إلى أن بدأ تأسيس العلوم الحديثة في القرن الثالث عشر للهجرة ، الموافق للقرن التاسع عشر للميلاد. وعلى ذلك ، فإن هذا الجهد يهدف إلى التعريف بهذه الحقائق ، كإثباتات علمية على وجود الله ، سبحانه وتعالى ، وعلى أن القرآن الكريم هو رسالته للبشرية.

الآيات الكريمة المتعلقة بخلق الإنسان وتطوره

1-2. يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، في الآية 29: 19 أنه يُبدئ الخلق ثم يعيده ، وأنه قد فعل ذلك من قبل عندما انقرض الإنسان عن وجه الأرض (الآية 76: 1 ، المذكورة لاحقاً) ثم أعاد خلقه من جديد. ثم يأمرنا في الآية التالية 29: 20 أن نسير في الأرض ، لنرى كيف بدأ الخلق ، وذلك حتى نؤمن بأنه قادرٌ على النشأة الثانية في اليوم الآخر ، فيقول:

أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّـهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّـهِ يَسِيرٌ)العنكبوت ، 29: 19).

قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّـهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (العنكبوت ، 29: 20).  

وقد تم تنفيذ هذا الآمر الإلهي من خلال تأسيس العلوم الحديثة التي تبحث في بداية الحياة على الأرض ، مثل علم تاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) بفروعه الأربعة (الآثار والأحياء واللغة والثقافة) ، والعلوم الطبيعية الأخرى ، كعلم الأحياء والفيزياء والكيمياء والجيولوجيا والجغرافيا الطبيعية. وبمقارنة ما توصل إليه العلماء من حقائق في هذه العلوم ، عن بداية الخلق والتطور ، مع ما تتضمنه معاني آيات القرآن الكريم ، تظهر حقيقة ساطعة للعيان ، وهي أن تلك الآيات الكريمة ما هي إلا أدلة على أنها من عند عالم الغيب والشهادة ، حتى نؤمن بأنه الخالق العظيم ، ومن ثم نتبع أوامره ، ونتجنب نواهيه ، فنفوز بسعادة الدارين ، الدنيا والآخرة.

3. ثم يؤكد لنا ربنا هذا المعنى في الآية الكريمة 50: 15 ، التي تشير إلى أنه كان هناك خلقٌ أولٌ للحياة على الأرض ، فيقول:

أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ ۚ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ (قاف ، 50: 15).

4. وتخبرنا الآية الكريمة 21: 30 ، أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد جعل الماء شرطاً لوجود الحياة ، فتقول:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ (الأنبياء ، 21: 30). 

ولم يثبت أبداً أن هناك كائنات حية على الأرض لا تحتوي على الماء أو لا تحتاجه. وحتى في محاولات علماء الفلك رصد وجود حياة في الكواكب الأخرى ، فإنهم يبحثون عن وجود الماء فيها أولاً ، لعلمهم أن لا حياة بدون ماء ، كما أخبرنا ربنا ، سبحانه وتعالى ، في هذه الآية الكريمة.

والله هو الأول والأخر ، وهو الحي القيوم ، الذي بدأ الحياة في السماوات والأرض ، بمشيئته ، وكلامه ، وبنفخ روحه في كائناته وبيديه أيضاً. فنحن نعلم مكونات الخلايا الحية في الكائنات البدائية الوحيدة الخلية ، وفي الكائنات المتقدمة المعقدة ، ولكننا لا نعرف كيف بدأت الحياة في الخلية الأولى ، إلا من خلال ما أخبرنا به الله عن ذلك. فهو الذي أنزل أمره على الخلية الأولى لتدب الحياة فيها ، فأصبح هذا الأمر بمثابة البرمجية الأساس ، أي الصبغة الوراثية الأولى ، المسؤولة عن قيام أعضاء الجسم بوظائفها كما ينبغي لها أن تفعل ، فهذه هي النفخة الأولى من روح الله ، التي بدأت الحياة على الأرض ، والله أعلم.

5. الآية الكريمة 30: 20 ، تخبرنا بأن الله ، سبحانه وتعالى ، قد بدأ خلق الإنسان من التراب ، بالإضافة إلى الماء ، كما ورد في الآية 21: 30 السالفة الذكر:

وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ (الروم ، 30: 20).

فالماء هو الشرط الأساس لوجود الحياة ، ولكن هذه الآية الكريمة قد أضافت التراب إلى الماء ، في الإشارة للخلق الأول للحياة على هذا الكوكب ، بما في ذلك خلق الإنسان. وقد تكرر ذكر الخلق الأول من التراب في خمس آيات أخرى ، في القرآن الكريم. [39]

6. ونقرأ في الآية الكريمة 32: 7 ، أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد بدأ خلق الإنسان من الطين:

الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ (السجدة ، 32: 7).

والكلمة ذات الصلة في هذه الآية هي "بَدَأَ" ، والتي تبين لنا بوضوح أن خلق الحياة على الأرض قد تم على مراحل ، أي أنه لم يحدث مرة واحدة. وهكذا ، فإن الخلق الأول للإنسان قد بدأ من الطين.

وقد علمنا من الآية 21: 30 أن الماء هو الشرط الأساس لوجود الحياة ، ولكن التراب قد ذكر كشرط ثانٍ في الآية 30: 20 ، بالإضافة إلى الماء ، فيما يتعلق بخلق الإنسان. أما هذه الآية (32: 7) ، فقد ذكرت أن خلق الإنسان قد بدأ من الطين ، وفي ذلك تأكيد للآيتين السابقتين ، لأن الطين ما هو إلا تراب مخلوط بالماء. وما لدينا اليوم من حقائق علمية يؤكد على أن الحياة قد بدأت في الطين ، كما جاء في الآية الكريمة. [40]

7. الآية الكريمة 37: 11 تصف لنا الطين الذي خلقت فيه الحياة ، بأنه كان طيناً لازباً:

فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا ۚ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّن طِينٍ لَّازِبٍ (الصافات ، 37: 11).

وقد أورد المفسرون الثلاثة شرح الصحابة ، بما في ذلك ابن عباس ، لمعنى "لازب" ، فذكروا بأن اللازب هو اللاصق ، أي الذي يلتصق بعضه ببعض ، أو بما أصابه.

8. الآية الكريمة 15: 26 ، تزودنا بصفة أخرى للطين الذي تم استخدامه في خلق الحياة على الأرض ، فتقول:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ (الحجر ، 15: 26).

والصلصال هو الطين الجاف. أما الحمأ المسنون ، فهو الطين المنتن المتغير إلى سواد ، كما ذكر المفسرون الثلاثة من بين ما ذكروا من المعاني.

وعلى ذلك ، يمكن القول بأنه باختلاط الماء بذلك الطين الجاف ، فإنه أصبح رطباً ، لزجاً ، ولاصقاً. ولأنه كان يحتوي على عناصر الأرض الأولية ، مثل كبريتات الهيدروجين ، كانت له رائحة منتنة. وذلك يتفق تماماً مع ما توصل إليه علماء الأحياء ، من أن الحياة قد بدأت في المستنقعات ، أو الأماكن التي يختلط فيها الماء بتراب الأرض الذي يحتوي على العناصر الأولية المختلفة ، بما في ذلك النتنة الرائحة منها مثل الكبريت ، مكوناً الطين المنتن اللزج. [41]

9. الآية الكريمة 55: 14 تؤكد لنا وصف الطين المستخدم في الخلق الأول ، بأنه كان صلصالاً يشبه الفخار:

خَلَقَ الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ (ألرحمن ، 55: 14).

والصلصال هو الطين الجاف. أما الفخار ، فهو الطين المخبوز على النار للتخلص من المياه الموجودة فيه ، فيصبح قوياً وصلداً. ولكنه عندما اختلط بالماء ، فإنه قد أصبح جاهزاً لبدء الحياة فيه ، لأن الله ، سبحانه وتعالى ، جعل من الماء كل شيء حي ، والله أعلم.

10. الآية الكريمة 71: 14 ، تنص بوضوح على أن الخلق لم يحدث مرة واحدة ، وإنما حدث على مراحل أو أطوار متعددة ، كما أشار إلى ذلك الفعل "بَدَأَ" في الآية الكريمة 32: 7 ، الذي يفيد بأن خلق الإنسان من الطين كان المرحلة الأولى من الخلق الأول:

 وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (نوح ، 71: 14).

والآيات الكريمة التالية تخبرنا عن أطوار خلق الإنسان. فقد اشتمل الخلق الأول على خمسة أطوار ، أو مراحل ، وهي بث الحياة والتسوية والاعتدال ونفخ الروح والتصوير. أما الخلق الثاني ، فهو في الرحم ، ويشتمل أيضاً على خمسة أطوار ، أو مراحل ، هي النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم ، كما توضحه لاحقاً الآية 23: 14.  

11. وتخبرنا الآية الكريمة 6: 2 أن الله ، عز وجل ، بعدما انتهى من المرحلة الأولى من الخلق الأول ، أي بدء الحياة في الطين ، شاء أن يترك خلقه لأجل مسمى عنده ، أي لوقت محدد عنده ، فيقول:

هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ (الأنعام ، 6: 2).

وهكذا ، شاء الله ، عز وجل ، أن يقضي أجلاً ، بعد الخلق الأول ، تاركاً مخلوقاته وشأنها ، وذلك قبل أن يعود لها بعد أجل مسمى عنده ، أي بعد وقت حدده هو. وبهذا ، فإن هذه الآية الكريمة تشير إلى مفهومي الخلق والتطور. فالخلق إشارة إلى تدخل الله في مخلوقاته بالتغيير والتحسين. أما التطور فهو ما يحدث للمخلوقات من تغير بعد ذلك ، نتيجة للتفاعل والتكيف مع بيئتها الطبيعية والاجتماعية ، وهذا هو جوهر نظرية التطور التي تسود كافة العلوم. 

12. يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، في الآية 4: 1 أنه بدأ الخلق الأول للحياة على الأرض من نفسٍ واحدة ، وخلق منها زوجها. أما الخلق الثاني ، فهو في الرحم ، نتيجة لتزاوج سائل الذكر وبويضة الأنثى ، فيقول:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء (النساء ، 4: 1).

ويتفق علماء الطبيعيات على أن بداية الحياة على الأرض كانت على شكل كائنات عضوية وحيدة الخلية ، كانت تتكاثر بالانشطار الثنائي أولاً ، أي بالانقسام إلى أزواج متساوية ، ثم بتزاوج الذكور والإناث بعد ذلك في الخلق الثاني ، داخل الرحم (انظر مزيداً من التفصيل في الملحق رقم 1).

13. الآية الكريمة 82: 7 تشير إلى المراحل الثلاث الأولى من خلق الإنسان ، ألا وهي بث الحياة في الخلية الأولى ، والتسوية ، والاعتدال ، فتقول: 

الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (الانفطار ، 82: 7).

فالمرحلة الأولى من الخلق الأول تمثلت في بث الله ، سبحانه وتعالى ، الحياة في الخلية الأولى في الطين. وهي مرحلة الكائنات البدائية ، التي يشترك الإنسان فيها مع المخلوقات الحية الأخرى ، من خلال الصبغة الوراثية الأولى أو البرمجية الأولى للحياة.

وبعد ذلك ، كانت المرحلة الثانية ، التي سوى فيها خلقه ، أي بتمكين أعضاء الجسم من القيام بوظائفها كما ينبغي ، تلقائياً ، فأصبحت الكائنات أكثر تطوراً ، وصولاً إلى الحيوانات. ثم جاءت المرحلة الثالثة ، وهي خلق الإنسان ، بفصله عن عالم الحيوان ، وذلك بتمكينه من الاعتدال ، أي الوقوف على رجلين. وهذه المراحل الثلاث حقائق علمية تدرَّس الآن في كتب الإحياء.   

في تفسيره لكلمة "عدلك" في هذه الآية الكريمة ، أخذ الطبري بقراءة التشديد ، أي عدَّلك ، بمعنى "أَنَّهُ جَعَلَك مُعْتَدِلًا مُعَدَّل الْخَلْق مُقَوَّمًا." وكذلك فعل القرطبي ، فقال إنه "جَعَلَك مُعْتَدِلًا سَوِيّ الْخَلْق." أما ابن كثير ، فكان أكثرهم وضوحاً. فلم يذكر التشديد ، وإنما فسر القراءة المخففة "عدَلك" بأنه "جَعَلَك سَوِيًّا مُسْتَقِيمًا مُعْتَدِل الْقَامَة مُنْتَصِبهَا." وبناء على تفسير ابن كثير ، فالاعتدال يتمثل في اعتدال القامة وانتصابها ، الذي لا يتأتى بالمشي على أربعة أرجل كالحيوانات ، وإنما بالمشي على رجلين كالإنسان. وزاد ابن كثير في تفسيره بإيراد حديثِ النبيٍّ ، عليه الصلاة والسلام ، الذي ذكر فيه كلمة "عدَلك" ، حيث قال: 

" قَالَ اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: يَا اِبْن آدَم ، أَنَّى تُعْجِزنِي وَقَدْ خَلَقْتُك مِنْ مِثْل هَذِهِ ، حَتَّى إِذَا سَوَّيْتُك وَعَدَلْتُك مَشَيْت بَيْن بُرْدَيْنِ ، وَلِلْأَرْضِ مِنْك وَئِيد ، فَجَمَعْت وَمَنَعْت ، حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ قُلْت أَتَصَدَّق وَأَنَّى أَوَان الصَّدَقَة؟"

ومعنى كلمة "عَدَلْتُك" ، في الحديث الشريف ، أنك أيها الإنسان قد أصبحت قادراً على المشي بين البَردين ، نتيجة لاعتدال قامتك ومشيك على رجلين ، الأمر الذي مكنك من جمع الثروات. وهذا المعنى يستقيم تماماً إذا كانت الباء مفتوحة ، أي بَرْدَيْنِ. فالبردان هما الفجر والعصر ، أي للسعي لطلب الرزق طيلة النهار ، من الفجر وحتى قبل غروب الشمس. وقد وردت كلمة "البَردين" بمعنى الفجر والعصر ، في حديث آخر للنبي ، عليه الصلاة والسلام ، والذي قال فيه: "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ."

أما إذا كانت الباء مضمومة ، أي بُردين ، فيصعب تفسيرها. فالبُردُ في اللغة هو الكساءُ المخطط. فهل مكن الله ، سبحانه وتعالى ، الإنسان من اعتدال القامة والمشي على قدمين لكي يمشي بين كساءين؟ والأصح في هذه الحالة هو فتح الباء ، والله ورسوله أعلم. [42]

14. الآية الكريمة 64: 3 تشير إلى المرحلة الرابعة من خلق الإنسان ، ألا وهي جعله في أحسن صورة:

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (التغابن ، 64: 3).

وزيادة في تكريم الإنسان ، فإن الخالق عز وجل ، شاء أن يضيف مرحلة رابعة من الخلق الأول ، صور فيها الإنسان السوي في أحسن الصور من حيث التناسق والرشاقة والجمال. والعجيب أن كثيراً من الناس لا يحافظون على هذا التكريم الإلهي لهم ، وذلك بتعاطيهم للمواد الضارة بالجسم أو بكثرة الأكل مع قلة الحركة ، مما يؤدي إلى الإضرار بالجمال الإلهي ، الذي منحه لهم أحسنُ الخالقين ، ناهيك عن الأمراض وما ينتج عنها من آلام  (المزيد عن هذه المرحلة الرابعة عند عرض الآية 7: 11 لاحقاً).

15. تخبرنا الآية الكريمة 82: 8 أن التركيبة الوراثية للمولود من البشر يمكن أن تأخذ أية صورة شاءها الله ، سبحانه وتعالي:

فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ (الانفطار ، 82: 8).

وقد أورد الطبري وابن كثير حديثَ النَّبِيّ ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الذي قال فيه: "إِنَّ النُّطْفَة إِذَا اِسْتَقَرَّتْ فِي الرَّحِم أَحْضَرَهَا اللَّه تَعَالَى كُلّ نَسَب بَيْنهَا وَبَيْن آدَم." ووافق معهما القرطبي في أن الآية والحديث يشيران إلى أن الجنين الإنساني يمكن أن يظهر صفات وملامح الأقارب وغيرهم من بني البشر ، وحتى بعض ملامح الحيوانات.

فعلى الرغم من أن الناس يختلفون في مظهرهم ، من حيث الطول والوزن ولون البشرة وملامح الوجه ، إلا إنهم يحملون نفس الصفات الوراثية للإنسانية منذ المرحلة الأولى من الخلق الأول ، مروراً بآدم ، وحتى والديهم. وهكذا ، فأكبر الاحتمالات أن تكون صورهم مشابهة لصور الوالدين والأقربين ، ولكن هناك احتمالات أخرى بألَّا تكون صورة إنسان ما شبيهة بالأقارب. بل إن بعض الناس ربما تظهر في صورهم ملامح من الحيوانات ، وخاصة في الأذنين والأنف والفم والذقن والرقبة والعيون.

16. الآية الكريمة 15: 29 تشير إلى المرحلة الخامسة من الخلق الأول للإنسان ، ألا وهي نفخ روح الله فيه ، فتقول:

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر ، 15: 29).

وهذه الآية الكريمة ، التي تكررت نصاً في 38: 72 ، تدل على أن نفخ روح الله في الإنسان كان المرحلة الخامسة من الخلق الأول للإنسان ، والتي سبقت أمر السجود لآدم. والدليل على ذلك استخدام حرف الفاء في فعل الأمر "فقعوا" ، والذي يفيد الترتيب مع التعقيب بلا مهلة ، أي التتابع الزمني المتلاحم. أما في الآية الكريمة 7: 11 ، فإن أمر السجود لآدم قد جاء بعد التصوير بوقت طويل ، كما يدلنا على ذلك استخدام كلمة "ثم" ، التي تفيد الترتيب مع التأخير ، أي التتابع الزمني البعيد.

وبالنسبة لماهية الروح ، فما أوتينا من العلم عنها إلا قليلاً ، كما ذكر الله ، سبحانه وتعالى ، في الآية الكريمة 17: 85. وهناك مناقشة خفيفة عن ذلك ، في الفصل التاسع من هذا الكتاب ، ضمن مناقشة العلاقة ما بين العقل والنفس والروح والسعادة.

ونفخ روح الله ، سبحانه وتعالى ، في الإنسان إنما هو تكريم له ورفع لشأنه. فهذا الجزء من الصبغة الوراثية الإنسانية هو الذي أدى لاكتساب الإنسان صفاته الكريمة العديدة ، مثل القدرة على التمييز والاختيار ما بين الخير والشر ، والمنطق ، والقدرة على الامتناع عن الرذائل ، والتخطيط ، والتعبير ، والسعي للعلم ، والعمارة ، كما ستتم مناقشته في الفصل الخامس من هذا الكتاب: "الإنْسَانُ: خَلِيفَةُ اللهِ عَلَى ألأرْضِ."

17-20. تشير الآية الكريمة 7: 11 إلى الحدث الفارق العظيم في تاريخ الإنسانية ، والذي تم ذكره أيضاً في الآية الكريمة 15: 29 المذكورة أعلاه. فبعدما أتم الله ، سبحانه وتعالى ، مراحل الخلق الخمس الأولى ، التي شملت بث الحياة في الخلية الأولى والتسوية والاعتدال وتحسين الصورة ونفخ الروح ، فإنه شاء أن يرفع مكانة الإنسان ويكرِّمه ، بأمره للملائكة أن يسجدوا له:

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (الأعراف ، 7: 11).

فقد وصل الإنسان إلى درجة عقلانية وخُلُقية متقدمة ، أهلته أن يكون عند حسن ظن خالقه به ، فأكرمه بالاتصال به وحياً ، وجعله خليفة له على الأرض. وكان من مظاهر هذه المرحلة العقلانية المتقدمة قيام الإنسان باختراع وسائل الاتصال من بدنية ولغوية ، مما مكنه من تبادل المعلومات والأفكار مع الآخرين. وبالتالي فإن ذلك قد ساعده على التكيف مع بيئته واستغلال مصادرها ، مما أدى لتقدمه وازدهاره.

وإذا ما قارنا قدرات الإنسان العقلية والاتصالاتية مع قدرات أقرب الحيوانات إليه ، نجده قد تميز عنها بعدة صفات خِلْقية أهلته لذلك. ومن أهم هذه الصفات أن الإنسان يتميز بدرجة من الذكاء وحفظ المعلومات أعلى بكثير من أي كائن حيواني آخر على ظهر الأرض ، بحسب مقياس EQ ، الذي يقارن حجم الدماغ ووزنه بالنسبة إلى الجسد ، وذلك داخل الجنس الواحد وبين مختلف الأجناس أيضاً. [43]

أضف إلى ذلك أن الحنجرة موجودة على زاوية قائمة تمكن صندوق الصوت فيها بالتحكم الدقيق بدخول وخروج الهواء مما مكن الإنسان من إنتاج أصوات محددة أصبحت بمثابة الوحدات الأساسية في اللغة. هذه هي الصفات الأساسية التي ميزت الإنسان ، وهيأته للتفكير والاتصال بالآخرين من جنسه ومن القدرة على تسلم الوحي من ربه.

وبالنسبة للتقدم الأخلاقي للإنسان ، فأساسه البرمجية الأخلاقية التي وضعها فيه خالقهُ ، عز وجل ، عندما نفخ فيه من روحه (15: 29) ، والذي أدى إلى أن الإنسان أصبح مجبولاً على الخير ، كما أنه قد أصبح قادراً على التمييز بين الخير والشر ، وأعطاه خالقه حرية الاختيار في قراراته وأفعاله ، ولذلك حقت محاسبته بناء على ذلك. وتتمركز الناحية الأخلاقية للنفس الإنسانية في مقدمة الدماغ ، فيما يعرف بالناصية ، كما نعلم من دراسات العلماء المتخصصين في الدماغ البشري ، وكما ذكر الله ، سبحانه وتعالى ، ذلك في الآيات 11: 56 و96: 15-16.

إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّـهِ رَبِّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (هود ، 11: 56).

أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ اللَّـهَ يَرَىٰ ﴿١٤﴾ كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ ﴿١٥﴾ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ ﴿١٦﴾ (العلق ، 96: 15-16).

والناصية في القواميس العربية هي الجبهة ، وكذلك قال القرطبي عنها في تفسيره للآية 11: 56 ، وزاد بقوله إنها ما بين العينين من الجبهة ، وهذا بالضبط ما يقول به الباحثون في وظائف أجزاء الدماغ البشري. [44]

وقد اصطفى الله ، سبحانه وتعالى ، آدم (3: 33) ، ليمثل البشرية في سجال مهيب مع الملائكة ، لكي يثبت لهم استحقاق الإنسان لثقة خالقه به ، كيف لا وهو الذي خلقه بيديه (38: 75). فبدأت الآية الكريمة 7:11 بذكر المرحلة الأولى من الخلق الأول ، ثم ذكرت المرحلة الرابعة على سبيل الاختصار ، وهي أحسن التصوير ، وذلك من خلال مخاطبة الله ، سبحانه وتعالى ، لعباده من البشر ، بصيغة الجمع. ثم ذكرت الآية الكريمة آدم ، عليه السلام ، بصيغة المفرد ، إشارة إلى أنه أحد البشر الذين خلقهم وسواهم وعدلهم وأحسن صورهم ونفخ فيهم من روحه. ولكن الله ، سبحانه وتعالى ، اصطفى آدم من بينهم ، كخير ممثل لهم في هذا الحدث العظيم.  

وقد جاء هذا التكريم لآدم ونسله من بعده بناءً على صفاتهم الكريمة السابقة الذكر، وخاصة عبادتهم لله بالاختيار (90: 10) ، بينما يعبد الملائكة ربهم نتيجة لطبيعة خلقهم المجبولة على الطاعة (66: 6). كما أن البشر قادرون على اكتساب المعرفة (2: 31) ، وهم أيضاً محبون لعمارة الأرض (11: 61) ، مندفعين إلى ذلك بعوامل ذاتية فيهم. [45]

وفي هذه الآية الكريمة أيضاً ، يخبرنا ربنا ، سبحانه وتعالى ، أنه أمر الملائكة بأن يسجدوا لآدم اعترافاً منهم بعلو مكانته عليهم ، هو والمؤمنين من نسله بعد ذلك. فسجدوا أجمعين ، إلا إبليس ، الذي عصى أمر ربه محتجاً بأنه أفضل من آدم خلقاً ، إذ خلقه الله من نار بينما خلق آدم من طين ، كما جاء في الآية الكريمة 7: 12.

وطلب إبليس من الخالق ، عز وجل ، أن يمهله وذريته ، ليثبت له أن الإنسان لا يستحق ذلك التكريم ، وأن أغلب الناس لن يكونوا شاكرين لنعم الله عليهم. فقبل الله ، سبحانه وتعالى ، ذلك التحدي من إبليس ، لعلمه بصفة الخير التي وضعها في البشر. فأجَّل عقابه هو وذريته وكل من يتبعه ، سواء كانوا بشراً أم من الجن ، كما جاء في الآيات الكريمة 7: 12-18 و11: 119 ، وكما هو مفصلٌ في الفصل السادس من هذا الكتاب: " امْتِحَانُ آدَمَ أَمَامَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ."

21. تخبرنا الآية الكريمة 14: 19 إلى أن الله ، سبحانه وتعالى ، إن شاء ، فهو قادرٌ على إهلاك البشر جميعاً ، ومحوهم من الوجود الحي على الأرض ، واستبدالهم بخلق جديد ، كيف لا وهو الذي خلق السماوات والأرض من قبل ، ولخلقهن أكبر من خلق الإنسان (40: 57) ، فتقول: 

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (إبراهيم ، 14: 19).

وبإمكان علماء الطبيعيات أن يجدوا سنداً من هذه الآية الكريمة لنظرياتهم عن انقراض كثير من أجناس الحيوانات التي سادت الأرض في العصور السابقة ، مثل الديناصورات.

وتخبرنا الآية الكريمة أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد خلق السماوات والأرض بالحق ، أي في نظام متقن ، خاصة في العلاقات التي تربط أجزاءه. فالموقع المثالي للأرض في بعدها عن الشمس أدى لوجود الحياة وازدهارها واستمرارها على ظهرها. كما أدى البعد والقرب من خط الاستواء ، الذي يمثل أقرب نقطة ما بين الشمس والأرض ، إلى تكون الأقاليم المناخية والبيئية المختلفة ، وبالتالي إلى التنوع المدهش في أنواع النباتات والحيوانات على سطحها. ومن مظاهر الإتقان أيضاً أن نسبة المياه على الأرض (70%) تساوي نسبة المياه في جسم الإنسان أيضاً. وبالإضافة إلى ذلك ، فأن التوازن ما بين الأكسجين وثاني أكسيد الكربون ، وتكون طبقة الأوزون ، الذي يحمي الأرض من الأشعة الكونية فوق البنفسجية الضارة ، هي أمثلة أخرى على خلق السماوات والأرض بالحق ، كما تشير إليه الآية الكريمة.

22. أما الآية الكريمة 76: 11 ، فإنها تخبرنا بأنه كان هناك زمن اندثر فيه الإنسان وانقرض ، واختفى ذكره عن وجه الأرض:

هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا (الإنسان ، 76: 1).

وبإمكان علماء الأحياء وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) ، على وجه الخصوص ، أن يجدوا سنداً لفرضياتهم عن انقراض أجناس إنسانية سابقة ، فيما يعبرون عنه بالحلقة المفقودة بينها وبين الأجناس الأخرى اللاحقة. وهذه الآية الكريمة أيضاً تشير إلى قدرة الخالق ، عز وجل ، على إعادة خلق الكائنات الحية المنقرضة. وفي ذلك إشارة لنا أيضاً بالتفكير في قدرته ، سبحانه وتعالى ، على إعادة الخلق في اليوم الآخر ، توطئة للحساب. [46]   

23. تشير الآية الكريمة 32: 8 إلى الخلق الثاني للإنسان ، أي في الرحم ، الذي يتم فيه التكاثر بتزاوج سائل الذكر وبويضة الأنثى ، بعد أن كان بانقسام الخلايا في المرحلة الأولى من الخلق الأول ، حيث يقول الله ، سبحانه وتعالى:

ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (السجدة ، 32: 8).

هذه الآية الكريمة تصف النسل ، أي التكاثر ، بأنه نتيجة لاتحاد كمية ضئيلة جداً من المواد المائية المنتجة من الذكر والأنثى ، وهذا وصف في غاية الدقة ، وهو سابق لمعرفة الإنسان الحديثة لذلك ، وقبل اكتشاف الكاميرات المجهرية واستعمالها لهذا الغرض.

24. وتعدد الآية الكريمة 32: 9 نعم الله ، سبحانه وتعالى ، على الإنسان ، فتذكر أنه بعد مراحل الخلق الأول ، بما في ذلك التسوية ونفخ الروح ، أضاف الله نعماً أخرى على الإنسان تمثلت في السمع والبصر والفؤاد ، وهي نعمٌ عظيمة من الله لمخلوقاته ، ولكن قليلاً من الناس يشكرونه على ذلك:

ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلاً مَا تَشْكُرُونَ (السجدة ، 32: 9).

وهكذا ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، قد منح الحياة لمخلوقاته ، بما في ذلك الإنسان ، ثم سوى خلقه ، بقيام أعضاء الجسم بأداء وظائفها تلقائياً. ولكنه ، عز وجل ، قد أكرم الإنسان بإضفاء جزء آخر من روحه ، ميزه عن باقي مخلوقاته ، بأن مكنه من التمييز ما بين الخير والشر ، وبالتالي من القدرة على الاختيار في قراراته وأفعاله ، كما مر ذكره في شرح الآيات 11: 56 و96: 15-16 (للمزيد عن الروح ، انظر الفصل التاسع عن العقل والنفس والروح والسعادة ، من منظور إسلامي).

25. تشير الآية الكريمة 71: 17 ، إلى أوجه الشبه بين حياة الإنسان وحياة النبات ، فتقول:  

وَٱللَّهُ أَنۢبَتَكُم مِّنَ ٱلأرۡضِ نَبَاتً۬ا (نوح ، 71: 17).

وهذه الآية الكريمة تذَكر الإنسان بأنه يعود في أصله إلى الخلق الأول ، الذي كان تحت سطح الأرض ، في المستنقعات المنتنة. ثم بعد ذلك ، تطورت الكائنات البدائية ، فأخذت أشكالاً أخرى من الحياة ، مثل النبات والإنسان. فكلاهما خرجا من الأرض ، للحياة على سطحها ، ثم يعودان إليها بعد الموت. وكما أن الحياة تدب من جديد في بذرة النبات ، بعد موته ، بتوفر الضوء والماء والهواء ، فإن الحياة ستدب في الإنسان ، بمشيئة الله ، حين بعثه ، في اليوم الآخر ، كما تم مناقشته في الفصل الرابع والعشرين.

26. وتفصل الآية الكريمة 18: 37 معنى الآية الكريمة 71: 14 "وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا" ، بذكرها للخلق الأول ثم لبعض أطوار الخلق الثاني ، فتقول:

 قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (الكهف ، 18: 37).

فذكر التراب هنا إشارةٌ للخلق الأول ، أما ذكر النطفة فهو إشارة للمرحلة الأولى من الخلق الثاني في الرحم ، والذي يشتمل على خمسة أطوارٍ ، أو مراحل ، كما ستوضحه الآية الكريمة 23: 14 لاحقاً. والنطفة هي بيضة المرأة التي تم تخصيبها ، أو تلقيحها ، بمني الرجل ، وهي بداية المخلوق الجديد.

وذكر جنس الجنين ، أي تسويته رجلاً في هذه الحالة ، بعد ذكر النطفة ، هو إشارةٌ إلى ظهور العضو الجنسي الخارجي للجنين بعد التخصيب بحوالي ستة أسابيع ، لكن تمييز الذكور عن الإناث يكون ممكناً ابتداءً من الأسبوع التاسع بعد التخصيب. [47]

27. والآية الكريمة 35: 11 تؤكد المعاني التي تضمنتها الآية 18: 37 وتضيف إليها معنىً آخر ، هو التكاثر بالتزاوج بين البشر:

وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا (فاطر ، 35: 11).

28. والآية الكريمة 40: 67 تضيف المرحلة الثانية للخلق الثاني في الرحم ، وهي العلقة:

 هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً (غافر ، 40: 67).

وتتحول النطفة إلى علقة ، التي تشبه العلقة في شكلها وفي صفاتها ، حيث تتعلق بجدار الرحم الذي تمتص منه الدم ، تماماً كالعلقة التي تتعلق بجسم الإنسان أو الحيوان وتمتص الدم منه.

29 -31. والآيات الكريمة 23: 12-14 تذكر الخلق الأول من طين ، ثم تجمل الأطوار الخمسة المتتالية للخلق الثاني في الرحم:

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ﴿١٢﴾ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ﴿١٣﴾ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ ۚ فَتَبَارَكَ اللَّـهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴿١٤﴾  (المؤمنون ، 23: 12-14).

وهذه الآيات الكريمة تصف المراحل الخمسة للخلق الثاني في الرحم ، في غاية الدقة ، كما تذكرها في تتابع دقيق أيضاً أيدته أبحاث علم الأجنة الحديث.  فالمرحلة الأولى هي النطفة ، أي البويضة المخصبة التي تستمر لمدة أسبوع بعد التخصيب ، وتتكاثر خلاياها بالانقسام خلال هذه المدة.

ثم تتحول النطفة إلى علقة خلال الأسبوعين الثاني والثالث ، وتلك هي المرحلة الثانية ، وهي تشبه العلقة في شكلها وفي صفاتها ، كما مر ذكره عن معاني الآية الكريمة 40: 67.

وفي بداية الأسبوع الرابع ، وبالتحديد في اليوم الثاني والعشرين ، يبدأ القلب بالنبض ، وينتقل الجنين إلى المرحلة الثالثة من الخلق في الرحم ، وهي المضغة ، التي تشبه قطعة لحم يمضغها الماضغ ، ولا يظهر فيها شيء من الأعضاء في البداية ، ولكنها سرعان ما تبدأ في التخلق ، فتظهر الأعضاء جلية في الأسبوعين الرابع والخامس.

ثم تبدأ المرحلة الرابعة للخلق في الرحم ، بتكون العظام قبل نهاية الأسبوع السادس بقليل ، أي خلال اليومين الثامن والثلاثين والأربعين من تكون الجنين. ومع بداية الأسبوع السابع ، يتخلق الهيكل العظمي الغضروفي ، فيتصلب البدن ، ويتميز الرأس من الجذع ، وتظهر الأطراف.

أما المرحلة الخامسة ، فتبدأ في نهاية الأسبوع السابع وتستمر خلال الأسبوع الثامن ، حيث تكتسي العظام باللحم ، أي بالعضلات ، ويكتمل خلق الأعضاء والأجهزة الداخلية والخارجية للجنين ، والتي يستمر حجمها في النمو بعد ذلك. [48]

32. وهكذا ، بينت لنا الآيات الكريمة السابقة الخلق الأول للحياة على هذا الكوكب ثم الخلق الثاني في الرحم ، بأطوارهما الخمسة في الحالتين. أما الآيات الكريمة التالية ، فإنها تلفت نظر الناس إلى بعض الظواهر الطبيعية والكونية من حولهم ، ليتفكروا فيها ، فيؤمنوا بالله ، الخالق العظيم. ومن ذلك آياتٌ عن كيفية حدوث البعث ، وآياتٌ أخرى تدعوا إلى البحث في أسباب اختلاف ألوان الناس ولغاتهم ، وفي طبيعة الأرض ، وفي العلاقة ما بين الأرض والقمر والشمس ، وما يعود ذلك عليهم من فوائد.

فالآية الكريمة 10: 92 تخبرنا أن الله ، سبحانه وتعالى ، شاء الحفاظ على بدن (جسد) فرعون بعد أن أغرقه ، كما ورد في الآية الكريمة 10: 90 ، ليكون ذلك آية للناس ، ودليلاً على حدوث قصة خروج بني إسرائيل من مصر ، بما في ذلك معجزة فلق البحر بضربة من عصا موسى ، عليه السلام:

فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (يونس ، 10: 92).

وهذه الآية الكريمة متعلقة بالأمر الإلهي الوارد في الآية الكريمة 29: 20 ، بالسير في الأرض للتعرف على كيفية بدء الله للخلق. وقد تم تنفيذ هذا الآمر الإلهي من خلال تأسيس العلوم الحديثة ، بما في ذلك علم التنقيب عن الآثار القديمة ، وهو الذي أدى إلى اكتشاف الأجساد المحنطة للفراعنة (المومياوات) ، من ملوك مصر القدماء.

وقد أورد ابن كثير تفسيراً للآية الكريمة ، مؤداه أن بني إسرائيل طلبوا من موسى ، عليه السلام ، أن يريهم جسد فرعون بعد غرقه ، ليتأكدوا من موته. فأمر الله ، سبحانه وتعالى ، البحر بأن يُلقي بجسده إلى الشاطئ ليروه ، وليتحققوا من موته.

وقد أغفل هذا التفسير سبب مشيئة الله ، سبحانه وتعالى ، في نجاة بدن فرعون ، ألا وهو أن يكون ذلك البدن الناجي آية لمن يأتي خلف فرعون ، أي بعده. ولا ينطبق ذلك على بني إسرائيل آنذاك ، وهم الذين عاصروا فرعون ، وإنما ينطبق على البشرية بعد ذلك.

والتفسير الأقرب لمعاني الآية الكريمة أن بني إسرائيل قد عبروا خليج السويس ، عند منطقة ضيقة من طرفه الشمالي ، يبلغ عرضها حوالي اثنا عشر ميلاً. وقد ألقى البحر بدن فرعون على الجانب الغربي للخليج ، حتى يجده المصريون ويرجعوا به ، وليس على الجانب الشرقي ، حيث كان بنو إسرائيل. وهكذا ، أخذه الجنود الذين لم يغرقوا في البحر ورجعوا به إلى مصر ، ليتم تحنيطه ، جرياً على عادة المصريين القدماء إزاء ملوكهم وكبرائهم. وبالتالي ، أصبح جسده آية لمن أتى خلفه (بعده) من البشر ، حتى يومنا هذا.

ولا يوجد اتفاق بين المؤرخين على من هو الفرعون الذي تشير إليه الآية ، وذلك لأن الكتابات المصرية القديمة لا تذكر ذلك الحدث تحديداً. كما أن كلاً من القرآن الكريم والعهد القديم من الكتاب المقدس لم يذكر اسمه. ولذلك ، نجد آراء عديدة عمن كان ذلك الفرعون وعن زمان خروج بني إسرائيل من مصر. ولكن دائرة المعارف البريطانية ترجح الرأي الذي يتلخص في أن الفرعون الذي رفض خروج بني إسرائيل مع موسى ، عليه السلام ، كان رمسيس الثاني (1279-1212 قبل الميلاد). أما الفرعون الذي تم خروجهم في عهده فهو ابنه مرنبتاح ، (1212-1202 قبل الميلاد). ويحظى هذا الرأي بتأييد جوشوا مارك ، الذي ينفي أن يكون رمسيس الثاني هو الفرعون الغارق.

ومن مؤيدي هذا الرأي أيضاً موريس بوكاي ، الذي قال بأن رمسيس الثاني هو الذي كان يعذب بني إسرائيل ، ولكنه مات أثناء لجوء موسى ، عليه السلام ، إلى مديَن. وهذا يعنى أن ابنه مرنبتاح هو الذي لحق بهم وغرق في خليج السويس ، أثناء تعقبه لهم فيه. وقد عثر على مومياء جثته المحنطة في وادي الملوك بطيبة عام 1898 ، مع المومياوات الأخرى لفراعنة مصر. وفي عام 1975 ، اشترك بوكاي مع مجموعة من الأطباء في فحص جثة مرنبتاح المحنطة ، فوجدوا أنه مات غرقاً. وقد كان هذا الاكتشاف وغيره من الحقائق العلمية الدقيقة في القرآن الكريم سبباً في إسلامه ، كما عبر عن ذلك في كتبه ومقالاته ومقابلاته. [49]

33-35. الآيات الكريمة 17: 49 -51 تخبرنا عن نبوءات قد حدثت وأخرى لم تحدث بعد ، عن قدرة الله ، عز وجل ، على بعث الناس للحساب في اليوم الآخر:                

وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (الإسراء ، 17: 49).

قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً (الإسراء ، 17: 50).

 أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ ۚ (الإسراء ، 17: 51).

في تفسيرهم لهذه الآيات الكريمة ، ذكر الطبري والقرطبي وابن كثير ، جزاهم الله خيراً ، أن المشركين من قريش قد تحدوا الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، متسائلين بصيغة استنكارية عن كيفية قدرة الله ، عز وجل ، على بعث الناس من قبورهم للحساب في اليوم الآخر ، بعدما يتحولون إلى عظام وتراب وغبار. فأوحى الله لرسوله بأن يرد على تساؤلهم بأنه قادر على بعثهم ، ليس فقط بعدما يصبحون عظاماً ورفاتاً ، وإنما أيضاً حتى لو أصبحوا حجارة أو حديدا أو أكبر من ذلك.

ولم يذكر المفسرون الثلاثة كيف يمكن أن يصبح الإنسان حجراً أو حديداً أو أكبر من ذلك ، لأن العلم بتلك الحالات من التغير لم يكن متاحاً في القرون التي عاشوا فيها. أما بالنسبة لزماننا هذا ، فهذه الآيات الكريمة تشير إلى حقائق علمية ونبوءات قد حدثت وأخرى مستمرة في الحدوث.

فالآية الأولى (17: 49) تقرر حقيقة عرفت منذ زمن بعيد ، ألا وهي تحول الموتى إلى عظام ورفات ، أو تراب. أما الآية الثانية (17: 50) فهي نبوءة لم تتحقق إلا في القرن الثالث عشر للهجرة (التاسع عشر للميلاد) ، بعد تأسيس العلوم الحديثة ، خاصة علمي الأحياء وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) ، بما في ذلك فرع التنقيب عن الآثار التابع له. فقد تمكن علماء الآثار من اكتشاف الحفريات النباتية والحيوانية المختلفة ، وصنفوها بناء على أنواعها وعلى الأزمنة التي عاشت فيها. ومن ضمن ذلك ، تم اكتشاف حفريات إنسانية عديدة في صخور مختلفة ، معظمها حجرية وبعضها حديدية. وأدى ذلك إلى تمكن العلماء من وضع تسلسل زمني لتلك الحفريات ، باستخدام وسائل تقدير الحفريات التي تعود للأزمنة الغابرة ، مثل وسيلة إشعاع الكربون-14 لقياس عمر الحفريات خلال السبعين ألف سنة الماضية ، ووسيلة البوتاسيوم-أرغون لأقدم من ذلك. وهكذا ، فإن هذه الآية الكريمة كانت بمثابة نبوءة بأن الإنسان سيكتشف يوماً ما أن الموتى يمكن أن يصبحوا حجارة أو حديداً. عندها ، سيعلم أن ذلك هو كلام الله ، سبحانه وتعالى ، عالم الغيب والشهادة ، الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. وهكذا ، فالآية الكريمة ترد على كفار قريش بأن الله سيبعثهم للحساب بعد موتهم ، سواء كانوا عظاما أو رفاتاً أو حتي إن تحولوا إلى حفريات حجرية أو حديدية.

وتضيف الآية الكريمة 17: 51 احتمالاً خامساً لتحول جسم الإنسان (بالإضافة إلى العظام والرفات والحجارة والحديد) ، وبأن ذلك أيضاً لن يحول دون بعثهم للحساب في اليوم الآخر ، مهما كانت المادة التي يمكن لأجسامهم أن تتحول إليها. ولم يكن تصور حدوث هذا الاحتمال ممكناً في القرون السابقة للقرن العشرين. فمنذ عقود قليلة فقط ، بدأ استخدام مواد مختلفة في جسم الإنسان ، بعضها معدنية أقوى من الحديد ، لمساندة العمود الفقري والعظام والمفاصل والأسنان ، وبعضها الآخر شبيه بالخلايا الإنسانية لاستبدال خلايا الفتق مثلاً. أضف إلى ذلك عمليات زرع الأعضاء ، وعمليات التجميل التي تؤدي إلى تغيير الملامح الخارجية للإنسان. فهذه الآية الكريمة تشير إلى هذه الاحتمالات الحالية والمستقبلية ، التي يمكن أن تؤدي إلى تغيرات في جسم الإنسان داخلياً وخارجياً ، وتقول للناس أن الله ، سبحانه وتعالى ، سيبعثهم بعد موتهم للحساب ، مهما أدخلوا على أنفسهم من تغييرات. [50]

36. الآية الكريمة 30: 22 تلفت انتباه أهل العلم إلى دراسة ومحاولة فهم اختلاف ألوان الناس ولغاتهم ،  وذلك بالتفكر في تأثير علاقة السماوات والأرض في ذلك الاختلاف:       

وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (الروم ، 30: 22).

تخاطب هذه الآية الكريمة العلماء ، في شتى العلوم الاجتماعية والطبيعية ، وتدعوهم إلى الإيمان بالله. فهي تدعو علماء الطبيعيات ، خاصة المتخصصين منهم في دراسة بداية الكون ، للنظر إلى آيات القرآن الكريم ، التي تخبر الإنسان عن كيفية حدوث ذلك ، كما مر في الفصل الثالث. وبمقارنة معرفتهم عن بداية الكون مع ما أنزله الله في كتابه العزيز عن ذلك ، يتبين لهم أن ذلك الكتاب لا يمكن أن يكون صادراً عن أحد من البشر ، وإنما هو كلام الله ، الذي "لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (41: 42) ، وهو بذلك رسالة الله للبشرية.

فالآية الكريمة تخبرنا بأن اختلاف ألوان البشر وألسنتهم (لغاتهم) له علاقة بخلق السماوات والأرض ، وهذا بالضبط ما نعرفه اليوم. فالشكل البيضاوي (الشبه - كروي) للأرض يجعل أشعة الشمس تصل أطرافها بمسافات مختلفة ، أقصرها ما بين الشمس وخط الاستواء ، وأبعدها ما بينها وبين القطبين. ولذلك ، فإن المنطقة الاستوائية هي أكثر المناطق الجغرافية حرارة ، بينما تشكل المنطقتين القطبيتين أكثر المناطق الجغرافية برودة على الأرض.

ويشير السجل العالمي للمكتشفات الأثرية إلى أن أقدم الحفريات الإنسانية عثر عليها في أفريقيا ، ثم في آسيا ، وبعد ذلك في أوروبا ، وأخيراً في قارتي العالم الجديد وجزره. وهذا التسلسل الزمني لأعمار الحفريات إنما يعكس الهجرة الإنسانية داخل أفريقيا أولاً ، إلى شمال وجنوب خط الاستواء ، ثم من أفريقيا بعد ذلك ، إلى آسيا ، فأوروبا ، وأخيراً إلى الأميركيتين وباقي أنحاء الأرض.

وبما أن المنطقة الاستوائية هي الأقرب للشمس والأجرام السماوية الأخرى ، فإنها أكثر عرضة لوصول الأشعة فوق البنفسجية المركزة ، والضارة للكائنات الحية. وقد تكيف جسم الإنسان ، الذي يعيش في هذه المنطقة ، مع هذه الظاهرة بإحداث صبغة داكنة على الجلد ، تمنع تلك الأشعة من اختراق الجلد إلى جسم الإنسان. وهكذا ، فإن درجة تلون الجلد تزيد أو تنقص بالاقتراب أو الابتعاد عن خط الاستواء ، وفي ذلك تفسيرٌ لاختلاف ألوان البشر ، من منطقة جغرافية إلى أخرى.

وهناك فائدة هامة أخرى لتكيف جسم الإنسان مع هذه الظاهرة الكونية. ففي المنطقة الاستوائية ، يتم الحصول على الكميات الضرورية من فيتامين دال بسهولة لتوفر أشعة الشمس القوية طيلة العام. لكن قوة تلك الأشعة تقل كلما ابتعدنا عن خط الاستواء ، وبالتالي تقل قدرة الإنسان على تكوين فيتامين دال منها. فتكيف جسم الإنسان في المناطق البعيدة عن خط الاستواء بالتخلص من تلون الجلد ما أمكن ، حتى يستطيع الجسم أن يمتص أكبر كمية ممكنة من أشعة الشمس ، مكوناً ما يحتاجه من هذا الفيتامين الضروري لنمو العظام.  

ونتيجة للهجرات الإنسانية المتعاقبة ، للاستقرار بعيداً عن المنطقة الاستوائية ، شمالاً وجنوباً ، أخذت درجة تلون الجلد تقل بنسبة البعد عن خط الاستواء ، حتى وصلت إلى أقل درجاتها شمالاً ، كما هو الحال في شبه الجزيرة الإسكندنافية وفنلندا وشمال روسيا ، التي تحد القارة القطبية الشمالية. ولو أن اليابسة الأفريقية ممتدة لتصل إلى القارة القطبية الجنوبية ، لكان سكان جنوب أفريقيا شقراً وبعيون زرقاء كسكان إسكندنافيا. ولا ينطبق ذلك على الإنسان فقط ، وإنما على أقرب الحيوانات إليه أيضاً. فقرود الشمبانزي من فصيلة ماكَك ، الموجودة في شمال اليابان ، شقر الوجوه والشعر وكذلك زرق العيون. أما قرود المنطقة الاستوائية الأفريقية ، سواء من الشمبانزي أو الغوريلا ، فهي داكنة الجلد والشعر والعيون. [51]   

***

واختلاف لغات البشر أيضاً مرده للتكيف مع البيئات المختلفة على الأرض. فقد أدت الهجرات الإنسانية المتعاقبة ، بحثاً عن مصادر غذائية وحيوية جديدة ، إلى الاستيطان في مناطق جغرافية تزخر بمصادر نباتية وحيوانية وطبيعية لم تكن معروفة من قبل. وأدى ذلك إلى قيام القادمين الجدد لهذه المناطق باستحداث كلمات جديدة لوصف تلك المصادر.

وكلما استوطنت مجموعة سكانية في منطقة ما ، فإنها تأخذ في توسيع حجم مفردات لغتها ، لتشمل ما تعبر به عن تجارب أفرادها وعن تعابيرهم الثقافية المختلفة ، سواء كان ذلك في الجانب المادي للثقافة مثل الأشياء الملموسة والأدوات المستعملة ، أو في الجانب اللامادي (المعنوي) مثل الأفكار والفنون والآداب.

وتبدأ اللغة بشكل مبسط جداً ، تتمثل في رطانة لا يفهمها إلا المتحدثين بها ، لأنها لا تضم إلا عدداً صغيراً من الكلمات التي تصل إلى حوالي ألفي كلمة ، وغالباً ما تكون هجيناً من كلمات معروفة سابقة وأخرى مستحدثة. وبذلك ، فإنها تمكن المتحدثين بها من التعبير عن أنفسهم ، مستخدمين أبسط وأقل مكونات ثقافتهم. وعندما تستوطن جماعة سكانية منطقة جغرافية محددة المعالم ، فإنها عادة تنعزل عن الجماعات الأخرى ، ويساعدها في ذلك وجود أيَّة عوائق طبيعية كالصحاري والجبال والمياه والغابات. وبمرور الزمن ، فإن رطين أهل تلك الجماعة يتحول إلى لغة كاملة تدريجياً ، وذلك بازدياد عدد السكان وبتوسع ثقافتهم المادية والمعنوية.

وعندما يزداد عدد السكان في منطقة جغرافية ، بينما تبقى مصادر الغذاء على حالها أو تقل ، تصبح الهجرة حلاً لازماً ، سواء كان ذلك قسرياً أم اختيارياً. وبعد حدوث ذلك ، فإن المهاجرين يستمرون باستعمال لغتهم الأصلية ، ولكنهم يدخلون عليها تعديلات مختلفة مع مرور الزمن ، سواء في كيفية نطق الكلمات ، أو في استحداث مفردات جديدة. وهكذا ، تظهر اللَّهجات المختلفة للغة الواحدة ، مثل اللهجات السورية والعراقية والمصرية والمغاربية للغة العربية ، واللهجات الأميركية والأسترالية للغة الإنكليزية. وليس ذلك نهاية المطاف بالنسبة للَّهجات ، حيث من المحتمل أن تتطور لهجة ما إلى لغة جديدة نتيجة للعزلة التامة عن اللغة الأم. مثلما حدث للهجة الأنكلو- سكسون ، الذين هاجروا من ألمانيا للجزر البريطانية منذ حوالي 1500 سنه وانقطعت صلاتهم باللغة الألمانية الأم ، فأصبحت لهجتهم بمرور الزمن لغة جديدة ، هي اللغة الإنكليزية ، التي تختلف عن أصلها الألماني. ومثال ذلك أيضاً ، ظهور اللغة الأمازيغية ، بعد استيطان الحميَريين والكنعانيين لبلاد المغرب ، وانعزالهم عن أصولهم المشرقية العربية. [52]      

وعندما تلتقي جماعات من المتحدثين بلغات مختلفة في مكان واحد ، كمدينة أو ميناء ، وتحتم الظروف على أفرادها أن يتواصلوا لغويا مع بعضهم البعض ، فإنهم يلجئون إلى استحداث لغة خاصة جديدة ، هي خليط من اللغات التي يتحدثون بها. ومثال ذلك ، اللغات المستحدثة من خلط اللغات الفرنسية والإنكليزية والإسبانية في البحر الكاريبي ، واللغات التي تخلط العربية باللغات الأفريقية ، مثل النوبية والجوبية ، أو التي تخلط العربية باللغات الأوروبية ، مثل اللغة المالطية. وفيما بعد ، يتطور هذا الخليط اللغوي إلى لغة قومية كاملة ، يتم تعليمها للطلاب في المدارس ، وتستعملها الحكومات ووسائل الإعلام فيما يصدر عنها من وثائق وأخبار مكتوبة ومسموعة ومرئية.

وقد أدى الغزو الاستعماري الأوروبي لباقي قارات العالم إلى فرض اللغات الأوروبية على شعوب المستعمرات ، فطغت اللغات الأوروبية على اللغات المحلية وحلت محلها نهائياً ، كما حدث في الأميركيتين وأستراليا ، حيث حلت اللغات الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والبرتغالية نهائيا محل اللغات المحلية. أما في أفريقيا وآسيا ، فقد بقيت اللغات الأوروبية كلغات رسمية لكثير من الدول حتى بعد استقلالها عن المستعمرين الأوروبيين. ومثال ذلك في آسيا ، أن اللغة الإنكليزية بقيت كلغة رسمية في الهند وباكستان وسنغافورة وماليزيا. ومثال ذلك في أفريقيا ، أن الإنكليزية بقيت كذلك في نيجيريا وجنوب أفريقيا ، والفرنسية في تشاد والنيجر ، والبرتغالية في موزمبيق ،. ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى أن الأوروبيين قد أوجدوا نخباً متعلمة من أهالي المستعمرات تتواصل باللغات الأوروبية في إدارة الدولة وفي الإعلام والتعليم. وبعد الاستقلال ، استمرت تلك النخب في استخدام اللغات الأوربية. وساعد في ذلك أحياناً وجود عدة لغات قومية في البلد الواحد ، كما هو الحال في الهند ونيجيريا. فكان استخدام اللغات الأوروبية بمثابة لغة مشتركة بين المتحدثين بلغات محلية مختلفة. وباستمرار تعليم اللغات الأوروبية في المدارس واستعمالها في الإعلام وفي أجهزة الدولة المختلفة ، استقرت وتجذرت في تلك الدول. [53]

والخلاصة أن الآية الكريمة 30: 22 تشير إلى أن اختلاف الناس في ألوانهم ولغاتهم له علاقة باختلاف البيئات الطبيعية التي يعيشون فيها لزمن طويل ، في أجيال متعاقبة. كما أنها تشير إلى أن الاختلاف في تلك البيئات مرده إلى الشكل البيضاوي للأرض ، وإلى علاقة الأرض بالشمس والأجرام السماوية الأخرى.

37-39. الآيات الكريمة التالية تشير أيضاً إلى بعض الحقائق العلمية عن الأرض والقمر والشمس ، وعن العلاقة بينها ، وعن كيفية تأثير تلك العلاقة على الإنسان:

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُسَمًّى (الزمر ، 39: 5).

وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ ۖ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِّتَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ ۚ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (الإسراء ، 17: 12).

لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (يس ، 36: 40).

فالآية 39: 5 تخبرنا عن تتابع الليل والنهار وعن علاقة الأرض بالشمس والقمر ، التي تحكمها دورات زمنية محددة. فتتابَع الليل والنهار يحدث نتيجة لدوران الأرض حول نفسها وأمام شمسها ، ويؤدي ذلك إلى تنظيم أنشطة الكائنات الحية ما بين عمل وراحة ، اعتماداً على ذلك التتابع المنتظم. كما أن دوران الأرض حول الشمس ، فينتج عنه تنوع الفصول السنوية من صيف وخريف وشتاء وربيع ، مما يؤدي إلى التنوع المعروف في أنشطة الكائنات الحية ، بما في ذلك الإنسان ، على الأرض.

أما وصف خلق السماوات والأرض "بالحق" ، فإنه إشارة إلى البعد المثالي للأرض عن الشمس. فلو كانت بعيدة جداً عن الشمس ، لكانت في ليل بدون نهار ، ولكانت في غاية البرودة أيضاً ، مما يجعلها غير ملائمة لحياة الكثير من الكائنات ، وخاصة الإنسان. ولو كانت صغيرة الحجم وقريبة من الشمس ، كعطارد والزُّهرة ، لما كانت صالحة للحياة ، نظراً لحرارتها الشديدة. لكن الله ، سبحانه وتعالى ، جعلها في موقع مثالي من الشمس ، حتى تكون معتدلة الحرارة ومتوازنة التتابع والتداول ما بين الليل والنهار وما بين الفصول أيضاً.

وكما أن للشمس تأثير على حياة الكائنات على الأرض ، فإن للقمر فوائد عدة أيضاً. فهو ضياء في الليل ، وهو مسببٌ لمد البحار وجزرها ، وملاحظة ظهوره وأفوله حسابٌ للأيام والشهور والسنين. ولكون الشمس والقمر يجريان لأجل مسمى ، أي لدورات زمنية محددة لكل منهما ، فإن ذلك ساعد الإنسان في اكتشاف التقويم الزمني لتنظيم حياته وأنشطته المختلفة خلال السنة ، كما أن ذلك أدى لعلم الحساب ، كما تخبرنا الآية الكريمة 17: 12.

أما الآية 36: 38 ، فإنها تشير إلى حقيقة أن الأرض والقمر والشمس لها أفلاك محددة تدور فيها. فمنذ آلاف السنين ، لاحظ الأنسان التغيرات الشهرية التي تحدث على الأرض نتيجة لدوران القمر حول الأرض وعلاقته معها. كما لاحظ التغيرات الفصلية ، نتيجة لدوران الأرض حول الشمس. لكنه لم يكن بمقدوره معرفة دوران الشمس حول مركز مجرتنا ، درب التبانة ، إلا حديثاً جداً. فقد أصبح من المعروف علمياً الآن ، ومنذ عقود قليلة فقط ، أن الشمس تدور حول مركز المجرة مرة كل حوالي 225 مليون سنة ، وهذا يعني أنها قد أكملت حوالي 22 دورة خلال الخمسة بلايين سنة السابقة من عمرها. وقد أشارت هذه الآية الكريمة لتلك الحقيقة العلمية قبل أربعة عشر قرناً من اكتشاف الإنسان لها ، فسبحان الله ، علَّام الغيوب ، الذي لا يخفى عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء. [54]

40. الآية الكريمة 79: 30 تشير إلى حقيقة أن الأرض تشبه البيضة في شكلها ، أي أنها ليست مربعة أو مستطيلة ، كما اعتقد كثير من الناس في الأزمنة الماضية ، كما أنها ليست دائرية تماماً:

وَالأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (النازعات ، 79: 30).

وقد فسر الطبري كلمة "دحاها" بمعنى بسَطَها للرزق ، وأضاف الآية التالية لها: "أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا" (النازعات ، 79: 31) ، كشرح لها. وتبعه القرطبي في ذلك الشرح والمعنى. وشرحها ابن كثير بالمثل ، لكنه لم يتطرق إلى المعنى اللغوي للكلمة.

وهناك معنى آخر أكثر دقة وصلة لكلمة "دحاها" في هذه الآية الكريمة ، وهو أنه ، سبحانه وتعالى ، جعلها على شكل البيضة ، أي أقرب ما تكون إلى شكل الدائرة. ولم يسمع مؤلف هذا الكتاب تلك الكلمة في بلاد المشرق العربي ، ولكنه سمع الاسم المشتق منها أثناء وجوده في ليبيا (1972-1976). فالليبيون يقولون عن بيضة الدجاج والطيور بأنها "دحية" ، وكذلك يقال لها في باقي بلاد المغرب العربي.

وهذا المعنى يؤيده ما جاء في معجم المعاني الجامع ، عن تعريف ومعنى كلمة "دحية." فقد عرَّفها المعجم الجامع بأنها البيضة ، وحتى أنه شرحها بإيراد الآية الكريمة 79: 30 ، التي تصف الأرض بأنها تشبه البيضة في شكلها: "دحَى اللهُ الأرضَ ، دَحَاها ، بسَطَها ومدَّها ووسَّعَها ، على هيئة بيضة للسُّكنى والإعمار." [55]

وتشبيه شكل الأرض بالبيضة (الدحية) هو أدق ما يمكن استخدامه لوصفها ، وذلك ليس فقط لتصحيح اعتقاد الناس في الأزمنة السابقة ، وإنما أيضاً لأنها ليست دائرية الشكل تماماً. فقد أثبتت القياسات الدقيقة أنها كذلك. وهكذا ، كان تشبيه شكلها بالبيضة هو أكثر دقة من تشبيهها بالدائرة الكاملة.

وقد أدى الشكل البيضاوي للأرض أن يصلها ضوء الشمس بمسافات مختلفة ، أقصرها على خط الاستواء وأطولها على القطبين. وهكذا ، أصبحت المنطقة الاستوائية هي الأعلى حرارة لأنها أقرب مناطق الأرض إلى الشمس ، بينما أصبح القطبان الشمالي والجنوبي هما الأكثر برودة على الأرض ، لأنهما الأبعد عن الشمس. وتمتعت المناطق الجغرافية الواقعة فيما بين القطبين وخط الاستواء شمالاً وجنوباً بتدرج في الطقس حتى الاعتدال.

وقد أدى التنوع المناخي الناتج عن ذلك إلى تكون الأقاليم النباتية ، مثل الأقاليم الاستوائية ذات الغابات المطيرة ، والأقاليم الجافة شمالاً وجنوباً بعد ذلك لقلة الأمطار فيها ، ثم الأقاليم الرطبة لكونها أكثر مطراً ، وأخيرا الأقاليم القطبية التي تنعدم الحياة النباتية فيها نظراً لأنها مغطاة بالثلج والجليد طيلة العام. [56]

41. الآية الكريمة 13: 41 تفسر لنا السبب في أن الأرض بيضاوية الشكل ، وليست دائرية تماماً ، فتقول:

 أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ (الرعد ، 13: 41).

والمعنى أن أطراف الأرض الخارجية تتناقص بفعل عوامل الطقس المختلفة ، من رياح وأمطار وسيول وعواصف وأعاصير ، الأمر الذي يؤدى لنقصان شكلها عن أن يكون دائرة كاملة.

42. الآية الكريمة 79: 31 تشرح لنا نتيجة كون الأرض بيضاوية الشكل فتقول:

أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا (النازعات ، 79: 31).

أي أن الشكل البيضاوي للأرض أدى إلى تنوع أقاليمها المناخية ، وما نتج عن ذلك من تنوع في الحياة النباتية وكميات الأمطار. وقد شجع ذلك التنوع أن تهاجر الجماعات الإنسانية إلى الأقاليم الغنية بالمياه والحياة النباتية بحثاً عن المراعي والأراضي الخصبة ، وبالتالي إلى تعمير الأرض بسكنى أقاليمها المختلفة. كما أدى ذلك أيضاً إلى التنوع في ألوان الناس وفي ثقافاتهم ، بما في ذلك لغاتهم ، كما تقدم ذكره.

43. الآية الكريمة 24: 45 تذكرنا بأن الخلق الأول كان في الماء ، وأن الخلق الثاني في الرحم هو أيضاً من ماء الذكر وبويضة الأنثى ، ثم تخبرنا عن كيفية تحرك الدواب على الأرض بالزحف على البطن أو بالمشي على رجلين أو بالمشي على أربع ، فتقول:

وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (النور ، 24: 45).

وهذا التنوع في حركة الدواب على الأرض إنما جاء بما يتناسب مع قدرات كل منها على التكيف مع بيئاتها وأرزاقها. ونحن نعلم الآن أن الطيور تمشي على رجلين وأن جميع الحيوانات تمشي على أربعة أرجل ، فيما عدا الكنغر ، الذي يمشي على رجلين. أما بالنسبة لسكان أفريقيا وآسيا وأوروبا ، أي العالم القديم ، فإنهم لم يكونوا على دراية بوجود مثل ذلك الحيوان الذي يمشي على رجلين ، في أستراليا ، التي لم تكتشف إلا بعد أكثر من تسعمائة سنة من التنزيل. لكن الله أخبرنا بذلك ، كدليل على أن القرآن من عنده ، فسبحان عالم الغيب والشهادة ، أحسن الخالقين.

الْخُلاصَةُ

بدأ الله ، سبحانه وتعالى ، بخلق الحياة على الأرض ، ثم تركها لتتطور ، نتيجة للتكيف مع البيئات المختلفة على هذا الكوكب ، مع تدخله ، عز وجل ، لتحسين مخلوقاته ، من حينٍ إلى آخر ، يحدده هُوَ. وكان الخلق الأول بالنسبة للإنسان في خمسة أطوار رئيسة هي بث الحياة والتسوية والاعتدال وتحسين الصورة ونفخ الروح. ويعادل ذلك خمسة أطوار أخرى من الخلق الثاني في الرحم ، وهي النطفة والعلقة والمضغة والعظام   واللحم.

وتثبت الحقائق العلمية التي تتضمنها معاني الآيات الكريمة التي ذكرت في هذا الفصل أن القرآن الكريم هو كتاب الله ورسالته للبشرية. فلم تكن هذه الحقائق معروفة لأهل العلم ، لا في زمن التنزيل ولا لأكثر من ثلاثة عشر قرن بعد ذلك ، إلى أن بدأ تأسيس العلوم الحديثة في القرن الثالث عشر للهجرة ، الموافق للقرن التاسع عشر للميلاد.

ومما يزيد في أهمية موضوع هذا الفصل ، أي الخلق والتطور ، أنه إسهام في توضيح العلاقة بين الدين والعلم. والحقيقة أن دين الله الحق ، الإسلام ، هو العلم الحق ، لأنه قد أتى من الحق ، جل وعلا. وكما بينت الآيات الكريمة في هذا الفصل ، فإنه لا يوجد تناقض بين الدين والعلم ، ولا بين خلق الإنسان وتطوره. فكلاهما تمَّا بعلم الله وبمشيئته.

====================================================================================================================

المُلْحَقُ الأولُ

بدايةُ الحياةِ على الأرضِ

قصة الحياة على الأرض ، كما يكتبها علماء الطبيعيات ، تكاد تكون متطابقة مع ما أشارت إليه الآيات الكريمة التي تم استعراضها في هذا الفصل من الكتاب. وخلاصة ذلك أن الحياة قد بدأت في الطين الدفء الرطب والمنتن ، حيث يختلط الماء بالعناصر الأساسية للأرض. وبعد ذلك ، أصبح الأكسجين وضوء الشمس ضروريان لاستمرار الحياة وتطورها على هذا الكوكب. ولم يعرف العلماء حتى الآن تفسيراً قاطعاً لبداية الحياة في الخلية ، كما عجزوا عن تفسير حدوث التغيرات الفجائية الهامة ، التي أشاروا إليها بالطفرات. لكن ذكر القرآن الكريم لجوهر الحقائق العلمية التي توصل إليها العلماء حديثاً هو الدليل على أن هذا الذكر من عند الله ، الذي خلق الخلية الأولى وبث الحياة فيها ، وكان تدخله من آن إلى آخر هو سبب التغيرات الفجائية الهامة ، أي الطفرات ، كما سماها علماء الأحياء.

وفي تقدير علماء الطبيعيات أن الحياة بدأت على الأرض منذ حوالي 3.8 بليون سنة. وكانت البداية عبارة عن الكائنات وحيدة الخلية ، البدائية النواة (unicellular prokaryotic cells) ، والتي كانت تتكاثر بالانقسام إلى أزواج متساوية ، في عملية تعرف بالانشطار الثنائي (binary fission). ثم ظهرت الكائنات وحيدة الخلية ، المعقدة (الحقيقية) النواة (eukaryotes).

وكان جو الأرض يحتوي على ثاني أكسيد الكربون ، وبخار الماء ، وأول أكسيد الكربون ، والهيدروجين ، والنيتروجين ، بالإضافة إلى عناصر أخرى. وكانت الحياة نتاج تفاعلات كيميائية بين عناصر الأرض والطاقة المنبعثة من الشمس والبراكين وعواصف الرياح والبرق. فأدت تلك التفاعلات إلى إنتاج الجزيئات العضوية (organic molecules) ، التي تعتبر المكونات الأساسية الضرورية للحياة.

ومنذ حوالي 630 مليون سنة ، ظهرت الكائنات المتعددة الخلايا والمعقدة (الحقيقية) النواة (eukaryotes) ، أي الحيوانات ذات الأجسام الطرية ، أول الأمر في المحيطات. وأهم ما في الأمر ، أن الحقيقة العلمية التي تقول بأن الحياة قد بدأت في الماء ، كانت نتيجة أبحاث أجراها في القرن العشرين الميلادي كل من العالِم الروسي أ. إ. أوبارين ، والإسكتلندي ج ب س هالدين ، والأميركيَيْن ستانلي مللر وهارولد يوري. *

وهناك باحثون آخرون قالوا بفرضية أن التفاعلات الكيميائية الأولى ، أي البلمرات (polymerizations) التي أدت لبداية الحياة ، يمكن أن تكون قد حدثت في الشقوق الموجودة على أرضية المحيطات العميقة ، التي تخرج منها المياه الساخنة وأول أكسيد الكربون والمعادن الأخرى ، مثل كبريتات (sulfides) الحديد والنيكل. فتلك البيئة كانت أفضل لحماية تلك التفاعلات من سطح الأرض ، الذي كان دائم التعرض لضربات النيازك ، الكارثية التدمير. وفي هذه الأيام ، تنتج العيون الساخنة سلائف (precursors) الجزيئات الحية والغذاء الغني بالطاقة ، بما في ذلك المركبات العالية التخفيض ، وكبريتيد الهيدروجين ، والميثان.

وتشير فرضية أخرى ، حول كيفية بداية الحياة على الأرض ، إلى أن التفاعلات العضوية (organic polymers) ، التي تشكل أحجار البناء الكيميائية الأساسية ، يمكن أن تكون قد تكونت على أسطح الصخور والطين ، وليس على قيعان المحيطات والبحار البدائية. فالطين ، الذي يتألف من جزيئات الصخور المفككة ، هو احتمال واعد لكونه الموقع المناسب للتفاعلات الكيميائيات الأولى (polymerizations) لأنه يضم الأحاديات العضوية (organic monomers) وأيونات الزنك والحديد ، التي يمكن أن تكون قد سهلت تلك التفاعلات. وقد أكدت التجارب المخبرية أن التفاعلات العضوية تتكون من الأحاديات بطريقة عفوية ، على أسطح الصخور والطين (سولومون ، بيرغ ، مارتن ، 2006: 385-387). **

وقد أدى تراكم الجزيئات العضوية إلى تكون دهنيات (protobiont) ما قبل الخلية. لكن تطور ما قبل الخلية إلى خلية حية يبقى لغزاً لم يحله العلماء ، وربما يؤدي فهم تكاثر الجزيئات إلى تزويدهم ببعض المعلومات اللازمة لحل ذلك اللغز. وقد وجد علماء الأحياء أن المعلومات الوراثية للخلايا الحية مخزنة في الأحماض النووية (DNA) ، والتي يمكن فهمها على أنها حاملة لرسالة RNA ، أي مسلسل الأحماض الأمينية في البروتينات. وهناك حقيقة لها أهمية خاصة ، وهي أن DNA وRNA يمكنهما التكون عفوياً على الطين ، وأنهما قادرتان على تكرار نفسيهما. ويفترض علماء الأحياء أن RNA وجدت على الأرض قبل DNA. لذلك ، فإن الشفرة الوراثية القادرة على تكرار نفسها ، والتي تتكون على الطين ، كانت صلة الوصل بين الجزيئات العضوية والخلية الحية (سولومون ، بيرغ ، مارتن ، 2006: 388-389).

وبعد ذلك ، أصبحت المعلومات الوراثية المخزنة في جزيئات الحمض النووي (DNA)  قادرة على تكرار نفسها وعلى الانتقال للخلايا الجديدة ، خلال عملية انقسام الخلايا (سولومون ، بيرغ ، مارتن ، 2006: 2 ، 66). ويعتبر الانشطار الثنائي للتكاثر في الكائنات وحيدة الخلية ، البدائية النواة (unicellular prokaryotic cells) مثال على انقسام الخلايا (سولومون ، بيرغ ، مارتن ، 2006: 466).

وعلى الرغم من أن العلماء يتفقون على أن أقدم الخلايا المحفرة تعود تاريخياً إلى أكثر من بليوني سنة مضت ، إلا أنه قد تم اكتشاف حفريات دقيقة في غرينلاند تفيد بأنه كان هناك خلايا لكائنات وحيدة الخلية ، بدائية النواة ، قبل حوالي 3.8 بليون سنة. وكانت هذا الخلايا تحصل على ما تحتاجه من الطاقة من الجزيئات العضوية المتاحة. وتطورت تلك الكائنات بحدوث طفرة لها ، مكنتها من الحصول على الطاقة من ضوء الشمس ، وطفرة أخرى بعد وقت أطول ، مكنتها من الحصول على الهيدروجين ، بانقسام الماء ، مثلما حدث مع البكتيريا الزرقاء (cyanobacteria). وكانت تلك هي الكائنات الحية الضوئية (photosynthetic) ، التي كانت موجودة على الأرض من حوالي 3.1 إلى حوالي 3.5 بليون سنة مضت.

ومنذ حوالي بليوني سنة ، كانت البكتريا الزرقاء قد تمكنت من إنتاج كمية كافية من الأكسجين ، الأمر الذي أدى إلى تغيير الغلاف الجوي للأرض بطريقتين. فأولاً ، ظهرت كائنات هوائية (aerobes) حية جديدة ، تمكنت من التكيف مع توفر الأكسجين ، فاستخدمته في إنتاج الطاقة بطريقة فعالة. فقد كانت تلك الكائنات الحية تنتج الأكسجين وثاني أكسيد الكربون بشكل منتظم ، مما أدى إلى السماح للأكسجين بالاستمرار كعنصر ثابت الوجود نتيجة لاستمرار إنتاجه. وهذا بدوره أدى إلى إنتاج الطاقة بفعالية في المحيط الحيوي للأرض  (biosphere). وثانياً ، أدى تكون طبقات متراكمة من الأكسجين في الجزء الأعلى من الغلاف الجوي للأرض إلى تكون طبقة الأوزون (ozone) ، التي تحمي سكان الأرض من إشعاعات الشمس الفوق بنفسجية الضارة (سولومون ، بيرغ ، مارتن ، 2006: 389-391).

 * ملاحظة استطراديه للملحق الأول:

أسماء العلماء الأربعة الذين كانوا أول من اكتشف أن الحياة قد بدأت في الماء ، هي كما يلي:

The Russian A. I. Oparin, the Scottish J. B. S. Haldane, and the Americans Stanley Miller and Harold Urey.

** المعلومات الواردة في الملحق الأول مأخوذة من الكتاب التالي ، الذي يستعمل في تدريس مادة الأحياء في العديد من الكليات والجامعات الأميركية ، لأنه يمثل مسحاً شاملاً للأبحاث العلمية في هذا المجال:

Solomon, Eldra P., Linda R. Berg, and Diana W. Martin. 2006. "Biology." 7th Edition. Belmont, CA: Books/Cole-Thomson.

==================================================================================================================

المُلْحَقُ الثَّانِي

مَرَاحِلُ تَطَوُّرِ الإنْسَانِ ، بِنَاءً عَلَى الأحَافِيرِ المُكْتَشَفَةِ

لا يوجد اتفاق بين علماء تاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) المتخصصين في حفريات الإنسان القديم على نظرية واحدة بشأن تطوره ، وانسلاخه عن أقرب الحيوانات إليه ، الشمبانزي ، الذي يشترك معه في 99% من صفاته الوراثية ، الموجودة في أحماضه النووية (DNA). لكن الفرضيات البحثية المتنافسة تتفق على أغلب الحقائق ، التي تم الوصول إليها بناء على سجل الآثار المكتشف ، وخاصة الحفريات. وفيما يلي أهم معالم مكونات هذه الفرضيات البحثية ، التي تقسم الحفريات الإنسانية المكتشفة إلى ثمانية مراحل زمنية من التطور:

أولاً ، إنسان الساحل التشادي (Sahelanthropus Tchadensis) ، الذي تم اكتشافه في عام 2002 ، ويشير إلى إنسان قديم كان يعيش في أفريقيا ، منذ حوالي 7 إلى 6 مليون سنة مضت. وكان يختلف عن الشمبانزي في صفات رئيسة ، فكان وجهه أكثر تسطحاً (أي أقل تمدداً للأمام) ، واختلف عنه في الأسنان ، وكان حجم دماغه أكبر. لكن ، لم يكن هناك أي دليل على أنه كان يمشي معتدلاً ، أي منتصب القامة ، وهي الصفة الرئيسة لاختلاف الإنسان القديم عن الشمبانزي ، التي ذكرت في الآية الكريمة 82: 7.

ثانياً ، الإنسان الأسترالي القديم (Australopithecus) ، كان يعيش في أفريقيا ، أما الاسم فهو نسبة إلى الباحث الأسترالي الذي اكتشفه ، ويشمل سبعة أجناس رئيسة ، هي:

1. الأرضي (Ardipithecus Ramidus) ، الذي كان موجوداً في منطقة عفار الصومالية (التي احتلتها إثيوبيا) ، في الفترة من حوالي 5.8 إلى 4.4 مليون سنة مضت.

2. الأنام (Anamesnsis) ، الذي كان موجوداً بالقرب من بحيرة تُركانا ، كينيا ، من حوالي 4.2 إلى 3.9 مليون سنة مضت ، والذي كانت له ملامح إنسانية وأخرى شبيهة بالقرود. وكانت أسنانه الخلفية وفكاه أكبر من تلك الخاصة بالشمبانزي. وكانت الأسنان الأمامية أصغر. كما أنه كان يمشي منتصب القامة ، على قدمين ، فكانت تلك الصفة أول انسلاخ ملحوظ له عن الشمبانزي.

3. العفاري (Afaresnsis) ، الذي كان موجوداً في منطقة عفار الصومالية ، في الفترة من حوالي 4 إلى 3 مليون سنة مضت. ويعتبر السلف لكل من الجنسين الرابع والسادس (الأفريقي وعظيم الوجه). وكان حجم دماغه صغيراً نسبياً ، وكانت عظمتا حاجبيه بارزتين ، وفكاه عريضين ، وناباه كبيرين. ولا يوجد دليل على أنه كان يصنع الأدوات أو يتحكم بالنار.

4. الأفريقي (Africanus) ، الذي عاش في جنوب أفريقيا من حوالي 3 إلى حوالي 2.4 مليون سنة مضت ، وكان يمشي معتدل القامة ، وكان يشبه الإنسان في شكل يديه وأسنانه. وكان يأكل النباتات والحيوانات. أما حجم دماغه فكان مماثلاً لأسلافه ، أي أصغر من حجم مخ الإنسان الحالي.

5. الإثيوبي (Aetheopicus) ، الذي عاش في إثيوبيا ، من حوالي 2.5 إلى حوالي 2.2 مليون سنة مضت ، وهو سلف الجنسين المنقرضين السادس والسابع (عظيم الوجه وعريض الخد).

 6. عظيم الوجه (Robustus) ، الذي عاش في جنوب أفريقيا ، من حوالي 2 إلى حوالي 1.4 مليون سنة مضت ، ويصنفه بعض الباحثين على أنه جنس منقرض لفرع آخر هو بارنثروبس (Paranthropus). وكان عريض الوجه لقوة عضلاته ، نتيجة للمضغ المستمر للطعام.

7. عريض الخد (Boisie) ، الذي عاش في شرق أفريقيا ، من حوالي 2.2 إلى حوالي 1.1 مليون سنة مضت ، وكان عريض الخد والوجه عموماً لقوة عضلات الوجه ، نتيجة للمضغ المستمر للطعام.

الصفات الرئيسة للأجناس الثلاثة الأخيرة (الإثيوبي وعظيم الوجه وعظيم الخد):

كان لهذه الأجناس الإنسانية القديمة الثلاثة أضراساً كبيرة جداً ، وفكين قويين جداً أيضاً ، ولكن حجم المخ كان صغيراً نسبياً ، مع وجود قمة قوية لجماجم الرجال. ولم ينطبق ذلك على معظم النساء ، اللاتي كان لهن فكين صغيرين ، وهما مثالان على الفروق الجسدية بين الذكور والإناث في الأجناس الإنسانية المبكرة. ويشير شكل الأسنان والفكين إلى نوعية الطعام ، الذي ربما كان يتكون من الجذور القاسية والدرنات (مثل الجزر والبطاطس حالياً) ، التي تتطلب قوة طحن كبيرة (سولومون ، بيرغ ، مارتن ، 2006: 412).

ثالثاً ، الإنسان الماهر(Homo Habilis) ، الذي عاش من حوالي 2.3 إلى حوالي 1.6 مليون سنة مضت ، في تنزانيا وشرق أفريقيا عموماً. وكان أول جنس إنساني له الكثير من نفس ملامح الإنسان الحديث. فبالمقارنة مع سابقيه ، كان صغير الحجم عموماً ، وأكبر في حجم المخ ، وأصغر في حجم الأضراس الأمامية والخلفية. وقد ترك وراءه مواقع أثرية عثر فيها على أدواتٍ بدائية ، وأحجارٍ لها حواف حادة للقطع والكشط ، وكذلك رقائقَ وقطَّاعات حجرية. وهناك باحثون يقولون بأنه ينتمي للإنسان الأسترالي القديم أكثر من انتمائه لأجناس الإنسان اللاحقة.

رابعاً ، الإنسان العامل (Homo Ergaster) ، الذي عاش من حوالي 2 إلى حوالي 1.4 مليون سنة مضت ، في شرق وجنوب أفريقيا. وهو السلف الأفريقي لكل من الإنسان المعتدل القامة وإنسان هايدلبرغ. وبهذا يكون هو سلف الإنسان المعاصر.

خامساً ، الإنسان المعتدل القامة (Homo Erectus) ، الذي عاش من حوالي 1.7 مليون سنة إلى حوالي 200 ألف سنة مضت ، في أفريقيا وآسيا وأوراسيا (أرمينيا وجورجيا). ويعتقد بعض الباحثين أنه فرع شرق آسيا المنفصل عن الإنسان العامل. ويبدو للكثير من الباحثين أنه تطور عن الإنسان الماهر ، لكنه كان أطول منه. وكان حجم دماغه أكبر ، واستمر في الكبر.

ومع ذلك ، فإنه احتفظ ببعض صفات القرود ، مثل الحافة العظمية البارزة التي تعلو الحاجبين ، كما أن وجهه كان ممدوداً للأمام. وكان الإنسان المعتدل القامة هو أول جنس إنساني بفروق قليلة بين الذكور والإناث. وكان يصنعُ أدواتٍ حجريةٍ متقدمة ، معروفة لدى الباحثين باسم الأدوات الأخيلية (Acheulean) ، مثل الفؤوس والقطَّاعات والمثاقيب والقشاطات. وقد عاش في المناطق الشمالية من الكرة الأرضية ، وكان يصطاد الحيوانات ، ويرتدي الملابس ، ويوقد النار ، ويعيش في الكهوف والملاجئ ، ويستعمل الحراب كأسلحة له. ويعتقد بعض الباحثين بأنه انقرض في شرق آسيا ، عندما وصل جنس إنساني آخر إلى هناك ، لكن هذا الرأي لا يحظى بالإجماع.

سادساً ، إنسان هايدلبرغ (Homo Heidelbergensis) ، الذي عاش من حوالي 800 ألف سنة إلى حوالي 100الف سنة مضت ، في أفريقيا وآسيا وأوروبا. وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى مدينة هايدلبرغ الألمانية التي تم اكتشاف إحدى حفرياته فيها. ويعتبر السلف لكل من النياندرتال والأنسان العاقل (المعاصر).

سابعاً ، إنسان نِيانْدَرتَال (Homo Neanderthalensis) ، الذي عاش من حوالي 230 ألف سنة إلى حوالي 30 ألف سنة مضت. وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى وادي نِيانْدَر ، قرب مدينة دوسيلْدورْف الألمانية ، حيث اكتشفت أولى حفرياته. وقد عاش هذا الجنس البشري في غرب آسيا ، ثم أخذ يتقدم إلى أوروبا كلما سمح له ذوبان ثلوجها بذلك. وكان قصيراً ، قوي البنية ، ووجهه ممدوداً للأمام قليلاً ، وكان الذقن والجبهة مائلين للوراء. وكانت عظام الفكين والحاجبين بارزة ، وكان حجم المخ والأسنان الأمامية أكبر من تلك التي للإنسان المعاصر. وكانت الجيوب الأنفية كبيرة ، نتيجة للتكيف مع العصر الجليدي في أوروبا ، وكانت عظام الخدين منحسرة.

ولا يوجد إجماع بين الباحثين على أن إنسان نياندرتال كان جنساً بشرياً منفصلاً عن الإنسان الحديث. فقد صنع واستعمل أدوات أكثر تطورا من التي كانت للإنسان المعتدل القامة ، والمعروفة لدى الباحثين باسم الأدوات الماوسترية (Mousterian) ، مثل الحراب الحادة ، التي كان يستعملها في صيد الحيوانات الكبيرة. وكان يعيش في جماعات تتميز بالتعاون الاجتماعي ، والتي كان لها شعائرها ومعتقداتها الدينية ، كما يتبين ذلك مما احتوته قبور أفرادها.

ومنذ حوالي 30 ألف سنة ، اختفى إنسان نياندرتال من سجل الآثار البشرية. ويعتقد بعض الباحثين بأن السبب في ذلك يعود إلى أنه لم يكن قادراً على التنافس مع الإنسان العاقل الحكيم (homo sapien sapiens) ، أو أن الأخير قد قضى عليه تماماً. وهذه الفرضية البحثية يؤيدها تحليل المادة المختصة بالطاقة في الحمض النووي (mitochondrial DNA) لعظام نياندرتال المكتشفة ، والذي أظهر أنه قد وصل إلى نهاية تطوره ، وأن أفراده لم يتزاوجوا مع أفراد الإنسان العاقل الحكيم.

وهناك فرضية بحثية أخرى منافسة ، مبنية على اكتشاف هيكل عظمي في البرتغال ، لطفل عمره أربع سنوات ، يعود تاريخه إلى 24.5 ألف سنة مضت. ويظهر ذلك الهيكل العظمي صفات مشتركة ما بين إنسان نياندرتال والإنسان العاقل الحكيم ، مثل قصر عظام الأطراف السفلى. والباحثون الذين أتوا بهذه الفرضية يقولون بأن ذلك دليل على أنه كان هناك تزاوج بين أفراد الجنسين البشريين. ويرد أصحاب الفرضية الأولى بأن ذلك الطفل كان يمثل تنوعاً عادياً في أفراد جنس الإنسان العاقل الحكيم ، لا أكثر.

ثامناً ، الإنسان "العاقل" الحديث (Homo Spiens) ، الذي ظهر في أفريقيا والشرق الأوسط منذ حوالي 100 ألف سنة. ومنذ حوالي 30 ألف سنة ، لم يبق على الأرض جنس بشري غيره. وأهم ما يميز مظهره عن سابقيه اختفاء العظمة البارزة فوق الحاجبين ووضوح الذقن.

وهناك فرضيتان بحثيتان متنافستان عن أصل الإنسان العاقل الحكيم. وهما مبنيتان على أبحاث دراسة الحفريات (fossils) ، وعلم أحياء الجزيئات (molecular biology) ، وعلم الصفات الوراثية للسكان (population genetics).

وتعرف الفرضية الأولى "بالهجرة إلى خارج أفريقيا" ، التي تقول بأن الإنسان العاقل الحكيم قد ظهر في أفريقيا منذ حوالي 200 ألف سنة إلى حوالي 100 ألف سنة مضت ، ثم انتشر مهاجراً إلى الشرق الأوسط ، فآسيا ، ثم أخيراً إلى أوروبا.

وتعرف الفرضية الثانية "بالتطور المستقل في الأقاليم الجغرافية المختلفة" ، وذلك بعد خروج الإنسان المعتدل القامة من أفريقيا مهاجرا إلى باقي بقاع الأرض. وقد ساعده الانعزال الجغرافي للتطور المستقل وصولاً إلى الإنسان العاقل الحكيم. وحدث التجانس تدريجياً بالتفاعل والتزاوج بين الجماعات الإنسانية المختلفة ، الأمر الذي حال دون حدوث عزلة تكاثرية كاملة لأي منها ، ولكن بقيت بعض الفروق الإقليمية الحالية ، نتيجة للتكيف مع بيئات العالم المختلفة (انظر الملاحظة السابعة أعلاه ، حول تطور الإنسان العاقل (homo sapiens) إلى الإنسان العاقل الحكيم (homo sapien sapiens) ، خلال الثلاثين ألف سنة الأخيرة ، وانظر أيضاً قسم " تَحْذِيرُ اللهِ لآدمَ" في الفصل السادس).

***

المعلومات الواردة في هذا الملحق مأخوذة من الكتاب التالي ، الذي يستعمل في تدريس مادة الأحياء في العديد من الكليات والجامعات الأميركية ، لأنه يمثل مسحاً شاملاً للأبحاث العلمية في هذا المجال:

Solomon, Eldra P., Linda R. Berg, and Diana W. Martin. 2006. "Biology." 7th Edition. Belmont, CA: Books/Cole-Thomson. Pages 409-416.

يمكن الاطلاع على صور وصفات وتواريخ الأجناس البشرية المختلفة على موقع معهد سميثونيان ، على الرابط التالي:

http://humanorigins.si.edu/evidence/human-fossils/species   

===========================================================================================================

المراجع الرئيسة للفصل الرابع

القرآن الكريم ، بالخط العربي ، المنشور على موقع شبكة تنزيل ، على الرابط التالي:

www.tanzil.net 

كتب تفسير القرآن الكريم للمفسرين الثلاثة الكبار ، الطبري والقرطبي وابن كثير ، والتي تم ذكرها في نهاية الفصل الثالث ، وهي منشورة على الرابط التالي:

http://quran.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=215

Allen, JS; Damasio H; Grabowski TJ (2002). "Normal neuroanatomical variation in the human brain: an MRI-volumetric study." Am J Phys Anthropol. 118 (4): 341–58. 

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed/12124914  

Allman, John. 2000. "Evolving Brains." Scientific American Library, W.H. Freeman, updated by Sarah Neena Koch (2011):

http://mybrainnotes.com/memory-language-brain.html

Brown, Graham; Fairfax, Stephanie; Sarao, Nidhi. "Human Evolution"Tree of Life. Tree of Life Project.

http://tolweb.org/treehouses/?treehouse_id=3710

MacLean, Paul. 1990. "The Triune Brain in Evolution: Role in Paleocerebral Function." Plenum, New York. A summary by Sarah Neena Koch at:

http://mybrainnotes.com/evolution-brain-maclean.html

Premack, David. 2007. "Human and animal cognition: Continuity and discontinuity." Proc Natl Acad Sci U S A. 2007 Aug 28; 104(35): 13861–13867.  

https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC1955772/

Sapolsky, Robert M. 2005. "Monkeyluv and Other Essays on Our lives as Animals." Scribner, New York.

Scupin, Raymond. 2008. "Cultural Anthropology: A Global Perspective." 7th Edition. New Jersey: Person, Printice Hall. Note: This is a textbook used in teaching Cultural Anthropology on the college level all over the United States. It's a comprehensive survey of research in the field.

Solomon, Eldra P., Linda R. Berg, and Diana W. Martin. 2006. "Biology." 7th Edition. Belmont, CA: Books/Cole-Thomson.

============================================================================================ 

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الفَصْلُ الخَامِسُ

***

الْإنْسَانُ خَلِيفَةُ اللهِ عَلَى الأرْضِ

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ***

مُقَدِّمَةٌ

هذا الفصل ذو صلة وثيقة بالفصل الرابع ، "الخَلْقُ وَالتَّطَوُّرُ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ" ، الذي يشكل خلفية ضرورية له ، خاصة في ذكر القرآن الكريم لخلق الله ، سبحانه وتعالى ، للحياة على الأرض ، ولتطورها ، وتدخله عز وجل فيها ، لتحسين خلقه.

وهكذا ، فإن هذا الفصل هو استمرار لموضوع الخلق والتطور ، ولكن بتركيز على الإنسان ، الذي يشكل قمة مراحل الخلق الخمس ، ابتداء ببث الحياة والتسوية والاعتدال والتصوير ، ووصولاً إلى نفخ الروح فيه. فعندما رأى الله ، سبحانه وتعالى ، أنه قد علَّم الإنسان ما يكفي له للسيادة على الأرض ، قرر أن يجعله خليفة له فيها. فلما أخبر ملائكته المقربين بذلك ، فوجئوا لعلمهم بأن بعض البشر مفسدون وسفاكون للدماء. عندها أخبرهم العليم الخبير بأنه يعلم ما لا يعلمون (2: 30) ، أي أنه يعلم بأن هناك من البشر ما هم غير ذلك ، وبالتالي فهم أهل لثقته فيهم ليكونوا خلفاء له في أرضه. وللتدليل على ذلك ، اختار آدم ، كممثل للبشرية ، وأحضره أمام الملائكة ، ليساجلهم وليثبت لهم أهليته في ثقة الله به. وتلك القصة هي موضوع الفصل السادس ، "امْتِحَانُ آدَمَ أَمَامَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ ."

والآيات التي لها علاقة بموضوعات الفصول 3 و4 و5 ، مثل آيات القرآن الكريم الأخرى ، مختصرة جداً ، وكل كلمة فيها لها معنىً محدداً في سياق ما ، ولكنها ربما تحتمل معاني مختلفة في سياق آخر. ولذلك ، فإن التفسير الأفضل ينبغي ألاَّ يقتصر على المعاني اللغوية للكلمة فقط ، مثلما كان الحال في تفسيرات المشاهير الثلاثة ، القرطبي والطبري وابن كثير ، وإنما ينبغي أن يشتمل أيضاً على الحقائق العلمية ، خاصة تلك المتعلقة بعلمي الأحياء وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) ، في هذه الحالة ، وهذا هو الأسلوب المتبع في هذا الكتاب ككل. [57]

مَعْنَى اسْتِخْلَافِ الإنْسَانِ فِي الأرْضِ

وقد ذُكرت مشيئة الله ، سبحانه وتعالى ، لاستخلاف الإنسان في الأرض في الآية 30 من سورة البقرة (2) ، التي تقول:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البَقَرَة ، 2: 30).

وتمثل كلمة "خليفة" ، التي وردت في هذه الآية الكريمة ، نقطة البداية في هذا الفصل. وهي اسم مشتق من الفعل خَلَفَ ، أي أعقب أو جاء من بعد. وهي تكريم للإنسان من الخالق ، عز وجل ، بجعله مسؤولاً عن الأرض وعن إعمارها ، كما جاء في الآية 11: 61. والمعنى المباشر للكلمة في هذه الآية أن الله ، سبحانه وتعالى شاء أن يستخلف الإنسان في حكم الأرض ، مطبقاً لشريعته.

اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (هود ، 11: 61).

وبعد وفاة الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، أطلق المسلمون اسم "خليفة" على أبي بكر الصديق ، رضي الله عنه ، الذي "خلفه" كثاني حكام الدولة الإسلامية. ثم استمر المسلمون في استخدام نفس الكلمة في الإشارة إلى حكامهم حتى نهاية الحرب العالمية الأولى ، في بداية القرن الهجري الرابع عشر ، الموافق للقرن العشرين الميلادي ، عندما تمكنت الدول الاستعمارية الغربية من هزيمة الدولة العثمانية ، وهي آخر خلافة إسلامية ناجحة دامت لقرون عديدة. 

وقد ذُكر هذا المعنى لكلمة "خليفة" في تفاسير كبار علماء المسلمين لهذه الآية الكريمة ، ولكنهم أضافوا معاني أخرى ، مثلَ أن الله ، سبحانه وتعالى ، شاء أن يخلف الناسُ بعضهم بعضاً ، قرناً من بعد قرن ، في حكم الأرض ، حتى يرثها الله وما عليها.

فقد فسر السيوطي (في الجلالين) كلمة "خليفة" على أنها تعني آدم ، الذي شاء له الله أن يخلفه في تنفيذ أحكامه في الأرض. وكذلك قال الطبري ، مشيراً لما رواه الصحابيان ، ابن مسعود وابن عباس ، رضي الله عنهما ، : "إنِّي جَاعِل فِي الْأَرْض خَلِيفَة مِنِّي ، يَخْلُفنِي فِي الْحُكْم بَيْن خَلْقِي. وَذَلِكَ الْخَلِيفَة هُوَ آدَم وَمَنْ قَامَ مَقَامه فِي طَاعَة اللَّه ، وَالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ بَيْن خَلْقه." كما حذا القرطبي حذو الطبري قائلاً: "وَالْمَعْنِيُّ بِالْخَلِيفَةِ هُنَا - فِي قَوْل اِبْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس وَجَمِيع أَهْل التَّأْوِيل - آدَم عَلَيْهِ السَّلَام ، وَهُوَ خَلِيفَة اللَّه فِي إِمْضَاء أَحْكَامه وَأَوَامِره ; لِأَنَّهُ أَوَّلُ رَسُول إِلَى الْأَرْض ، كَمَا فِي حَدِيث أَبِي ذَرّ ، قَالَ ، قُلْت : يَا رَسُول اللَّه أَنَبِيًّا كَانَ مُرْسَلًا ؟ قَالَ: "نَعَمْ." ولم يخرج ابن كثير عن ذلك التفسير.

الاستخلافُ تكريمٌ للبشرِ ، ولكنهُ مسؤوليةٌ أيضاً

تمثل مشيئة الله ، سبحانه وتعالى ، باستخلاف البشر في الأرض تكريماً عظيماً لهم ، كما جاء ذكره في الآيتين17: 62 و17: 70.

قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (الإسرَاء ، 17: 62).

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (الإسراء ، 17: 70).

فبالرغم من أن الاستخلاف يمثل تكريماً عظيماً للإنسان ، إلا إنه جاء مقترناً مع مسؤولية عظيمة أيضاً. وقد أثبت كثير من الناس أنهم عند حسن ظن ربهم بهم ، لقرون عديدة ، وفي مراحل التاريخ المختلفة. ومع ذلك ، فإن كثيراً من البشر أيضاً قد فشلوا في تحمل تلك المسؤولية في مناسبات وأوقات عديدة ، وذلك بظلمهم لأنفسهم ولغيرهم ، وبإضرارهم بالأرض التي اؤتمنوا للمحافظة عليها. فعوامل النجاح التي يمتلكها الإنسان يمكن استخدامها للشر ، بدلاً من الخير ، وذلك باتباع الشيطان ، الذي لا يريد للإنسان خيراً.

وتخبرنا الآية الكريمة 72 من سورة الأحزاب (33) بأن أمانة الاستخلاف تمثل حملاً ثقيلاً ، لا تستطيع حتى السماوات والأرض والجبال أن تحمله ، على الرغم من قوتها ، ولكن الإنسان قبل بها ، فظلم نفسه بالمعصية والخطيئة وبجهله بعواقب ذلك.

إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (الأحزاب ، 33:  72).

وهكذا ، فإن ثقة الله ، عز وجل ، في الإنسان ، كما تبدت في مشيئته بجعله خليفة له في الأرض ، كانت مبنية على علمه بأن الإنسان أهلٌ لحمل الأمانة ، وحكم الأرض طبقاً لشريعة خالقه ، على الرغم من مشقتها عليه. فيخبرنا سبحانه وتعالى عن بعض خصائص الإنسان التي أهلته لحمل الأمانة ، مثل قدرته على التعلم ، وحبه للعمارة ، وتمتعه بخاصية الاختيار.

مَقْدِرَةُ الإنْسَانِ عَلَى التَّعَلُّمِ

شاء الله ، سبحانه وتعالى ، أن يختار الأرض من بين أرضين ملكوته الواسع لتكون موطناً لخلق الإنسان عليها أولاً ، ولخلافته فيها بعد ذلك. فالأرض غنية بالطعام والمصادر الطبيعية ، وهي محمية من المؤثرات الكونية الضارة من خلال إحاطتها بطبقات جوية عديدة. كما أن المسافة بين الأرض والشمس مثالية لازدهار الحياة وتقدمها في معظم أقاليم الأرض المناخية ، فأدى ذلك كله إلى توفر البيئة المناسبة للإنسان لكي يثبت مقدرته على التعلم ، وعلى مراكمة المعرفة ، وكيفية استخدامها والاستفادة منها ، وعلى سن الأحكام والقوانين بناء عليها.

ولأنه الرحمن الرحيم ، فإن الخالق ، عز وجل ، لم يترك خلقه وحدهم يعانون في وحدتهم على هذا الكوكب. فكما تدخل من آن إلى آخر لتحسين خلقه في مراحل الخلق المختلفة ، فإنه تدخل أيضاً بإرشادهم إلى كيفية اكتساب المعرفة واستعمالها لفائدتهم. ومثال ذلك في القرآن الكريم أمره لهم بالقراءة ، كما جاء في أول كلمة نطقها الروح جبريل ، عليه السلام ، مخاطباً خاتم رسل الله للبشرية ، عليه الصلاة والسلام. وقد كررها عليه ثلاث مرات ، تأكيداُ لأمر الله للبشر ، بالقراءة كوسيلة لاكتساب المعرفة. وأصبح ذلك الأمر قرآناً مقرراً في الآيات الخمس الأولى من سورة العلق:

اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴿١﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴿٢﴾ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴿٣﴾ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴿٤﴾ عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴿٥﴾ (العلق ، 96: 1-5). 

وهناك العديد من آيات القرآن الكريم التي تحث على العلم واكتساب المعرفة.  وعندما نتأمل معاني بعضها ، مثل 55: 1-4 ، 2: 239 ، و2: 282 ، فإننا نجد أن الله ، سبحانه وتعالى ، يخبرنا بأنه علَّم الإنسان قراءة القرآن وفهم معانيه ، كما علمه ما لم يكن يعلم. وتخبرنا الآية 53: 5 بان جبريل ، عليه السلام كان ، معلماً لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم. [58]

الرَّحْمَـٰنُ ﴿١﴾ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿٢﴾ خَلَقَ الْإِنسَانَ ﴿٣﴾ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤﴾ (الرحمن ، 55: 1-4). 

فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة ، 2: 239).

وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ (البقرة ، 2: 282).

إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿٥﴾ (النجم ، 53: 4-5). 

مَقْدِرَةُ الإنْسَانِ وَحُبِّهِ لِلْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ

وتكريم الله ، سبحانه وتعالى ، للإنسان بجعله خليفته في أرضه ، كان أيضاً لعلمه بمقدرة الإنسان وحبه للبناء وعمارة الأرض. وكان يعلم بقدرة البشر أيضاً على الابتكار والتحسين المستمر لظروفهم ، وصولاً إلى مرحلة الحضارة ، كما عبر عن ذلك ابنُ خلدون ، مستعملاً التعبير القرآني "العمارة" ، والتي تعني البناء والحضارة.  [59]

والآية 30: 9 تدعو الإنسان للتنقيب عن آثار الحضارات السابقة ، للاستفادة مما حدث لها. وبينما يعتبر ذلك أمراً للبشر لدراسة المواقع التاريخية وما قبل التاريخية لتلك الحضارات ، فإنه أيضاً إشارة مباشرة لمهارة الإنسان وحبه للبناء والعمارة على هذه الأرض ، كما تذكر الآية الكريمة:

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا (الروم ، 30: 9).

وتشير الآية 11: 61 إلى خلقِ الإنسان من الأرض ثم استعمارِهِ فيها ، أي في بنائها وتعميرها. أما الآية 9: 18 ، فإنها تشير إلى عمارة المساجد ، بناءً وعبادةً ، كصفة للمؤمنين:

وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا ۚ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ ۖ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا (هود ، 11: 61). 

إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّـهَ (التوبة ، 9: 18).

تَمَتُّعُ الإنْسَانِ بِحُرِّيَّةِ الاخْتِيِارِ 

ولا شك أن قدرة الإنسان ومحبتَه للبناء والتعمير جاءت نتيجة لقدرته على التعلم ، وعلى تمتعه بحرية الاختيار. فقد تفاعلت الصفات الثلاث لتنتج الظاهرة لإنسانية المدهشة ، التي أسعدت الخالق ، عز وجل ، فشاء أن يُكَرِّمَ الإنسانَ بالخلافة في الأرض ، على الرغم من استغراب الملائكة ، لأنه يعلم ما لا يعلمون.

فقد وهب الله ، سبحانه وتعالى ، البشر حرية الاختيار، تمييزاً لهم عن ملائكته الكرام ، حتى يرى شكرَهم لنعمَهِ عليهم ، وحتى يعلمَ الذين يكفرون بتلك النعم. فقد أعطى النفس الإنسانية حرية الاختيار بين النجدين ، أي بين طريقي الخير والشر ، مما ينتج عنه من فجور أو تقوى ، كما تذكر لنا الآيات الكريمة 76: 3 ، 89: 8-10 ، 91: 7-8:

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (الإنسان ، 76: 3). 

أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴿٨﴾ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴿٩﴾ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ ﴿١٠﴾ (البلد ، 89: 8-10). 

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾ (الشمس ، 91: 7-8). [60]

فالله ، سبحانه وتعالى ، أراد أن يرى خلقه يطيعونه وينفذون أوامره باختيارهم ، وبمحض إرادتهم ، لعلمه بالخير الكامنِ فيهم ، الأمر الذي كان يجهله الملائكة. ولذلك ، فعندما أخبرهم بأنه سيجعل الإنسان خليفة له في أرضه ، فإنهم استغربوا لعلمهم بفساد الإنسان وبسفكه للدماء. ولكن الله أجابهم بأنه يعلم ما لا يعلمون ، كما عبرت عنه الآية الكريمة 2: 30. فقد كان يعلم ، سبحانه وتعالى ، بأن بعض أفراد الجنس البشري ربما يختارون الفساد وسفك الدماء ، كما كان يعلم بأن آخرين منهم سيختارون طاعة أوامره ، بمحض إرادتهم ، فيعملون ما هو صالح لهم ولغيرهم وللأرض عموماً. كيف لا وهو الذي نفخ فيهم من روحه ، واهباً إياهم القدرة على الاختيار والفطرة السوية ، كما جاء في الآية الكريمة 15: 29.

فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (الحجر ، 15: 29).

مَسْؤولِيَاتُ الإنْسَانِ كَخَلِيفَةٍ للهِ عَلَى الأرْضِ

كما يتبين لنا من الآيات الكريمة ، فإن خلافة البشر لله على الأرض ترتبط بمسؤوليات ثقيلة تقع على عاتقهم ، ولكنها في حدود استطاعتهم. فإذا ما قاموا بها ، فلهم الجزاءُ الأوفى من خالقهم ، عز وجل ، في الدنيا والآخرة. وإلَّا ، فإنه يستبدلهم بغيرهم في الحياة الدنيا ، ويعاقبهم على معاصيهم في الآخرة.

فأولاَ ، يخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، أن استخلافَه للبشر على الأرض ما هو إلا امتحانٌ لهم ، ليرى هل يشكرونه على نعمه التي أسبغها عليهم ، أم يجحدون ذلك ، كما ذكر لنا في الآيات الكريمة 6: 165 و10: 14 و7: 129.

ثانياً ، الإيمان بالله ورسوله من المسؤوليات الهامة للاستخلاف ، وكذلك الإنفاق في الأوجه التي حددها الله ، والقيام بصالح الأعمال ، كما جاء في الآيات الكريمة 57: 7 و24: 55 و57: 7.

ثالثاً ، اعتراف الإنسان بفضل الله عليه ، فيشكره على الصحة والقوة والاستخلاف في الأرض ، كما جاء في الآية 69: 7.

رابعاً ، من أهم مستلزمات الاستخلاف على الإنسان الحكم بالحق والعدل. ولذلك ، أنذر سبحانه وتعالى الكافرين والظالمين والذين لا ينفقون مما آتاهم بأنه سيستبدلهم بغيرهم ، ممن هم أفضل منهم ، في هذه الدنيا ، كما جاء في الآيتين الكريمتين 6: 133 و11: 57.

خامساً ، بالإضافة إلى الإيمان بالله ، وذكره ، والدعاء إليه عند الحاجة ، وعمل الصالحات ، فإن استخلاف الله للإنسان في الأرض يوجب عليه القيام بالعديد من المسؤوليات ، مثل عدم الإفساد في الأرض ، الحكم بالعدل بين الناس ، وذلك بطاعة أوامر الله ، والاستعانة بالصبر ، والتقوى ، كما جاء في الآيات الكريمة 6: 133 و7: 74 و7: 128 و10: 73 و11: 57 و27: 62 و35: 39 و38: 26 و39: 27. [61]

الْخُلاصَةُ

بوصوله إلى المرحلة الخامسة من الخلق ، أظهر الإنسان مقدرته على التعلم والعمارة والاختيار الحر. ونتيجة لذلك ، شاء الخالق ، عز وجل ، أن يمنحه الثقة باستخلافه في الأرض. لكن هذا التكريم جاء مرتبطاً بمسؤوليات كبيرة ، ذكرتها آيات القرآن الكريم. وقد وعد الله ، سبحانه وتعالى ، الإنسان باستمرار خلافته في الأرض طالما كان طائعاً لأوامره ومتجنباً لنواهيه. وإلا فإنه قد أنذره باستبداله بآخرين في هذه الدنيا ، وبالعقاب في الآخرة.

=======================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الفَصْلُ السادِسُ

***

امْتِحَانُ آدَمَ أَمَامَ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْجَنَّةِ

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  ***

مُقَدِّمَةٌ

تشتمل موضوعات هذا الفصل على قصة آدم ، عليه السلام ، ومشيئة الله ، عز وجل ، بجعله هو والبشرية من بعده خلفاء لله على الأرض ، وعلى امتحانه أمام الملائكة ، وحياته في الجنة ، وخروجه منها. كما أن هذا الفصل هو امتداد للفصول الثلاثة السابقة. فقد تناول الفصل الثالث خلق الله للكون ، بما في ذلك السماوات والأرض ، وذلك باستعراض الآيات المشتملة على حقائق علمية لم تكتشف إلاَّ حديثاً. وبالتالي ، فإن هذه الآيات الكريمة تمثل " الدَلِيلُ العِلْمِيُ عَلَى وِجُودِ اللهِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، وَعَلَى أنَّ القُرْآنَ الْكَرِيمَ هُوَ رِسَالَتُهُ لِلْبَشَرِيَّةِ."

وركز الفصل الرابع على كيفية خلق الله ، سبحانه وتعالى ، للحياة على الأرض ، ثم تركه لها لتتطور ، مع تدخله لتحسين خلقه من مرحلة إلى أخرى. أما الفصل الخامس ، فكان استمراراً لموضوع الخلق والتطور ، ولكنه ركز على استخلاف الله للإنسان على الأرض ، بصفته يمثل قمة مراحل الخلق الخمس ، وبما أظهره من قدرة على التعلم والعمارة والاختيار ، وتحمله للمسؤولية التي ألقاها خالقه ، عز وجل ، على عاتقه.

وعندما شاء الله ، سبحانه وتعالى ، بأن الوقت قد حان للبشر ليكونوا أهلاً لثقته فيهم ، بناء على علمه بقدراتهم ، أعلن لملائكة قدسه بأنه سيجعلهم خلفاء له في حكم أرضه واستعمارها. فتعجب الملائكة وتساءلوا عن الحكمة في ذلك ، لعلمهم بفساد البشر وسفكهم لدماء بعضهم البعض. فأجابهم عالم الغيب والشهادة بأنه "يعلمُ ما لا يعلمون." ثم جاء بآدم ، كممثل للإنسانية ، وامتحنه أمامهم ، فنجح في الامتحان وأثبت لهم أن البشر خليقون بتكريم الله لهم. [62]  

مَنْ هُوَ آدَمُ؟

تخبرنا الآيات التالية بأن آدم ، عليه السلام ، كان أفضل الخلق من البشر. فقد اصطفاه الله ، سبحانه وتعالى ، كممثل للبشرية للامتحان أمام الملائكة ، لعلمه بقدرته على التعلم والعمارة والاختيار ، كما مر في الفصل الخامس.

فأولاً ، تقرر الآية الكريمة 7: 11 بوضوح بأن الله ، سبحانه وتعالى ، قد خلق البشر ثم صورهم على الهيئة التي أراد لهم أن يكونوا عليها ، فقال:

وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ (الأعراف ، 7: 11). 

وقد جاء كلا الفعلين (خَلَقْنَاكُمْ وصَوَّرْنَاكُمْ) بصيغة الجمع ، ليشملا البشر عموماً ، وليعبرا عن المرحلتين الأولى والرابعة من الخلق الأول ، واللتين تم ذكرهما في الفصل الرابع. كما يشير استعمال أداة الربط "ثُمَّ" بين الفعلين إلى مرور فترة طويلة من الزمن بينهما.

وعندما اجتاز آدم الامتحان بنجاح ، أمر الله ، سبحانه وتعالى ، ملائكته بالسجود له ، تكريماً له واعترافاً منهم بأهليته لثقة الله به. فسجدوا جميعاً إلا إبليس الذي عصى أمر ربه.

ثانياً ، تذكر الآية 3: 59 بأن عيسى وآدم ، عليهما السلام ، متشابهان في أنهما خُلقا من تراب الأرض. وبما أننا نعلم يقيناً أن عيسى قد خُلق في رحم أمه ، فإن الآية تشير إلى الخلق الأول للكائنات الحية من طين ، أي من تراب وماء. وعلى ذلك ، فإن الآية الكريمة تخبرنا بأن ذلك ينطبق أيضاً على آدم ، وهو دليل آخر على أن آدم كان أحد البشر ، وليس أولهم.

إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللَّـهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ (آل عمران ، 3: 59).

ثالثاً ، تشير الآية 3: 33 إلى أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد اصطفى ، أي اختار ، آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ، أي على جميع البشر. وهذا يعني أنه اختار آدم ، كأفضل البشر في زمانه ، تماماَ كما اختار الآخرين كأفضل البشر في زمان كل منهم. ولو كان آدم أول الناس ، والوحيد من البشر ، لما كان هناك اختيار بشأنه. وهكذا ، فإن استعمال الفعل "اصطفى" في هذه الآية الكريمة دليل على أن آدم لم يكن أول البشر ، وإنما أفضلهم.  

إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (آل عمران ، 3: 33).

وتشتمل الآية الكريمة 3: 42 أيضاً على نفس الفعل "اصطفى" في الإشارة إلى مريم ، عليها السلام ، التي اختارها الله ، عز وجل ، من بين نساء العالمين ، لتكون أماً لرسوله عيسى ، عليه السلام. وهذا الاستخدام لنفس الفعل يؤكد المعنى المشار إليه آنفاً ، بأن الله قد اختار آدم من بين البشر ، للسجال مع ملائكة المقربين.

وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَىٰ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (آل عمران ، 3: 42).

رابعاً ، تعطي الإشارة إلى الخلود في الآيتين 20: 120 و7: 20 إسناداً للتفسير المذكور أعلاه بأن آدم لم يكن أول البشر. فالآيتان تشيران إلى أنه كان يعلم بان البشر غير مخلدين ، ولم يكن باستطاعته أن يعلم ذلك إلا بعلمه بموت الناس من حوله.

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَىٰ (طٰه ، 20: 120).

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (الاٴعرَاف ، 7: 20).

أخيراً ، تشير الآية 38: 75 إلى تدخل الله المباشر في خلق آدم بيديه (والبشرية عموماً ، في مراحل الخلق الأول) ، في صيغة استفهامية استنكارية ، لتعظيم جرم معصية إبليس لخالقه ، عز وجل ، فتقول:

قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (صاد ، 38: 75).

قِصَّةُ آدَمَ [63]

بدأت قصة آدم عندما شاء الله ، سبحانه وتعالى ، أن يجعل الإنسان خليفة له في حكم أرضه ، كما نقرأ في الآية 2: 30.

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البَقَرَة ، 2: 30).

فلما تعجب الملائكة من ذلك ، أحضر الله ، سبحانه وتعالى ، آدم ليساجلهم ويثبت لهم أهلية البشر لثقة الله بهم. وسألهم الخالق ، عز وجل ، عن أسماء لأشياء لم يعرفونها ، فلم يستطيعوا الإجابة ، واعترفوا بعدم علمهم لها. عندها ، أجاب آدم بما علمه الله ، وأخبرهم بتلك الأسماء ، فأمرهم ربهم أن يسجدوا له ، اعترافاً بتفوقه عليهم في المساجلة ، فسجدوا جميعاً إلاَّ إبليس الذي استكبر وعصى أمر ربه ، كما تخبرنا الآيات 2: 31-34.   

وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَـٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴿٣١

قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴿٣٢

قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ ﴿٣٣

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴿٣٤ (البقرة ، 2: 31-34).

كَيْفَ عَلَّمَ اللهُ آدَمَ؟ 

يخبرنا القرآن الكريم بان الله ، سبحانه وتعالى ، قد علم الإنسان ما لم يكن يعلم (2: 239) ، بما في ذلك القراءة (55: 4) والكتابة (2: 282).

فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة ، 2: 239).

الرَّحْمَـٰنُ ﴿١ عَلَّمَ الْقُرْآنَ ﴿٢ خَلَقَ الْإِنسَانَ ﴿٣ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴿٤ (الرحمن ، 55: 4). 

وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ (البقرة ، 2: 282).

وتخبرنا الآية الكريمة 42: 51 ، أن البشر لا يمكنهم التواصل مع الله إلا من خلال وحيه لعقولهم ، أو من وراء حجاب ، أو بواسطة رُسُلِهِ من الملائكة ، الذين يوحون للبشر بإذن العلي الحكيم ، كما تخبرنا الآيتان 53: 4-5.

وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (الشورى ، 42: 51).

إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿٤﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ﴿٥﴾ (النجم ، 53: 4-5). 

ومن أمثلة كلام الله مع البشر وتواصله معهم ، وحيه للرسل والأنبياء ، سواء في يقظتهم أو في منامهم. وكان رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عندما يتلقى الوحي (18: 27) يقظاً ، يسمع صليلاً كصليل الجرس ، وكان يتصبب عرقاً في اليوم الشديد البرودة ، كما جاء في حديث أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها. [64]

وكان عليه الصلاة والسلام يوحى إليه في منامه أيضاَ (8: 43) ، وكذا كان إبراهيم (37: 102) ويوسف  (12: 4) عليهما السلام. ولا يقتصر الوحي في المنام على الرسل والأنبياء ، وإنما يوحي الرحمن الرحيم لغيرهم من عباده ، ليدلهم على الخير ، كما حدث لملِك مصر الذي حلم بالبقرات السبع (12: 43). وحتى أنه ، جل وعلا ، يوحي لمخلوقاته الأخرى ، كوحيه للنحلة (16: 68). وقد ذكر العديد من المكتشفين والمخترعين أنهم توصلوا لاكتشافاتهم واختراعاتهم المفيدة للبشرية أثناء نومهم. [65]

كما سهل الله ، سبحانه وتعالى ، للإنسان أن يتعلم بأن منحه ما يكفي من النعم ، كالاطمئنان والاستقرار ووفرة المصادر الطبيعية الضرورية لتلبية حاجاته الأساسية. فأدى توفر تلك النعم إلى توجهه لاكتساب المعرفة والتعلم ، من خلال التكيف لظروف البيئات المختلفة التي عاش فيها ، ومن خلال التفاعل بين الجماعات الإنسانية المختلفة ، والله أعلم.

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ، إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ

بعد فوز آدم في مساجلته مع الملائكة ، أمرهم ربهم ، جل وعلا ، بالسجود له ، اعترافاً منهم بفوزه عليهم ، فسجدوا كلهم إلاَّ إبليس الذي أبى مستكبراً. وقد ورد ذلك في تسع آيات من القرآن الكريم ، وهي 2: 34 ، 7: 11 ، 15: 30-32 ، 17: 61 ، 18: 50 ، 20: 116 ، 38: 74 ، 38: 75.

فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ ﴿٣٠﴾ إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ ﴿٣١﴾ (الحجر ، 15: 30-31).

لغوياً ، تظهر الآيات التسع أن إبليس كان ملَكاً ، ولكنه كان الوحيد الذي أبى السجود والطاعة لأمر الله. وتشير الآيات الكريمة 17: 61 ، 38: 75 ، 7: 12 إلى أن السبب الرئيس لعصيانه لأمر ربه كان تكبره. فقد اعتقد أنه أفضل خَلقاً من آدم ، إذ كان خَلقه من النار ، وهي عنده أسمى من الطين التي خُلق منها آدم ، والبشر عامة.

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا (الإسرَاء ، 17: 61). 

 قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ۖ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ (ص ، 38: 75).

قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ (الاٴعرَاف ، 7: 12).

وقد انفردت الآية الكريمة 18: 50 من بين الآيات التسع المشار إليها آنفاً بأن إبليس كان من الجِنِّ ، كما يلي:

وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ۗ (الكهف ، 18: 50).

والمعنى العام لكلمة " الْجِنِّ" الواردة في هذه الآية الكريمة يشير إلى إنها تصف إبليس بأنه ينتمي إلى جنس من المخلوقات يختلف عن الملائكة ، أي إنه كان جنياً. وهذا هو ما ذكره المفسرون الثلاثة ، الطبري والقرطبي وابن كثير ، وتبعهم في ذلك العديد من المفسرين المعاصرين. وجُلُّ هذا الرأي أن الملائكة مخلوقات مجبولة على الطاعة ، بينما الجن لهم الخيار ، كالإنسان ، في الإيمان بالله وطاعته أو الكفر به ومعصيته. وبناء على هذا الرأي ، يمكن القول بأنه لو كان إبليسُ مَلَكاً لما استطاع معصية خالقه ، ولسجد لآدم كبقية الملائكة ، امتثالاً لأمر الله ، سبحانه وتعالى.

ويعتمد هذا التفسير أساساً على المعنى الذي تضمنته الآية الكريمة التي تصف الملائكة الموكلون بالنار بأنهم "غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" (التحريم ، 66: 6). واستدل أصحاب هذا الرأي من ذلك بأن الملائكة لا يقدرون على معصية ربهم. والرد على هذا الرأي هو أن هذه الآية الكريمة تنطبق على الآخرة. أما في الحياة الدنيا ، فيختلف الملائكة عن بعضهم البعض في تصرفاتهم. فمثلاً ، تتضمن الآية الكريمة 21: 29 تحذيراً للملائكة بألَّا يدَّعي أي منهم أنه إله ، وتحذرهم الآية الكريمة 4: 172 ألَّا يستنكفوا عَنْ عِبادةِ اللهِ ، الذي سيقضي بينَهُم بالحقِّ في اليومِ الأخِرِ (الزمر ، 39: 75). كما تشير الآية الكريمة 2: 102 إلى الملكين اللذين نزلا ببابل ، هاروت وماروت ، وكانا يعلِّمان الناس السحر ، وهما يعلَمان أن ذلك كفرٌ وعصيان. [66]  

وقد أورد المفسرون الثلاثة تفسيراً آخر لكلمة "الْجِنِّ" المشار إليها في الآية الكريمة 18: 50 ، وذلك هو تفسير ابن عباس ، رضي الله عنهما ، الذي يتلخص في أن إبليس كان ملَكاً. ويمكن إسناد هذا التفسير بعدة حيثيات ، أهمها ما يلي:

أولاً ، لقد كان من فئة من الملائكة يقال لها الجن. وربما اكتسب هؤلاء هذه التسمية لأنهم كانوا قائمين على خدمة الجنة. ثانياً ، وربما تعود هذه التسمية لقدرتهم على الاختفاء ، وذلك لكون هذه الكلمة من مشتقات الفعل "جَنَّ" المذكور في الآية الكريمة 6: 76 ، والذي يفيد بهذا المعنى. ثالثاً ، أشار القرطبي إلى إن إبليس كان له أربعة أجنحة ، وهذه إحدى صفات الملائكة ، اللذين هم "أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ ۚ " ، كما ذكرت لنا الآية الكريمة 35: 1. رابعاً ، بينما كان خَلْقُ الْجَانِّ "مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ" ، أي من لهب النار ، كما تذكر لنا الآية الكريمة 55: 15 ، كان خلق الملائكة من نور ، كما جاء في الحديث الشريف ، الذي روته أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها. والنور هو من صفات النار ومن نتائجها على أية حال. فنور الشمس ، مثلاً ، ناتج عن نارها الملتهبة. خامساً ، الآيات الكريمة 37: 149-157 تتحدث عن الملائكة ، وتشير لهم بالاسم. وعندما تأتي الآية الكريمة التالية ، 37: 158 ، فإنها تتضمن كلمةَ " الْجِنَّةِ" للإشارة إليهم ، بدلاً من كلمة "الملائكة." وعلى أية حال ، فإن لعنة إبليس وطرده من رحمة الله كانا نتيجة لعصيانه لأمر خالقه ، عز وجل ، وليس لكونه من الجن أو من الملائكة (والله سبحانه وتعالى أعلم). [67]  

عِقَابُ اللهِ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، لِلشَّيْطَانِ إبْلِيسِ

عندما عصى الشيطان إبليس خالقه ، عز وجل ، وأصر على المعصية ، بذكر سببها ، عاقبه ربه بطرده من الجنة ومن رحمته ، كما جاء في الآية الكريمة:

ق قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (الأعراف ، 7: 13).

وفي تفسيره لكلمتي "فاهبط منها" الواردتين في هذه الآية الكريمة ، ذكر القرطبي بأن ذلك يعني الخروج من الجنة الأرضية إلى أجزاء أخرى من الأرض. ويتمشى هذا التفسير مع تفاصيل قصة آدم ، عليه السلام.

وقد سأل الشيطان ، إبليس ، ربه أن يمنحه الفرصة ليثبت له أن البشر لا يستحقون ثقته بهم. فقبل الله ، عز وجل ، التحدي وأخرَّ عقابه حتى نفخة الصور الأولى ، التي ستميت من تبقى من البشر في آخر الزمان ، ولكن ليس إلى يوم بعثهم بعد النفخة الثانية ، كما طلب.  

قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿٧٩﴾ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ ﴿٨٠﴾ إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ ﴿٨١﴾ (ص ، 38: 79-81).

قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا (الإسراء ، 17: 62).

وبعد حصوله على موافقة الله ، عز وجل ، على طلبه بتأجيل عقوبته ، أعلن الشيطان عن خطته الشريرة التي تهدف إلى إبعاد ما يستطيع إبعادهم من البشر عن صراط الله المستقيم ، وذلك بأن يقعد لهم على ذلك الصراط ليصدهم عنه.

قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف ، 7: 16).

وتابع الشيطان اللعين كشف تفاصيل خطته ، قائلاً بانه سيأتيهم من كل اتجاه لصدهم عن سبيل الله ، واعداً بأن محاولاته تلك ستؤدي إلى أن القليل من الناس سيكونون شاكرين لنعم ربهم عليهم.

ثُمَّ لَآتِيَنَّهُم مِّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَن شَمَائِلِهِمْ ۖ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ (الأعراف ، 7: 17).

عندها ، أمر الله ، سبحانه وتعالى ، الشيطان اللعين بالخروج من الجنة ومن رحمته ، متوعداً بالعقاب في جهنم ، له ولمن تبعه من البشر.

قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا (الإسراء ، 17: 63).

وقد حذر الله ، سبحانه وتعالى ، عباده من الأساليب التي سيستعملها الشيطان اللعين لصدهم عن الصراط المستقيم ، والتي تشمل صوته وجنوده الراكبين والراجلين والأموال والأولاد والوعود الكاذبة ، حتى لا يقعوا فريسة لها. ولكنه شاء ، سبحانه وتعالى ، أن الشيطان ليس له سلطان على عباد الله المخلصين ، المشمولين بحمايته لهم ، وذلك في قوله ، سبحانه وتعالى:

وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُمْ ۚ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا (الإسراء ، 17: 64).

 إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ۚ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا۬ (الإسراء ، 17: 65).

تَحْذِيرُ اللهِ لآدمَ

ثم اتجه الله ، سبحانه وتعالى ، بالكلام إلى آدم ، عليه السلام ، ليحذره من أساليب عدوه ، الشيطان الرجيم ، الذي سيعمل على إخراجه هو وزوجته من الجنة ، الأمر الذي سيسبب الشقاء لهما في طلب الرزق (20: 117). وذكره بانه ما دام يعيش في الجنة فإن له ألاَّ يجوع فيها ولا يعرى ، ولا يظمأ ولا يعمل تحت حرارة الشمس (20: 118-119) ، أي أنه سيضطر إلى ذلك كله إذا أخرجه الشيطان منها.

فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ ﴿١١٧﴾

إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَىٰ ﴿١١٨﴾

وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَىٰ ﴿١١٩﴾ (طٰه ، 20: 118-119).

في شرحهم للكلمة الأخيرة من الآية 20: 117 (فتشقى) ، ذكر المفسرون الثلاثة بأنها تعني العمل الشاق لتوفير الحاجات الأساسية ، بالمقارنة مع الحياة المريحة الرغدة في الجنة ، حيث يتوفر الطعام والشراب والكساء والمسكن ، ولا حاجة لكسب الرزق بالعمل الشاق المتعب.

وبعد خروج آدم من الجنة ، أصبح لزاماً عليه أن يكد ويتعب للحصول على رزقه. وقد ذكر الطبري والقرطبي بأنه أخذ يحرث على ثور أحمر ، وزاد القرطبي ، ناقلاً عن سعيد بن جبير ، بأنه أصبح يتعرض لحرارة الشمس أثناء المراحل المختلفة للزراعة ، التي تبدأ بحرث الأرض ، ثم ببذر حبوب القمح ، فالعناية بالمحصول ، وصولاً إلى الحصاد ، بما في ذلك حمل المحصول إلى البيت ، ثم طحن الحبوب لتصبح دقيقاً جاهزاً للخبيز.

وهذا الوصف لحياة آدم ، عليه السلام ، بعد الخروج من الجنة ، إنما ينطبق على صفات المجتمع الزراعي البسيط ، الذي ظهر في غرب آسيا ، خاصة في فلسطين وسوريا والعراق وفي مصر منذ حوالي 15,000- 14,000 سنة ، طبقاً لنتائج أبحاث علماء تاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا). وقد تميز ذلك المجتمع باستئناس الحيوانات واستعمال البذور في الزراعة البسيطة. وقبل ذلك ، كانت الجماعات الإنسانية تتغذى على ما تجده في بيئاتها من النباتات والحيوانات ، وهو ما يعرف بمجتمع الصيد والجمع. ثم تحولت الزراعة البسيطة إلى زراعة كثيفة منذ حوالي 8,000 5,000 سنة ، حيث استحدث الإنسان أنظمة الري وشق القنوات ، وأقام السدود ، واستخدم العربات لنقل المحاصيل ، مما أدى لظهور الحضارات الزراعية على ضفاف الأنهار الكبرى في مصر والعراق ، وباقي أرجاء المعمورة بعد ذلك. [68]

 عَهْدُ اللهِ مَعَ آدَمَ

تفضل الله ، سبحانه وتعالى ، على آدم وزوجه بتمكينهما من الحياة في الجنة ، متمتعَين بنعيمها وطعامها الوفير. وفي المقابل ، كان عليهما الامتثال لأوامره ، التي تهدف إلى إسعادهما ورفاهيتهما. فأخبرهما بأن بإمكانهما أن يأكلا أي طعام فيها ، ما عدا ذلكم الذي من شجرة واحدة. كما أنه حذرهما حتى بعدم الاقتراب منها ، وأنهما إن فعلا ذلك فسيظلمان نفسيهما ، لأنه سيكون سبباً في خروجهما من الجنة. وقد ورد هذا المعنى في الآيتين 2: 35 و7: 19 ، ولكن باختلاف في كلمة "رَغَدًا" التي وردت في الآية 2: 35 فقط ، والتي تشير إلى أن بإمكانهما أن يأكلا ما يشاءان ، بدون قيود ، من رزق الجنة الواسع الهنيء ، ما عدا تلك الشجرة ، التي لم يخبرنا القرآن الكريم عن ماهيتها. ولذلك ، فلا يعرف حقيقتها أحد بالتأكيد ، ولكن المفسرين أشاروا إلى إنها ربما تكون القمح أو العنب أو التين.

وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (البَقَرَة ، 2: 35).

 وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلَا مِنْ حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَـٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (الأعراف ، 7: 19).

نِسْيَانُ آدمَ لِعَهْدِهِ مَعَ اللهِ

تخبرنا الآية 20: 115 بأن آدم قد نسي عهده مع الله ، والذي نص على تمكينه من الاستمتاع بالحياة داخل الجنة ، ما دام لا يأكل من تلك الشجرة ، التي نهاه عن الاقتراب منها. فلم يكن حازماً في رفضه لوسوسة الشيطان له ، ولا عازماً على رفض إغراءاته ، في أنه إذا أكل منها فسوف يصبح مخلداً وصاحب أملاك لا تفنى (20: 120).

وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَىٰ آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (طٰه ، 20: 115).

فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَ (طه ، 20: 120).

ووسوس الشيطان لآدم وزوجه مرة أخرى بأنهما إن أكلا من تلك الشجرة فسيصبحان ملَكين أو خالدَين. والإشارة إلى الخلد في الآيتين 7: 20 و20: 120 تفيد بأن آدم ، عليه السلام ، كان يعرف أنه وغيره من البشر لم يكونوا خالدِين ، ولم يكن له أن يعرف ذلك إلا برؤيته لغيره من البشر وهم يموتون أمامه. ثم زاد الشيطان ضغوطه عليهما ، بانتقاله من الوسوسة إلى القَسَم بالله إنه لهما من الناصحين (7: 21). ونظراً لبراءتهما ، فإنهما صدقاه ، لأنهما لم يتخيلا أن يحلف أحد بالله كذباً.

فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـٰذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ (الأعراف ، 7: 20).

وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ (الأعراف ، 7: 21).

نَقْضُ آدَمَ لِعَهْدِهِ مَعَ اللهِ

نقضَ آدمُ وحواءُ عهدَهما مع ربهما عندما عصياه ، فغويا ، أي ضلا السبيل بعيداً عن حفظ الله ورعايته لهما. وبمجرد أكلهما من تلك الشجرة ، فقدا براءتهما ، فأدركا أنهما كانا عاريين ، فخجلا من عريهما ، وأخذا يغطيان عورتاهما بأوراق شجر الجنة ، كما تخبرنا الآية 20: 121. وهنا ناداهما ربهما ، يُذكِّرهما بتحذيره لهما بألا يأكلا من تلك الشجرة ، وألا يستمعا لوسوسة الشيطان ، عدوهما المبين ، كما تخبرنا الآية 7: 22.

فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ (طه ، 20: 121).

فَدَلَّاهُمَا بِغُرُورٍ ۚ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَنَادَاهُمَا رَبُّهُمَا أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَن تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُل لَّكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُّبِينٌ (الأعراف ، 7: 22).

ثم اتجه الله ، سبحانه وتعالى ، بالخطاب لبني آدم بصفة عامة ، في الآية 7: 26 ، مذكراً إياهم بأن تحليهم بالتقوى خيرٌ من محاولة إخفاء سيئاتهم بعد ارتكابها. وفي ذلك إشارة إلى ما حدث لآدم وحواء ، فلو أنهما لم يعصيا ربهما ، لما كانت لهما حاجة لإخفاء عورتيهما. 

يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّـهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ  (الأعراف ، 7: 26).  

وفي تفسيره للآية الكريمة 7: 26 ، أشار القرطبي إلى المجتمع الزراعي ، فقال بأن الله ، سبحانه وتعالى ، قد أنزل المطر وأوحى لبني آدم بأن يزرعوا القطن والكتان ، لكي يستخدمونهما في صنع الملابس التي تغطي عوراتهم. وأضاف بأن الله ، جل وعلا ، ذكَّر بني آدم ، في هذه الآية ، بأن التقوى هي أفضل اللباس ، أي أن مخافة الله وطاعته وتنفيذ أوامره ، والعمل الصالح والحياء ، أفضل من ارتكاب المعاصي ثم محاولة إخفائها.

الْخُرُوجُ مِنَ الْجَّنَّةِ

ونتيجة لنقض آدم وحواء عهدهما مع ربهما ، عز وجل ، فإنه أمرهما بالخروج من الجنة ، إلى بقاع الأرض الأخرى ، ليعيشا هما ونسلهما من بعدهما ، ويموتون جميعاً فيها ويبعثون منها يوم القيامة. ومنذ تلك اللحظة ، أصبح لزاماً على بني آدم أن يكدوا ويتعبوا في طلب الرزق ، وأن يتنافسوا للحصول على ما يحتاجون إليه من المصادر الطبيعية ، مما أدى إلى العداوة والاقتتال بينهم. وكان عدوهم الشيطان هناك أيضاً بانتظارهم ، ليضلهم عن صراط الله المستقيم ، كما تذكر لنا الآيات الكريمة 2: 36 و2: 38 و7: 24-25 و20: 123.

فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (البَقَرَة ، 2: 36).  

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة ، 2: 38).

قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ (الأعراف ، 7: 24).

 قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ (الأعراف ، 7: 25).

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (طه ، 20: 123).

وفي تفسيره للفعل " اهْبِطُوا " الوارد في الآية 2: 36 ، ذكر الطبري بأنه "يُقَال: هَبَطَ فُلَانٌ أَرْضَ كَذَا وَوَادِي كَذَا ، إِذَا حَلَّ ذَلِكَ." وأضاف في تفسيره لنفس الفعل ، الذي ذكر أيضاً في الآية 2: 61 ، بأن "مَعْنَى الْهُبُوط إلَى الْمَكَان ، إنَّمَا هُوَ النُّزُول إلَيْهِ وَالْحُلُول بِهِ." أما القرطبي فكان واضحاً في تفسيره للآية 2: 36 ، فقال بأن الْهُبُوط هو "النُّزُول مِنْ فَوْق إِلَى أَسْفَل."

وقد لخص ابن كثير تفسيرين للعلماء السابقين له ، الأول عن الهبوط من السماء إلى الأرض ، والثاني عن الهبوط من جنة الله على الأرض إلى بقاع الأرض الأخرى. لكنه كان واضحاً في ميله لصحة وصواب التفسير الثاني. فقال بأن الجنة التي عاش فيها آدم وحواء لا يمكن أن تكون في السماء ، وذلك لأن إبليس قد طرد من السماء وهبط منها بعد عصيانه لأمر ربه (7: 13) ، فلا يمكنه أن يدخلها مرة أخرى ، ليغوي آدم فيها. [69]  

قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (الأعراف ، 7: 13).

ويعزز هذا المؤلف تفسير ابن كثير ، بأن الجنة التي سكنها آدم وحواء كانت على الأرض ، بناء على حجتين. الأولى ، أن هذا التفسير يتفق مع مشيئة الله ، سبحانه وتعالى ، بخلافة الإنسان في الأرض ، والتي أعلن عنها لملائكته ، قبل أن يسكن آدم وحواء الجنة ، كما تخبرنا الآية 2: 30. والثانية تستند على أساس لغوي. فعند البحث عن الفعل هَبَطَ في القرآن الكريم ، نجد بأنه ورد في سبع آيات كريمة ، أربع منها كانت عن قصة آدم (2: 36 ، 2: 38 ، 7: 24 ، 20: 123). وورد في آية خامسة (7: 13) عند الإشارة لخروج إبليس من السماء بعد عصيانه لأمر ربه بالسجود لآدم.

وذُكِرَ فعلُ الهبوطِ في آية سادسة ، وهي 11: 48 ، وذلك في وصف نزول نوح ، عليه السلام ، ومن معه من السفينة بعد الطوفان ، والذي حدث على الأرض ، دون أدنى شك (انظر الآية 11: 44) ، وليس في السماء.

قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ (هود ، 11: 48).

أما الآية السابعة التي ذكر فيها الهبوط (2: 61) ، فكانت عن قصة بني إسرائيل في سيناء ، بعد خروجهم من مصر. فقد مَنَّ الله ، سبحانه وتعالى ، عليهم بطعام من عنده ، يتكون من "الْمَنَّ وَالسَّلْوَىٰ" (طه ، 20: 80) ، في تلك الصحراء القاحلة. وبدلاً من شكره على نعمائه ، فإنهم تذمروا واشتكوا بعدم قدرتهم على الصبر على طعام واحد ، وطلبوا أن يأتيهم بغير ذلك مما اعتادوا عليه في مصر من الخضروات. فرد عليهم ربُّهم قائلاً لهم: "اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ" (البقرة ، 2: 61) ، أي ارجعوا لوادي النيل ، حيث تتوفر تلك الخضروات التي تطالبون بها.

وهكذا ، فإن الفعل "اهْبِطُوا" قد استعمل في هذه الآية الكريمة ليعني ترك مكان عالٍ إلى آخر منخفض عنه ، على سطح الأرض ، حيث أن صحراء شبه جزيرة سيناء هي أعلى من وادي النيل ، في مصر. ويمكن تطبيق معنى هذا الفعل في هذه الآية على معناه في الآيات الكريمة الأخرى ، أي أن الهبوط قد حدث من مكان إلى آخر ، أو من مكان مرتفع إلى آخر منخفض ، هنا على الأرض ، وليس بالضرورة من السماء إلى الأرض. والله ، سبحانه وتعالى ، أعلم.

تَوْبَةُ آدمَ وَمَغْفِرَةُ اللهِ لَهُ

وعندما أدرك آدم وحواء معصيتهما لربهما ، أرادا أن يدعوانه ليغفر لهما ويتوب عليهما ، فأوحى الله لآدم بكلمات الدعاء ، كما ذكرت الآية 2: 36. وعندما توجها له بالدعاء ، الذي ذكر في الآية 7: 23 ، تاب عليهما وغفر لهما ، كيف لا وهو التواب الرحيم.    

فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البَقَرَة ، 2: 37). 

قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (الأعراف ، 7: 23).

ولم يقتصر عفو الكريم على قبول توبتهما فقط ، وإنما زاد على ذلك بهدايتهما إلى الصراط المستقيم ، كما نقرأ في الآية 20: 122 ، واعداً كل من اتبع هداه ألاَّ يضل في هذه الحياة ، ولا يشقى في الآخرة (20: 123) ، وألاَّ يخاف من أهوال الآخرة ولا يحزن على ما فاته من الحياة الدنيا (2: 38).

ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَىٰ (طه ، 20: 122).

قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ (طه ، 20: 123).

قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البَقَرَة ، 2: 38).

وكما أن الله ، سبحانه وتعالى ، يمد رحمته لتشمل التوابين إليه ، فإنه يتوعد الذين يكذبون بآياته بأن مثواهم النار خالدين فيها أبدا ، كما نقرأ في الأية 2: 39.

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَـٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (البَقَرَة ، 2: 39).

الْخُلَاصَةُ

تناول هذا الفصل قصة امتحان آدم ، عليه السلام ، أمام الملائكة ، وخروجه من الجنة ، نتيجة لوقوعه فريسة في مصيدة عدوه إبليس ، لعنه الله. كما تناول بشارة الله ، سبحانه وتعالى ، للمؤمنين الذين يتبعون هداه بأن لهم الجنة ، خالدين فيها.

كما قدم ، مع الفصول الثلاثة السابقة ، إجابات على بعض الأسئلة الجوهرية المتعلقة بأصل الوجود والحياة وظهور الإنسان ، ووصوله إلى مرتبة التكريم العليا ، أي خلافة الله في أرضه.

وعلى الرغم من أن الآيات التي اختيرت كمراجع لموضوعات البحث في هذه الفصول الأربعة قد جاءت من سور مختلفة من القرآن الكريم ، إلاَّ إنها تُظهر ترابطاً لا يمكن أن ينكره أي إنسان ذي بصيرة وعقل منفتح. وعلى الرغم من أن هذه الآيات قد أنزلت على النبي محمد ، صلى الله عليه وسلم ، منذ أكثر من 1400 سنة ، إلا إنها تشير إلى حقائق علمية لم يكتشفها العلماء إلا ابتداء من القرن التاسع عشر. وعلى الأخص ، فإن بإمكان علماء الأحياء وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) أن يجدوا تأييداً ، من هذه الآيات الكريمة ، لاستنتاجاتهم ونظرياتهم حول تطور الكائنات الحية في هذا الكوكب.

وخلاصة القول ، فإن آيات القرآن الكريم لا يمكن أن تكون من قول البشر ، وإنما هي تنزيل من لدن عالم الغيب والشهادة ، خالق الكون ، وواهب الحياة ، رب السماوات والأرض وما بينهما ، الذي يعلم كل شيء عنهن ومن فيهن ، هو الله ، سبحانه وتعالى ، كما سمى نفسه (أنظر الفصل السادس عشر: " اللهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ"). وهو الذي سمى نفسه أيضاً "الرحمن" بخلقه و "الرحيم" بالمؤمنين من بينهم. وهو الذي يريد سعادتهم في الدنيا والآخرة ، ومن أجل ذلك ، شرع لهم من الأحكام ما يسعدهم ويبعد عنهم الشرور والمصائب والأحزان في الحياة الدنيا ، وما سيجزون على اتباعها بالسعادة المطلقة في الحياة الأخرى ، كما ستتم مناقشته في الفصل التاسع من هذا الكتاب "الْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالرُّوحُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ."

===========================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الفَصْلُ السابِعُ

***

عِبَادٌ مُخَيَّرُونَ أَمْ عَبِيْدٌ مُجْبَرُونَ؟

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  ***

مُقَدِّمَةٌ

 هناك الكثير من الترجمات للقرآن الكريم ، من اللغة العربية إلى اللغات المختلفة. فمثلاً ، خلال شهر يوليو من عام 2018 ، كانت هناك سبع عشرة ترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنكليزية في موقع واحد ، هو www.tanzil.info ، بالإضافة إلى ترجمات عديدة للغات الأخرى. ومع ذلك ، فمعظم هذه الترجمات ينقصها الدقة فيما يتعلق بالموضوع البحثي لهذا الفصل.

ومثالٌ على ذلك ، ترجمة الفعل "عَبَدَ " ومشتقاته الواردة في آيات القرآن الكريم ، مثل عِبَادَة وعِبَاد وعَبِيد. فقد ورد في معظم هذه الترجمات المفرد المذكر (عَبْدٌ) ، المشتق من هذا الفعل ، بمعان بعيدة عن معنى العبادة الموجودة فيه. فتمت ترجمته على أنه "عَبْدٌ مملوكٌ" ، باستعمال كلمتين مختلفتين هما (slave” and “bondman”) ، وترجم في الأغلب على أنه "خَادِمٌ" (servant) ، وهذا غير صحيح ، كما ستتم مناقشته في هذا الفصل. ولم ترد الترجمة الصحيحة سوى في اثنتين من الترجمات فقط ، وهما اللتين أقرنتا الترجمة بمعنى العبادة في كلمتين مختلفتين هما: ("worshipper" and "votary").

وقد عبرت ثمان ترجمات عن الفهم الصحيح لكلمة "عِبَادَتِهِ" الواردة في الآية الكريمة 4: 172 ، وهي المرجع القرآني في فهم معنى الفعل "عَبَدَ" ومشتقاته ، خاصة المفرد المذكر "عَبْدٌ" ، الذي هو موضوع البحث الأساس في هذا الفصل ، فتُرجمت بكلمتي (His worship) ، أي عبادة الله ، عز وجل. ولكن المترجمين لم يطبقوا معنى العبادة هذا على ترجمتهم للمفرد المذكر ، أي عَبْد (لمزيد من التفصيل ، أنظر الملاحظة الاستطرادية رقم 1م [70] والجدول رقم 1).

وتنطبق نفس الملاحظة على صفة الجمع المشتقة من هذا الفعل ، وهي كلمة "عِبَاد" ، التي لا ينبغي أن يكون هناك خلافٌ على ترجمتها ، خاصة في الآية الكريمة 4: 172. ومع ذلك ، فقد تُرجمت بتسع ترجمات مختلفة ، أصابت اثنتان منها لاقترانهما بمعنى العبادة ، وهما (“worshippers” and “votaries”). أما الترجمات السبع الأخرى ، التي جانبها الصواب ، لكلمة "عِبَاد" فكانت "خدم ، مماليك ، عبيد (مملوكون وأرقاء) ، مخلوقات ، خُشع (جمع خاشع) ، رجال ، ومخلوقات إنسانية" (لمزيد من التفصيل ، أنظر الملاحظة الاستطرادية رقم [71] والجدول رقم 2).

مثل هذه الترجمات غير الدقيقة لمعاني آيات القرآن الكريم ربما تقود القراء ، وخاصة الذين لا يعرفون العربية منهم ، مسلمين وغير مسلمين ، لأن يعتقدوا بأن القرآن الكريم يشير إلى المسلمين والمؤمنين ، بما في ذلك الرسل ، على أنهم "عبيد" ، وذلك غير صحيح. وحتى بين العرب المسلمين ، هناك من اختلط عليهم هذا الأمر ، أو من لا يلتزمون الدقة فيه. ولذلك ، فإنهم يخلطون بين العباد والعبيد ، وبين العبادة والاستعباد. وربما يؤدي بهم ذلك لتبني الآراء المتطرفة لجماعتي القدرية والجبرية ، اللتين ظهرتا في نهاية القرن الأول الهجري ، قبل 1300 سنة مضت ، واللتين قال أدعياؤهما بأن البشر عبيد مجبرون ، وبالتالي فإنهم لا ينبغي أن يُعتبروا مسؤولين عن أعمالهم. وقد رد علماء المسلمين عليهم عبر القرون ، ودحضوا آراءهم المخالفة لجوهر دين الله ، الذي يقوم على الاختيار في الحياة الدنيا ، كأساس للثواب والعقاب في الآخرة.

ويهدف هذا الفصل إلى البحث في هذا الموضوع من خلال مناقشة معاني آيات القرآن الكريم ذات الصلة. فيبدأ بالمقارنة بين كلمتي "عِبَاد" و "عَبِيد" ، كمقدمة لموضوع أشمل ، وهو التخيير والتسيير ، من أجل الوصول إلى إجابة للسؤال الذي هو عنوان هذا الفصل ، أي ما إذا كان البشر عموماً ، والمؤمنون على وجه الخصوص ، مخيرين في عبادتهم لخالقهم ، وفي أقوالهم وأفعالهم ، أم أنهم مجرد عبيد مجبرون ومسيرون ، ينفذون أمر الله فيهم ، ولا يملكون من أمرهم شيئاً.

وهكذا ، فالمناقشة ههنا ، هي تكملة لموضوع الاستخلاف والاختيار ، الذي بدأت مناقشته في الفصل الخامس ، " الْإنْسَان: خَلِيفَةُ اللهِ عَلَى ألأرْضِ" ، لكنها تنضوي تحت منهج الوسطية ، الذي أشارت إليه الآية الكريمة 2: 143.

وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا  (البقرة ، 2: 143).

وفي تفسيرهما لهذه الآية ، أشار الطبري والقرطبي إلى أن الله ، سبحانه وتعالى ، يُعَلِّمُ المؤمنين بأن يأخذوا الأمور بالاعتدال والتوسط ، بعيداً عن التطرف الذي أصاب من كان قبلهم. فأتباع موسى عليه السلام ، لم يقبلوا تعاليمه لهم بسهولة ، بل إنهم قد سببوا له الأذى (33: 69). أما أتباع عيسى ، عليه السلام ، فكان تطرفهم على النقيض ، بأنهم عظموه ومجدوه إلى درجة أنهم أشركوه مع الله في العبادة ، بل حتى عبدوه من دون الله ، عز وجل (5: 72-73). [72]

وعلى ذلك ، فإن الموقف الإسلامي من قضية التخيير والتسيير هو الموقف الوسطي المعتدل. فبينما لنا الإختيار في الأمور التي بمقدورنا فعلها ، هناك أمور أخرى خارجة عن قدراتنا ، وبالتالي فليس لدينا اختيار حيالها. وهذا يعني أننا مسؤولون أمام بعضنا البعض عن قراراتنا المتعلقة بالأمور الدنيوية التي نستطيع التأثير أو التحكم فيها. كما أننا مسؤولون عنها أمام الخالق ، عز وجل ، في الآخرة. وسيتم استكمال البحث في هذا الموضوع عند مناقشة مسألة "القدر والقضاء" ، في الفصل الأخير من هذا الكتاب.

عِبَادٌ أَمْ عَبِيدٌ؟

هناك حوالي 243 آية في القرآن الكريم تتضمنُ الفعل "عَبَدَ" ومشتقاتَه. وقد تمت الإشارة إلى البشر على أنهم "عبادٌ" ، وغير ذلك من أشكال هذه الصفة ، في 96 منها. وهناك 20 آية تشير إليهم بأنهم "العباد." وفي 4 آيات ، تأتي كلمة "عباد" بصيغة الفاعل. وفي آيتين ، تأتي بصيغة المفعول به. وهناك 7 آيات بصيغة "عبادك" (رفعاً ونصباً وجراً) ، و12 آية بصيغة "عبادنا" ، كلها مجرورة ، ما عدا الآية 45 من سورة ص  (38) ، التي جاءت مرفوعة. كما جاءت في 34 آية بصيغة "عبادَهُ" ، وفي 17 منها بصيغة "عبادي" وفي 11 منها بصيغة "عابدون" أو "عابدين" أو "عابدات."

وكلمة "عباد" هي صفة جمعية لا إشكال ولا لبس في إقرانها بالعبادة بصفة عامة ، من حيث المعنى. أي أن صفة "العباد" إشارة إلى الصالحين من البشر ، الذين اختاروا أن يعبدوا خالقهم ، عز وجل ، الذي أوجد فيهم القدرة على الاختيار ، في المقام الأول. وهناك استثناء لهذا المعنى العام ، يتمثل في عدد قليل جداً من الآيات الكريمة ، التي من المحتمل أن تشير كلمة "عباد" الواردة فيها إلى غير المؤمنين العابدين.  [73]

وينطبق الأمر ذاته أيضاً على الصفة المفردة لكلمة "عباد" ، أي كلمة "عَبْد." فلا إشكال ولا لبس في أنها تشير إلى الفرد الذي يعبد خالقه ، عز وجل ، اختياراً أيضاً ، وكما هو الحال في كلمة "عابد" ، التي وردت مرة واحدة (الكافرون ، 109: 4). لكن هذه الصيغة المفردة ، أي "عَبْد" ، قد أُشكلت على البعض في المعنى ، لكونها مفردة لصفة جمعية أخرى ، وهي "عبيد."

وما كان لمثل هذا الإشكال أن يقع ، لأن كلمة "عَبْد" كصفة مفردة لكلمة "عبيد" لم ترد في القرآن الكريم إلَّا مرتين. ففي الآية 75 من سورة النحل (16) ، ذُكرت كلمة "عَبْد" مقرونة بكلمة "مَمْلوك" ، التي أضيفت لها تأكيداً للمعنى. وقد ذُكرت هنا للإشارة للذين يعبدون الله ، عز وجل ، في الحياة الدنيا. أما في اليوم الآخر ، فإن الناس يُبعثون لا حول لهم ولا قوة ، أي "عبيداً" لمالك يوم الدين ، الواحد القهار ، كما جاء في الآية الكريمة 93 من سورة مريم (19).  

ضَرَبَ اللَّـهُ مَثَلًا عَبْدًا مَّمْلُوكًا لَّا يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ (النحل ، 16: 75). 

إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَـٰنِ عَبْدًا (مريم ، 19: 93). 

والرأي الفصل في هذا الأمر أن الناس عامة ليسوا عبيداً ، بل هم عبادُ الله ، ما داموا يعبدونه ، سواء كانت الإشارة إليهم بصيغة الصفة المفردة أم بصيغة الجمع. ودليل ذلك أن الإشارة للأنبياء والرسل والصالحين كانت دائماً باستخدام كلمة "عَبْد" وصيغها الأخرى ، مثل "عبدنا" و "عبده" و"عبد الله" ، كما جاء في 23 من آي الذكر الحكيم. وكلها تشير إلى معنى العبادة الاختيارية الحرة ، وليس الاستعباد القسري ، أي أن الله ، سبحانه وتعالى ، شاء لنا أن نكون عباداً أحراراً ، لا عبيداً مسلوبي الإرادة. [74]

الدَّلِيلُ الْقَطْعِيُّ عَلَى أنَّ الْخَالِقَ ، عَزَّ وَجَلَّ ، شَاءَ لَنَا أنْ نَكُونَ عِبَادَاً ، لَا عَبِيدَاً

أما الدليل القطعي على أن كلمة "عَبْد" تعني الذي يعبد الله ، فتقدمه لنا الآية الكريمة 172 من سورة النساء (4) ، التي تصف المسيح ، عليه السلام ، بأنه كان عبداً لله ، بمعنى عابداً له ، حيث قرنت صفته كعبد بفعل العبادة. أي أن هذه الآية الكريمة تجيب على السؤال الأساس للبحث في هذا الفصل من الكتاب ، في أننا كبشر لنا الخيار في عبادة الخالق ، عز وجل. وبالتالي ، فإننا نفعل ذلك اختياراً ، لا إجباراً كالعبيد ، أي أننا عبادٌ لله اخترنا عبادته ، ولسنا عبيداً مسلوبي الإرادة. كذلك فإن هذه الآية الكريمة تخبرنا بأن الملائكة المقربين هم أيضاً عبادُ الله المكرمين ، الذين لا يستنكفون عن عبادته ، كما وصفهم في الآية الكريمة 26 من سورة الأنبياء (21).

لنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (النساء ، 4: 172).

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (الأنبياء ، 21: 26).

الآيَاتُ الْخَمْسُ الَّتِي تَصِفُ الظَّالِمِينَ بِأَنَّهُم "عَبِيدٌ"

أما الآيات التي أشارت إلى بعض الناس على أنهم "عبيدٌ" بصيغة الجمع ، فهي خمسُ آياتٍ فقط ، لأن هذه الصفة لا تليق إلا بالذين ظلموا أنفسهم ، برفضهم ما جاء في رسالات الله للبشرية ، واستبدالهم العبادة لخالقهم ، عز وجل ، بعبوديتهم لشهواتهم وتكبرهم وعناد كفرهم. [75]  

الآية الأولى التي تصف الظالمين بأنهم "عبيد" (آل عمران ، 3: 182) ، نزلت في الحاخام اليهودي "فنحاص" ، الذي قال عن الله ، عز وجل ، بأنه فقير. أما الآية الثانية (الأنفال ، 8: 50) ، فقد أشارت إلى الكفار الذين قاتلوا المسلمين في معركة بدر. وأشارت الآية الثالثة (الحج ، 22: 10) إلى أحد كفار قريش ، وهو النَّضْرُ بنُ الحارِث. أما الآية الرابعة (فُصِّلَتْ ، 41: 46) ، فكانت وصفاً لليهود الذين أرهقوا موسى ، عليه السلام. وكانت الآية الخامسة (ق ، 50: 29) وصفاً للذين ضلوا سبيلهم في الحياة الدنيا ، باتباعهم لشهواتهم ، ثم محاولتهم إلقاء اللوم على الشيطان. وفيما يلي تفصيل لهذه الآيات الخمس:

أَوَّلَاً: وَصْفٌ وَرَدٌّ عَلَى الْمُتَكَبِّرِينَ الْمُتَهَكِّمِينَ

لَّقَدْ سَمِعَ اللَّـهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿١٨١﴾  

ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٨٢ (آل عمران ، 3: 181-182).

وكلمة "عبيد" ، في هذه الآية الكريمة ، إشارة إلى الذين تهكموا على القرآن الكريم في الآية التي تحث على الإنفاق في قوله تعالى: "مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّـهَ قَرْضًا حَسَنًا" (البقرة ، 2: 245). ومن هؤلاء الحاخام فنحاص ، الذي قال لأبي بكر ، رضي الله عنه ، بأن الله فقير يحتاج إلى أموالهم ، بينما هم أغنياء لا يحتاجون إليه ، عز وجل. وقد ذكر الطبري والقرطبي وابن كثير بأن هذه الآية الكريمة هي ردٌ من الله ، سبحانه وتعالى ، عليه وعلى أمثاله من هؤلاء المتكبرين ، متوعداً إياهم بعذاب الحريق على ما قالوا وعلى عدم إنفاقهم للمال على الفقراء ، كما أمر الله في رسالاته للبشرية. وانفرد ابن كثير مضيفاً بأن هؤلاء قد وُصفوا بأنهم "عبيد" كتعبير عن التقريع والتوبيخ والتحقير والتصغير لهم.   

ثَانِيَاً: وَصْفٌ لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ قَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ فِي مَعْرَكَةِ بَدْرٍ

وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٥٠

ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٥١ (الأنفال ، 8: 50-51).

وتشير كلمة "عبيد" في هذه الآية الكريمة إلى الكفار الذين قاتلوا المسلمين في معركة بدر ، والذين كان الملائكة يضربونهم على وجوههم وأدبارهم ، كما تخبرنا الآية السابقة لها. وقد ذكر المفسرون الثلاثة بأن هذا الوصف ينطبق على الكفار بصفة عامة. وأضاف الطبري وابن كثير بأنها تصف كفار بدر ، بصفة خاصة أيضاً.

ثَالِثَاً: وَصْفٌ لِلْمُصِرِّينَ عَلَى الْكُفْرِ عِنَادَاً وَتَكَبُّرَاً ، مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ

وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّـهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ ﴿٨ ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ ﴿٩ ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّـهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿١٠ (الحج ، 22: 8-10).

ذكر المفسرون الثلاثة أن الآيات العشر الأولى من سورة الحج نزلت في أحد زعماء الكفار ، وهو النَّضْرُ بنُ الحارِث ، الذي كان يجادل في أمور هو جاهل بها ، ولا بينة لديه من كتاب ، ولا هدى. فقد أنكر يوم البعث ، وبعثة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وأن القرآن هو كلام الله. كما ادعى بأن الملائكة هم بنات الله ، أي أنهم من الإناث. كما أنه كلما كان يُدعى إلى الإسلام ، كان يشيح بعنقه ورأسه إلى الناحية الأخرى ، في تكبر ، محاولاً ألاَّ يسمع. وفوق ذلك كله ، كان دائباً في محاولاته ليُضلَّ الناسَ بعيداً عن صراط الله المستقيم ، ولذلك أخزاه الله ، سبحانه وتعالى ، في الدنيا ، وتوعده وأمثالَه بعذاب الحريق في الآخرة.

وهكذا ، فإن كلمة "عبيد" في الآية العاشرة من سورة الحج إنما هي تعبيرٌ عن الازدراء والاحتقار لكل من يمثلهم النضرُ بنُ الحارثِ ، الذين يليق بهم هذا الوصف ، لأنهم "عبيدٌ" لجهالتهم وتكبرهم ، الذي لا أساس له من علم ولا كتاب منير.

رَابِعَاً: وَصْفٌ لِمَنْ أصَرُّوا عَلَى رَفْضِ التَّوْرَاةِ ، بِدُونِ أنْ يَكُونَ لَدَيْهِمُ أسَاسٌ لِذَلِك

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ ﴿٤٥

مَّنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٤٦ (فصلت ، 41: 45-46). 

وكلمة "عبيد" في هذه الآية الكريمة تشير إلى الذين رفضوا التصديق بأن التوراة كانت كتاب الله ، سبحانه وتعالى ، الذي أرسل به موسى ، عليه السلام ، لبني إسرائيل. ولم يكونوا في ذلك على يقين ، بل إنهم كانوا في شك مريب مما كانوا يقولون. ولذلك ، فإنهم استحقوا هذا الوصف ، أي بأنهم كانوا "عبيداً" لعنادهم وتكبرهم وجهلهم. ولولا أن الله ، سبحانه وتعالى ، شاء تأخير العقوبة إلى يوم الدين ، لعاقبهم في هذه الدنيا على ما تفوهوا به من إساءة إلى رسول الله موسى ، عليه السلام ، بإنكارهم أن التوراة كانت من عند الله.

خَامِسَاً: وَصْفٌ لِلْذِينَ هُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ ، مُلْقِينَ الْلَّوْمَ عَلَى الشَّيْطَانِ وَحْدَهُ

قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ ﴿٢٧ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ ﴿٢٨ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ ﴿٢٩ (ق ، 50: 27-29).

تصف كلمة "عبيد" في هذه الآية الكريمة الذين هم على ضلال ، باتباعهم لرغباتهم وأهوائهم ، بعيداً عن صراط الله المستقيم ، فأصبحوا "عبيداً" لتلك الرغبات والأهواء. وفي يوم الحساب ، الذي لا ريب فيه ، سيختصمون ضد شياطينهم ، مدعين بأنهم أطغَوْهُم ، فيردُّ أقرانُهم من الشياطين بأن ذلك ليس صحيحاً ، وأنهم كانوا في ضلال بعيد ، قبل أن يستمعوا لوسوسة الشياطين. فيقولُ الخالق العظيم لهم بأنه قد توعدهم بالعذاب من قبل وأنهم ذائقوه لا محالة ، وأنهم لا يلومون في ذلك إلاَّ أنفُسَهم ، جزاء وفاقاً على ضلالهم ، نتيجة لعبوديتهم لرغباتهم وأهوائهم.

هَل الإنسانُ مُخَيَّرٌ ، أمْ أنَّهُ مُجْبَرٌ مُسَيَّر؟      

السؤال الجوهري الذي طرحه كثير من الناس عبر القرون ، وما يزال بعضهم يطرحه حتى الآن ، هو: هل الإنسان مُسَيَّرٌ ، مُجْبَرٌ فيما يفعل ، لا حول له في ذلك ولا قوة ، أم أنه حُرٌ ، له الخيار فيما يقول وما يفعل؟ والجواب الصريح الذي لا مواربة فيه ، من وجهة نظر إسلامية عامة ، هو أننا أحرارٌ في خياراتنا ، التي نصبح مسؤولين عنها أمام الناس في هذه الدنيا وأمام الخالق ، عز وجل ، في الآخرة. أما في الأمور الخارجة عن إرادتنا ، فإننا نقبلُ مشيئةَ اللهِ ، بما في ذلك علمَهُ المحيطِ ، السابقِ للأحداثِ واللاحقِ لها ، وتدخلَه لنصرة المؤمنين الذين يدعونه خوفاً وطمعاً ، كما نُسَلِّمُ "بِدِقَةِ قَدَرِهِ وَعَدَالَةِ قَضَائِهِ" ، كما ستتم مناقشته في الفصل الخامس والعشرين من هذا الكتاب.

ذلك ما يخبرنا به الله ، سبحانه وتعالى ، في آيات عديدة من القرآن الكريم. فهذه الحياة الدنيا على الأرض ، ماهي إلا اختبارٌ للبشر. فالفائزون منهم ، سيجزون رضى الله والحياةَ الأبدية في جنة خلده. أما الأخسرين أعمالاً منهم ، الذين يفشلون في الاختبار ، فلهم نارُ جهنم خالدين فيها أيضاً. وهذا يعني أن البشر لهم الخيار في عمل الصالحات من الأعمال أو اقتراف السيئات. ولو لم يكن لهم الخيار في ذلك ، لما حاسبهم الله على أعمالهم ، كيف لا ، وهو الذي يأمر بالعدل والإحسان ، وهو الرحمن الرحيم.

الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْيِيرِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

يقدم لنا القرآن الكريم الدليل الكافي على أن الإنسان مُخَيرٌ ، لا مُسَيَّر ، في هذه الحياة الدنيا ، كما توضح الآيات الكريمة التالية:

أولاً: الله ، سبحانه وتعالى ، يشجع الناس على الاختيار ، خاصة المبادرة بأعمال الخير

هناك آيات عديدة من القرآن الكريم ، تذكر أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، للناس ، وحتى دعواته لهم ، بأن يبادروا بأعمال الخير التي تفيدهم ، وتفيد غيرهم من البشر. وفي ذلك دليل على أنه ، جل وعلا ، يشجع الناس على الاختيار. ومن خلال وعده بالاستجابة للدعاء ، فإنه يشجعهم على سؤاله بأن يسبغ عليهم من نعمه وأن يكشف الضر عنهم. وذلك يعني أيضاً أن هناك خيارٌ أمام الناس بالدعاء إلى خالقهم ، وأن هناك وعدٌ منه لمساعدتهم إن قاموا بذلك. وقد وردت هذه المعاني في آيات كثيرة ، مثل 9: 105 ، 16: 97 ، 40: 60 ، 7: 55 ، 2: 186 ، 27: 62 ، 47: 19 ، 14: 41 ، كما يلي:  

وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّـهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ (التوبة ، 9: 105). 

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ  (النحل ، 16: 97).  

وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ (غافر ، 40: 60). 

ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً (الأعراف ، 7: 55). 

 وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ (البقرة ، 2: 186).  

أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ (النمل ، 27: 62).

 وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ (محمد ، 47: 19). 

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (إبراهيم ، 14: 41).

ثانياً: في يوم القيامة ، ستتم محاسبة الناس حتى على أصغر الأعمال التي قاموا بها ، ولو كان ذلك بمثقال ذرة من خير أو شر ، كما تخبرنا الآيات الكريمة 99: 6-8

يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴿٦ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨ (الزلزلة ، 99: 6-8). 

ثالثاً: البشر قادرون على الاختيار بين الخير والشر

كانت مشيئة الله ، سبحانه وتعالى ، بجعل الإنسان خليفة له في حكم الأرض ، مبنية على علمه بمقدرة البشر على الاختيار بصفة عامة ، وعلى ثقته بقدرتهم على الاختيار بين الخير والشر ، على وجه الخصوص. وهكذا ، فإن البشر لديهم القدرة على الاختيار بين الطاعة والمعصية.

وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، يحب أن يرى نعمته على عباده ، وأن يسمع شكرهم له على ذلك ، وأن يرى طاعتهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه ، عن اختيار محض منهم. فعندما أخبر ملائكة قدسه أنه سيجعل الإنسان خليفة له على الأرض ، تعجبوا من ذلك ، لعلمهم بأن الإنسان مفسد وسفاك للدماء. لكنه ، جل وعلا ، أجابهم قائلاً بأنه يعلم عن ذلك الإنسان ما لم يكونوا هم يعلمون ، كما جاء ذلك في الآية الكريمة 2: 30.

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (البقرة ، 2: 30).

فقد كان ، سبحانه وتعالى ، يعلم بأن بعض البشر هم فعلاً مفسدون في الأرض ولا يترددون في سفك الدماء. لكنه كان يعلم أيضاً أن من البشر من هم غير ذلك ، أولئك الذين يطيعون أوامره عن اختيار ، ويسارعون في عمل الخير لأنفسهم ولغيرهم وللأرض كلها. فقد جبلهم خالقهم على القدرة على الاختيار ما بين طريقي الخير والشر ، أي أن حرية الاختيار هي صفة لهم بالولادة ، وليست بالتعلم ، فهي جزء من صبغتهم الوراثية التي أوجدها الخالق فيهم. ولذلك ، فإنه أثنى على الذين يحافظون على أنفسهم ويبقونها زكية طاهرة ، ووصفهم بالمفلحين الذين سيفوزون بالجنة خالدين فيها أبدا ، وتوعد الذين يفسدونها بالعذاب في يوم الحساب ، كما تخبرنا الآيات الكريمة 76: 3 ، 90: 10 ، 91: 7-10.

إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا (الإنسان ، 76: 3).  

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (البلد ، 90: 10).  

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠ (الشمس ، 91: 7-10).

رابعاً: الأعمال التي يختار الناس القيام بها في الحياة الدنيا تكتب وتسجل ، لتكون أساساً للحساب في اليوم الآخر. آنذاك ، يتسلم الناس من الملائكة نوعين من الكتب المرقومة ، التي تحتوي على السجل الكامل لأعمال كل منهم. النوع الأول هو سِجِّين ، الخاص بالفجار ، الذين اختاروا عصيان ربهم ، وأصروا على إنكارهم ليوم الدين ، فمأواهم جهنم ، في أسفل سافلين. أما النوع الثاني فهو عِلِّيون، الخاص بالأبرار ، الذين اختاروا طاعة أوامر خالقهم ، فقاموا بالأعمال الخيرة في حياتهم الدنيا ، فجزاؤهم عند ربهم حياة خالدة في نعيم الجنة ، كما تذكر لنا الآيات الكريمة 83: 7-9 و 83: 18-20.

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ ﴿٧ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ ﴿٨ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴿٩ (المطففين ، 83: 7- 9).  

كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ ﴿١٨ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ ﴿١٩ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ ﴿٢٠ (المطففين ، 83: 18- 20).  

خامساً: أرسل الله الرسل ليخبروا الناس بأنهم قادرون على فعل الخير

بما أن النفس الإنسانية بمقدورها أن تفرق بين الخير والشر ، فإن الحياة الأولى على الأرض ما هي إلَّا اختبار للناس حول أيهم أحسن عملاً ، كما تخبرنا الآية الكريمة 67: 2. ولذلك ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، أرسل الرسل ليخبروا الناس بأنهم قادرون على ذلك ، وأن عليهم فعل الخير خلال حياتهم. وبناء على أفعالهم في هذه الدنيا ، سيجزون إما الخلود في الجنة ، أو العقاب في النار ، كما نقرأ في الآيتين الكريمتين 17: 15 و 4: 165.

الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (الملك ، 67: 2).  

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا (الإسراء ، 17: 15).

رُسُلا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء ، 4: 165).

الْوَسَطِيَّةُ ، فِي بَيَانِ أوْجُهِ التَّخْيِيرِ وَالتَّسْيِيرِ

البحث والنقاش في العلاقة ما بين التخيير والتسيير ليس جديداً ، فقد بدأ ذلك في السنوات الأولى من صدر الإسلام. والرأي السائد في هذا الموضوع هو أن البشر لهم حرية الاختيار في الأمور التي يقدرون عليها في هذه الحياة الدنيا. فلا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، كما جاء في الآية الكريمة 2: 286.  لكن هناك اتفاقٌ أيضاً على أن الله ، سبحانه وتعالى ، له قدَره وقضاؤه المستقليْن عما يستطيع الناس أن يقوموا به. ويشمل ذلك علمَه المحيط ، أي السابق واللاحق للإحداث (الطلاق ، 65: 12) ، وتدخله إن شاء لمساعدة الذين يسألونه بالدعاء (البقرة ، 2: 186 ، غافر ، 40: 60) ، ولعقاب من يرفضون الإيمان به ، ويسعَوْن في الأرض بالفساد (البقرة ، 2: 205 ، فصلت ، 41: 13).

وبما أن الناس لا يعلمون شيئاً عن قدَر الله وقضائه ، وعما إذا كان سيتدخلُ لهم أو عليهم ، فإن أفضل ما يستطيعون القيام به أن يتبعوا أوامره ويجتنبوا نواهيه. وعندما يفعلون ذلك ، فإنهم يفوزون في امتحانه لهم ، فينعموا بالسعادة في هذه الدنيا ، وينالوا الجائزة الكبرى ، ألا وهي الحياة الأبدية في جنة الخلد ، في الحياة الأخرى.

هذا هو جوهر منهج الوسطية للبحث في موضوع التخيير والتسيير ، وملخصه أن البشر أحرار في خياراتهم ، التي يصبحون مسؤولين عنها ، ولكن المؤمنين من بينهم يرجون من الله ما لا يرجو غيرهم (النساء ، 4: 104). كما أنهم يؤمنون بدقة قدر الله وعدالة قضاْئه ، كما ستتم مناقشته في الفصل الخامس والعشرين من هذا الكتاب. أما بالنسبة للأمور الخارجة عن قدرات البشر ، فلا خيار لهم في ذلك. [76] 

وقد تناول النبي ، عليه الصلاة والسلام ، هذا الموضوع بالشرح ، فقال بالاختيار والمبادرة الإنسانية ، والتي لا تتعارض مع قدَرِ اللهِ وقضائِهِ ، بما في ذلك مشيئتِهِ وعلمِه المحيط. فذات يوم ، سأله أحد الصحابة ، رضوان الله عليه ، عما إذا كان التداوي من الأمراض يتعارضُ مع قدَر اللهِ وقضائِهِ ، فأجابه الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، بالنفي قائلاً: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ" أيضاُ. [77]

وفي حديث آخر ، حث الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، المؤمنين بأن يبادروا بعمل ما ينفعهم ، وأن يكونوا أقوياء في ذلك ، مع استعانتهم بالله. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه ، قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلَا تَعْجَزْ. فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ."  [78]

وقد سأل الصحابي أبو عبيدة بن الجراح أمير المؤمنين عمر ، رضي الله عنهما ، عن موضوع التخيير والتسيير أيضاً ، فأجابه عمر بنفس إجابة رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك عندما أراد الخليفة أن يسافر لبلاد الشام مع مجموعة من الصحابة الكرام. فبعد أن خرجوا من المدينة فعلاً ، علموا بأن وباءً ينتشر هناك ، وهو الذي عرف فيما بعد بطاعون عمواس ، في فلسطين. فقرر عمر العودة للمدينة ، فسأله أبو عبيدة بن الجراح قائلاً: "أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟" فقَالَ لَهُ عُمَرُ: "نَعَمْ ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ ، إِلَى قَدَرِ اللَّهِ."  [79]  

وهناك قول مأثور لعبد القادر الجيلاني (470-561 للهجرة) في هذا الأمر ، حيث قال: " فنازعتُ أقدارَ الحقِ بالحقِ للحقِ، والرجلُ من يكونُ منازعاً للقدرِ ، لا من يكونَ موافقاً للقدر." [80]  

وعلى الرغم من هذا الوضوح عن الاختيار في الآيات الكريمة وشرح الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، وتطبيق عمر ، رضي الله عنه ، إلا أن بعض المسلمين تطرفوا في فهم العلاقة بين قدرة الناس على الاختيار ومشيئة الله المستقلة. فمع نهاية القرن الأول الهجري ، ظهرت فرق من المعتزلة ، التي اختلفت في فهمها لهذه العلاقة عن غالبية علماء المسلمين. فقالت القدرية بالاختيار الإنساني الكامل ، بدون أي "قدر" أو تدخل من الله ، عز وجل ، أي أن الناس يتحكمون في "أقدارهم." وقالت الجبرية بعدم وجود أي خيار إنساني على الإطلاق ، أي أن الناس ليس لهم خيرة فيما يقومون به من أعمال ، بما في ذلك ارتكاب الذنوب والمعاصي. وهكذا ، فإنهم "مجبرون" على تنفيذ إرادة الله ، عز وجل ، بدون أن يكون لهم أي خيرة في ذلك.

والواضح أن الجماعتين قد تطرفتا في فهمهما لهذا الأمر بما يناقض جوهر التعاليم الإسلامية التي نصت عليها آيات القرآن الكريم ، وشرحها الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، وطبقها عمر والصحابة الكرام ، رضي الله عنهم ، والتي تقول بالاختيار الإنساني في الأمور التي هي بمقدور البشر ، والذي تتبعه المسؤولية في هذه الحياة الدنيا ، والثواب والعقاب في الآخرة. وقد تبرَّأ الصحابة المتأخرون من أقوال تلك الجماعات ورد عليها علماء المسلمين ، من أمثال ابن تيمية ، داحضين خروجِها وترهاتِها. [81]

آيَاتٌ عَنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ قَدَرِ اللهِ وَحُرِّيَّةِ الاخْتِيَارِ الإنْسَانِي

يزخر القرآن الكريم بآيات عديدة تشير إلى العلاقة ما بين حريةِ الاختيارِ الإنساني وقدرِ اللهِ وقضائِه. ومجمل القول في هذه العلاقة أن الذين يُظهرون استعدادهم للخير ، فيقومون بصالح الأعمال ، ويسألون الله الهداية ، ويطلبون عونه ، فإنه سيهديهم ، ويعينُهم ، ويجزيهم أحسنَ الجزاء. أما الذين يُظهرون استعدادهم للشر ، فيرتكبون سيئ الأعمال ، ويعتقدون أنهم مستقلون تماماً عن خالقهم ، فلا يسعون للهداية أو للعون منه ، فإنه سيضلهم في هذه الحياة الدنيا ، ويعاقبهم على أعمالهم الشريرة في الآخرة.

والآيات الكريمة التالية توضح لنا ذلك. فتشير الآية 27 من سورة إبراهيم (14) إلى هداية الله للمؤمنين وإضلاله للظالمين ، والآية 34 من سورة غافر (40) إلى إضلال المسرف المرتاب ، والآية 74 من سورة غافر أيضاً (40) إلى إضلال الكافرين ، والآية الأولى من سورة محمد (47)  إلى إضلال أعمال الكفار ، والآية الثانية من سورة محمد (47) إلى إصلاح بال المؤمنين ، والآية 15 من سورة هود (11) إلى الاختيار في الميل للأمور الدنيوية ، والآيتان 28-29 من سورة التكوير (81)  إلى مشيئة الإنسان ومشيئة الله ، والآيات 5-10 من سورة الليل (92) إلى الموقف الإلهي من الاختيار الإنساني في الإنفاق أو البخل ، والآيتان 55-56  من سورة المدثر (74) إلى الموقف الإلهي من الاختيار الإنساني لذكر الله أو عدمه ، والآية 78 من سورة النساء (4) إلى الموقف الإلهي من الأحداث التي تصيب الناس خيراً أم شراً ، والآية 28 من سورة الأعراف (7) إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يأمر بالفحشاء ، وإنما ينهى عن ذلك ، كما ذكر في الآية 90 من سورة النحل (16) ، كما يلي:   

يُثَبِّتُ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّـهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّـهُ مَا يَشَاءُ (إبراهيم ، 14:  27).

كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ (غافر ، 40:  34).

كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّـهُ الْكَافِرِينَ (غافر ، 40:  74). 

الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّـهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (محمد ، 47: 1).

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (محمد ، 47: 2).

مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُون (هود ، 11: 15).  

 لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ  (28) وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (التكوير ، 81: 28-29).

فَأَمَّا مَنْ أَعْطَىٰ وَاتَّقَىٰ ﴿٥ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَىٰ ﴿٦ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَىٰ ﴿٧ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىٰ ﴿٨ وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَىٰ ﴿٩ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَىٰ ﴿١٠ (الليل ، 92: 5-10).

فَمَن شَاءَ ذَكَرَهُ (المدثر ، 74: 55). 

  وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّـهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَىٰ وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (المدثر ، 74: 56). 

وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا (آالنساء ، 4: 78). 

وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّـهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّـهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (الأعراف ، 7: 28).

إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل ، 16: 90). صدق الله العظيم. 

الْخُلاصَةُ

الجواب المباشر للسؤال الذي يتضمنه عنوان هذا الفصل هو أن البشر ليسوا عبيداً مجبرين على الإيمان بخالقهم ، عز وجل ، أو على الكفر به. وعلى العكس من ذلك ، فلهم الخيرة في إيمانهم أو كفرهم ، وفي القرارات والأعمال التي بمقدورهم القيام بها. لكن الاختيار الإنساني ليس مطلقاً ، فهناك أمور خارجة عن قدرات البشر ، فلا خيار لهم في ذلك. وبالتالي ، فإن المحاسبة بينهم في الدنيا وأمام الله في الآخرة ، إنما تكون على تصرفاتهم إزاء ما يستطيعون القيام به ، بمحض إرادتهم وحرية اختيارهم.

فالله ، سبحانه وتعالى ، شاء للبشر أن يكونوا أحراراً في اختياراتهم ، وفي علاقاتهم مع بيئاتهم الطبيعية والاجتماعية ، وفي علاقتهم معه. ولعلمه بأن الكثيرين منهم سيكونون عند حسن ظنه بهم ، فإنه شاء أن يجعلهم خلفاء له في حكم الأرض. وذلك يفسر قبولَه لطلب الشيطان منه بتأجيل عقابه ، حتى يثبت زعمه بأنهم غير جديرين بثقة الله بهم. لكنه وعد بمعاقبة الشيطان والذين يختارون اتِّباعَه من الناس ، فيتسببون بالأذى لأنفسهم ولغيرهم وللأرض التي اؤتمنوا على حكمها.

وكان قبولُ اللهِ ، سبحانه وتعالى ، لطلب إبليس ، بناء على علمه المحيط بأن هناك من الناس من سيعبدونه حباً وطوعاً واختياراً. ولذلك ، فهو يشير أليهم في كتابه العزيز بأنهم "عبادُه" ، الذين سينالون حسنَ الجزاء ، في الحياة الأبدية في جنته. كما حذر الذين يختارون معصيتَه بالعذاب الأليم في نار جهنم.

ولو أن الله ، سبحانه وتعالى ، شاء للبشر أن يكونوا "عبيداً مُجبرين" ، دونما حرية أو اختيار ، لكانوا كذلك. ولو كانت تلك هي مشيئته ، لما كان باستطاعة هؤلاء "العبيد" أن يرتكبوا المعاصي والسيئات. وبالتالي ، ما كانت هناك حاجة لليوم الآخر ، ولا للحساب أو للعقاب.

وبما أن الله ، سبحانه وتعالى ، شاء للبشر أن يكونوا أحراراً في اختياراتهم ، فإن استعبادهم يمثل معصيةً عظيمة لمشيئته ، ورجساً كبيراً ، لأن ذلك يحرمُهم من حرية الاختيار التي وهبها الله لهم. وقد كرَّم اللهُ البشرَ بصفة عامة ، وخاصة المؤمنين منهم ، بالإشارة إليهم على أنهم "عبادُه." ولم تتم الإشارةُ للبشرِ على أنهم "عبيدٌ" ، في القرآن الكريم كله ، إلا في خمس آياتٍ فقط ، كانت جميعاً تصف الذين ظلموا أنفسهم برفضهم لما جاء في رسالات الله التي بعثها للإنسانية. وهكذا ، فهؤلاء هم "عبيدٌ" لتكبرهم وجهلهم وعنادهم وضلالهم.

وحريةُ الاختيارِ التي وهبها اللهُ للإنسانِ هي جزءٌ أساسٌ من امتحانه خلال حياته الدنيا على الأرض. ولذلك ، فلا يتمتع بها في اليوم الآخر ، الذي يُبعث فيه للحساب. ففي ذلك اليوم ، يقف الإنسانُ أمامَ ربِّهِ "عبداً" ، لا اختيارَ ولا قوةَ ولا حيلةَ لَهُ ، كما تخبرنا الآيةُ الكريمةُ (مريم ، 19: 93).

وتطبيقاً لما جاء في آيات القرآن الكريم ، فإن الرسولَ ، عليه الصلاة والسلام ، والصحابةَ الكرامَ ، رضي الله عنهم ، والغالبيةَ العظمى من علماء المسلمين ، قد حثوا الناسَ على العمل بجدٍ واجتهادٍ ، وباتخاذِ المبادراتِ التي تُفيدُهم في أمور دنياهم. أي أن على الناس أن يفعلوا ذلك بدون تردد ، ما داموا يتَّبعون تعاليم الله وأوامره لهم ، وذلك لأن اختياراتَهم هي أيضاً جزءٌ من علم الله المحيط ، وبالتالي من قَدَرِهِ ، جلَّ وعلا.

أخيراً ، فإن مترجمي السبع عشرة ترجمةً للقرآن الكريم ، التي ذكرت في هذا الفصل ، قد بذلوا قصارى جهدهم لتوصيل رسالة الله للبشرية ، من نصها العربي الأصيل إلى قراء اللغة الإنكليزية ، [82] في أنحاء العالم ، جزاهم الله أحسن الثواب على جهودهم في هذا المضمار. لكن من الواضح أنهم جميعاً ، باستثناء قريب الله ودرويش ، لم يكونوا على درجة كافية من الدقة في ترجماتهم ، كما تمت مناقشتَهُ آنفاً.

والحل الأمثل أن تتم ترجمة معاني آيات القرآن الكريم من اللغة العربية إلى اللغات الأخرى ، بما في ذلك اللغة الإنكليزية من خلال لجنة من علماء المسلمين ، التي ينبغي أن تتكون من المترجمين ، وعلماء القرآن والسنة المتمكنين من اللغة العربية ، بالإضافة لعلماء العلوم الطبيعية والاجتماعية. ومثل هذه اللجنة من شأنها أن تقدِّمَ ترجماتٍ تفوقُ بكثيرٍ ، من حيثُ دقتِها ، الترجمات الفردية الحالية ، لأنها تقدم للمترجمين تفسيراً لغوياً وعلمياً لآيات القرآن الكريم.

لقد حان الوقت الذي ينبغي فيه توصيل رسالة الله لآلاف الملايين من البشر على هذه الأرض ، مترجمة بدقة من قبل خبراء متخصصين في مختلف العلوم ، لتحل محل الجهود الفردية للمترجمين الحاليين ، جزاهم الله خيراً عن إسهاماتهم في نشر كلمة الله بين الناس. هذه دعوة من هذا المؤلف لكل مهتم بهذا الأمر للمبادرة بذلك وللإسهام في هذا العمل الجليل.

 ==========================================================================================

   الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الفَصْلُ الثَّامِنُ

***

العَلَاقَةُ مَا بَيْنَ النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي التَّعَاليمِ الإسْلَامِيَّةِ

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

 ***

مُقَدِّمَةٌ

 بدأ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، بخلقِ الحياةِ على الأرضِ ، ثم تركها لتتطورَ ، نتيجةً للتكيفِ مع البيئاتِ المختلفةِ على هذا الكوكبِ ، مع تدخلهِ ، عز وجل ، لتحسينِ مخلوقاتِهِ ، من حينٍ إلى آخر ، يحددُهُ هُوَ. وكان الخلقُ الأولُ بالنسبةِ للإنسانِ في خمسةِ أطوارٍ رئيسةٍ هي بثُّ الحياةِ والتسويةُ والاعتدالُ وتحسينُ الصورةِ ونفخُ الروحِ. ويعادلُ ذلكَ خمسةُ أطوارٍ أخرى من الخلقِ الثاني في الرحمِ ، وهي النطفةُ والعلقةُ والمُضغةُ والعظامُ واللحمُ ، كما تمت مناقشتُهُ في الفصلِ الرابعِ ، خاصةً في الملاحظاتِ الاستطراديةِ 6 و7 و8 منه.

وهذا الفصلُ هو استمرارٌ لما سبقَ من فصولِ هذا الكتابِ ، ولكنْ بتركيزٍ أكثرَ على المرحلةِ الخامسةِ من الخلقِ ، ألا وهي نفخُ اللهِ ، سبحانه وتعالى ، من روحِهِ في الإنسانِ ، مما مكنَهُ من تحمُلِ الأمانةِ التي شرَّفَهُ اللهُ بها ، من خلالِ قدرتِهِ على التفريقِ بين الخيرِ والشرِّ ، وعلى الحريةِ في اتخاذِ القراراتِ بشأنهما.

وعلى ضوءِ ما سبقَ مناقشتُهُ في الفصولِ السابقةِ ، يمكنُ القولٍ بأنَّ كلَّ كائنٍ حيٍ على الأرضِ يتكونُ من جسدٍ ماديٍ وروحٍ ، بالمقارنةِ معَ الأجسامِ غيرِ الحيةِ ، مثلِ الصخورِ ، التي تتكونُ من مادةٍ فقط. وتتواجدُ أرواحُ الكائناتِ الحيةِ في االدماغ ، الذي هو مركز السيطرةِ على باقي أعضاءِ الجسم. ومن ملاحظةِ الوظائفِ الأساسيةِ للدماغ ، يمكن الافتراض بأنَّ للروحٍ ثلاثَ مكوناتٍ أساسية.

يتمثلُ المُكَوِّنُ الأولُ للروحِ في البرمجيةِ الأصليةِ الموروثةِ للحياةِ ، التي بثها البارئُ ، الحيُّ القيومُ ، عزَّ وجلَّ ، في الخليةِ الأولى ، التي تطورت إلى أشكالٍ مختلفةٍ للحياة. وأصبحت هذه البرمجيةُ الأولى مركزاً للقيادةِ والسيطرةِ على أعضاءِ الجسمِ ، حتى تؤدي وظائفَها بشكلٍ تلقائي.

ويتمثلُ المكون الثاني للروح في البرمجية العقلية ، التي تمكن الكائنات الحية من جمع المعلومات المفيدة لها. وبذلك ، فإنها تعتمد على قيام البرمجية الأولى للحياة بأداء وظائفها بشكل طبيعي. وهكذا ، فإن العقل يمثل المعرفة التي يحصل عليها الكائن الحي في حياته كلها ، من خلال الحواس ، وكذلك نتيجة للتحليل الداخلي للمعلومات المكوِّنة لتلك المعرفة.

ويتمثلُ المكون الثالث للروح في البرمجية الأخلاقية ، التي تميز الإنسان عن باقي الكائنات الحية ، كما مر في الفصل الرابع. وهذه البرمجية تمكن الإنسان من تكوين النفس (الشخصية) وتنميتها ، من خلال التفاعل مع الآخرين ، وتحليل المعلومات ، واتخاذ القرارات ، على أساس المعرفة العقلية المكتسبة. ومنذ آلاف السنين ، تم التعرف على نموذجين متضادين للنفس ، وهما النفس الخيِّرة والنفس الشريرة. لكنَّ من المنطقي القول ، بأن هناك درجاتٌ مختلفةٌ من الخير والشر في النفس البشرية ، تقعُ بين هذين النموذجين.

وهكذا ، فإن الإنسان يزيد عن الكائنات الحية الأخرى على الأرض بتكوين النفس ، التي تمثل قمة الوجود الروحي له. فهي مسؤولة ليس فقط عن اتخاذ القرارات بشأن المنفعة فحسب ، وإنما بشأن ما هو أخلاقي أيضاً ، أي ما هو صواب أو خطأ ، في التعامل مع الآخرين. وعلى الرغم من أن النواحي الجسدية لا يمكن فصلها عن النواحي الروحية للوجود الإنساني ، إلَّا إنها تابعة لها ، كما ستتم مناقشته في هذا الفصل.

النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي العِبَادَاتِ المَفْرُوضَةِ

للتعاليم الإسلامية نواحي روحية وجسدية ، وكلاهما ضروري لفهم جوهر رسالة الإسلام في هداية البشرية. فالتركيز على ناحية واحدة منهما فقط يُفقدُ الإنسانُ المسلمُ فهمَ دينِهِ فهماً صحيحاً . فالناحيتان لا يمكنُ فصلُهُمَا عن بعضهما ، سواءٌ كان ذلك فيما يتعلق بالتفاعلات اليومية مع الآخرين ، أو فيما يتعلق بأداء العبادات الخمس المفروضة ، التي لخصها الحديث الشريف في الشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان وحَجِّ البيتِ ، لمن استطاع إليه سبيلا. [83]     

فأولاً ، لا يمكن للمسلمين أن يخفوا حقيقة إيمانهم ، إلَّا إذا كان هناك خطرٌ حقيقيٌ يهدد حياتهم. لذلك ، من الطبيعي أن يعلنوا عن إيمانهم بنطقهم للشهادتين ، الأمر الذي فيه فائدة لهم وللآخرين من حولهم وللمجتمع الذي يعيشون فيه. فالشهادتان إعلان من المسلم بأنه ملتزم بالأحكام التي توجه سلوكه وتصرفاته فيما هو مفيد له ولغيره من البشر.

فالشهادة بأن "لا إله إلَّا الله" هي إقرارٌ بوجود خالق عظيم ، هو الذي أوجدنا على هذه الأرض ، كما أوجد الكون من حولنا ، أي أننا لسنا هنا في هذه الحياة بمحض الصدفة ، وبالتالي فإننا نشكره على ذلك. والشهادة بأن "محمداً رسول الله" ، صلى الله عليه وسلم ، تعني الإيمان والعمل بما جاء في القرآن الكريم الذي تنزل عليه ، وبما ورد عنه في السنة المشرَّفة. وهكذا ، فإن النطق بالشهادتين ليس مجرد تفوه بكلمات ، وإنما هو التزام أيضاً بالمعاني العميقة لهذه الكلمات ، التي تؤثر في مختلف مجالات حياتنا. [84]  

ثانياً ، عندما يقوم المسلم بالوضوء ، استعداداً للصلاة ، فإن عمله ذاك يشتمل على الناحيتين الجسدية والروحية في نفس الوقت. ويستلزم الوضوء أن يقوم الإنسان بغسل اليدين إلى المرفقينِ والمضمضةِ والاستنشاقِ وغسلِ الوجهِ والأذنينِ ومسحِ الشعرِ والقدمين. وهذه الأفعالُ ليست طقوساً لا معنى لها ، وإنما هي تؤدي إلى غاية أسمى ، وهي نظافة الجسم. كما أنها تعبر عن الاحترام والتوقير لله ، سبحانه وتعالى ، بأن يكونَ المسلمُ نظيفاً وصحيحُ الجسمِ عند وقوفه لعبادة خالِقِهِ ، عز وجل ، في كل صلاة. [85]  

والصلواتُ الخمسُ المفروضةُ ، في الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ، هي عبارة عن حركات جسدية تشمل الوقوف والركوع والسجود والجلوس على الأرض. وقد أخذها المسلمون عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الذي قال: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي." [86]

والمتأمل في هذه الحركات الجسدية يجد بأنها تمارين رياضية ، تحدث خمس مرات في اليوم ، لفائدة عضلات الجسم ومفاصله المختلفة ، لتقويته والمحافظة عليه صحيحاً قويماً. فللركوع ، مثلاً ، فوائد كبيرة لعضلات الظهر ومفاصله ، التي يتم تمديدها ، لإراحتها من الضغط الحاصل عليها نتيجة الجلوس أو الوقوف لساعات طويلة. ومن أهم فوائد السجود دفع الدم ، وما يحمله من أكسجين ومواد غذائية ، إلى الدماغ ، بكميات أكبر مما يحصل عليه من دون ذلك. كما أن السجود يساعد على تفريغ الدماغ من الشحنات الكهرومغنطيسية التي يتعرض لها طيلة اليوم ، من الجو ومن مختلف الأدوات الكهربائية والإلكترونية التي نستعملها. أخيراً ، فإن الجلوس على الأرض يساعد على تمدد عضلات الفخذين والأوتار والأربطة المتصلة بها ، وبذلك فإنه يجعلها أكثر ليونة وصحة.

وفي نفسِ الوقتِ ، فإن كلَّ حركةٍ من حركات الصلاة تشمل بُعداً روحياً أيضاً ، يتمثل في التأمل والتفكر في معاني الآيات الكريمة التي تتلى ، وفي كلمات التسبيح والتحميد والتكبير التي تذكر فيها. ولذلك فوائد عظيمة ، خاصة حصول الطمأنينة ، وهي السلام العقلي الداخلي للمصلي. كما أن الصلاة تمثل اتصالاً مستمراً بين المصلِي وخالقه ، عَزَّ وَجَلَّ ، الأمر الذي ينعكس إيجاباً على التصرفات ، ويقوي النفس الإنسانية ، ويسهم في التهذيب المستمر لها ، مما يؤدي إلى فلاحها في الدنيا والآخرة. والصلاة أيضاً فرصة عظيمة للدعاء ، خاصة أثناء السجود ، الذي يكون فيه المصلِّي أقرب ما يكون من ربه ، سبحانه وتعالى ، كما أخبرنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. [87]

ثالثاً ، إيتاءُ الزكاة عبادةٌ مفروضةٌ ، ومقدارُها ربعُ العشرِ في حالة المال. وذلك جزءٌ صغيرٌ من الخير الذي أعطاه الله للمُزكي ، لإنفاقه على الفئات التي حددها القرآن الكريم. وإذا ما نظرنا إلى الفعل المحسوس للعطاء وحده ، فربما لا يمكن فهمه ، لأنه يتناقض مع الطبيعة البشرية التي تحرص على البقاء ، من خلال جمع ما يمكن جمعه من المال ، مما يعين على تأمين ذلك الهدف. ولكنا إذا ما تأملنا في المعاني السامية المرتبطة بفعل العطاء ، كزكاة مفروضة من الخالق ، عز وجل ، يتبين لنا أنه يقدم فوائد جمة للمُزكي ولمتلقي الزكاة وللمجتمع الإنساني بشكل عام.

فإيتاءُ الزكاة ينشرُ المحبةَ والتعاطفَ والرحمةَ بين الناس ، كما أنه تطبيقٌ عمليٌ للتضامن الاجتماعي. وبدونه ، يجدُ الفقراء أنهم قد تُركوا وحدهم ، يعانون من الحرمان ، الأمر الذي يمكن أن يؤجج مشاعر الظلم لديهم ، والتي ربما تؤدي إلى الاضطرابات وعدم الاستقرار في المجتمع. وعلى العكس من ذلك ، فإن الزكاة تمثل تواصلاً اجتماعياً بناء ، يؤدي في النهاية إلى أن يشعر مستحقو الزكاة بأن هناك من يأخذ بأيديهم ويساعدهم ، فتنتشرُ المحبةُ بين الناس ، بدلاً من المشاعر السلبية الضارة بالمجتمع.

والأهم من ذلك ، أن الثروة التي يجمعُها الإنسانُ ليست بالضرورة نتيجةً لجهوده وحدها. فالكثيرُ من الناس يرثون ثروات آبائهم أو أقاربهم بشكلٍ مباشر ، كما أنهم يرثون ثروات أخرى من المجتمع بشكل غير مباشر. ومن أمثلة ذلك ما يُنفق عليهم من أسعار مدعمة وتعليم وصحة وطرق وتسهيلات مصرفية وأمن. فيتمتعون بهذا كله لكونِهم أعضاءٌ في المجتمع ، وربما أكثر من ذلك ، بسبب عضويتهم في شريحة مجتمعية أو أخرى ، كالجنس والعنصر واللغة والموطن الأصلي والجنسية. وعلى ذلك ، ينبغي على الناس أن يدركوا بأن ثرواتَهم ليست نتاجُ أعمالِهم وحدَها. وبالتالي ، فعليهم تنفيذُ أمرِ الله ، سبحانه وتعالى ، بإيتاء الزكاة ، التي وصفتها الآية 24 من سورة المعارج (70) ، بأنها "حَقٌّ مَّعْلُومٌ" في هذه الثروات ، أي ليست مَنَّاً منهم على مستحقيها.

ومن أجمل معاني الزكاة أنها تزكيةٌ للنفس ، وفائدةٌ لها. فمساعدة الفقراء والمحتاجين والإنفاق في أوجه الخير الأخرى إنما هو طهارةٌ لنفس المُزكي ، بمعنى أنه يصبحُ أكثرَ رضىً ، مما يجلبُ له السعادة ، تماماً مثل السعادة التي يشعر بها الناس عندما ينفقون على أطفالهم. [88]

رابعاً ، كتب الله ، سبحانه وتعالى ، على المسلمين الصيامَ طيلةَ شهرِ رمضان ، كما ورد في الآية الكريمة 183 من سورة البقرة (2). وذلك يعني الامتناعَ عن الطعام والشراب والتدخين والجماع ، من الفجر إلى غروب الشمس. وبدون الفهم الصحيح للتعاليم الإسلامية ، فإن الصيامَ يصبحُ عملاً يؤدي إلى الجوع والعطش والتعذيب الجسدي. لكننا إذا نظرنا إليه برؤية علمية إسلامية ، فإننا نجدُ له فوائدَ كثيرة ، ليست للروح فقط ، وإنما للجسد أيضاً. [89]  

فالصيام خيرٌ ، كما ذكرت الآية الكريمة 184 من سورة البقرة (2): "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ." فهو يقوي الجسدَ من خلال التخلص من بعض الدهون المتراكمة طيلة العام. وهذا يعنى أن الناس يمكن أن يُنقصوا من أوزانهم ، إذا ما قاموا بنفس الأنشطة وأكلوا بشكل عادي عند انتهاء الصوم ، بعد المغرب. وقد أصبح معروفاً أن الأطباء ينصحون بإنقاص الوزن ، كوقايةٍ لكثير من الأمراض ، وكعلاجٍ لها أيضاً. كما أن ذلك يُضفي على الجسم صحة وجمالاً. والصيامُ مفيدٌ للجهاز الهضمي ، بما في ذلك المعدةَ والأمعاءَ ، فيريحُهُ من العمل اليومي الذي يستغرقُ ساعاتٍ عديدة ، مما يساعدُ في جعلِهِ أكثرَ صحة ونشاط. وأخيراً ، فإن للصيام إسهامٌ كبيرٌ في صحة الجسد عن طريق التخلصِ من الخلايا الضعيفةِ والضارة ، وذلك بمنعِ وصولِ المغذياتِ لها ، كجزءٍ من حكمةِ إعطاءِ الأولويةِ للخلايا الصحيحةِ أولاً.

أما روحياً ، فإن الصيامَ يؤدي إلى التفكير في الجوع والذين يعانون منه ، في المجتمع الذي يعيشُ فيه الصائمُ ، وفي العالم بصفة عامة. وذلك يفسرُ الكرمَ الملحوظَ للمسلمين في رمضان ، بما في ذلك الجود بالصدقات والقيام بأعمال الخير ، لمساعدة الفقراء والمحتاجين ، وللتعبير عن التعاطف معهم. كما أن الصيامَ تدريبٌ للنفس وتهذيبٌ لها ، لتقويتها على التحكم في الغرائز والرغبات عموماً ، وخاصةً رغبةِ الإكثار من تناول أصناف الطعام. ثم إن النفسَ القويةَ يسهلُ عليها السيطرة على الرغبات الأخرى ، مثل الميل إلى استغلال الآخرين والتحكمِ فيهم ، كما يفعلُ كثيرٌ من الناس في كوكبنا هذه الأيام.

وتعبيراً عن فرحتهم بجني هذه المنافع الروحيةِ والجسديةِ الكبيرة ، فإن المسلمين في جميع أنحاءِ العالمِ يُنهون شهرَ الصيامِ بعيد الفطر ، شكراً لله ، عز وجل ، على فرض هذه العبادة العظيمة. وجرياً على سنة النبي ، عليه الصلاة والسلام ، فإنهم يقومون بصلاة العيد الجماعية التي يشتركُ فيها من هو قادرٌ من الناس ، من رجالٍ ونساءٍ وأطفال ، احتفالاً بهذه المناسبة ، التي تُتَوجُ بوجباتٍ شهيةٍ وزياراتٍ للأقاربِ والأصدقاء.

خامساً ، فرَضَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، "عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" ، كما جاء في الآية الكريمة 97 من سورة آل عمران (3). وتنفيذاُ لهذا الأمر الإلهي ، يحج المسلمون إلى بيت الله الحرام في مكة المكرمة ، مرة واحدة على الأقل في حياتهم ، وذلك لمن استطاع منهم القيام بهذه الرحلة المباركة. وهناك ، يجتمعُ حوالي ثلاثةُ ملايين من الحجاج كلِّ عام ، لأداء شعائرِ الحَجِّ التي أخذوها عن النبي ، عليه الصلاة والسلام. فيتذكرون قصةَ امتحانِ اللهِ ، سبحانه وتعالى ، لنبيهِ إبراهيمَ في ذبحِ ابنهِ إسماعيلَ ، عليهما السلام ، ونجاحِهِمَا في الامتحان ، ومكافأتِهِمَا بذبحِ حيوانٍ بدلاً من ذلك ، ثم مقاومَتِهِما مع هاجرَ ، عليها السلام ، للشيطان الرجيم. وقد أعاد إبراهيمُ وإسماعيلُ ، عليهما السلام ، بناءَ أولَ بيتٍ لعبادة الله على الأرض ، الكعبةِ المشرفةِ ، التي أصبحت محجاً للمسلمين من كل مكان. [90]   

وبصفته العبادةِ الخامسةِ المفروضةِ على المسلمين ، فإن الحجَّ يتضمنُ جوانبَ مادية جسدية وأخرى روحيةٍ معنوية. فهو يتطلبُ الكثيرَ من المشي ما بين المسجد الحرام والمشاعرِ المقدسةِ الأخرى في مكة ، خاصة مِنى وعرفات ومزدلفة ، بالإضافة إلى الطواف حولَ الكعبةِ المشرفةِ ، والسعي بين الصفا والمروة. ولأن الحجَ يتطلبُ القدرةَ البدنيةَ والماليةَ الكافيةَ ، فقد فرَضَهُ الرحمنُ الرحيم على المستطيعينَ فقط.

كما تشملُ شعائرُ الحجِّ ذبحَ الحيواناتِ الأليفةِ بهدف إطعام الناس ، احتفالاً وتذكراً بالأضحيةِ التي أهداها اللهُ ، سبحانه وتعالى ، لإبراهيمَ ، فداءً لإسماعيلَ ، عليهما السلام. فملايينُ الحجاجِ يذبحونَ الأضاحيَ في كلِّ عامٍ أو يدفعونَ أثمانَها للمطوفين ، الذين يشحنون لحومَها إلى المحتاجين في أماكنَ مختلفةٍ من العالم. وهكذا ، فإن ذبحَ الأضاحيَ له فائدةٌ مباشرةٌ للفقراء ، لكنه أيضاً يضفي على الحاجِّ سعادةً غامرةً ، من جراء الشعور بلذة العطاء.

ومن الناحية الروحية ، فإن الكثيرَ من الحجاج العائدينَ من مكةَ يصفون شعوراً عظيماً بالسعادة ، نتيجةً لرحلةِ الحجِّ التي قاموا بها ، والتي تَوجت رحلَتَهم الروحيةِ في هذه الحياة. كما أن إكمالَهم للفريضةِ الخامسةِ يعطيهِم شعوراً بالإنجازِ وبالرضي عما حققوهُ في حياتِهم على هذا الكوكب. ولأن الحجاجَ يأتون من جميع أنحاءِ العالمِ ، فإن الحجَ يساهمُ في نشرِ السعادةِ والسلامِ في أرجاءِ المعمورة.

وبالنسبة للمسلمين المقيمين في ديارِهم أثناءَ فترةِ الحَجِّ ، فإنهم يتواصلونَ روحياً مع الحجاج ، من خلال التأملِ في معانيَ هذه العبادةِ العظيمةِ ، وصيامِ يومِ عرفه ، والاشتراكِ في صلاةِ عيدِ الأضحى. كما أن هذا العيد الكبير يمثلُ مناسبةً لشكرِ اللهِ ، عز وجل ، على نعمهِ التي لا تُحصى ، وخاصةً نعمةَ الأسرةِ والحياةِ المستقرةِ الهانئة. ويتوجُ المسلمونَ عيدَهم بذبحِ الأضاحيَ ، وإعدادِ الوجباتِ الشهيةِ منها ، وتوزيعِ بعضِها على المحتاجينَ والأقاربِ والأصدقاء.

أَمْثِلَةٌ عَلَى العَلاقَةِ مَا بَيْنَ النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي الأنْشِطَةِ والمُعَامَلاتِ اليَومِيَّةِ

يهتدي المسلمون بالقرآنِ الكريمِ والسنةِ المشرَّفةِ في أنشطتِهِم ومعاملاتِهِم اليوميةِ مع الآخرينَ ومع بيئاتِهِم. وفي كلِّ واحدةٍ من التعاليمِ الإسلاميةِ ، لا يمكنُ فصلُ النواحيَ الروحيةِ المعنويةِ عن النواحيَ الجسديةِ المادية. وبدونِ الفهمِ الصحيحِ لهذا الارتباطِ بينَ الناحيتينِ ، ربما يأخذُ بعضُ الناسِ في المغالاةِ في النواحي الجسديةِ الماديةِ ، بدونِ فهمِ الهدفِ منها. وفيما يلي أمثلةٌ من الحياةِ اليوميةِ ، لتبيانِ العلاقةِ بينَ الناحيتين.

تشتملُ الآيةُ الكريمةُ 9 من سورةِ الجُمُعَةِ (62) على أمرٍ إلهيٍ للمؤمنينَ بالذهابِ إلى المساجدِ لأداءِ صلاة الجمعة ، وهو أمرٌ واجبٌ على ذكورِ المسلمينَ ، ولكنهُ ليس ملزماً للنساء.

وقد فصَّلت الأحاديثُ الشريفةُ ما يستحبُّ عمله قبل الحضورِ إلى المسجدِ ، مثلَ الغُسلِ وتنظيفِ الفمِ والأسنانِ وارتداءِ الثيابِ النظيفة وعدم أكلِ الثومِ والبصلِ والكراث.

وأكدت الأحاديثُ الشريفةُ على ضرورةِ الحضورِ المبكرِ إلى المسجدِ ، وعلى آدابِ الاستماعِ إلى الخطبة. كما أمر الرسولُ ، عليه الصلاة والسلام ، المسلمينَ عندَ وقوفِهِم للصلاةِ خلفَ الإمامِ أن يُكْملوا الصفوفَ ويجعلوها مستقيمةً.

ونهت الآياتُ الكريمةُ والأحاديثُ الشريفةُ المسلمينَ عن التكبرِ والتفاخرِ ، في أقوالِهم وأفعالِهم ومعاملاتِهم معَ الآخرينَ ، وفي ملبَسِهِم.

كما أمرت النساءَ المسلماتِ ، عند خروجِهنَّ من بيوتِهنَّ ، أن يلبسنَ ملابسَ محتشمةً ، تغطي أجسادَهُنَّ ، ما عدا الوجهِ والكفينِ. أما في البيوتِ ، فيمكنُهُنَّ أنْ يتخففنَ من الملابسِ أمامَ محارمِهِنَّ مِنَ الأقاربِ. [91]

الحِكْمَةُ مِنْ هِذِهِ الأنْشِطَةِ والأعْمَالِ

والحكمةُ مِنَ الأمرِ الإلهيِّ بصلاةِ الجماعةِ في يومِ الجُمُعَةِ أنَّ اللهَ ، سبحانه وتعالى ، يريدُ للمسلمينَ أنْ يجتمعوا لعبادتِهِ في المسجد ، حيث يستمعون للخطبة ، كدرسٍ أسبوعيٍ يتعلمونَ فيه أمورَ دينِهم ، كما أنهم يتعرفونَ إلى بعضهم ، فيتعاونون على أفعالِ الخيرِ ، مما يفيدُهم كأفرادٍ وجماعاتٍ ومجتمعٍ أيضاً.

وللتأكيدِ على أنَّ الاستماعَ إلى الخطبةِ هو هدفٌ أساسٌ منَ الحضورِ للصلاةِ في المسجدِ يومَ الجمعةِ ، فإنَّ الرسولَ ، عليه الصلاة والسلام ، نهى عن الكلامِ أثناءَ الخطبةِ بأي شكلٍ كان. كما أنه أكدَ على الحضورِ قبلَ بدايتِها ، ذاكراً بأنَّ الثوابَ يقلُّ بتأخيرِ ذلك. [92]

والمتأملُ فيما ذكرَتْهُ الأحاديثُ الشريفةُ عمَّا يُستحَبُّ عملُهُ قبلَ الحضورِ إلى المسجد يومَ الجُمُعَةِ ، يجدُ أنَّ كلَّ هذهِ الأعمالِ تهدُفُ إلى منفعةِ الفردِ والجماعةِ على حدٍ سواء.

فالغُسلُ (الاستحمامُ) نظافةٌ للجسمِ وفائدةٌ له ، بإزالةِ العرقِ والغبارِ ، اللذانِ يسدانِ مساماتِ الخلايا الجلدية. وهو أيضاً ذو فائدةٍ للمصلينَ في المسجدِ ، الذينَ يجلسونَ ويصلُّونَ جنباً إلى جنب. فالغُسلُ يزيلُ رائحةَ العرقِ ، التي تؤذي الآخرينَ. وأهمُّ منْ ذلكَ أنَّ الصلاةَ حديثٌ واتصالٌ معَ الخالقِ ، عز وجل ، ومنَ الطبيعيِّ أنْ يكونَ المُصَلِّي نظيفاً وهو يحدِّثُ خالقَهُ. [93]

وارتداءُ الثيابِ النظيفةِ الطيبةِ الرائحةِ مفيدٌ للفردِ ، إذ يُكسبُهُ شعوراً طيباً بالرضى ، وكذلكَ للمصلينَ الذينَ يجلسونَ بالقربِ منهُ ، والذينَ تُسرُّهُم نظافتُهُ وحسنُ مظهرِهِ. وما يهمُّ هنا هوَ نظافةُ الملابسِ ، لا ألوانُها ، حيثُ وردَ عنْ النبيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، أنهُ ارتدى ملابسَ ذاتَ ألوانٍ مختلفةٍ ، كالأبيض والأحمر والأخضر. كما غطى رأسَهُ بعمائمَ بيضٍ وسودٍ وخضرٍ وصفر. [94]

كذلكَ ، أمرَ الرسولُ ، صلى الله عليه وسلم ، باستعمال المسواك ، لتنظيفِ الفمِ والأسنانِ قبلَ كلِّ صلاة. ولمَّا كانت النظافةُ هيَ الهدف المشود ، فينبغي استعمال أفضل الوسائلِ المتاحةِ لذلك ، في كلِّ زمانٍ ومكان ، كفرشاةِ الأسنانِ ومعجونِ نظافتِها وسوائلِ المضمضةِ المختلفةِ ، المتوفرةِ في زماننا هذا.

ومِثلُ ذلكَ أمرُهُ ، صلى الله عليه وسلم ، بتجنبِ أكلِ الثومِ والبصلِ والكراثِ النيءِ قبلَ الحضورِ إلى المسجدِ ، لما يسببُهُ ذلكَ منْ رائحةٍ كريهةٍ للفمِ ، الأمرُ الذي ربما يؤذي المصلينَ الآخرينَ. وقد أوصى عمرُ ، رضي الله عنه ، بطبخِها جيداً ، حتى يتمَّ التخلصَ منْ رائحتِها. والمرادُ هنا أن يتجنبَ الإنسانُ كلَّ ما يسببُ أذىً للناسَ ، بما في ذلكَ الرائحةَ الكريهةَ ، وليسَ المرادُ تحريمَ أكلِ الثومِ والبصلِ والكراث. [95]

أما بشأنِ تكملةِ الصفوفِ وتسويتِها عندَ القيامِ لتأديةِ صلاةِ الجماعةِ ، فذلكَ يمثلُ استخداماً على درجةٍ عاليةٍ من الكفاءةِ للمكانِ ، وخاصةً في المساجدِ الصغيرةِ المساحةِ ، التي يرتادُها عددٌ كبيرٌ من المصلين. أما في المساجدِ الكبيرةِ ، فتتمثلُ الفائدةُ في أنْ يصبحَ المصلونَ أقربَ إلى الإمامِ ، فيسمعونَهُ بوضوحٍ أكبر. [96]

وقد نهتْ الآياتُ الكريمةُ والأحاديثُ الشريفةُ عن التكبرِ والخًيَلاءِ ، في الأقوالِ والأفعالِ ، وفي الملبسِ أيضاً. فالذينَ كانت ثيابُهم منَ الطولِ بحيثِ تجرُّ على الأرضِ ، كانوا يوصَفون بالتكبرِ والخيلاءِ ، حيثُ أن الفقراءَ كانوا يلبسونَ الثيابَ القصيرةَ ، القليلةَ التكلفة.

كانَ ذلكَ في زمن التنزيلِ ، لكنه تغيرَ في زماننا هذا. فالأسواقُ اليومَ تعجُّ بالأحجامِ والأطوالِ المختلفةِ من السراويلِ والثيابِ ، التي تباعُ كلُّها بنفسِ السعرِ. أي أنَّ طولَ سروالِ الرجل أو قصرِهِ ليس دليلاً على غناهِ أو فقرهِ. وبالتالي ، فإنه ليس دليلاً على الكبْرِ أو الخيلاءِ ، المنهي عنهما. [97]   

وقد ذَكرَ الحديثُ الشريفُ أنَّ لبسَ الحريرِ والذهبِ حرامٌ على الرجالِ وحلالٌ للنساءِ ، بدون ذكرِ السببِ في ذلك. والواضحُ أنهما من ملبوساتِ النساءِ بهدفِ التجمُّلِ ، الأمرُ الذي لا ينبغي للرجالِ أن يفعلوه. والثابتُ أن التجمُّلَ من صفاتِ النساءِ في المجتمعاتِ الإنسانيةِ عموماً ، على مرِّ العصورِ ، ولا يزال. [98]   

وهناكَ أمرٌ إلهيٌ في الآيتينِ الكريمتينِ 24: 31 و33: 59 ، للنساءِ المسلماتِ ، بأن يلبسنَ ملابسَ محتشمةً عندَ خروجِهِنَ من بيوتِهِن ، تغطي أجسادَهُنَ. والهدفُ من ذلكَ هو حمايتُهنَّ من الأذى المحتملِ فيما لو خرجنَ متبرجاتٍ ، مبدينَ من زينتِهن وجمالِهن للآخرين. فالخالقُ ، عز وجل ، يعلمُ ما تنطوي عليه الطبيعةُ الإنسانيةُ ، التي إن تُرِكَتْ بدونِ ضوابطَ فإنها تسببُ الأذى للنساءِ في هذه الحالة. فمن طبيعةِ الرجالِ النظر إلى النساء. فإذا كُنَّ محتشماتٍ في لباسِهِنَّ ، فإنهم عادةً ما يعاملوهُنَّ باحترام. أما إذا كانت المرأةُ متبرجةً في مظهرِها ، فإنَّ ذلكَ يشجعُ بعضَ الرجالِ ، منْ ضِعافِ النفوسِ ، للتحرشِ بها ، وربما يفعلونَ أكثرَ من ذلك. [99]

الخُلاصَةُ

تهدفُ التعاليمُ الإسلاميةُ إلى خيرِ ومنفعةِ البشرِ ، أفراداً وجماعاتٍ ومجتمعات. واتباعُها بشكلٍ صحيحٍ يتطلبُ التفكيرَ في الحكمةِ من تشريعِها. فلكلِّ عملٍ جسديٍ تقرِرُهُ هذه التعاليمُ معانيَ عميقةً وأهدافاً ساميةً مرتبطةً به. وعلى ذلكَ ، فكلُّ ما يقومُ به المسلمونَ منْ أعمالٍ ، متبعينَ أوامرَ اللهِ ، سبحانه وتعالى ، ومتجنبينَ نواهيهِ ، إنما تهدفُ إلى سعادتِهم في هذه الدنيا ، وإلى فوزِهم بالنعيمِ المقيمِ في الآخرة. أي أنَّ النواحيَ الجسديةَ لا يمكنُ فصلُها عن النواحي الروحيةِ في التعاليمِ الإسلامية.

==========================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الفَصْلُ التَاسِعُ

***

الرُّوحُ وَالْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ

***

أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

  ***

مُقَدِّمَةٌ

هناك علاقة وطيدة بين مفاهيم الروح والعقل والنفس والسعادة في القرآن الكريم. ومن أهداف هذا الفصل تبيان بعض المعاني المتعلقة بهذه المفاهيم ، وإيضاح الصلة بينها ، وعلاقتها بالتعاليم الإسلامية بشكل عام.

كلما ذكرت كلمة "الروح" في القرآن الكريم ، فإنها تشير إلى صفة من صفات الله ، عز وجل ، وإلى جبريل ، عليه السلام. وهذه الصفة هي مصدر صفات الروح الإنسانية ، التي تشتمل على مقدرات الحياة (الوجود الإنساني) ، واكتساب المعرفة (العقل) ، والميزان الأخلاقي (النفس) ، كما تم ذكره من قبل. [100] 

وبينما أصبح باستطاعتنا ، كبشر ، أن نفهم العلاقة بين الدماغ الإنساني والعقل الذي يسكنه ، فإننا لا نعرف عن الروح إلا القليل ، كما ذكر لنا ربنا ، سبحانه وتعالى ، في قوله: " وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا" (17: 85). [101]

 وقد استطاع علماء الهندسة الوراثية في زماننا هذا استنساخ الحيوانات ، مما يَسَّرَ على الناس أن يؤمنوا بأن الخالق العليم ، سبحانه وتعالى ، قادر على بعث الجسد الإنساني ، في اليوم الآخر. كما أنه قادر على إعادة الروح الإنسانية لجسدها ، حتى تكون النفس جاهزة للحساب والقضاء.

ودللت الثورة المعلوماتية الحالية على أن بالإمكان الاحتفاظ بالمعلومات في أقراص مضغوطة ومحركات حاسوبية متنقلة وثابتة وفي العديد من الأجهزة الإلكترونية الأخرى ، مثل الهواتف الذكية وآلات التصوير. كما أصبح ممكناً إرسال المعلومات إلى الأقمار الصناعية التي تدور حول كوكبنا ، ثم بثها من هناك لتصل إلى كل بقاع الأرض ، ليتم التقاطها بوسائل مختلفة مثل أجهزة استقبال المعلومات السمعية والبصرية (الراديو والتلفزيون) والهواتف الذكية.

وبالرغم من هذا التقدم العلمي والتقني الكبير ، فإننا لا زلنا غيرَ قادرين على الوصول إلى المعلومات المخزنة في الدماغ الإنساني ، ولا على نقل معلومات منه ، ولا إليه. لكن ذلك يسير على الخالق ، عز وجل ، الذي يرسل الملائكة المكلفين عند الموت ، ليقبضوا أرواح الناس ، المشتملة على الحياة والعقل والنفس ، بأخذها من الدماغ ، ليتم الاحتفاظ بها في البرزخ ، حتى يأتي يوم البعث الموعود ، الذي تعود فيه الأرواح إلى أجسادها ، كما أخبرنا ربنا ، سبحانه وتعالى ، في قوله: " وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ" (81: 7). [102]

عَلَاقَةُ السَّعَادَةِ بِالإيمَانِ وَالشَّقَاءُ بِالكُفْرِ

المؤمنون سعداء في هذه الدنيا لإيمانهم بالله واليوم الآخر ، الأمر الذي يشجعهم على القيام بأعمال الخير ، والتحلي بالصبر ، والتسليم بقدر الله وقضائه. وهذه هي الحياة الطيبة ، التي ذكرت في قوله ، تبارك وتعالى: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل ، 16: 97).

كما أن المؤمنين سيتمتعون بالسعادة الأبدية في الجنة التي وعدهم بها ربهم ، الذي بشرهم بذلك في قوله: "وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" (هود ، 11: 108).

أما الذين يكفرون بالله وبيوم الحساب ، فلا رادع لهم عن قيامهم بأعمال الشر والخبائث. ولذلك ، فإن عقابهم الشقاء والحرمان من السعادة في هذه الدنيا ، ونار جهنم في الآخرة ، كما تخبرنا الآيات الكريمة 3: 56 و20: 124-127 و11: 105-107.

فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ (آل عمران ، 3: 56). 

وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ﴿١٢٤﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَىٰ وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿١٢٥﴾ قَالَ كَذَٰلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَٰلِكَ الْيَوْمَ تُنسَىٰ ﴿١٢٦﴾ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ ﴿١٢٧ (طه ، 20: 124-127).  

يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ﴿١٠٥ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ ﴿١٠٦ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ ﴿١٠٧ (هود ، 11: 105-107).

ولو فكرنا في ما تهدف إليه أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، لوجدناها جميعاً تهدف لخير الناس وسعادتهم في هذه الدنيا ، قبل الآخرة. فأعمال الخير كافة والعبادات المفروضة ، كالصلاة والزكاة والصيام ، لها فوائد جمة تعود أولاً على المؤمن المتعبد ، ثم على أسرته ومجتمعه أيضاً ، كما سيتم تفصيله في الجزء الثاني من هذا الكتاب.

ولو تفحصنا نواهي الله ، سبحانه وتعالى ، لوجدنا أنها تهدف لتجنيب العباد الوقوع في المعاصي ، التي تؤدي إلى الشقاء والمعاناة والآلام ، في هذه الدنيا ، قبل الآخرة. ومن أمثلة ذلك أنه قد أمر عباده بالإنفاق في أوجه الخير وبالقيام بالأعمال الصالحة وإتقانها ، ونهاهم بألا يلقوا بأيديهم إلى التهلكة ، وذلك في قوله: "وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ۛ وَأَحْسِنُوا ۛ إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (البقرة ، 2: 195).

فعندما ينفق الأغنياء على الفقراء والموسرون على المعسرين ، ابتداء بالأقربين منهم ، فإنهم ينشرون الحب والتكاتف والتعاطف بين الأقارب والجيران وأفراد المجتمع بصفة عامة. ولا يتوقف الشعور بالسعادة على المستفيد فقط ، وإنما يغمر المانحَ شعورٌ أكبر بالسعادة ، لقدرته على العطاء والمنفعة للآخرين ، ولِما يتلقاه من إحساس بالحب والشكر والامتنان من المستفيدين من إنفاقه.

والإحسان هو " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ" ، كما علَّمنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. ومن ضمن ذلك: القيام بالأعمال الخيرة مع إتقانها ، وقول الكلام الطيب ، والابتسامة في وجه أخيك ، والنصيحة ، والتطوع في مساعدة المحتاجين ، والمعاملة الطيبة. وعندما يسود ذلك بين الناس ، ينتشر الأمن والأمان والمحبة والسعادة بينهم. [103]

كذلك ينهانا ربنا عن القيام بالأعمال التي تؤدي إلى هلاكنا بأيدينا ، لأنه الرحمن الرحيم ، الذي لا يريد لنا إلا السعادة في هذه الدنيا ، قبل الآخرة. ومن أمثلة ما يفعله بعض الناس إهلاكاً لأنفسهم بأيديهم قيامهم بالتدخين وشرب الخمر ولعب القمار(الميسر) ، وممارسة الزنا والقبول به. وتؤدي هذه الأفعال إلى الشقاء والمعاناة والآلام والأمراض المميتة في أحيان كثيرة. وبالتالي ، فإنها تحرم مرتكبيها من السعادة التي كان بإمكانهم أن ينعموا بها لو أنهم أطاعوا ربهم بابتعادهم عنها ، وعملوا بما جاءهم من النصح والإرشاد الذي تضمنه قول الله ، سبحانه وتعالى: 

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (المائدة ، 5: 90).

وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ ۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (الإسراء ، 17: 32).

ففي الولايات المتحدة وحدها ، على سبيل المثال ، يموت حوالي 480,000 إنسان سنوياً نتيجة للتدخين ، وحوالي 88,000 آخرين نتيجة لتعاطي المشروبات الكحولية (الخمور) ، ناهيك عن الآلام التي يسببها المدمنون لأنفسهم ولأفراد عائلاتهم ، نتيجة لتصرفاتهم أثناء سكرهم ، من قسوة وسوء تصرف واعتداءات جسدية وجنسية. وفي الحالتين ، فإن مرضى التدخين والمشروبات الكحولية يشكلون العبء الأكبر على نظام العناية الصحية ، الذي يكلف المجتمع الأميركي مئات المليارات من الدولارات سنوياً. وبالنسبة للعب القمار والإدمان عليه ، فإنه مدمر للنفس ومقدراتها ، وخسارة للوقت والطاقة والإنتاج ، أي أنه ضار للفرد والأسرة والمجتمع ، على حدٍ سواء. [104] 

أما انتشار الزنا ، أي العلاقات الجنسية قبل الزواج وخارجه ، والقبول بذلك اجتماعياً ، فقد عاد على الفرد والأسرة والمجتمع بمصائب كبيرة وأنواع عديدة من المعاناة والآلام. ومن بين ذلك أن الخيانة الزوجية هي السبب الرئيس للطلاق ، الذي أصبح مصير نصف عدد الزيجات ، في الولايات المتحدة سنوياً. ويتبع ذلك التفكك الأسري ، وحرمان الأطفال من العيش مع أحد الأبوين ، مما ينتج عنه من مشاكل نفسية وسلوكية لهم في المدارس وفي المجتمع بشكل عام ، بعد ذلك. كما أدى القبول بالعلاقات الجنسية قبل الزواج ، إلى نسبة عالية من حمل المراهِقات ، الذي يؤدي إلى الإجهاض أو إلى الفقر في حالة استمراره حتى الولادة ، وذلك لآن المراهِقة الحامل تترك الدراسة في معظم الأحوال ، وتضطر للعمل بأجور زهيدة لتنفق على نفسها وطفلها ، مما يؤدي بهما إلى الفقر. أخيراً ، فإن العلاقات الجنسية المتعددة قبل الزواج وخارجه تؤدي إلى انتشار الأمراض الجنسية المختلفة ، التي يؤدي بعضُها إلى العُقم أو إلى الموت ، وتؤدي كلُّها إلى المعاناة والآلام للفرد والأسرة ، وإلى الخسارة للمجتمع. [105]

وهكذا ، فإن طاعة الله بالعمل بما أمر به عباده يؤدي إلى استمتاعهم بالحياة الطيبة ، أي بالسعادة. وأما معصيته ، عز وجل ، فإنها تؤدي إلى الشقاء والمعاناة والآلام. وتذكر الآية الكريمة التالية بعض أعمال البر والتقوى ، التي تجلب السعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة: 

لَيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة ، 2: 177).

السِّجِلَّاتُ السَّمْعِيَّةُ وَالْبَصًرِيَّةُ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ

عندما يقف الناس أمام ربهم في يوم الحساب ، فإنهم يتسلمون كتبهم التي كتبها الملائكة لهم ، والتي تحصي أقوالهم وأفعالهم في الدنيا ، صغيرها وكبيرها ، كما تخبرنا الآيات الكريمة التالية: 

إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ  (الطارق ، 86: 4).

فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨  (الزلزلة ، 99: 7-8).

فيومئذ يفرح المؤمنون لرؤيتهم لأعمال الخير التي قاموا بها ، مسجلة لهم. وكذلك ، فإن المجرمين سيجدون أعمالهم السيئة كلها مسجلة لهم في كتبهم ، فيندمون عليها عندما لا ينفع الندم ، كما تخبرنا الآيتان الكريمتان التاليتان:

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا ۗ (آل عمران ، 3: 30).

وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا  (الكهف ، 18: 49). 

فإذا أنكر المجرمون ما فعلوه ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، يُشهد عليهم أيديَهم وأرجلَهم وسمعَهم وأبصارَهم وجلودَهم ، كما تخبرنا الآيتان الكريمتان التاليتان: 

الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (يس ، 36: 65).

حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢٠﴾ (فصلت ، 41: 20).

وربما كان من العسير على الناس ، في القرون الماضية ، أن يتصوروا كيف يمكن تسجيل أصوات الناس وصورهم ، وحفظها في كتاب يقدَّم لهم عند الحساب. لكن ذلك أصبح من الأمور العادية ابتداء من القرن الماضي ، الذي بدأ فيه البث الإذاعي والمرئي (التلفزيوني). فقد أصبح تسجيل أقوالِ الناسِ وأفعالِهم ، بالصوت والصورة ، وبث ذلك ، من صميم عمل أجهزة الإعلام ، على مدار الساعة. كما أصبح متاحاً للشخص العادي أن يفعل ذلك باستخدام الأجهزة المختلفة ، مثل آلات التصوير والأقراص المضغوطة والحاسوب والهواتف الذكية. فإذا كان باستطاعة البشر القيام بذلك الآن ، فمن المسلم به أن يكون ذلك يسيراً على الخالق ، عز وجل ، فيتيح لخلقه رؤية سجلاتهم المكتوبة والمسموعة والمرئية في يوم الحساب ، الذي لا يَظلم الله فيه أحدا.

كما أن الموجات الكهرومغناطيسية الناتجة عن أقوال الناس وأفعالهم وأحداث هذه الدنيا ، صغيرها وكبيرها ، ستبقى موجودة في الفضاء إلى أن يشاء الله. وسيكون بالإمكان التقاطها ، كأدلة على ما حدث في الحياة الدنيا. وبالتالي ، فهي سجلات دائمة لأقوال الناس وأفعالهم. والدليل على هذه الحقيقة العلمية أننا عندما نرى النجوم في موقع معين في السماء ، فإن ذلك لا يعني أنها لا زالت في ذلك الموقع. فقد تركت مواقعها منذ زمن طويل ، لكنَّ بُعد المسافة بيننا وبينها هو الذي أتاح لنا رؤيتها في تلك المواقع الآن. وذلك يعني أن الله ، سبحانه وتعالى ، قادر على أن يرينا أفعالنا وأن يسمعنا أقوالنا ، التي يمكن التقاطها من مواقع معينة في كونه الفسيح. وقد ذكر لنا الخالق ، عز وجل ، هذه الحقيقة العلمية ، عندما أقسم بمواقع النجوم ، في الآيتين الكريمتين التاليتين: [106]

فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴿٧٥﴾ وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴿٧٦﴾ (الواقعة ، 56: 75-76).

وهكذا ، فالملائكة الكرام يسجلون أقوال الناس وأفعالهم ، مهما صغرت. ثم إن تلك السجلات ستستقر للحفظ في موقع معين ، بعد الموت ، كما تخبرنا الآية الكريمة 6: 67. وفي اليوم الآخر ، تتزاوج الأرواح ، بما في ذلك النفوس ، مع أجسادها ، أي تعود إليها ، كما تخبرنا الآية الكريمة 81: 7. ثم يتسلم الناس سجلاتهم ، توطئة للحساب.

لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام ، 6: 67).

وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ (التكوير ، 81: 7). 

وتؤكد لنا الآية الكريمة 6: 67 أننا سنعلم عن إمكانية حدوث ذلك يوماً ما. وهذا ما تحقق في زماننا ، حيث أصبح بإمكاننا تسجيل أنبائنا وأحداثنا ، بما في ذلك أقوالنا وأفعالنا ، بالصوت والصورة. كما أصبحنا قادرين على حفظ تلك السجلات في مستقرات متعددة ، والاطلاع عليها في أي وقت نشاء. كما أصبح بإمكاننا بث الأنباء إلى الفضاء الخارجي وإعادة استقبالها باستخدام الأجهزة الإلكترونية المختلفة.

الحِسَابُ عَلَى أَسَاسِ الطَّاعَةِ لأوَامِرِ اللهِ أو مَعْصِيَتِهَا

لو تُرك للناس أن يعرِّفوا ما هو الخير وما هو الشر ، فلن يتفقوا على تعريفهما أبداً. لذلك ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، قد أنزل تعاليمه للبشر ، من خلال رسالاته التي أرسلها لهدايتهم ، فجنبهم التيه في الاختلاف على ذلك. وقد وصلت رسالات الله للناس عن طريق رسله من البشر ، الذين أخبرنا عن بعضهم ، ولم يخبرنا عن آخرين ، كما نعلم من الآيتين الكريمتين 4: 164 و40: 78. وقد ذكر القرآن الكريم أسماء خمسة وعشرين من رسل الله وأنبيائه ، الذين أرسلهم لهداية الناس وتعليمهم. [107] 

والرسول هو من أعطاه الله ، سبحانه وتعالى ، رسالة ليبلغها للناس. ومن أمثال هؤلاء أولي العزم من الرسل ، وهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين. أما الأنبياء ، فهم الذين كانوا يأتون بعد الرسل لتعليم الناس برسالات الله وتذكيرهم بها. ومن أمثال هؤلاء سليمان وإلياس واليسع وذا الكفل ويونس وزكريا ويحيى ، الذين أتوا في الفترة ما بين موسى وعيسى ، عليهم السلام أجمعين. وقد أيد الله رسله وأنبياءه بنبوءات ومعجزات ، حتى يصدقهم الناس ، ويتبعون تعاليمهم ونصائحهم ، والحق الذي جاءوا به.

وتشتمل رسالات الله للبشرية على أوامره ، التي تهدف إلى نشر الخير بين الناس ، ونواهيه التي تجنبهم الشر وعواقبه. أي أن طاعة الله تؤدي إلى خير الناس وسعادتهم في الدنيا والآخرة ، كما أن معصيته تلحق الضرر بهم في الدنيا وتسبب لهم العقاب في الآخرة. ولخص الله ، سبحانه وتعالى ، ذلك في الآية الكريمة 16: 90. ، التي تبين أنه يأمر بالخير وينهى عن الشر. [108]

إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل ، 16: 90).

وقد ذُكر الارتباط ما بين طاعة الله والسعادة في الدنيا والآخرة ، في خمس آيات من القرآن الكريم. كما ذُكر الارتباط ما بين معصيته والشقاء في الدارين ، في أربع آيات من الذكر الحكيم.

فبشرت الآية الكريمة 4: 13 الطائعين بالحياة الأبدية في الجنة ، وبشرتهم الآية 4: 69 بخير الصحبة في الجنة. وأخبرتهم الآية 24: 52 بأنهم الفائزون ، ووصفت الآية 33: 71 فوزهم بالفوز العظيم. كما وعدتهم الآية 48: 17 بدخول جنات الله التي تجري من تحتها الأنهار.

وأنذرت الآية الكريمة 48: 17 العُصاة بالعذاب الأليم في الآخرة ، وأنذرتهم الآية 4: 14 بالعذاب المهين. وأخبرتهم الآية 33: 36 بأنهم ضالون ، وتوعدتهم الآية 72: 23 بالعذاب الأبدي في نار جهنم. [109]

الرُّوحُ

الروح صفة من صفات الله ، عز وجل ، نفخ منها في الخلية الأولى ، فمنح الحياة للكائنات. كما أنه نفخ منها في البشر تخصيصاً ، فمكَّن الروح الإنسانية من أن تشتمل على ميزانها الأخلاقي (النفس) ، بالإضافة إلى اشتمالها على مقدرات الوجود (الحياة) ، واكتساب المعرفة (العقل) ، وهما صفتان تشترك فيهما الروح الإنسانية مع أرواح الكائنات الحية الأخرى بدرجات متفاوتة. 

وقد ذُكرت كلمة "الرُّوح" 21 مرة في 20 آية من القرآن الكريم ، على إنها من صفات وأوامر الله ، سبحانه وتعالى ، التي يحملها جبريل والملائكة ، عليهم السلام ، لتنفيذ مشيئة الله في البشر. ولا نعرف عنها إلا القليل ، كما تذكر لنا الآية الكريمة 17: 85 ، السالفة الذكر.

ويشيرُ القرآنُ الكريمُ نصاً إلى أن جبريل ، عليه السلام ، هو الرُّوح والرُّوح الأمين ورُوح القدُس ، كما جاء في الآيات الكريمة التالية. وتذكر الآية الكريمة 16: 2 إلى أن الملائكة أيضاً تتنزل بالروح من أمر الله على مَن يشاء مِن عباده. [110]

يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا (النبأ ، 78: 38).

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (الشورى ، 26: 193).

قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ (النحل ، 16: 102).

يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ (النحل ، 16: 2).

العَقْلُ

العقلُ هو المكون الثاني للروح ، بعد الوجود الحي ، وهو البرمجية الإلهية التي تمكن الكائنات الحية من جمع المعلومات المفيدة لها. وبذلك ، فهو يحتوي على المعرفة التي يحصل عليها الكائن الحي في حياته كلها ، من خلال الحواس ، وكذلك نتيجة للتحليل الداخلي للمعلومات المكوِّنة لتلك المعرفة.

ويتميز العقل الإنساني في أن الدماغ الذي يسكنه هو الأكبر نسبياً في الثدييات ، أي بالمقارنة مع حجم الجسم . كما أنه الأكثر كثافة وتعقيداً في مكوناته بالمقارنة مع باقي الكائنات الحية على الأرض. فهو يحتوي على هياكل عصبية ، وشبكة اتصالات معززة ، وأشكال أخرى من الاتصال بين الخلايا العصبية غير موجودة في أي حيوان. وهذا يعني أن هناك توافقاً بين العقل ومكونات الدماغ ، أي أن الإدراك العقلي هو انعكاس للقدرات المادية للدماغ. وقد أدى ذلك إلى أن يكونَ الإنسانُ أكثرَ إدراكاً لما حوله ، وأكثرَ قدرة على تخزين المعلومات ، وأكثر سرعة في تذكرها والتفكير بها وتحليلها واستعمالها ، كما مرَّ في الفصل الرابع من هذا الكتاب.  

والعقل في اللغة هو الاسم المشتق من الفعل "عَقَلَ" ، الذي يعني "فَهِمَ وأدْرَكَ ومَيَّزَ" ، كما يعني "رَبَطَ" ، ومن ذلك عِقالُ بعير أي رباطُه ، والعِقالُ الذي يربط الكوفية (المعروفة أيضاً بالحَطَّةِ أو الغُترَةِ) فيتحكم فيها ويحدد مكانها فوق الرأس. وهكذا ، فالعقلُ هو البرمجية التي تمكنُ الإنسانَ من الفهم والإدراك والوعي والتمييز والتحكم والتحديد. ويتبعُ ذلك أن التعقل يعني إخضاع التفكير للضوابط والأحكام والقواعد والقوانين ، حتى يتحلى السلوكُ بالعلم والأمن والحكمة والذكاء.

وقد ذُكر هذا الفعل ، عَقَلَ ، في القرآن الكريم 49 مرة ، على خمسة أشكال هي: عَقَلُوهُ (في الآية الكريمة 2: 75) ، نَعۡقِلُ (67: 10) ، يَعْقِلُهَا (29: 43) ، تَعۡقِلُونَ (2: 44 وفي 23 آية أخرى) ، ويَعْقِلُونَ  (36: 68 وفي 21 آية أخرى) ، كما في الأمثلة التالية: [111] 

أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  (البقرة ، 2: 75).

وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (المُلك ، 67: 10).

وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (العنكبوت ، 29: 43).

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (البقرة ، 2: 44).

وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلَا يَعْقِلُونَ (يس ، 36: 68).   

ويشيرُ القرآنُ الكريمُ إلى العقل باستعمال صفته على أنه لُبُّ الإنسان ، أي جوهره ، وذلك في وصفه للمؤمنين بأنهم "أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ" أي أصحاب العقول ، المتحلون بالإدراك والوعي والتمييز والحكمة والتحكم. وقد ورد هذا المديح بالمؤمنين في 16 آية من آيِّ الذكر الحكيم ، منها الآيات الكريمة 2: 197 و2: 269 و3: 190. [112]

وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (البقرة ، 2: 197). 

وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (البقرة ، 2: 269).

إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (آل عمران ، 3: 190).

النَّفْسُ

النفسُ هيَ المُكَوِّنُ الثالث للروح الإنسانية ، وهيَ البرمجية الأخلاقية ، التي بثها الله ، سبحانه وتعالى ، من روحه في البشر ، ليميزهم عن الكائنات العضوية الأخرى ، تكريماً وتفضيلاً لهم على الكثير من مخلوقاته ، كما ذكر لنا في الآية الكريمة 17: 70. وتعمل هذه البرمجية بمثابة ميزان أخلاقي يُمَكِّنُ الإنسانَ من تكوين نفسه (شخصيته) وتنميتها. ويتم ذلك من خلال التفاعل مع الآخرين من حوله ، واتخاذ القرارات ، ثم تقييمها ، ومن التحليل المستمر ، المبني على المعرفة المكتسبة عقلياً.

ومنذ آلاف السنين ، تم التعرف على نمطين متضادين للنفس الإنسانية ، هما النفس الخَيِّرَةِ والنفس الشريرة. لكن من المنطقي أن نذكر بأن هناك أطيافاً من أنماط النفس ، تقع بين هذين النمطين المتضادين ، منها ما هو أكثر ميلاً للخير ، ومنها من هو أكثر ميلاً للشر.

ويخبرنا القرآن الكريم أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد منح الإنسان حرية الاختيار ، من خلال قدرته الذاتية على التمييز ما بين خير الأعمال وشرها ، وبالتالي على الاختيار فيما بين تلك الأعمال ، وذلك في قوله تعالى: "وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ" (البلد ، 90: 10). 

وتصف الآيات الكريمة 91: 7-10 من القرآن الكريم ، وبدقة شديدة ، الفرق بين الخيارين وعواقبهما ، حيث يقول الله ،عز وجل ، بأنه قد سوى النفس (بنفخه من روحه في الروح الإنسانية) ، فأعطاها القدرة على الاختيار ما بين الفجور والتقوى ، أي بين القيام بأعمال الشر وأعمال الخير. ويتبع ذلك أن النجاح والفلاح هما من نصيب الذي يزكي النفس بأعمال الخير ، كما أن الخيبة والفشل هما من نصيب من يدسها ، أي يدنسها بأعمال الشر. 

وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ﴿٧﴾ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ﴿٨﴾ قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا ﴿٩﴾ وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴿١٠﴾ (الشمس ، 91: 7-10).

ومن الجدير بالذكر أن العلوم الاجتماعية الحديثة قد توصلت لهذه الحقيقة عن النفس البشرية ، والتي ذكرت في القرآن الكريم ، منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان. ففي أوائل القرن العشرين ، استنتج الباحثون في علمي النفس والاجتماع أن هناك مكونين للنفس الإنسانية. يتمثل أولهما في قيم المجتمع ومعاييره ، بما في ذلك التعاليم الدينية. ويتمثل الثاني في مصالح الجسد والنفس وحدهما ، بمعزل عن المجتمع. ويتبع ذلك أن الإنسان السوي هو الذي يسعى لإشباع حاجات الجسد ورغبات النفس بطريقة لا تتناقض مع القيم والمعايير السائدة في المجتمع. ومن خلال التفاعل المستمر بين الإنسان ومن حوله ، وبين مكوني النفس ، فإنها تنمو وتتطور ، ويزداد إدراكها لذاتها وللآخرين من حولها. [113] 

المَوْتُ والوَفَاةُ

يُعَلِّمُنَا ربُّنا ، عز وجل ، أن هناك فرقاً بين مفهومي الموت والوفاة. فالموت هو توقف برمجية الحياة نتيجة لتوقف الدماغ والقلب عن العمل ، أي أن الموت يعني نهاية الحياة في الجسد مع استيفاء سجل أعمال النفس في الحياة الدنيا. أما الوفاة ، فإنها تعني توقف الملائكة عن تسجيل أعمال النفس ، سواء أثناء حياة الجسد ، عند النوم ، أو عند موته ، كما تخبرنا الآيات الكريمة التالية:

 اللَّـهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا ۖ فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىٰ عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَىٰ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الزمر ، 39: 42).

وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿٦٠ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴿٦١ (الأنعام ، 6: 60-61).

وعندما يحدث موت الجسد وتُتوفى النفس ، باستيفاء سجل أعمالها في الحياة الدنيا ، فإن الملائكة ينقلون ذلك السجل إلى المستقر الذي أعده الخالق ، عز وجل ، لذلك الغرض ، كما تخبرنا الآية الكريمة: "لِّكُلِّ نَبَإٍ مُّسْتَقَرٌّ ۚ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ" (الأنعام ، 6: 67).

والفعل العربي "توفى" يعني أتم الشيء ، أي أكمله واستوفاه. وهكذا ، فإن ذكرَه في هذه الآيات الكريمة يدل على أن الوفاةَ هي تمامُ واكتمالُ أعمالِ الإنسان ، وتوقفُ الملآئكةِ الكرام عن تسجيلها. ويحدثُ ذلك عند النوم ، ولكنه يستأنف عند اليقظة مرة أخرى. أما عند الموت ، فإن سجلَّ أعمالِ الإنسان يكتملُ تماماً ، فيتوقفُ الملائكةُ عن تسجيل أعماله نهائياً.

ومن الأمثلة التي توضح الفرق بين مفهومي الموت والوفاة في القرآن الكريم ، ما حدث لبعض الرسل. فقد رفع الله ، سبحانه وتعالى بعضَهم إلى السماء ، لينقذَهم من الموت. وأدى ذلك إلى اكتمال سجلات أعمالهم في الحياة الدنيا على الأرض ، أي إلى وفاتهم ، مع أنهم لم يموتوا جسدياً. وهذا ما حدث لعيسى ، عليه السلام ، الذي توفاه الله ، برفعه إلى السماء ، إنقاذاً له من الموت. وهذا أيضاً ما حدث لإدريس ، عليه السلام ، من قبل ، وما يحدث للشهداء ، الذين هم أحياء عند ربهم يرزقون ، مع أنهم قد توفوا ، أي قد استوفيت سجلات أعمالهم على الأرض ، كما تخبرنا الآيات الكريمة التالية:

إِذْ قَالَ اللَّـهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (آل عمران ، 3: 55).

 وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (النساء ، 4: 157).

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا ﴿٥٦ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴿٥٧ (مريم ، 19: 56-57).

وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران ، 3: 169).

عَوْدَةُ النَّفْسِ إلى الْجَسَدِ

 تكمنُ أهميةُ تدوينِ سجلِّ أعمالِ النفسِ والحفاظِ عليهِ ، في أنه سيكون أساسَ محاسبتِها على أعمالها في الحياة الدنيا ، كما تخبرنا الآيتان الكريمتان التاليتان:

لُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (المدثر ، 74: 38). 

عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ (التكوير ، 81: 14).

ففي اليوم الآخر ، يبعث الله ، سبحانه وتعالى ، الأجساد ، كما نعلم من الآية الكريمة: "ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ" (المؤمنون ، 23: 16) ، وذلك باستنساخها من "عَجْبِ الذَّنَبِ" ، كما أخبرنا بذلك رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. [114]

ثم إنه ، تبارك وتعالى ، يأذن للأنفس أن تتزاوج مع أجسادها: "وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ" (التكوير ، 81: 7) ، أي أن تعود إليها ، حتى يتسنى لها أن تكلمَ خالقَها ، أثناءَ الحساب. وختام ذلك أن النفس إما أن تكافأ أو تعذب ، على أساسِ اختياراتِها وأعمالِها في الحياة الدنيا ، كما تصف لنا الآيات الكريمة التالية: [115]

فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَىٰ ﴿٣٤ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ مَا سَعَىٰ ﴿٣٥ وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ ﴿٣٦ فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ﴿٣٧ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴿٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴿٣٩ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ ﴿٤١ (النازعات ، 79: 34-41).

الخُلاصَةُ

يبين لنا القرآن الكريم أن هناك علاقة وطيدة بين مفاهيم الروح والعقل والنفس والسعادة ، بمعنى أن فهم كل منها على حدة لا يتأتى إلا بفهم العلاقة وتسلسلها بينها جميعاً. فرُوح الله ، سبحانه وتعالى ، هي المصدر الأساس للروح الإنسانية ، التي تشتمل على برمجية الحياة والوجود الإنساني ، وعلى القدرة على اكتساب المعرفة (العقل) ، وعلى الميزان الأخلاقي (النفس). وعلى الأخص ، فإن الله ، تبارك وتعالى ، قد كرَّم الإنسانَ وفضله على الكثير من مخلوقاته ، لقدرته على جمع المعلومات وتخزينها والتفكير فيها ، ثم استعمالها في طرق الخير ، اختياراً ، لا جبراً. وتوعد ، جل وعلا ، من يستعملونها في طرق الشر بالعقاب في اليوم الآخر.

والجسدُ الإنساني ما هو إلا أداةٌ لإسكان وتغذية وخدمة الدماغ والمحافظة عليه ، وذلك لأنه بيت العقل ، الذي تولد فيه النفس وتنمو وتتطور ، مع النمو الجسدي للإنسان ، أثناء حياته الدنيا على الأرض. وقد ظهر الإنسان العاقل الحكيم عندما نفخ الخالق العظيم ، عز وجل ، فيه من روحه ، مما أدى إلى نشوء النفس التي أصبحت بمثابة الميزان الأخلاقي ، الذي يحلل المعلومات التي يجمعها العقل ، ويتخذ القراراتِ بشأنها ، مع القدرة على التمييز بين الخير والشر.

وعندما يموت الجسد ، نتيجة لكبر السن أو المرض أو الحوادث العارضة ، تحدث الوفاة أيضاً. فيتوقف الملائكة الكرام عن التدوين في سجل النفس الإنسانية ، خاصة فيما يتعلق بقراراتها وأعمالها. ثم يتم استحضار ذلك السجل في اليوم الآخر ، وذلك لأن محاسبة النفس آنذاك ستتم بناء على ما هو مدون فيه. فإن كانت مطيعة لخالقها ، عز وجل ، في أعمالها الدنيوية ، فإنها ستتمتع بالسعادة في هذه الدنيا وفي الآخرة. أما إن كانت عاصية له ، فستكون شقية ومعذبة في الدارين أيضاً. وهكذا ، فإن السعادة تكمن في طاعة الله ، والشقاء يكمن في معصيته.

وعلى ذلك ، فإنه مهما يحدث للناس في حياتهم الدنيا ، فإنه سيكون خيراً لهم في الآخرة ، طالما كانوا من الطائعين لخالقهم ، عز وجل ، ولو امتحنهم بالفقر أو المرض أو حتى إن قُتلوا ظلماً وعدواناً. هو خير لهم لأنهم سيعيشون في سعادة أبدية ، في جنة الله التي أعدت لهم ، مكافأة لهم على صبرهم وطاعتهم. لكن ذلك لا يعني الاستكانة ، بل على العكس ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، يحث عباده على العمل الدؤوب لكسب رزقهم بالطرق الحلال ، ولتحقيق ما يسعدهم ، خلال حياتهم الدنيا ، لكن ذلك ينبغي أن يكون بمراقبة الله في كل ما يقولون ويفعلون.

وربما يتمكن المرء من تحقيق بعض أو كل ما يصبو إليه في الحياة الدنيا ، من مال وسلطان وعزوة وهيبة وفخار ، وما يتوق إليه من ملذات وممتلكات. لكنَّ الاحتمالَ الأكبرَ ألَّا يتمكن من الوصول إلى ما يسعى إليه ، بسبب الظروف الخارجة عن إرادته ، في معظم الأحيان.

ولذلك ، فإن النجاح أو الفشل ، من منظور إسلامي ، لا يقاس بتحقيق الأهداف والوصول إلى الغايات ، أو بعدم الوصول إليها. وإنما يقاس على أساس كيفية التصرف ، أثناء السعي لتحقيقها والوصول إليها.

=================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّةٌ لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الفَصْلُ العَاشِرُ

***

الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

***

 أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ 

***

مُقَدِّمَةٌ

يشير القرآن الكريم إلى القلب على أنه يتفاعل مع المعلومات ، خاصة فيما يتعلق بالمشاعر والعواطف والأخلاق والتعقل. وفي تلك الإشارة تنبيه إلى العلاقة ما بين القلب الذي هو في الصدر والعقل الدماغي بصفة عامة ، وبينه وبين النفس الإنسانية على وجه الخصوص ، بصفتها الجزء الفعال من العقل ، الذي يقوم باتخاذ القرارات ، بما في ذلك الأخلاقية منها. وذلك هو موضوع هذا الفصل من الكتاب ، الذي يبدأ باستعراض بعض الآيات الكريمة التي تتناول صفات القلب ، حتى يتم تسليط الضوء على هذه العلاقة المثيرة للاهتمام. ويلي ذلك استعراض آخر لبعض الأبحاث العلمية التي تتناول هذه العلاقة أيضاً ، ولكن من منظور علمي بحت ، حتى يرى القارئ أن كتاب الله العزيز قد أشار إلى هذه العلاقة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان ، ليكون ذلك تعزيزاً لإيمان المؤمنين ، ودعوة للبشرية كلها للإيمان به واتباع ما جاء فيه.

الآيَاتُ وَالأحَادِيثُ الَّتِي تُشِيرُ إلَى الْقٌلْبِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ

ذُكرت كلمة "القلب" 132 مرة ، في 126 آية من آيِّ الذكر الحكيم ،  19 مرة منها كاسم مفرد ، ومرة واحدة كمثنى ، و112 مرة بصيغة الجمع. وقد وصفت هذه الآيات القلب على أن بإمكانه أن يتقلب إلى أربع مجموعات من الصفات الحسنة والسيئة والضعيفة والعقلانية. وهذا يعني أن القلب يتفاعل مع الأمور التي تتعلق بالخير والشر واتخاذ القرارات بشأنها ، وكأنه جزء من النفس ، التي هي جزء من العقل ، كما تم بحثه في الفصل التاسع من هذا الكتاب. [116]

فأولاً: بإمكان القلب أن يتحلى بالصفات الحسنة ، حيث تم وصفه بأنه سليم ، مُنيب ، مطمئن ، مهدي ، محب ، تقي ، ساكن (أي مطمئن) ، رحيم ، صاغ (أي سليم) ، أليف (أي قريب أو محب)  ، خيِّر ، طاهر ، يتزين فيه الإيمان ، يدخل فيه الإيمان ، مؤلَّف (أي قريب أو محب) ، ليِّن ، حَمِي ، خاشع ، وطاهر. ومن أمثلة ذلك ، الآيات الكريمة التالية:

إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (الشعراء ، 26: 89).

مَّنْ خَشِيَ الرَّحْمَـٰنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (قاف ، 50: 33).

وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ (النحل ، 16: 106).

ثانياً: يمكن للقلب أن تكون له صفات سيئة.  فوصفته الآيات الكريمة بأنه غليظ ، آثم ، غافل ، زائغ ، أعمى ، متقلب ، مشمئز ، مقفل ، قاس ، متعمد ، فيه حسرة ، غُلْف (أي مُغَلَّف) ، فيه غِل ، أبيٌّ (أي رافض) ، مغتاظ ، مرتاب ، منافق ، مُنكِر ، ولاهٍ. ومن أمثلة ذلك ، الآيات الكريمة التالية:

وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْر (آل عمران ، 3: 159).

وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ ۚ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ۗ (البقرة ، 2: 283). 

ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ (البقرة ، 2: 74).

ثالثاً: يمكن للقلب أن يكون ضعيفاً ، حيث وُصف بأنه فارغ وبحاجة إلى أن يربط عليه ، مريض ، شديد الخوف ، مرتعب ، واجِف. ومن أمثلة ذلك ، الآيات الكريمة التالية:

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (القصص ، 28: 10).

فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ (الأحزاب ، 33: 32). 

وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّـهِ الظُّنُونَا (الأحزاب ، 33: 10).

رابعاً: للقلب صفات عقلانية ، مثل قدرته على استقبال الوحي ، وبأنه فقيه ، وأنه عاقل ، وكاسب ، أي عاقد للنية (2: 225). ومن أمثلة ذلك ، الآيات الكريمة التالية:

نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴿١٩٣﴾ عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ ﴿١٩٤﴾ (الشعراء ، 26: 193-194).

وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا (الأعراف ، 7: 179).

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج ، 22: 46). [117]

***

ووصف رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، القلب بأنه يمكن أن يخشع أو لا يخشع ، في قوله: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ ، وَمِنْ قَلْبٍ لَا يَخْشَعُ ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ ، وَمِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ."

كما ذكر بأن القلب يمكن أن يقسو أو يلين ، حيث قال: "إنْ أردتَ تليينَ قلبِكَ ، فأَطعم المسكينَ ، وامسحْ على رأسِ اليتيم."

وأنبأنا بأن القلب يستطيع أن يتخيل ، وذلك في الحديث القدسي ، الذي قال فيه: "قال الله تعالى: أعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ، وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ ، وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر."

كما أن للقلب خاصية الإفتاء ، كما قال لنا ، عليه الصلاة والسلام: "اسْتَفْتِ قَلْبَكَ ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ. الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ." [118]

الْعَلَاقَةُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ ، مِن خِلالِ بَعْضِ الأبْحَاثِ الْعِلْمِيَّةِ

هناك تسع آيات كريمة تشير إلى إن الله ، سبحانه وتعالى ، يعلم بذات الصدور ، وبما في الصدور ، وما تخفي الصدور ، وأن القرآن الكريم شفاء لما في الصدور. وعلى ذلك ، لا ينبغي أن يكون هناك أي التباس في أن المقصود من هذه الآيات هو القلب ، الموجود في الصدر ، وليس الدماغ الموجود في رأس الإنسان ، كما تبين لنا الآية الكريمة 46 من سورة الحج (22) ، المذكورة آنفاً. وعلى الرغم من أن كلاً من القلب والدماغ له عقله الخاص به ، إلا أن كلا العقلين على اتصال تفاعلي مستمر. [119]

وقد قام عدد من الباحثين بدراسة العلاقة بين عقلي القلب والدماغ ، ونشروا نتائج أبحاثهم التي تشير إلى علاقة وثيقة بينهما. وفيما يلي استعراض لنتائج بعض هذه الدراسات ، على سبيل المثال ، لا الحصر. [120]

ذكر رايل (2016) أن هناك طريقاً سريعاً في اتجاهين ، يربط القلب بالعواطف (التي تعتبر نتاجاً للنشاط العقلي). فالضغط العصبي المزمن والأحداث المشحونة بالمعاني العاطفية يمكن أن ينتج عنها تهيجات التهابية تؤدي إلى الاكتئاب وإلى أمراض القلب معاً. وفي المقابل ، يمكن للالتهابات أن تؤدي إلى أمراض القلب ، التي بدورها تتسبب في حدوث الضغوط العصبية ، وصولاً إلى الاكتئاب في نهاية الأمر. وهكذا ، فإن القلب يتأثر بالصدمات الناتجة عن ردة فعل العقل للأحداث المؤلمة ، مثلما يحدث في حالة الشخص الذي ينفجر صراخاً وغضباً. [121]

وأشار مارتن (2006) وفريق الباحثين معه إلى أنهم قضوا خمسة عشر عاماً في دراسة القلب من النواحي الجسدية والعاطفية والروحية. وبعد أن قاموا باستكشاف مسالك الاتصالات التي تربط القلب بالدماغ وبقية أعضاء الجسم ، تبين لهم أن القلب هو السيد المتحكم في نظام الجسد الإنساني. فهو قادر على إرسال أوامر الشفاء القوية خلال الجسد كله ، والتي تؤثر بشكل فعال على أنظمة المناعة والهرمونات والأعصاب في الجسم. وبالإضافة إلى ذلك ، وجد الباحثون أن أوامر القلب تؤثر في وظائف الدماغ ، كما أن بمقدورها أن تخفف من المشكلات النفسية وأمراض السكر وضغط الدم المرتفع والشرايين. [122]

وتوصل شاه وآخرون (2003) إلى أن هناك علاقة بين العواطف والعقل من ناحية ، وبين مرض القلب من ناحية أخرى. فهناك دليل على الارتباط بين الاضطرابات العصبية والنفسية وبين أمراض أوعية القلب الدموية من جهة ، وبين الآليات المحتملة والمرضية لهذا الارتباط ، من جهة أخرى. كما أن هناك دوراً محتملاً لاستعمال علاجات تحسين الأمزجة (من خلال مضادات الاكتئاب بصفة عامة) للمرضى الذين يعانون من اضطرابات في أوعية القلب الدموية. [123]

ووجد شاه وآخرون (2003 – 2) ، في دراسة أخرى ، أن هناك أساساً حيوياً معقولاً للعلاقة ما بين المرض النفسي-العقلي وأمراض الأوعية الدموية للقلب. فالقلق واضطراب الهلع والاكتئاب أصبحت ظواهر معروفة عند المرضى الذين يعانون من مرض القلب التاجي وضغط الدم المرتفع. [124]      

وذكرت سينثيا تشاتفيلد (2004) أن كانديس بيرت قد توصلت للدليل على وجود الأساس الكيمو- حيوي للإدراك والوعي ، وعلى وحدة العقل والجسم ، وعلى أن عواطفنا وأحاسيسنا تمثل الجسر الذي يربطهما معاً. فالدماغ متكامل تماماً مع الجسم ، على مستوى الجزيئات. وذلك يعني أن أجسامنا هي في الحقيقة عقولنا الباطنة ، وأن عواطفنا موجودة في عقولنا وفي جميع أنحاء أجسادنا. ولأننا نتكون من شبكة اتصالات معلوماتية نفسية - بدنية غاية في التعقيد ، فإن وعينا لا يوجد في الدماغ فقط ، وإنما في الجسد أيضاً. [125]

وقد نشر بول بيرسال وآخرون (2005) نتيجة أبحاثهم عن العلاقة ما بين عقلي القلب والدماغ ، بما في ذلك سرد ما حدث في عشر حالات من زراعة القلب. فذكروا أن المريض المتلقي للقلب المزروع يمكن أن تنتقل إليه بعض النواحي من شخصية المتبرع ، مثل الذكريات والعادات والسلوك والتفضيلات. أي أن القلب المزروع يستمر في احتفاظه بذاكرته القديمة التي كونها أثناء حياته في الجسم الأول ، الذي كان فيه. كما وجدوا بأن القلب المزروع يؤثر على العقل الدماغي بشكل يؤدي إلى تبنيه لبعض النواحي من شخصية المتبرع. وأظهرت الحالات ، التي تمت دراستها ، أن التغيرات التي حدثت للمرضي المتلقين للقلوب كانت بالفعل للمتبرعين قبل موتهم. وقد تم التأكد من ذلك ، بمقارنة التغيرات التي حدثت للمريض المتلقي للقلب مع ما أكده أعضاء أسرة المتبرع وأصدقاؤه ، عن وجود تلك النواحي في شخصية المتبرع (أنظر التفاصيل في الملحق التابع لهذا الفصل). [126]   

الخُلاصَةُ

هناك علاقة تفاعلية ووثيقة جداً بين عقلي القلب والدماغ ، خاصة فيما يتعلق بالعواطف والانفعالات تجاه ما يواجه الإنسان من أحداث. فالأشخاص المتمتعون بنظرة تفاؤلية ، وبالحياة الطيبة ، ينعمون بالسلام العقلي وبالهدوء القلبي أيضاً. أما التشاؤم والمعاناة من مشاكل الحياة ، فإنهما يمكن أن يكونا مرتبطين بالاضطرابات القلبية والعقلية. 

وهكذا ، فإن الصفات الأساسية الخيرة للشخص ، مثل الحب والتقدير والرعاية والتسامح والمشاركة والتفهم ومد يد العون للآخرين ، يمكنها أن تجلب السلام للعقل والهدوء للقلب ، مما يؤدي إلى أن تصبح حياته أفضل وأكثر متعة وسعادة.

وهناك دليل على أن القلب يعقل ، ويتخذ القرارات ، ويقوم بالأعمال التي تخدم مصلحة البدن ورفاهيته. ويكمن ذلك في قيامه بإرسال إشارات الشفاء ، التي لها تأثير فعال في أنظمة المناعة والهرمونات والأعصاب ، في الجسد كله. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن للقلب ذاكرة ، يحتفظ فيها بالمعلومات الخاصة بأهم ما يحدث للشخص ، كما أثبتت ذلك نتائج جراحات زراعة القلوب.

والخلاصة أن القلب يشبه الدماغ ، في أن لكل منهما عقله الخاص به. فكما أن خلايا الدماغ تحتوي على المعلومات القادمة من الحواس ، وعلى التفكير بها واتخاذ القرارات بشأنها ، أي أنها تحتوي على العقل والنفس ، فإن خلايا القلب هي أيضأ تحتوي على المعلومات القادمة من باقي أعضاء الجسم ، بما في ذلك الدماغ وعقله. كما أنها تفكر بهذه المعلومات وتتخذ القرارات بشأنها لمصلحة الجسد كله ، أي أن للقلب عقل كما هو الحال للدماغ. وصدق الله العظيم في قوله:

أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا ۖ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج ، 22: 46).

=========================================================================================================

ملحق الفصل العاشر

التغيرات الطارئة على الشخصية بعد زرع القلب

فيما يلي عرض للحالات العشر التي درسها بيرسال وشوارز ورُسِك ، والتي بينت أن التغيرات الطارئة على ذكريات وسلوكيات وعادات وتفضيلات المرضي المتلقين للقلوب المزروعة كانت بالفعل للمتبرعين لتلك القلوب ، قبل موتهم. وكانوا جميعاً من الأميركيين.

كان المتبرع الأول للقلب (بول) يبلغ من العمر ثمانية عشر عاما ، عندما قتل في حادث سيارة. قال عنه والده أنه كان يكتب الشعر ويعزف على الغيتار. وقد كتب أغنية ، ذكر فيها أنه يهدي قلبه لداني. وكانت المتلقية لقلبه فتاة في الثمانية عشرة من عمرها أيضاً ، تدعى "داني" ، وكانت تعاني من التهاب داخلي في القلب أدى إلى فشله. وبعد العملية ، بدأت تحب الموسيقى وأبدت رغبتها في تعلم العزف على الغيتار. كما ذكرت بأنها تشعر بأن المتبرع هو حبيبها ، الذي كان يعرف اسمها ، وأن أغانيه مألوفة لها.

أما المتبرع الثاني للقلب (جيري) ، فكان عمره ستة عشر شهراً ، عندما مات غرقاً في حوض الاستحمام. وكان المتلقي لقلبه (كارتر) في الشهر السابع من عمره ، وكان يعاني من مرض قلبي يعرف برباعية فالو ، يجعل الطفل مُزرقاً لنقص الأكسجين. وذكرت والدة المتبرع أنه عندما رآها الطفل المتلقي لقلب ابنها ، لأول مرة ، جرى نحوها وأخذ يفرك أنفه في جسدها ، كما كان يفعل ابنها (جيري). وقد أحست بنفس الطاقة المنبعثة منه ، التي كانت تحسها من ابنها. وأضافت بأنه عندما بلغ الطفل المتلقي ست سنوات من العمر ، قامت هي وزوجها بزيارة عائلته. فأخذ يقول لها نفس العبارات الطفولية التي كان ابنها يقولها ، وداعب أنفها كما كان ابنها يفعل. أخيراً ، جاء في منتصف الليل ، وطلب أن ينام بينها وبين زوجها. وعندما رقد بينهما بنفس الطريقة التي كان ابنهما يتبعها ، أخذا يبكيان. حينها قال لهما "لا تبكيان ، لأن جيري (ابنهما) يقول أن كل شيء على ما يرام." وذكرت أم الطفل المتلقي بأن ابنها عندما رأى والدي الطفل المتبرع ، جرى نحوهما ، وخاطبهما "ماما" و "بابا" ، وأنه لم يفعل ذلك من قبل أبداً تجاه الغرباء الذين يصادفهم. وفوق ذلك ، فإنها ذكرت أن ابنها قد حدث له تصلب وارتجاج في جانبه الأيسر ، بعد العملية. وتبين لها فيما بعد بأن الطفل المتبرع كان يعاني من نفس الأعراض ، نتيجة لإصابته بشلل دماغي خفيف.

وكانت المتبرعة الثالثة للقلب امرأة في الرابعة والعشرين من عمرها ، عندما ماتت في حادثة سيارة. ذكرت أختها أنها كانت فنانة ، مولعة برسم المناظر الطبيعية. أما المتلقي لقلبها ، فكان شاباً يبلغ الخامسة والعشرين من عمره ، وكان يعاني من مرض التليف الكيسي. وبعد العملية ، بدأ يشعر بأنه اكتسب أفكاراً جديدة عن أحاسيس المرأة واهتماماتها ، فأصبح يحب التسوق ويحمل محفظة النقود النسائية. كما أخذ يرتاد المتاحف أسبوعياً ، ويقف أمام اللوحات الفنية لمدة طويلة ، خاصة المناظر الطبيعية منها.

وكان المتبرع الرابع للقلب شاباً أسوداً عمره سبعة عشر عاماً ، عندما قتل في حادثة إطلاق نار من سيارة. وصفته أمه بأنه كان يحب الموسيقى الكلاسيكية ، ولذلك كان يحضر دروساً لتعلم العزف على آلة الكمان. وقد وجد عند موته وهو يحتضن صندوق آلة الكمان ، التي أحبها كثيراً. أما المتلقي لقلبه ، فكان رجلاً أبيضاً عمره سبعة وأربعين عاما. وكان يعمل في مسبك ، ويعاني من تضيق الأبهر ، أي من ضيق في الشريان الأورطي للقلب. وقد ذكر أنه لم يكن يحب الموسيقى الكلاسيكية قبل العملية ، ولكنه أصبح مولعاً بها فيما بعد. وذكرت زوجته أنه بعد العملية قد دعا زملاءه في العمل للحضور إلى البيت ، وكانوا جميعاً من السود ، الأمر الذي لم يحدث مطلقاً من قبل. وذكرت اهتمامه الجديد بالموسيقى الكلاسيكية ، مع أنه لم يكن يستمع لها فيما مضى. فأصبح يجلس لساعات لسماعها ، وحتى إنه يقوم بالتصفير مع الأغاني الكلاسيكية ، ألتي لم يكن يعرفها من قبل.

وكانت المتبرعة الخامسة للقلب امرأة شابة عمرها تسعة عشر عاماً ، عندما ماتت في حادثة سيارة. وذكرت والدتها أنها كانت نباتية المأكل. وعندما كانت تحتضر ، كتبت لأمها ملاحظة أشارت فيها إلى وقع ارتطام السيارة بجسمها. وكانت المتلقية لقلبها امرأة تدعى سوزي ، عمرها تسعة وعشرون عاما ، وكانت تعاني من اعتلال عضلة القلب نتيجة لالتهاب داخلي به. وقد ذكرت أنها لم يعد بمقدورها أن تأكل اللحم ، بعد العملية ، وبأنها تشعر بتأثير الحادث الذي تعرضت له المتبرعة. وقد أكدت أمها التغيرات التي طرأت عليها ، خاصة عزوفها عن أكل اللحم.

 وكانت المتبرعة السادسة للقلب شابة عمرها أربعة عشر عاماً ، عندما ماتت في حادثة أثناء ممارستها لرياضة الجمباز. وذكرت والدتها أنها كانت تنط وتقفز في معظم الأوقات. كما كانت تقهقه كلما أحست بالحرج. والأهم من ذلك ، أنها كانت تعاني من اضطرابات فقدان الشهية ، فكانت لا تأكل بعض الوجبات أحياناً ، وتتقيأ الطعام أحياناً أخرى. أما المتلقي لقلبها ، فكان رجلاً عمره سبعة وأربعون عاماً. وكان يعاني من ورم حميد ومن اعتلال عضلة القلب. وقد ذكر بأنه أصبح يشعر أنه صغير السن ، مثل المراهقين. كما أصبح يقهقه كثيراً ، الأمر الذي أزعج زوجته. أخيراً ، فإنه أصبح يشعر بالغثيان كلما أكل بعد إحساسه بالجوع ، الأمر الذي يؤدي إلى تقيؤ الطعام في النهاية. وقد أكد أخوه ما ذكره من تغيرات طرأت عليه بعد العملية ، خاصة شعوره بصغر السن والقهقهة وتقيؤ الطعام.

وكانت المتبرعة السابعة للقلب طفلة عمرها ثلاث سنوات ، عندما غرقت في بركة سباحة العائلة ، بينما كانت راعيتها المراهقة مشغولة بالحديث على الهاتف ، أثناء غياب أمها المطلقة عن المنزل. وكان المتلقي لقلبها صبياً عمره تسع سنوات ، وكان يعاني من التهاب العضلة القلبية ومن عيب الحاجز. وذكرت أمه أنه كان يحب الماء والبحيرة قبل العملية ، لكنه أصبح يخاف من المسطحات المائية بعد ذلك. وذكر المتلقي ، الذي لا يعرف شيئاً عن المتبرعة ، أنه يتحدث أحياناً معها ، فتخبره بأنها حزينة وخائفة ، وتقول له بأنها تتمنى لو أن الآباء والأمهات لا يهملون أطفالهم ولا يرمونهم بعيداً عنهم.

 وكانت المتبرعة الثامنة للقلب (ستيسي) شابة عمرها تسعة عشر عاماً ، عندما ماتت نتيجة لكسر رقبتها أثناء تلقيها درساً في الرقص. وذكرت أمها أنها كانت تريد أن تصبح ممثلة ، مع أنها كانت متفوقة في المواد العلمية. وذكر أبوها أيضاً حبها للغناء والرقص مع أنه كان يرغب في أن تلتحق بجامعة هارفارد ، لتصبح طبيبة مثله ، بدلاً من أن تصبح ممثلة في هولي وود. أما المتلقية لقلبها (أنجيلا) فكانت تبلغ من العمر تسعة عشر عاماً أيضاً ، وكانت تعاني من اعتلال عضلة القلب. وذكرت للباحثين بأنها تفكر في المتبرعة على أنها أختها. وعندما تتحدث معها ، فإن المتبرعة تخبرها أنها كانت ترغب في أن تصبح ممثلة أكثر من رغبتها في أن تصبح ممرضة. وقد أدت الأحاديث بينهما إلى أن المتلقية أصبحت ترغب في أن تكون ممرضة أو طبيبة ، الأمر الذي أدى بها لأن تغير دروسها الجامعية وتخصصها ، على أمل إسعاد (أختها) المتبرعة.

وكان المتبرع التاسع للقلب (تيمي) يبلغ من العمر ثلاث سنوات ، عندما مات نتيجة لوقوعه من نافذة الشقة التي كان يسكنها مع أمه وأبيه. أما المتلقي لقلبه (ديريل) ، فكان يبلغ الخامسة من عمره ، وكان يعاني من عيب في الحجاب الحاجز ومن اعتلال عضلة القلب. وذكرت أم الطفل المتبرع بأنها عندما رأت الطفل المتلقي لقلب ابنها ، لأول مرة ، فإنه نظر إليها بنفس الابتسامة التي كانت لطفلها. وأضافت بأنها علمت أن الطفل المتلقي قد تبنى اسماً جديداً له ، وهو تيمي ، الذي كان اسماً لابنها ، كما أنه تبنى عمره أيضاً. وذكر الطفل المتلقي بأن الطفل المتبرع كان يلعب بلعبة باور رينجرز ، التي سقطت من على حافة نافذة الشقة. وذكرت أم الطفل المتلقي بأن الطفل المتبرع (تيمي) قد سقط من النافذة أيضاً عند محاولته الإمساك باللعبة. وبعد العملية ، توقف الطفل المتلقي (ديريل) عن اللعب بألعاب الباور رينجرز ، وحتى عن لمسها.

أما المتبرع العاشر للقلب (كارل) ، فكان شرطياً عمره أربعاً وثلاثين سنة ، عندما قتله تاجر مخدرات أثناء محاولته القبض عليه. وذكرت زوجة المتبرع بأن رجال الشرطة أصبحوا يعرفون تاجر المخدرات ، الذي أطلق النار على زوجها في وجهه ، ويصفونه بأنه كان له شعر طويل ولحية. وكان المتلقي لقلب كارل أستاذاً جامعياً ، يبلغ من العمر ستة وخمسين عاماً. وكان يعاني من تصلب الشرايين ومن مرض نقص تروية القلب. وقد ذكر بأنه بعد العملية ، بدأ يحلم برؤية رجل بشعر طويل ولحية ، في لمحة من الزمن ، ثم يلي ذلك حدوث ضوء سريع على وجهه ، يؤدي إلى شعوره بالسخونة في وجهه ، وحتى بالاحتراق.

========================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّة لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الْفَصْلُ الْحَادِي عَشَر

***

نُطْقُ الشَّهَادَتَيْنِ ، الرُّكْنُ الأَوَّلُ فِي الإِسْلَامِ

***

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

***

مُقَدِّمَةٌ

نُطقُ الشهادتين هو الركن الأول في الإسلام ، يتبعه إقامُ الصلاةِ وإيتاءُ الزكاةِ وصومُ رمضانَ وحِجُّ البيتِ ، لمن استطاع إليه سبيلا. ولهذه العبادات الخمس فوائد عظيمة تعود على المتعبد أولاً ، ثم على عائلته ومجتمعه ، وعلى العالم ككل ، بعد ذلك. لكن أهمية الشهادتين تكمن في أنهما يوجهان العبادات الأخرى لتكون طاعة لله ، جل وعلا ، لنيل بركته ورحمته في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولتعظيم فوائد العبادات لأقصى درجة ممكنة. [127]

فعندما يقول المسلم: "أشهدُ أنَّ لا إلهَ إلاَّ الله ، وأشهدُ أنَّ مُحمداً رسولُ الله" ، فإنه يعلن عن إيمانه بوحدانية الله ، سبحانه وتعالى ، وعن قبوله ببعثة آخر رسله ، عليه الصلاة والسلام ، وبما جاء به من خير ورحمة للبشرية كلها [128]  

وهذا يعني قبول المسلم برسالة الله النهائية إلى البشرية ، ألا وهي القرآن الكريم ، وما تبعه من شرح وبيان ، متمثلين في السُّنة المشرفة. وقد آمن الناس بوجود الله نتيجة لإدراكهم أنه لا بد للكون من خالق ، وتعزز لديهم ذلك الإيمانُ برسالات الله ، التي أكدت لهم إلهيتَهُ ووحدانيتَه ، وآخرِها القرآن الكريم ، الذي قدم الأدلة العلمية على وجود الخالق العظيم ، رب السماوات والأرضين ، كما تمت مناقشته في الفصلين الثالث والرابع من هذا الكتاب. [129] 

الآيَاتُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي تَتَضَمَّدنُ الشَّهَادَةَ بأنَّهُ لا إلهَ إلاَّ الله

ذكرت الشهادة بوحدانية الله 37 مرة ، في 36 آية ، من آيات القرآن الكريم. وتضمنت هذه الآيات شهادة الله ، سبحانه وتعالى ، بأنه "لا إله إلا هو" 30 مرة ، وبأن "لا إله إلا الله" مرتان ، و "لا إله إلا أنا" ثلاث مرات. ووردت الإشارة إلى وحدانية الله مرة على لسان يونس ، عليه السلام ، ومرة أخرى على لسان فرعون ، بعد فوات الأوان. [130] 

وفيما يلي أمثلة من هذه الآيات الكريمة:

شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران ، 3: 18). 

إِنَّمَا إِلَـٰهُكُمُ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا (طه ، 20: 98). 

هُوَ اللَّـهُ الَّذِي لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّ‌حْمَـٰنُ الرَّ‌حِيمُ (الحشر ، 59: 22).  

ولم تقتصر الآيات الكريمة على شهادة الله بإلهيته ووحدانيته ، بل إنه ، سبحانه وتعالى ، خاطب عبادَه في الآية 21: 22 ، قائلاً لهم بأنه إله واحد ، ولو كان في السماوات والأرض آلهة غيره لفسدتا.

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّـهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّـهِ رَ‌بِّ الْعَرْ‌شِ عَمَّا يَصِفُونَ (الأنبياء ، 21: 22).

 الآيَاتُ الْكَرِيمَةُ الَّتِي تَتَضَمَّدنُ الشَّهَادَةَ بأنَّ مُحَمَّدَاً رَسُولُ اللهِ

ذكرت كلمة "رسول" في القرآن الكريم 235 مرة ، في 215 آية ، منها حوالي 177 مرة تشير إلى محمد ، عليه الصلاة والسلام ، بأنه رسول الله ، الذي أنزل رسالته عليه ، كما جاء في الآيات التالية ، على سبيل المثال:

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ (آل عمران ، 3: 144). 

مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب ، 33: 40).

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَىٰ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۙ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ (محمد ، 47: 2).

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ ۚ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ۖ (الفتح ، 48: 29).

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَ‌سُولُ اللَّـهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا (الأعراف ، 7: 158). 

اسْتِمْرَارِيَّةُ رَسَالاتِ اللهِ لِهِدَايَةِ الْبَشَرِيَّةِ

تمثل الشهادتان استمراريةً لهداية الله للبشرية ، من خلال رسالاته التي أرسلها إلى رسله ، منذ آدم وحتى محمد ، عليهم صلاة الله وسلامه أجمعين. فالإيمان بهما ونطقهما يجلبان السلامَ لعقول المؤمنين ، لإدراكهم بأن وجودهم لم يكن صدفة عبثية ، على هذا الكوكب الصغير من ملكوت الله الشاسع. فالشهادتان تضفيان معنى عميقاً على العبادات الأخرى ، يضعها في سياق طاعة الخالق ، عز وجل ، من خلال تنفيذ أوامره. فأداء العبادات ، التي نص عليها القرآن الكريم ، بشكل صحيح ، يؤدي إلى السعادة في الحياة الدنيا وفي الأخرة.

ومن رحمة الله ، سبحانه وتعالى ، وحبه وعنايته لخلقه ، أنه قد أكمل رسالاته للبشرية ، وذلك بتنزيل القرآن الكريم على خاتم رسله وأنبيائه ، محمد ، عليه الصلاة والسلام. ونحن لا نعلم عدد رسل الله وأنبيائه ولا أسمائهم ، ما عدا الخمسة والعشرين الذين جاء ذكرهم في القرآن الكريم. وقد وردت بعض الأحاديث في هذا الشأن ، إلا أن علماء الحديث حكموا بضعفها ، وذكر بعضهم أنها موضوعة أساساً. [131]

وتخبرنا الآيات الكريمة 4: 164-165 بأن هناك رسلاً وأنبياء لم يتم ذكرهم في كتاب الله ، لكنهم قد أرسلوا أيضاً لهداية الناس ، مبشرين للطائعين منهم بالفوز برضى الله وجنته ، ومنذرين للعصاة منهم بالعذاب ، لكيلا يكون لهم معذرة عند وقوفهم للحساب أمام خالقهم ، في اليوم الآخر.

وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّـهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا (النساء ، 4: 164). 

رُّسُلًا مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّـهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ۚ وَكَانَ اللَّـهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (النساء ، 4: 165).  

***

وبالإضافة إلى ذلك ، يخبرنا القرآن الكريم أن الله ، سبحانه وتعالى ، أرسل الرسل والأنبياء لهداية الناس ، أينما وجدوا على الأرض ، أي في كافة القارات ، مؤكداً أنه لم ولن يعذب أية أمة حتى يبعث فيها من ينذرها ، كما جاء في الآيات الكريمة 35: 24 ، 16: 36 ، 17: 35.

وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ (فاطر ، 35:24).

وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّـهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ ۖ (النحل ، 16: 36).

وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء ، 17: 15).

رُسُلُ اللهِ وأنْبِيَاؤهُ وَأتْبَاعُهُم ، جَمِيعُهُم مُسْلِمُون

هناك آيات عديدة في القرآن الكريم تشير إلى أن الرسل والأنبياء السابقين وأتباعَهم كانوا مسلمين لله ، رب العالمين. وذلك تأكيد بأن الإسلام هو دين الله ، الذي هدى به عباده على فترات متفرقة من الزمن ، من خلال رسالاته ورسله ، كما ورد في الآيات الكريمة التالية: 3: 19 (عن الإسلام) ، 10: 72 (عن نوح) ، 2: 131-133 (عن إبراهيم وأبنائه) ، 12: 101 (عن يوسف) ، 5: 44 (عن الأنبياء) ،  3: 52 (عن الحواريين) ، 3: 20 (عن محمد) ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين. [132]  

إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّـهِ الْإِسْلَامُ (آل عمران ، 3: 19).

فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّـهِ ۖ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (يونس ، 10: 72).

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٣١﴾ وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴿١٣٢﴾ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَـٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿١٣٣﴾ (البقرة ، 2: 131- 133). 

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (يوسف ، 12: 101).

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة ، 5: 44).

فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّـهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّـهِ آمَنَّا بِاللَّـهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (آل عمران ، 3: 52). 

فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّـهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ۗ (آل عمران ، 3: 20).

الْفَرْقُ بَينَ الأنْبِيَاءِ وَالرَّسُلِ

ذكرت الآيات الكريمة نصاً أنه كان هناك اثنا عشر رسولاً وثلاثة عشر نبياً ، يختلفون عن بعضهم في أمرين أساسيين. يتمثل الأمر الأول في أن الرسول كان رجلاً أوحى له الله وأنزل عليه رسالة جديدة ، ليبلغها للناس. أما النبي ، فكان رجلاً أوحى الله له وأرسل إليه بأن يعظ الناس ويعلمهم ويذكرهم برسالة رسول جاء قبله. [133]

وتشير الآية 3: 19 (السالفة الذكر) بأن رسالات الله للبشرية ما هي إلا دين واحد ، هو الإسلام. وتذكر الآية 5: 3 أنه ، سبحانه وتعالى ، قد أكمل دين الإسلام للبشر ، بإنزال القرآن ، الذي وعد بحفظه ، كما تخبرنا الآية الكريمة 15: 9. وذلك يعنى أنه لم يعد هناك لزوم لأي رسول آخر بعد محمد ، عليه الصلاة والسلام.  

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ۚ (المائدة ، 5: 3).

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر ، 15: 9).

وهكذا ، فإن محمداً ، عليه الصلاة والسلام ، كان آخر رسل الله ، وآخر أنبيائه أيضاً ، كما صرحت به الآية الكريمة 33: 40. ولم يعد هناك لزوم للأنبياء ، ليعظوا ويعلموا ويذكروا الناس بما في كتاب الله ، مثلما كان ما يقوم به الأنبياء من بعد موسى ، عليهم السلام جميعاً ، كما تخبرنا الآية الكريمة 5: 44. فقد أصبح ذلك من وظائف العلماء ، الذين ذكرتهم الآية الكريمة 3: 18 بالتقدير ، مباشرة بعد ذكر الله تعالى والملائكة المكرمين.

مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ (الأحزاب ، 33: 40).  

إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَ‌اةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ‌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا (المائدة ، 5: 44).

 شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (آل عمران ، 3: 18).

ويتمثل الفرق الجوهري الثاني بين الأنبياء والرسل في أن الله ، سبحانه وتعالى ، أيد رسله بمعجزات حسية نصرة للمؤمنين ، وليساعدهم في إقناع الناس بأنهم رسله حقاً. ومن أمثلة ذلك سفينة نوح ، وناقة صالح ، ونجاة إبراهيم من النار ، وعصا موسى ، والمعجزات الطبية التي قام بها عيسى ، والقرآن الكريم الذي أنزل على محمد ، عليهم صلاة الله وسلامه أجمعين. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن الرسالات التي بلغوها للناس قد اشتملت على نبوءات عن أحداث ستقع في مستقبل الأيام ، بهدف تعزيز إيمانهم عند وقوعها.

أما الأنبياء ، فقد أيدهم الله ، سبحانه وتعالى ، بتمكينهم من التنبؤ بأحداث المستقبل ، وذلك حتى يصدقهم الناس ويتبعون تعاليمهم عندما يرون حدوث تلك النبوءات أمام أعينهم. لكن الرسل جاؤوا هم أيضاً بنبوءات عديدة ، تضمنتها رسالات الله التي أنزلها عليهم. وهكذا ، فإنهم كانوا رسلاً وأنبياء معاً. أما الأنبياء ، فلم يكونوا رسلاً ، بمعنى أنهم لم ترسل لهم رسالات جديدة ليبلغوها للناس.

مُعْجِزَاتُ النَّبِيِ ، عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ، وَنَبُوءَاتُهُ

أيد الله ، سبحانه وتعالى ، رسوله محمد ، عليه الصلاة والسلام ، بالمعجزة الكبرى ، أي القرآن الكريم ، الذي تمثل آياته حقائق علمية ساطعة ، يكتشفها الناس في مختلف العصور ، كأدلة واضحة على أنه كلام الله ، الذي " لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ۖ (فصلت ، 41: 42). وقد تقدم بيان ذلك في الجزء الأول من هذا الكتاب ، وخاصة في الفصلين الثالث والرابع منه ، وفي الأجزاء الأخرى. والقرآن الكريم هو المعجزة الكبرى لأنه مستمر في وجوده وتأثيره ، وفي أنه موجه للناس كافة ، حتي يأتي أمر الله. أما المعجزات الأخرى التي أيد الله بها رسله السابقين ، فكانت وقتية ولم يعد لها وجود ، كما كانت محدودة التأثير، حيث أنها كانت موجهة لمجموعة خاصة من الناس ، الذين كانوا على قيد الحياة أثناء وقوعها ، ولم تكن موجهة للناس كافة.

ومن أهم المعجزات الأخرى التي أيد الله بها رسوله ، عليه الصلاة والسلام ، معجزة الإسراء والمعراج ، التي هي موضوع الفصل الثالث والعشرين من هذا الكتاب. فقد شاء الله ، سبحانه وتعالى ، أن يريه بعضاً من عظيم قدرته ، فأسرى به ليلاً من مكة المكرمة إلى القدس الشريف ، ثم عرج به إلى السماوات السبع وما فوقهن ، وأعاده بعد ذلك إلى فراشه في مكة. وقد حدث ذلك كله في وقت قصير من آخر الليل ، الأمر الذي كان عسيراً على الناس فهمه ، ليس فقط أثناء حدوث المعجزة ، وإنما لقرون عديدة بعد ذلك. أما في زماننا هذا ، فقد أصبح من الممكن قطع المسافة بين مكة المكرمة والقدس الشريف في دقائق معدودة ، باستخدام الطائرات ، خاصة الحربية منها ، التي تطير بأسرع من الصوت. كما أصبح في مقدورنا إرسال السفن والمجسات الفضائية لاستكشاف الكواكب الأخرى في مجموعتنا الشمسية ، وحتى خارجها. وهكذا ، كانت رحلة الإسراء والمعراج ، بالإضافة إلى ما تقدم ، إخباراً عن إمكانية الطيران على الأرض وفي الفضاء الخارجي ، وتدليلاً على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. [134]

كذلك ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، قد أيد نبيه محمداً ، صلى الله عليه وسلم ، بنبوءات عديدة عن أحداث المستقبل ، منها ما جاء ذكره في القرآن الكريم ، وتحقق في سنوات قليلة ، كتثبيت لإيمان المؤمنين وبشرى لهم ، مثل نبوءة انتصار الروم على الفرس في بضع سنين بعد هزيمتهم ، كما جاء في الآيات الكريمة (الروم ، 30: 2-4). [135] ومن النبوءات القرآنية التي لم تتحقق بعد ، عودة المسيح ، عليه السلام ، إلى الأرض ، وإيمان أهل الكتاب كلهم به ، كما جاء في الآية الكريمة (النساء ، 4: 159). [136]  

وبالإضافة إلى ذلك ، ذكر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، في أحاديثه لأصحابه ، رضوان الله عليهم ، العديد من النبوءات ، التي وقع بعضها بالفعل ، بينما لم يقع بعضها الآخر بعد. وفيما يلي أمثلة منها.

أولاً ، جاء في إحدى النبوءات أن المسلمين سيهزمون الإمبراطوريتين السائدتين آنذاك ، البيزنطية والفارسية. وقد وقع ذلك بالفعل ، عندما هزم المسلمون الروم البيزنطيين في معركة اليرموك عام 15 هجرية (636 ميلادية) ، ثم هزموا الفرس بعد ذلك ، في معركة القادسية ، في نفس العام أيضاً. ودخلت الشعوب التي كانت محكومة لهما في الإسلام.

فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسُول اللهِ ، صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ ، قال: "إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ." [137] 

ثانياً ، جاء في نبوءة أخرى أنه سيأتي يوم يتنافس فيه رعاة الشاة في بناء أعلى المباني. وقد حدث ذلك في زماننا هذا ، حيث تم تشييد أعلى بناء في العالم ، وهو برج خليفة ، في دبي ، في الإمارات العربية المتحدة. وقد ذكرت هذه النبوءة في الحديث الشريف الذي تم ذكره كاملاً في الفصل الثاني من هذا الكتاب ، "مُسْتَوَيَاتُ العَقِيدَةِ الثَّلَاثِ: الإسْلامُ وَالإيمَانُ وَالإحْسَانُ." ففي ذلك الحديث ، سأل جبريل ، عليه السلام ، النبيَّ عن الساعة ، وقال: أخبرني عن أمارتها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان." فقبل ظهور النفط في منطقة الخليج العربي ، كان كثير من الناس هناك حفاة فقراء يرعون الأغنام ، وهي ثلاث صفات ذكرت في الحديث الشريف. أما الصفة الرابعة ، أي العراة ، فإنها تنطبق على الجماعات السكانية التي كانت تعيش في غابات الأمازون ، والتي كان أفرادها عراة تماماً ، مثل اليانومامو. وبعد اكتشاف النفط والمعادن الأخرى هناك أيضاً ، نشأت مدن ضخمة ذات مبان عالية ، انتقل كثير منهم للعيش فيها ، مثل مدن مَناوس وسنتارِم وبيلِم في البرازيل. [138]

ثالثاً ، اشتمل الحديث التالي على ست نبوءات ، تحققت خمس منها. أما النبوءة الأولى (يُقبَض العلم) فلم تتحقق بعد. فلا تزال الدنيا بخير ، بتوفر كتابات أهل العلم السابقين والحاضرين ، والأحاديث المسموعة والمرئية للمعاصرين منهم ، والتي تصل إلى الناس في كل مكان وبكل اللغات ، بسبب توفر الشبكة العالمية وانتشارها في جميع أنحاء العالم. أما النبوءات الخمس الأخرى ، فقد تحققت في زماننا هذا ، فكثرت الزلازل ، وتقارب (قَصُرَ) الزمن الذي نقطعه من مكان إلى آخر بسبب وسائل المواصلات السريعة ، وظهرت الفتن في معظم البلدان ، وخاصة الإسلامية منها ، وكثر القتل نتيجة للحروب المستمرة ، كما كثر مال المسلمين خاصة نتيجة لوفرة النفط في بعض بلادهم. وكثر المال في العالم بصفة عامة ، نتيجة لإصدار العملات دونما رصيد من الذهب ، ونتيجة لاستعمال المال نفسه كسلعة تباع وتشترى ، ونتيجة لقدرة المصارف على زيادة رأسمالها بوسائل مختلفة ، مثل تحقيق الأرباح من بيع عقود القروض ، حتى من قبل أن تبدأ باستلام الفوائد المستحقة عليها.

فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال: قال النبي ، صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يُقبَض العلم ، وتَكثُر الزلازل ، ويتقارَب الزمان ، وتظهر الفِتن ، ويَكثُر الهرَج (وهو القتل) ، حتى يَكثر فيكم المال ، فيَفيض." [139]

رابعاً ، ذكر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أن أرض العرب ستعود مروجاً وأنهاراً ، وهي التي كانت لآلاف السنين وحتى الآن صحراء بلا أنهار. وهذا الحديث يشتمل على حقيقة كونية مؤداها أن شبه الجزيرة العربية كانت مملوءة بالمروج والأنهار قبل حوالي ثلاث وعشرين ألف سنة ، وهذا إعجاز علمي من لدن حكيم خبير أوحاه لنبيه ، وليس من قول البشر. كما أن النبوءة في الحديث يمكن تفسيرها إما بعودة المناخ الذي كان سائداً آنذاك بشكل طبيعي ، أي من خلال الدورات المناخية التي تمر بها الأرض ، وإما بتدخل الإنسان الذي أصبح باستطاعته الآن استخراج المياه الارتوازية الوفيرة من باطن الأرض ، وبتحلية مياه البحر وضخها في أنابيب ضخمة كالأنهار ، تحيل الصحراء الجرداء إلى مروجٍ خضراء.

فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ ... حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا." [140]

خامساً ، ومن أهم النبوءات التي لم تتحقق بعد ، والتي تعتبر من علامات الساعة الكبرى ، أي التي لا بد من حدوثها قبل قيام الساعة ، ظهور المهدي ونزول المسيح إلى الأرض وقتاله للدجال وانتصاره عليه ، كما جاء في الأحاديث الثلاثة التالية:

عن أبي سعيد الخُدري ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "المهدي مني ، أجْلى الجَبهة ، أقْنَى الأنف ، يَملأ الأرض قسطًا وعدلاً ، كما مُلِئتْ جَورًا وظلمًا ، ويَملِك سبع سنين." [141]

وعن حذيفة بن أَسيد الغفاري ، رضي الله عنه ، قال: اطَّلع النبي ، صلى الله عليه وسلم ، علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تَذاكرون؟" قالوا: نذكر الساعة. قال: "إنها لن تقوم حتى ترونَ قبلها عشر آيات. فذكَر الدُّخان والدجَّال ، والدابَّة ، وطلوع الشمس من مغربها ، ونزول عيسى ابن مريم ، صلى الله عليه وسلم ، ويأجوج ومأجوج ، وثلاثة خسوفٍ: خسف بالمشرق ، وخسْف بالمغرب ، وخسْف بجزيرة العرب. وآخر ذلك نار تَخرج من اليمن تَطرد الناس إلى مَحشرهم." [142]

كما روى النَّواس بن سَمعان ، رضي الله عنه ، حديثاً طويلاً عن نزول المسيح ، عليه السلام ، من السماء. وإنه سيَنزل في الشام ، ومتى ينزل ، وأنه سيُصلي في بيت المقدس بصلاة المسلمين ، وأنه سيَقتل الدجال. كما أخبر أن المسيح سيَحكم الأرض بشريعة الإسلام. [143]

الْخُلاصَةُ

نُطقُ الشهادتين هو الركن الأول في الإسلام ، والإيمان بهما يجلب السلام للنفس الإنسانية ، ويطمئن المؤمنين بأن وجودهم على الأرض ليس مصادفة ، وبأنهم في رعاية الله ، الذي أرسل لهم رسله لهدايتهم. فالشهادة الأولى إقرار بوحدانية الله ، خالق الكون ، الرحيم بعباده ، كما أنها قبول برسالاته ورسله. والشهادة الثانية إقرار بأن محمداً ، عليه الصلاة والسلام ، هو خاتم رسل الله وأنبيائه ، وإيمان بالقرآن الكريم الذي أنزله الله عليه. وتكمن أهمية الشهادتين معاً في أنهما يوجهان العبادات الأخرى لتكون في طاعة الله ، جل وعلا ، لنيل بركته ورحمته في الحياة الدنيا وفي الآخرة ، ولتعظيم فوائد العبادات لأقصى درجة ممكنة.

ويعزز ذلك كله وجود القرآن الكريم ، محفوظاً بمشيئة الله ، زاخراً بالنبوءات والآيات المعجزة التي تبين للناس في كل زمان ومكان بانه كتاب الله الذي أنزله هداية لهم. ويتعمق إيمان المؤمنين بالتأمل في نبوءات النبي التي تحققت ، ويزداد اطمئنانهم بعلمهم بما لم يقع منها بعد.

=========================================================================================

  الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّة لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ 

***

الْفَصْلُ الثَّانِي عَشَر

***

إقَامُ الصَّلاةِ

"رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ "

(النور ، 24: 37)

***

أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

***

مُقَدِّمَةٌ

فُرضت الصلوات الخمس على المسلمين عندما تلقى النبي الكريم محمد ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، الأمر بأدائها من الله ، عز وجل ، فوق السماء السابعة ، أثناء رحلة الإسراء والمعراج. وبعد عودته إلى الأرض ، قام جبريل ، عليه السلام ، بتعليمه كيفية أدائها ، بما في ذلك حركاتها ، وما يتلى في كل منها. [144] 

كما فُرض الوضوء قبل الصلاة ، استعداداً لها ، وذلك باستعمال الماء لتنظيف اليدين والفم والأنف والوجه والذراعين والأذنين ، ومسح الشعر والقدمين. والمحصلة أن الله ، سبحانه وتعالى ، أراد لعباده أن يكونوا على حالة دائمة من النظافة ، التي تعود بالفائدة الصحية المباشرة على العباد. [145]  

وتشتمل حركات الصلوات الخمس (الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء) على الوقوف والركوع والسجود والجلوس ، التي تعلمها المسلمون من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، ونقلوها لبعضهم البعض ، جيلاً بعد جيل ، كما وصفها علماؤهم في كتبهم. [156]

وللصلاة فوائد جمة ، خاصة إذا ما تم أداؤها بشكل صحيح ، باستكمال شروطها وأركانها وواجباتها وسننها. فمثلاً ، تمثل حركات الصلاة نشاطاً رياضياً يومياً ، مستمراً طيلة العام ، مما يؤدي إلى صحة الجسد وسلامته. فالوقوف تنشيط للجسم ، خاصة بعد النوم أو الجلوس والاسترخاء. والانحناء أثناء الركوع يؤدي لتمدد عضلات الظهر والعمود الفقري ، الأمر الذي يريحهما من الضغط الناتج عن الجلوس أو الوقوف لساعات طويلة في كل يوم. أما السجود ، فإنه يزود الدماغ بكميات أكبر من الدم ، المحتوي على مزيد من الأكسجين والعناصر الغذائية. كما أنه يتيح للدماغ التخلص من الموجات الكهرومغناطيسية ، التي تأتيه من الأجهزة الكهربائية والإلكترونية المتواجدة في المنازل وأماكن العمل وحتى في الشوارع. ويؤدي الجلوس إلى تمدد عضلات الأفخاذ والأرجل والأربطة والأوتار المتصلة بها ، فتصبح أكثر ليونة وقوة وصحة. [147]

وفي نفس الوقت ، تشتمل حركات الصلاة على فوائد روحية جمة ، متمثلة في التأمل والتفكر في معاني آيات القرآن الكريم التي يتم ترتيلها ، وكلمات التسبيح والتعظيم والتحميد لرب العالمين ، التي تُذكر في كل منها. فالتأمل والتفكر في تلك المعاني يؤديان إلى المحافظة على السلامة العقلية الداخلية للمتعبد ، الذي يصبح أكثر اطمئناناً في هذا العالم المتلاطم. وأهم من ذلك كله ، أن الصلوات الخمس تجعل المتعبد على اتصال مستمر بخالقه ، الأمر الذي يؤثر في سلوكه بشكل إيجابي ، كما يقوي النفس الإنسانية ويسهم في سلامتها وصحتها.

مَوَاقِيتُ أدَاءِ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ

وينبغي أن تؤدى الصلوات الخمس في أوقاتها ، كما ذكرها النبي ، عليه الصلاة والسلام ، وكما حددتها العلاقة اليومية المتغيرة ما بين الأرض والشمس. فلا خلاف على أن صلاة الفجر ينبغي أن تؤدى قبل شروق الشمس ، وأن المغرب بعد غروبها. أما صلاة الظهر، فإنها تحين بعد الزوال ، أي بعد تسع دقائق من وصول الشمس إلى كبد السماء ، ويبدأ الإنسان في رؤية ظله ، كما أنها تقع بعد أن يحين منتصف الوقت ما بين طلوع الشمس وغروبها. وتحين صلاة العصر بعدما يصبح ظل الشيء أكبر من مثله. [148]

وهناك خلاف على تحديد بداية كل من الفجر والعِشاء ، مما أدى إلى ظهور طرق حساب مختلفة بشأنهما في أرجاء مختلفة من العالم. والمتفق عليه بنص الحديث أن وقت صلاة العشاء يبدأ بعد غياب الشفق الأحمر للشمس من الأفق ، ويستمر إلى ثلث الليل أو إلى نصفه ، إن كانت هناك ضرورة لذلك. وظهر الاختلاف على تحديد وقت غياب الشفق الأحمر. فمثلاً ، عند مقارنة مواقيت صلاتي الفجر والعِشاء ، لمدينة أطلنطا ، بولاية جورجيا الأميركية ، حسب تقويمي أم القرى والجمعية الإسلامية في أميركا الشمالية ISNA) ، إسنا) ، في اليوم الأول من الخمسة أشهر الأولى من عام 2019 ، يتبين لنا اختلافاً ظاهراً بين التقويمين. [149]

فبالنسبة لميقات صلاة الفجر ، فإن تقويم أم القرى يحدده بحوالي 17-20 دقيقة قبل تقويم إسنا ، مما يشير إلى احتمال أداء صلاة الفجر قبل وقتها لمن يتبع تقويم أم القرى. أما بالنسبة لوقت العِشاء ، فإنه يتأخر حسب تقويم أم القرى بحوالي 19-25 دقيقة عنه حسب تقويم إسنا ، الأمر الذي يشق على الناس ، خاصة خلال أشهر الصيف التي يقصر فيها الليل. ونتيجة لهذه الاختلافات ، قام بعض العلماء ، مثل ابن عثيمين بانتقاد تقويم أم القرى ، مما يدعو إلى إعادة النظر فيه. [150]

عَدَدُ الرَّكْعَاتِ فِي كُلِّ صَلَاةٍ

تشتمل الصلاة في الإسلام على حركات جسدية مصاحبة لقراءة ما تيسر من القرآن الكريم ، وعلى كلمات في تسبيح الله ، سبحانه وتعالى ، وتعظيمه وتحميده ، تقال في كل حركة ، تمييزاً وتوقيتاً لكل منها. وتتكون كل صلاة من عدد محدد من الركعات ، التي تتضمن الوقوف والركوع والسجود والجلوس على الأرض ، وكلها حركات رياضية فريدة في نوعها ، تختلف عما يقوم به الناس في أنشطتهم اليومية. وتتأتى فائدتها بتكرارها المنتظم خلال اليوم الواحد ، بعدد متوسط من الركعات لا هو قليل لا يحقق الفوائد المرجوة ، ولا هو كثير يتعسر أداؤه. فهناك سبع عشرة ركعة مفروضة ، ومثلهن على الأقل من السُّنة ، زيادة في الفائدة الروحية والجسدية لمن استطاع القيام بها ، وهي كما يلي: [151]

1. الفجر: ركعتان مفروضتان ، وركعتان من السُّنة ، تُصَلَّى قبل الفرض.

2. الظهر: أربع ركعات مفروضة ، وأربع ركعتان من السُّنة ، اثنتان قبل صلاة الفرض واثنتان بعدها.

3. العصر: أربع ركعات مفروضة ، وركعتان مستحبتان قبلها.

4. المغرب: ثلاث ركعات مفروضة ، وركعتان مستحبتان قبلها ، وركعتان من السُّنة ، تصلى بعد الفرض.

5. العِشاء: أربع ركعات مفروضة ، ، وركعتان مستحبتان قبلها ، وركعتان من السُّنة ، تصلى بعد الفرض ، ثم الوتر بعدهما. [152]

صَلاةُ الفَجْرِ ، كَمِثَالٍ عَلَى كَيْفِيَّةِ أدَاءِ الصَّلاةِ

يمكن تقسيم القيام بالصلاة إلى إحدى عشرة مرحلة ، وفيما يلي تطبيق لذلك على صلاة الفجر ، لكونها أصغر الصلوات ، من حيث عدد الركعات:

أوَّلاً: الْوُضًوءُ

على المسلم أن يكون نظيفاً في كل الأحوال ، وذلك بالاستحمام المنتظم. وقد أمرنا الخالق ، عز وجل ، بالنظافة قبل كل صلاة ، وذلك بالقيام بالوضوء ، الذي يتضمن تنظيف أعضاء الجسم الخارجية بالماء. ويشمل ذلك اليدين والفم والأنف والوجه والذراعين والأذنين ، ومسح الشعر والقدمين. وإذا ما تعذر وجود الماء ، فللمرء أن يتيمم ، محاكياً لوضوء ، وذلك بمسح الوجه والكفين. ويحقق الوضوء أو التيمم ارتقاء الإنسان إلى مرتبة روحية أفضل ، استعداداً لمخاطبة خالقه والوقوف بين يديه في أحسن حالة ممكنة. [153] 

ثَانِيَّاً: اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ

ينبغي على المسلم أن يستقبل القبلة عند كل صلاة ، وذلك بالاتجاه بوجهه نحو الكعبة المشرفة ، أول بيت لعبادة الله على الأرض ، وذلك تنفيذاً لأمره ، سبحانه وتعالى ، الذي تضمنته الآية الكريمة 2: 150 ، "وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ (البقرة ، 2: 150).

وعلى الأصحاء الوقوف على أرضية نظيفة ، بينما رُخص للمرضى أن يصلوا على أية حال تناسبهم ، كالجلوس أو الاضطجاع على ظهورهم أو على جنوبهم. وفي كل الأحوال ، على المصلي أن يتحرى اتجاه القبلة ، الذي أصبح أمراً يسيراً في أيامنا هذه ، من خلال الشبكة العالمية ، الموجودة على أجهزة الهواتف الذكية. كما يمكن معرفة اتجاه القبلة بصفة عامة باستخدام البوصلة. لكن ذلك يتطلب معرفة درجة المدينة ، وهي معلومة منشورة على مواقع عديدة في الشبكة العالمية ، تعني بهذا الأمر.

ثَالِثَاً: الأَذَانُ

الأذان للصلاة هو إعلان بقدوم وقتها ، ولذلك فهو فرض كفاية ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه مالك بن الحويرث ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بأنه قال: "ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا عندهم وعلموهم ومروهم ، فإذا حضرت الصلاة ، فليؤذن لكم أحدكم ، وليؤمكم أكبركم." وقد أقر الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، كلمات الأذان بناء على رؤيا للصحابي عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، رضي الله عنه ، رأى مثلها عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه. وكان الصحابي بلال بن رباح ، رضي الله عنه ، أول من نادى به ، لجمال صوته. ونص الأذان كما يلي: [154]  

ألأذانُ

الله أكبرُ اللهُ أكبر ، الله أكبرُ اللهُ أكبر

أشهدُ ألآ إلهَ إلا الله ، أشهدُ ألا إلهَ إلا الله

أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله ، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله

حَيِّ عَلَى الصلاة ، حَيِّ عَلَى الصلاة

حَيِّ عَلَى الفلاح ، حَيِّ عَلَى الفلاح

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر ،

لا إلهَ إلا الله.

رَابِعَاً: إقَامَةُ الصَّلاةِ

إقامة الصلاة هي الإعلان الثاني للصلاة ، الذي ينادَى به قبل البدء في الصلاة مباشرة ، سواء كانت صلاة جمعية أم فردية. وتشتمل على كل ما جاء في الأذان ، ولكن بدون تكرار الشهادتين والنداءين للصلاة والفلاح ، مع إضافة عبارة "قد قامت الصلاة" مرتين ، كما يلي: [155]

الله أكبرُ اللهُ أكبر ، أشهدُ أن لا إلهَ إلا الله ، أشهدُ أنَّ محمداً رسولُ الله

حَيِّ عَلَى الصلاة ، حَيِّ عَلَى الفلاح ، قد قامت الصلاةُ ، قد قامت الصلاة

اللهُ أكبرُ اللهُ أكبر ، لا إلهَ إلا الله

خَامِسَاً: النِّيَّةُ وَالتَّكْبِيرُ

عندما يقف المسلم للصلاة ، فإنه يكون قد نوى لأدائها. لذلك ، فمن غير الضروري أن يتلفظ بالنية ، إلا عند الشافعية ، الذين استحبوا التلفظ بها. وهناك إجماع على التكبير، أي على قول "الله أكبر" ، إيذاناً ببدء الصلاة ، وذلك جهراً للإمام وسراً للمأموم والمنفرد ، وأجاز المالكية جهرَها للجميع. وقال النووي الشافعي ، رحمه الله: " أما غير الإمام ، فالسنة الإسرار بالتكبير ، سواء المأموم والمنفرد." ومن سنن الصلاة رفع الكفين فوق المنكبين وبمحاذاة الأذنين ، تأسياً بما كان يفعله الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، الذي أتاح للناس خيارات عديدة ، تسهيلاً عليهم. [156]

سَادِسَاً: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةُ

بعد استقبال القبلة وتكبيرة الإحرام ، يضع المصلي اليد اليمنى على اليسرى ، فوق السرة وأسفل الصدر ، أو أسفل السرة ، أو حتى يرسل اليدين كلية. وفي كل هذه الأحوال ، يمثل ذلك تأدباً مع الله ، عز وجل. ثم يستعيذ المصلي بالله قائلاً: " أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ." ويقرأ سورة الفاتحة ، التي تمثل المرحلة السادسة من الصلاة ، وهي أول سورة في القرآن الكريم.

ولا خلاف على أن جميع سور القرآن الكريم تبدأ بالبسملة ، مع أنها ليست جزءاً منها ، فيما عدا سورة التوبة ، التي لا تبدأ بها. لكنْ هناك خلاف عما إذا كانت جزءاً من الفاتحة أم لا. وعلى الرغم من ذلك الخلاف ، على المأموم والمنفرد في الصلاة أن يبدآ بالاستعاذة والبسملة سراً ، قبل قراءة الفاتحة في الركعة الأولى ، والبسملة فقط في الركعات الأخرى. أما الإمام ، فله أن يجهر بهما في الصلوات الجهرية ، تعليماً للمأمومين ، كما فعل الصحابة ، رضوان الله عليهم ، وهناك أدلة قوية على كل ذلك. [157]

الفاتحة:

أعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿١ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿٢ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ ﴿٣ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴿٤ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴿٥ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴿٦ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴿٧ (الفاتحة ، 1: 1-7).

سَابِعَاً: قِرَاءَةُ آيَاتٍ مِنَ القُرْآنِ الْكَرِيمِ ، بَعْدَ الْفَاتِحَةِ 

من المستحب قراءة آيات من القرآن الكريم ، بعد الفاتحة ، في الركعتين الأوليين ، سواء من قصار السور أو أطول من ذلك ، حسب استطاعة كل مصلٍ. وكان النبي ، عليه الصلاة والسلام ، يطيل القراءة في الفجر ويقصرها في المغرب. وأفضل القراءة الترتيل ، أي وصل الحروف والكلمات على ضرب من التأني والتدبر ، لقوله سبحانه وتعالى: "ورتل القرآن ترتيلا" (المزمل ، 73: 4). [158]

ثَامِنَاً: الرُّكُوعُ

عند الانتهاء من قراءة الفاتحة وما تيسر من آي الذكر الحكيم ، يُكَبِّرُ المصلي إيذاناً بالانتقال إلى المرحلة الثامنة من الصلاة ، وهي الركوع. فينحني جاعلاً ظهره ورأسه موازيان للأرض ، وواضعاً كفيه على ركبتيه ، قائلاً: "سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ" ثلاث مرات ، كما روى عقبة بن عامر ، رضي الله عنه. وللمصلي أن يزيد أذكاراً أخرى في الركوع ، مثل "سبحانَك اللهمَّ ربَّنا وبحمدِكَ ، اللهمَّ اغفِرْ لي" و "سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ ، ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ" ، كما روت أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها. [159]

تَاسِعَاً: رَفْعُ الرَّأسِ وَالوُقُوفُ بِاعْتِدَالٍ

وبعد الركوع ، يرفع المصلي رأسه ، ويقف باعتدال واطمئنان ، ثم يقول: "سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه" ، سواء كان إماماً أم منفرداً. ويلي ذلك قوله: " رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ." وكذا الأمر بالنسبة للمأموم ، الذي عليه أيضاً أن يقول: "ربنا ولك الحمد" ، بعد أن يسمع قول الإمام: "سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه." وتلك هي سنة النبي ، عليه الصلاة والسلام ، كما نقلها لنا الصحابة ، رضوان الله عليهم. [160]

عَاشِرَاً: السُجُودُ

بعد الاطمئنان وقوفاً واعتدالاً ، والتلفظ بحمد الله ، يُكَبِّرُ المصلي إيذاناً بالانتقال إلى المرحلة العاشرة من أداء الصلاة ، وهي السجود. ويحدث ذلك عندما يَخِرُّ المصلي إلى أرضية المكان الذي يصلي فيه ، واضعاً وجهه عليها. وأكمله تمكين الجبهة والأنف والكفين والركبتين وأطراف أصابع القدمين من محل السجود ، وأقله وضع جزء من كل عضو على محل السجود ، كما جاء في حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما. ثم يقول: "سُبْحَانَ رَبِيَ الأعْلَى وَبِحَمْدِهِ" ثلاث مرات ، كما روى عقبة بن عامر ، رضي الله عنه. وللمصلي أن يزيد أذكاراً أخرى في السجود كما يفعل في الركوع ، مثل "سبحانَك اللهمَّ ربَّنا وبحمدِكَ ، اللهمَّ اغفِرْ لي" و "سُبُّوحٌ، قُدُّوسٌ ، ربُّ الملائكةِ والرُّوحِ" ، كما روت أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها. [161]

ثم يكبر المصلي ويجلس باطمئنان ، ويكبر مرة أخرى قبل أن يسجد مرة أخرى. وبتمام السجدتين ، يكون المصلي قد أكمل ركعة من الصلاة ، فيقف مكبراً ليأتي بالركعة الثانية ، معيداً للمراحل العشرة السالفة الذكر.

حَادِي عَشَر: التَّشَهُدُ

بعد أن يُتِمَّ المصلي الركعة الثانية ، يجلس لقراءة التشهد بجزئيه في صلاة الفجر ، والجزء الأول منه في الصلوات الأخرى ، ثم كاملاً بعد تمام الركعات الأخرى من صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وعند الانتهاء من التشهد ، يسلِّمُ المصلي يميناً وشمالاً ، قائلاً: "السلام عليكم ورحمة الله (وبركاته)." ونص التشهد كما يلي: [162]

الجُزْءُ الأولُ:

التَّحِياتُ المُبَارَكَاتُ ، وَالصَّلَوَاتُ الطَّيبَاتُ للهِ ،  السَّلامُ عَلَيكً أيُهَا النبيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ

 السُلامُ عَلَينَا وَعَلى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ ،  أشْهَدُ أنَّ لا إلهَ إلا الله ، وأشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ الله.

الجُزْءُ الثَانِي:

اللَهُمَّ صَلَّي عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ،  كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيم

 وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ،  كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إبْرَاهِيمَ ، وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيم

 فٍي الْعَالَمِينَ ،  إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.

التَّسْلِيمُ ، يَمِينَاً ثُمَّ شِمَالاً: السلام عليكم ورحمة الله (وبركاته)

تسبيحُ ما بعدَ الصلاة:

من المستحب للمصلي أن يسبحَ لله ويحمِدَهُ ويكبرَ لهُ بعد انتهاء الصلاة ، قائلاً: سبحانَ الله ، الحمدُ لله ، اللهُ أكبر ، وذلك بثلاث وثلاثين مرة لكل تسبيحة ، وبختمِ ذلك مرة واحدة بقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير." [163]

الْخُلَاصَةُ

 للصلاةِ أهميةٌ خاصةٌ في الإسلامِ ، فهيَ اتصالٌ يوميٌ بالخالقِ ، عزَّ وجل ، يجلبُ السلامَ والطمأنينةَ للمُصلينَ ، ويسبقُها الوضوءُ نظافةً للجسمِ ، وفي حركاتِها فوائدُ عظيمةٌ لعضلاتهِ وأعضائِهِ المختلفةِ. وفيها كسرٌ لرتابةِ الحياةِ اليوميةِ ، كما أنها ضبطٌ محكمٌ للوقتِ في كلِّ يوم. وفي أدائِها جماعةً ألفةٌ وتواصلٌ وتعارفٌ بينَ المصلين. كما أنَّ في جَهرِها مَغرِباً وعِشاءً وصبحاً فرصةً لتلاوةِ القرآنِ الكريمِ والاستماعِ لهُ بشكلٍ مستمرٍ طيلةَ العام. 

 ومن أعظمِ بركاتِ الصلاةِ اشتمالُها على الفاتحةِ ، التي يَحْمِدُ فيها المُصلي ربَّهُ ، ويطلبُ عونَهُ وهدايتَه. كما يُقدِّمُ التحياتِ لخالقِهِ ، عزَّ وجل ، ويسألُهُ الصلاةَ والبركاتِ على خاتَمِ الأنبياءِ والمرسلينَ ، محمدٍ ، وعلى رسولِ اللهِ إبراهيمَ ، وآلِهِما أجمعين.


==============================================================================================

 

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّة لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

***

الْفَصْلُ الثَّالثُ عَشَر

***

إيتَاءُ الزَّكَاةِ ، الفريضةُ الثالثةُ في الإسلام

***

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

*** 

مُقَدِّمَةٌ

الزكاة هي الفريضة الثالثة ، بعد الشهادتين وإقام الصلاة ، والتي يمثل إيتاؤها إحدى العبادات الخمس الرئيسة في الإسلام. ويبين لنا القرآن الكريم والحديث الشريف أن الزكاة طهارة للنفس الإنسانية وتنقية لها من الشح والبخل. [164]

 وكلمة "زكاة" هي الاسم المشتق من الفعل "زكَّى" ، الذي ذكر بأشكاله المختلفة في آيات عديدة من القرآن الكريم. وقد ذكرت كلمة "الزكاة" في صيغة الاسم 32 مرة ، جاءت 26 مرة منها في نفس الآية مباشرة ، بعد الصلاة. وكذا كان الحال لصيغتي الفعل الأخريين ، "تزكى" و "يتزكى" ، اللذين ذكرا مباشرة أيضاً بعد الصلاة في الآية. [165]  

ويشتمل هذا الفصل على آيات كريمة ذات صلة بموضوع الزكاة ، خاصة تلك المتعلقة بطرق أداء هذه العبادة ، التي فرضها الله ، سبحانه وتعالى ، على عباده المؤمنين. كما يشتمل على آيات عن معاني الزكاة ، والمنتفعين منها ، وثواب مؤديها ، وعقاب مانعها ، وأسباب فرضها ، وفوائدها العائدة على الأفراد والمجتمعات ، وأحكام أدائها ، وكيفية تقديرها. وغني عن القول ، أن هذه الموضوعات قد تم تناولها كمبادئَ ومعلوماتٍ عامةٍ ، من غير تفصيل ، الأمر الذي يقتضي من القراء أن يستشيروا ذوي الاختصاص من علماء المسلمين ، في أماكن تواجدهم ، فيما يتعلق بتفاصيل تقدير زكاتهم وكيفية أدائها.

1. الآيَاتُ الْكَرِيمَةُ المُشْتَمِلَةُ عَلَى الأمْرِ بِالزَّكَاةِ

أمر الله ، سبحانه وتعالى ، المسلمين بإيتاء الزكاة ، فيما أصبح يعرف بالعبادة الثالثة ، المفروضة عليهم. وفي معظم الأحيان ، كان الأمر بإيتاء الزكاة يعقب مباشرة الأمر بإقام الصلاة ، كما يتضح في الآيات الثلاث التالية.

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (البقرة ، 2: 43).  

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ ۗ إِنَّ اللَّـهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (البقرة ، 2: 110). 

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (النور ، 24: 56).  

2. إيتَاءُ الزَّكَاةِ: العِبَادَةُ الثَّالِثَةُ المَفْرُوضَةُ عَلَى المُؤمِنِين

بالإضافة لكون الزكاة هي العبادة الثالثة المفروضة على المسلمين ، فإنها كانت أيضاً مفروضة على المؤمنين السابقين لبعثة محمد ، عليه الصلاة والسلام ، كما جاء في الآيات الكريمة التالية.

إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (المائدة ، 5: 55). 

وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ أُولَـٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّـهُ إِنَّ اللَّـهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (التوبة ، 9: 71). 

وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (مريم ، 19: 31). 

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴿٥٤ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴿٥٥ (مريم ، 19: 55- 56). 

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ ﴿٧٢ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴿٧٣ (الأنبياء ، 21: 72- 73). 

3. مِنْ مَعَانِي إيتَاءِ الزَّكَاةِ

أمرَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، الموسرين من عباده الإنفاق مما آتاهم به على الأوجه التي بينها لهم في الآية الكريمة 103 من سورة التوبة (9) ، وسمى ذلك بأنه "صدقة" ، وهي اسم مشتق من الفعل "تصدق" ، الذي ذُكر هو ومشتقاته في القرآن الكريم تسع عشرة مرة. لكنه ، عز وجل ، وصف الصدقة بالزكاة لأنها تضفي على المتصدقين الطهر وتسبغ عليهم المديح ، وترتقي بهم إلى مستويات أعلى من اللطف والتعاطف ، مما يؤهلهم للعناية بالمحتاجين من عباده ، كما يتضح من الآيات الكريمة التالية. [166]    

كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (البقرة ، 2: 151). 

 خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (التوبة ، 9: 103). 

وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ (فاطر ، 35: 18).  

قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (النور ، 24: 30). 

يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا ﴿١٢ وَحَنَانًا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا  (مريم ، 19: 12- 13). 

 قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا (مريم ، 19: 19). 

قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (الشمس ، 91:  9). 

الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ (الليل ، 92: 18).  

4. لِمَن تُصْرَفُ الزَّكَاةُ؟

حددت الآيات الكريمة ثلاث عشرة فئة من الناس تنفق عليها الزكاة ، تشمل الفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل (التوبة ، 9: 60) ، والسائل والمحروم (المعارج ، 70: 25) ، وذوي القربى واليتامى والسائلين (البقرة ، 2: 177) ، كما يلي:

إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّـهِ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (التوبة ، 9: 60). 

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ﴿٢٤ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿٢٥ (المعارج ، 70: 24-25). 

 لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (البقرة ، 2: 177). 

5. ثَوَابُ الْمُزَكِّينَ

وَعَدَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، المزكين من عباده المؤمنين أجراً عظيماً في الدنيا بأن يخلف لهم ما أنفقوه ، وفي الآخرة ، بأن يُعطيهم أضعافاً مضاعفة من الثواب ، مشمولين برحمته ، خالدين في جنته ، ومتجنبين لعذابه ، كما بين لنا في الآيات الكريمة التالية:

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة ، 2: 277). 

وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ﴿١٧ الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىٰ ﴿١٨ (ألليل ، 92: 17- 18). 

لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا (النساء ، 4: 162). 

وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَـٰذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (الأعراف ، 7: 156).  

جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ مَن تَزَكَّىٰ (طه ، 20: 76).  

الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ (الحج ، 22: 41). 

وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّـهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّـهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ (الروم ، 30: 39).  

وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ۖ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (سبأ ، 34: 39).

6. عِقَابُ الْمَانِعِينَ لِلزَكَاةِ

إن الذين لا يؤدون الزكاة المستحقة عليهم مصيرهم العذاب في نار جهنم ، التي يُحمى فيها ما كانوا يكنزون من الذهب والفضة ، لتكوَى بها أجسامهم ، عذاباً لهم لعدمِ إيتاءِ الزكاة في الحياة الدنيا ، كما تنذرهم الآيات الكريمة 41: 6-7 و9: 34-35.

 قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ ﴿٦ الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ ﴿٧ (فصلت ، 41: 6- 7). 

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِّنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴿٣٤ يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ ﴿٣٥ (التوبة ، 9: 34-35).

7. الحِكْمَةُ مِنْ فَرْضِ إيتَاءِ الزَّكَاةِ

وَصَفَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، نفسه بأنه الرحمن الرحيم ، الذي يشمل برحمته ونفعه جميع مخلوقاته. ولذلك فإنه أمر المؤمنين من عباده أن يقتدوا به ، فينفقوا صدقاتهم في أوجه الخير التي حددها لهم ، لمنفعة إخوانهم وأخواتهم من البشر ، المستحقين لها ، في أوجه عديدة.

فأولاً ، تهدف جميع أوامر الله إلى منفعة الناس ، كأفراد وجماعات ومجتمعات ، وحتى على مستوى الأرض كلها. فبينما النظافة الناتجة عن الوضوء ، وحركات أداء الصلاة ، والصوم في رمضان ، تؤدي إلى فوائد جمة للروح والجسد معاً ، فإن إيتاءَ الزكاةِ يجلب السعادة للنفس الإنسانية أيضاً. ويتأتى ذلك نتيجة لتطهيرها والارتقاء بها إلى مستوىً أعلى من التعاطف ، مما يؤدي إلى رضى النفس وسلامِها الداخلي. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن امتثال المُزكين لأوامر ربهم ، جل وعلا ، يزيدُهم رضىً وسعادة في حياتهم الدنيا على هذه الأرض ، لعلمهم أن ذلك يقربهم من الخالق العظيم ، الذي وعدهم الجزاء الأوفى ، الذي ينتظرهم في الحياة الأخرى.

ثانياً ، فَرَضَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، الزكاة كحق لمستحقيها على الأغنياء من الناس. وهذا الحق مبنيٌ على حقيقة أن نجاح الأفراد في جمع الأموال لا يعودُ إلى صفاتهم وجهودهم فقط ، وإنما إلى إسهام العديد من الناس والظروف في مساعدتهم لتحقيق ذلك النجاح. فمثلاً ، يعود نجاحُ الأفراد إلى نشأتهم في أسر طيبة توفر لهم ما يحتاجونه من مأكل وملبس وملجأ ومعاملة حسنة أثناء فترة نموهم. كما أن ذلك النجاح يعتمد أيضاً على الحياة في بيئة اجتماعية سليمة ، في الحي والقرية والمدينة ، توفر لهم مستلزمات النجاح ، كالرعاية الصحية والتعليم والأمن. وهكذا ، فإن إيتاء الزكاة ليس مِنَّةً من الأغنياء إلى الفقراء في المجتمع ، وإنما هو ردٌ للجميل الذي فاء به المجتمع على الأغنياء قبل غناهم ، أي أنه حقٌ للمحتاجين في ثروات الموسرين ، كما جاء في الآيات الكريمة 70: 24-25 و6: 141 ، وفي الحديث الشريف.

وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ ﴿٢٤ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ﴿٢٥ (المعارج ، 70: 24-25).  

كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأنعام ، 6: 141).  

وعن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بعث معاذاً ، رضي الله عنه ، إلى اليمن ، فقال (له): "... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم ، تؤخذ من أغنيائهم ، وترد على فقرائهم." [167]

ثالثاً ، من حكمة فرض إيتاء الزكاة أيضاً أنه يمثل تجسيداً للتكافل الاجتماعي ، مما يسهم في مزيد من الاستقرار والازدهار في المجتمع. فبه يشعر الفقراء بأنهم جزءٌ من المجتمع ، وليسوا مهملين فيه ، كما جاء في الحديث الشريف.

فعن النعمان بن بشير ، رضي الله عنهما ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ ، مَثَلُ الْجَسَدِ ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى." [168]

أما إذا لم يعترف الأغنياءُ بهذا الحق ، كما يحدث في مجتمعات كثيرة ، فإن الفقراء يردون على ذلك بالاشتراك في الاضطرابات والثورات التي ربما تأتي بالضرر على المجتمع كله ، وليس على الظالمين فقط ، كما حذرت الآية الكريمة 8: 25.

وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال ، 8: 25). 

رابعاً ، يعودُ إيتاء الزكاة بفوائدَ اقتصاديةٍ مباشرةٍ على الفرد ، وغيرِ مباشرةٍ على المجتمع. فعندما تُعطى الزكاة ، فإنها بلا شك تفيد المتلقين لها ، حيث تمكنهم من شراء ما يحتاجونه من سلع وخدمات. وفي نفس الوقت ، فإن ذلك يعود بالنفع على المجتمع ككل ، من خلال التأثير الاقتصادي المضاعِف ، الذي يستفيد منه المنتجون والإداريون والوسطاء وتجار الجملة وتجار المفرق وغيرهم من البائعين والمشترين. وهكذا ، يتضاعف فعل العطاء مراتٍ عديدةٍ ، في فوائده للمجتمع. ولذلك ، وَعَدَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، المنفقين أن يضاعفَ لهم الثوابَ ، مكافأة لهم على الآثار الاقتصادية المضاعِفة والمفيدة للمجتمع ، الناتجة عن إنفاقهم ، كما ذكرت لنا الآية الكريمة 2: 261.

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّـهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة ، 2: 261). 

أخيراً ، إذا ما توقف الأغنياء عن دفع الزكاة لمستحقيها من الفقراء ، فإن دورانَ الثروة يصبح محصوراً بين الأغنياء فقط ، وهوَ الآمرُ الذي حذرت منه الآية الكريمة 59: 7 ، وذلك لأنه يعود بالضرر على المجتمع. فيحد ذلك من دورانِ رأس المال ، وبالتالي إلى تقليل الآثار المضاعِفة في الاقتصادات المحلية ، وفي الاقتصاد العالمي ككل. 

كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنكُمْ ۚ (الحشر ، 59: 7).

8. أوَامِرُ اللهِ لِلْمُسْلِمِينَ بِطَاعَةِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ

أمر الله ، سبحانه وتعالى ، المسلمين بعبادته من خلال القيام بأعمال الخير ، خاصة العبادات الخمس المعروفة: الشهادتان ، وإقامُ الصلاة ، وإيتاءُ الزكاة ، وصومُ رمضان ، وحِجُّ البيت لمن استطاع إليه سبيلا. لكن كتاب الله المتضمنَ لأوامره لا يحتوي على تفاصيل أداء هذه العبادات ، وهوَ الأمرُ الذي أوكله الله لرسوله ، عليه الصلاة والسلام ، ليبيننه للناس (16: 44) ، ويعلمَهم ، كما علمه جبريل ، عليه السلام (53: 5).    

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (النحل ، 16: 44).

عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (النجم ، 53: 5). 

كما أمَرَ اللهُ ، سبحانه وتعالى ، المسلمين بطاعة الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، واتباعِ سنته من قول وفعل وتقرير ، خاصة شروحه وتوضيحاته لمعاني الآيات الكريمة ، بما في ذلك تلك المتضمنة للعبادات ، حتى يتمكنوا من تأديتها كما ينبغي لها أن تؤدى. ومن أمثلة ذلك ما ورد في الآيات الكريمة التالية:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (النساء ، 4: 59). 

فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ (النساء ، 4: 65). 

مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّـهَ (النساء ، 4: 80). 

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (الأحزاب ، 33: 36). 

وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (الحشر ، 59: 7).

9. أحْكَامُ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرِهَا 

وهكذا ، علَّمنا رسولُ اللهِ ، صلى الله عليه وسلم ، كيفية الصلاة ، بما في ذلك عدد الركعات والحركات ، وما نقول في كل حركة. كما علمنا كيفية الصيام وشروطه ، وكيفية أداء مناسك الحج. وشملت أحاديثه الشريفة تعريفنا بأحكام الزكاة ومقاديرِها في أصناف الثروة المختلفة ، من أموال وعقارات وزروع وأنعام.

زَكَاةُ الثَّرَوَاتِ المَالِيَّةِ

علَّمنا رسولُ اللهِ ، صلى الله عليه وسلم ، أن زكاة الثروات المالية هي ربعُ العشرِ ، أي 2.5% ، سواء كانت ذهباً أو فضة أو أوراقاً مالية ، أو بضائع تقدر بمال. وتجبُ الزكاةُ فيها بعد بلوغها النصاب ، ويحولُ عليها الحولُ ، حسب التقويم القمري ، الذي يقل عن التقويم الشمسي بأحد عشر يوماً في كل سنة.

فعن أم المؤمنين عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، أنها قالت: "سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: "لَا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ" (ابن ماجه: 1782).

يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ (البقرة ، 2: 189).

أما نصابُ الزكاة فهو عشرون ديناراً ذهبياً فأكثر ، وهذا يعادل 85 قراما من الذهب ، في عصرنا الحالي. فتجبُ الزكاةُ إذا ما توفر هذا المقدار من الذهب ، على الأقل ، لدى شخص لمدة سنة قمرية. ويبلغ نصابُ الزكاةِ من الفضة مائتا درهم ، أي 559 قراماً منها ، في أيامنا هذه. [169]

فعن ابْنِ عُمَرَ وأم المؤمنين ، َعَائِشَةَ ، رضي الله عنهما ، "أَنَّ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا نِصْفَ دِينَارٍ ، وَمِنْ الْأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا." [170]

وعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ، رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ: "هاتوا رُبُعَ العشورِ ، مِن كلِّ أربعينَ درهمًا درهمٌ. وليسَ عليكُم شيءٌ (يعني في الفضة) ، حتَّى تتِمَّ مائتَي درهَمٍ. فإذا كانَت مائتَي دِرهمٍ ، ففيها خمسةُ دَراهمَ. فَما زادَ ، فعلَى حِسابِ ذلِكَ." [171]

زَكَاةُ العُرُوضِ التِّجَارِيَّةِ

تشملُ العروضُ التجاريةُ مختلفَ صنوفِ الممتلكات التي تُستغل بغرض الحصول على الأرباح (المستغَلات) ، مثل المصانع والمباني وسيارات النقل والطائرات. ويرى الجمهور من علماء المسلمين أن زكاة العروض التجارية هي 2.5% من أرباحها السنوية. أما رأي الأقلية ، فيتلخص في أن زكاة هذه العروض ينبغي أن تحسب على أساس القيمة السوقية لكل منها ، بالإضافة إلى أرباحها السنوية.

أما بالنسبة للمواد الخام ، والسلع المصنعة ، والنقود المستعملة كسلعة تجارية ، والأسهم التجارية ، وأسهم الصناديق الاستثمارية ، فزكاتها تحسب على أساس 2.5% من قيمتها الصافية ، بعد خصم التكاليف الإدارية. وتستثنى من ذلك أسهم الشركات الصناعية ، التي تحسب زكاتها على أساس 10% من أرباحها السنوية ، وليس من قيمتها السوقية وأرباحها معاً. [172]

زَكَاةُ الزُّرُوعِ وَالمُنْتَجَاتِ الزِّرَاعِيَّةِ

حَدَدَ النبيُّ ، عليه الصلاة والسلام ، نصابَ الزكاةِ في الزروع والإبل في الحديث الذي رواه أبو سعيد الخُدْري ، رضي الله عنه ، والذي قال فيه: "ليس فيما دون خمسة أوسقٍ مِن التمر صدقةٌ ، وليس فيما دون خمس أواقٍ من الوَرِق صدقةٌ ، وليس فيما دون خمس ذودٍ من الإبل صدقةٌ." [173]

وهذا يعني أن نصاب الزكاة في الزروع والثمار هو خمسة أوسق. والوَسْق ستون صاعاً ، فيكون النصاب ثلاثمائة صاع. وتبلغُ زنةُ الصاعِ 2035 قراماً. أي أن النصاب بمعاييرنا الحديثة هو: 610,500 قراما ، أي ستمائة وعشرة كيلوقرامات ونصف. ولا تجب الزكاة في أقل من ذلك.

أما مقدارُ الزكاةِ الواجب إخراجها في الحبوب والثمار ، فهو العُشر كاملاً فيما سُقِي بدون كُلفة ، ونصف العُشر فيما سُقي بكلفة ، كما جاء في حديث عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، الذي روى فيه عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه سنَّ: " فِيما سَقَتِ السَّمَاءُ والعُيُونُ أَوْ كانَ عَثَرِيًّا العُشْرُ، وما سُقِيَ بالنَّضْحِ نِصْفُ العُشْرِ." [174]

وهذان الحديثان مكملان لبعضهما البعض. فالحديث الأول ينص على اشتراط النصاب لإخراج زكاة الزروع ، وهو خمسة أوسق فما فوق. أما الحديثُ الثاني ، فيدلُ على وجوب إخراج الزكاة ، وهي العشر فيما كان عُثرياً ، ونصف العشر إن كان مروياً. ومعنى عَثرياً ، أي بعلياً ، أي أنه نبت في أرض رطبة ، أو أن جذوره تصل إلى الماء ، كالنخيل. [175]  

والجدير بالذكر أنَّ الكثيرَ من المنتجات الزراعية في عصرنا الحاضر يدخلُ في إنتاجها عناصر كثيرة مثل اليد العاملة وأنظمة الري والأسمدة والمبيدات الحشرية والتعبئة والمواصلات ، سواء كان المنتِج مزارعاً واحداً أو شركات كبرى. وهكذا ، فإن هذه المنتجات لا تمثل الإنتاج الزراعي البسيط المشار إليه في الحديث الشريف. وعلى ذلك ، يمكن لأصحاب مثل تلك الشركات الزراعية أن يحسبوا مقادير زكاة منتجاتهم بعد خصم تكاليف الإنتاج من المبيعات ، ثم يُخرجون 2.5% من أرباحهم السنوية ، باتباع مذهب جمهور العلماء أو من القيمة السوقية الصافية للمحصول ، بما في ذلك الربح ، اتباعاً لرأي الأقلية.

زَكَاةُ الْحَيَوَانَاتِ الألِيفَةِ وَمُنْتَجَاتِهَا

تَتِمُّ عمليةُ تربية الحيوانات الأليفة للحصول على منتجاتها ، في عصرنا الحاضر ، في مزارعَ تجارية ، تعتمد على عوامل وعناصر عديدة وضرورية لعمليتي الإنتاج والتسويق ، مثل اليد العاملة والأبنية والكهرباء والماء والعلف والأدوية والآلات والمواصلات.

وبناء عليه ، يمكن لأصحاب مثل تلك المزارع الحيوانية أن يحسبوا مقادير زكاة منتجاتهم بعد خصم تكاليف الإنتاج من المبيعات ، ثم يُخرجون 2.5% من أرباحهم السنوية ، باتباع مذهب جمهور العلماء أو من القيمة السوقية الصافية للمحصول ، بما في ذلك الربح ، اتباعاً لرأي الأقلية.

أما الحيوانات التي تتغذى من المراعي الطبيعية في معظم شهور السنة ، دونما أية تكلفة من مالكيها ، فإن الزكاة تحسب على الحيوانات ومنتجاتها معاً. فتكونُ الزكاةُ شاة ًواحدةً عن كل خمسة من الإبل ، وعجلاً ذكراً عن كل ثلاثين بقرة ، وشاةً عن كل أربعين من الغنم. [176]

الْخُلَاصَةُ

يمثلُ إيتاءُ الزكاةِ أحدَ أهم أوامر الله لعباده ، وثالثَ العبادات المفروضة على المسلمين. وقد شرعها الخالق ، عز وجل ، ليطهر بها النفس الإنسانية ، ويكافئَها على عطائها ، بالحياة الأبدية في جنة خلده. وفي نفس الوقت ، فإن الزكاة تمثل حقاً للفقراء في ثروات الأغنياء. ولذلك ، فإنه أنذر مانعيها من الأغنياء بالعذاب في نار جهنم.

فالله ، سبحانه وتعالى ، يريد للناس أن ينفعوا بعضهم بعضاً ، من خلال إيتاء الزكاة. وعندما يحدث ذلك ، يسود التضامن الاجتماعي ، مما يعود على الفرد والمجتمع بالاستقرار والازدهار. أما إذا تجاهل الأغنياء حقوق الفقراء ، خاصة حقَّهم في الزكاة ، فذلك نذيرٌ بحدوث الركود الاقتصادي وعدم الاستقرار والفوضى في المجتمع. هذا هو الإسلام ، رسالة الله لهداية البشرية ، متجلياً في إحدى مظاهره العظيمة.

وختاماً ، تَمَّ تناولُ أحكامِ الزكاةِ ومقاديرِها في هذا القسم كمبادئَ ومعلوماتٍ عامةٍ ، من غير تفصيل ، الأمر الذي يقتضي من القراء أن يستشيروا ذوي الاختصاص من علماء المسلمين ، في أماكن تواجدهم ، فيما يتعلق بتفاصيل تقدير زكاتهم وكيفية أدائها.

=======================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّة لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

***

الْفَصْلُ الرَّابِعُ عَشَر

***

الصَّوْمُ وَرَمَضَانُ ، نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ مِنَ اللهِ لِلْمُسْلِمِينَ

***

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

 ***

مُقَدِّمَةٌ

الصوم هو الفريضة الرابعة التي فرضها الله ، سبحانه وتعالى ، على المسلمين ، بعد الشهادتين وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، كما فرضها على المؤمنين من قبلهم. ومثلما هو الحال في العبادات الأخرى ، فللصوم فوائد كثيرة تعود على الصائمين ، روحياً وجسدياً.

وقد فُرض الصوم خلال شهر رمضان المبارك ، الذي تؤدى فيه عباداتٌ عديدة أخرى ، مثلَ تلاوةُ القرآن الكريم ودراستُه ، وإخراجُ الزكاة ، وصلاةُ التراويح ، والزيادةُ في أعمال الخير. وهكذا ، فإن شهر الصيام لا يعود بالفوائد العظيمة على الأفراد فحسب ، وإنما تشمل خيراتُه الأسرَ والجماعاتِ والمجتمعاتِ والإنسانيةِ جمعاء ، وذلك لأنه مدرسةٌ يتدرب الناس فيها على الرحمةِ ، والتعاطفِ ، والعنايةِ ببعضهم البعض ، على كافة المستويات. ويتناولُ هذا الفصل بعضاً من معاني الصومِ وفوائدِه وأحكامِه ، كما وردت في الكتاب والسنة.

فَوَائِدُ الصِّيَامِ وَمَعَانِيهِ

فرض الله ، سبحانه وتعالى ، الصيام على المسلمين ، كأحد أهم العبادات التي كتبها عليهم ، كما جاء في الآيات الكريمة 2: 183-187. والمعنى المباشر للصيام هو الامتناعُ عن الطعام والشراب والجماع من طلوع الفجر حتى غروبِ الشمس. ويشمل بالإضافة إلى ذلك ، الامتناع عن إدخال أي شيء إلى الجسم يؤدي إلى إحداث تغيرات فيه. وإذا ما تدبرنا ما يعود علينا الصيام به ، يتبين لنا أن له فوائدَ عظيمة ، شأنُه شأنُ العبادات الأخرى التي فرضها الله علينا. فهو ، عز وجل ، في غنىً عن العالمين ، ولكن ينالُه التقوى منا ، عندما نقوم بأداء العبادات ، حُباً له ، وطاعةً لأوامره ، فننالُ السعادةَ في الدنيا والآخرة. [177]

وبدونِ الفهمِ الصحيحِ للحكمةِ من العباداتِ في الإسلام ، يمكن أن يُنظرَ إلى الصوم على أنه تجويع للناس وإنزالٌ للألم بهم. والحقيقةُ أنَّ له فوائدَ جمةً تعود على الجسم والنفس معاً ، مما يجعلُهُ بمثابةَ منحةٍ عظيمةٍ من الخالق ، سبحانه وتعالى ، لخلقه من الناس. [178] 

فمن فوائد الصوم للجسد أنه يخلِّصُه من الخلايا الضعيفة ومن الدهون الزائدة والسموم المتراكمة ، التي يكتسبها خلال العام. وإذا ما صام الناس كما ينبغي ، أي بأن يقوموا بنفس الأعمال التي يقومون بها في الأشهر السابقة على رمضان ، وأن يأكلوا نفس المقادير التي يأكلونها قبله ، عند إفطارهم ، فإنهم سيُنقصون من أوزانهم ، عند نهاية الشهر الفضيل. ومن الحقائق التي أصبحت معروفةً جيداً ، أن الأطباء يحثون مرضاهم على إنقاص أوزانهم كوقاية وعلاج لكثير من الأمراض. وفوق ذلك كله ، فإن إنقاصَ الوزن يقترنُ بالصحة ويُكسبُ صاحبَه الرشاقة وحسنَ المنظر.

والصوم مفيد بصفة خاصة لبعض أعضاء الجسم ، كالمعدة والأمعاء ، التي تعملُ لساعاتٍ طويلة يومياً على هضم الأطعمة والمشروبات التي تتلقاها عند كل وجبة. وصومُ شهرِ رمضانَ يُعطي هذه وغيرها من أعضاء الجهاز الهضمي في الجسم فرصةً للراحة ، خلالَ النصفِ الثاني من يوم الصيام ، الآمرُ الذي يقويها ويجعلُها أكثرَ صحةٍ وفعالية. [179]  

ومن الناحية الروحية ، فللصيامِ فوائدُ عظيمةٌ أيضاً. فهو يقترن بالتأمل في أحوال الناس ، خاصة أولئك الذين يعانون من الجوع ، في المجتمع الذي يعيش فيه الصائم أو في أي جزء آخر من العالم. فمن خلال تجربة الصائم بالإحساس بالجوع ، فإنه يصبح أكثر تفهماً لما يعانيه الفقراء. وهكذا ، فإن المسلمين يصبحون أكثر جوداً وكرماً في رمضان ، من خلال إيتائِهم للصدقات وزيادتِهم لأعمال الخير الموجهة للفقراء والمساكين والمحتاجين في المجتمع.

والصومُ أيضاً تدريبٌ للنفس على مقاومة رغباتِها الجسدية والسيطرةِ عليها. وعلى ذلكَ ، فالقوةً الحاصلةُ للنفس نتيجة لذلك التدريب تمكنُها من مقاومة الرغبات غير الحميدة الأخرى ، والتي تنتشرُ في عالمِنا اليوم ، كالعدوانِ والسيطرةِ على الآخرينَ واستغلالِهم.

ولتشجيعِ المسلمينَ والمسلماتِ على اكتسابِ مثلِ هذهِ الفوائد ، من خلال أدائِهم لهذه العبادة الفاضلة ، فإن الله ، سبحانه وتعالى ، وعد بإعطاء عظيم الثواب للصائمين ، كما جاء في الآية الكريمة 35 من سورة الأحزاب (33). ولعظَمِ قدْرِ الصوم عنده ، عز وجل ، فقد جعلَه كفارةً لكثيرٍ من الذنوب والمعاصيَ ، كما جاء في الآيات الكريمة 4: 92 ، 5: 89 ، 5: 95 ، و58: 4.

إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّـهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّـهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (الأحزاب ، 33: 35). 

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّـهِ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (النساء ، 4: 92).

ا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّـهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (المائدة ، 5: 89).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ ۚ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَٰلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ ۗ عَفَا اللَّـهُ عَمَّا سَلَفَ ۚ وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللَّـهُ مِنْهُ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (المائدة ، 5: 95).

فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (المجادلة ، 58: 4). 

الأمْرُ بِالصِّيَامِ وَأحْكَامُهُ

جاء الأمرُ بصيام شهر رمضان في الآية الكريمة 2: 183 ، وجاءت أحكامه في الآيات الكريمة 2: 184-187. فالآية 183 تذكر لنا أنه فُرض على المسلمين ، كما فُرض على المؤمنين من قبلهم ، لتدريبهم على التقوى. وأشارت الآيةُ 184 إلى أن المرضى والمسافرين ليس عليهم الصومُ في رمضان ، ولكنهم ملزمونَ بالصيام بعد ذلك ، مع النصيحة بأن الصومَ خيرٌ لهم. أما الذين لا يستطيعون الصومَ (مثل الضعفاء من كبار السن) ، فيتوجبُ عليهم إطعامُ مسكينٍ ، كفديةٍ عن كل يومٍ من أيام إفطارِهم. وذكَّرت الآيةُ 185 بأهمية شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ، هدىً للناس ، ونعمةً من الله ، سبحانه وتعالى ، لعباده ، لعلهم يذكرونه ويكبرونه ويشكرونه على نعمائه. وبشرت الآيةُ 186 بأن الله قريبٌ من عباده ، خاصةً وهم صائمون في رمضان. ولذلكَ ، فإنه وعد بإجابة دعائِهم وبإرشادِهم لطرق الخير. وحددت الآيةُ الكريمةُ 187 أن الصومَ يبدأُ عندَ الفجرِ وينتهي عندَ غروبِ الشمسِ ، ورخصت للمؤمنين الرفثَ إلى أزواجِهم في لياليَ شهرِ الصيام ، ولكن ليس وهم عاكفون في المساجد.

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴿١٨٣﴾ 

أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴿١٨٤﴾ 

شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴿١٨٥﴾ 

وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴿١٨٦﴾  

أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ﴿١٨٧ (البقرة 2: 183-187).

أحْكَامٌ أخْرَى لِلصِّيَامِ مِنَ الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ

بينَ لنا رسولُ الله ، صلى الله عليه وسلم ، أحكاماً أخرى وفضائلَ عديدةً للصومِ ولشهرِ الصيام ، في أحاديثه الشريفة ، التي نوردُ ثمانيةً منها ، كما يلي.  [180]   

1.  الصيامُ لا يعني الامتناعُ عن الطعام والشراب فقط ، بل إنه يشملُ الامتناعَ عن أذى الناس أو حتى الرد على المسبة ، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، والذي قال فيه ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم:

"قَالَ اللهُ تَعَالَى : كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ لَهُ ، إِلَّا الصيامَ ، فَإِنَّهُ لِي ، وَأَنا أَجْزِي بِهِ. والصيامُ جُنَّةٌ ، وإذا كان يومُ صومِ أحدِكُمْ ، فَلَا يَرْفُثْ ، وَلَا يَصْخَبْ. وَإِنْ سَابَّهُ أحدٌ أوْ قاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امرؤٌ صائِمٌ. والذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَخُلُوفُ فمِ الصائِمِ عندَ اللهِ أطيبُ مِنْ ريحِ المسكِ. وللصائِمِ فرحتانِ يفْرَحُهُمَا ، إذا أفطرَ فرِحَ بِفِطْرِهِ ، وإذا لَقِيَ ربَّهُ فَرِحَ بِصَومِهِ." [181]  

2. يبدأُ شهرُ رمضان برؤية هلاله ، وينتهي برؤية هلالِ شهرِ شوال ، الذي يليه. فإذا لم يكن ممكناً رؤية الهلال الجديد بسبب الغيوم ، فعلى المسلمين إكمال شهر رمضان ، أي بصيام ثلاثين يوماً (لأنَّ الأشهرَ القمريةَ إما تسعٌ وعشرون أو ثلاثون يوماً). [182] 

 فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ ، وأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ. فإنْ غُبِّيَ (غٌمَّ) علَيْكُم فأكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ." [183]

3. الجودُ والإحسانُ للفقراءِ والمساكينَ ، خاصةً في رمضان ، وكذلكَ دراسةُ القرآنِ الكريمِ في لياليَ الشهرِ الفضيل ، اتباعاً لسنة النبي ، عليه الصلاة والسلام ، كما جاء في حديث عبد الله بن عباسٍ ، رضيَ اللهٌ عنهما ، الذي قال فيه: 

"كانَ رَسولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، أجْوَدَ النَّاسِ. وكانَ أجْوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ ، حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ. وكانَ جِبْرِيلُ يَلْقَاهُ في كُلِّ لَيْلَةٍ مِن رَمَضَانَ ، فيُدَارِسُهُ القُرْآنَ. فَلَرَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ أجْوَدُ بالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ."  [184]

4. التعجيلُ بالإفطارِ سنةٌ مستحبةٌ من الله ورسوله ، كما ذكرت لنا أحاديثُ عديدة. فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "قال اللهٌ عز وجل: إنَّ أَحَبُّ عبادِي إلَيَّ ، أَعْجَلُهُم فِطْرًا." [185]  

وعن سهل بن سعد ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "لا يَزَالُ النَّاسُ بخَيْرٍ ما عَجَّلُوا الفِطْرَ (الإفطار)." [186]  

وعن أنسٍ بن مالك ، رضيَ الله عنه ، قال: "كان رسولٌ الله ، صلى الله عليه وسلم ، يفطر قبلَ أن يصلي على رطباتٍ ، فإن لم تكن رطباتٌ فتميراتٌ ، فإن لم تكن تميراتٌ حسا حَسَواتٍ من ماء." [187]  

5. نظافةُ الفمِ باستخدام فرشاةِ الأسنانِ سنةٌ مؤكدةٌ عن النبيِّ ، عليه الصلاة والسلام ، الذي كان يستخدمُ المسواكَ لهذا الغرض ، وهو الذي كان يستخرجُ في المدينة المنورة آنذاكَ من جذور النبات. فعن أم المؤمنين ، عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، عَنْ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أنه قَالَ: "السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ." [188] 

6. الآيةُ الكريمةُ 2: 184 رخصت الإفطارَ في رمضان للمرضى والمسافرينَ ، على أن يقوموا بالقضاءِ بعدَ انتهاءِ شهرِ الصيام. وقد استعمل النبيُ ، عليه الصلاة والسلام ، هذه الرخصةِ ، خاصةً عندما كان سفرُهُ في الحرِّ الشديد ، وأمرَ أصحابَه بذلكَ ، لأن اللهَ ، سبحانه وتعالى ، يحبُّ أن تؤتى رخصَهُ ، كما جاء في الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، والذي قال فيه: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى عَزَائِمُهُ (فرائضه)." وللحديث رواية أخرى: "كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ." [189] 

7. مَنْ أكلَ أو شربَ ناسياً وهو صائمٌ ، فعليه أن يكملَ صيامَه ، ولا بأسَ عليه. فعن أبي هريرة ، رضي الله تعالى عنه ، قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "مَن أكل ناسيًا وهو صائمٌ ، فليُتمَّ صومَه ، فإِنما أطعمه الله وسقاه." [190] 

8. أمرَ الرسولُ ، عليه الصلاة والسلام ، بالسحورِ ، وذلك استعداداً ليومِ الصيامِ ، ووصفهُ بأنه بركةٌ. ورخصَ للمسلمين تناولَ الطعامِ حتى الدقيقةِ الأخيرةِ قبلَ بزوغِ الفجرِ. فعن أنسٍ بن مالك ، رضيَ الله عنه ، أنه قال: قال رسولٌ الله ، صلى الله عليه وسلم: " تَسَحَّرُوا فإنَّ في السَّحُورِ بَرَكَةً." [191]

 وعن عبد الله بن عمرَ ، رضيَ اللهُ عنهما ، أنه قال: كان لرسولِ الله ، صلى الله عليه وسلم ، مؤذنان: بلالٌ وابنٌ أمِّ مكتوم . فقال رسولٌ اللهِ صلى اللهٌ عليةِ وسلمَ: "إنَّ بلالاِ يؤذنٌ بليلٍ فكلوا واشربوا حتى يؤذنَ ابنٌ أمِّ مكتوم." قال: ولم يكن بينهما إلا أن ينزلَ هذا ويرقَ هذا. [192]

بَرَكَاتُ شَهْرِ الصِّيَامِ

يتطلعُ المسلمونَ بشغفٍ إلى قدومِ شهرِ رمضانَ في كلِّ عامٍ ، ويحتفلون به ، لِما يجلبُ لهم من أنعُمٍ عظيمةٍ وبركاتٍ من الله ، سبحانه وتعالى ، فيما يلي بعضٌ منها:

1. كتب اللهُ ، سبحانه وتعالى ، صومَ شهرِ رمضانَ على المؤمنين ، حتى يكتسبوا أهم فوائدَهُ الروحيةِ ، ألا وهي التقوى ، كما ذكرت لنا الآيةُ الكريمةُ 2: 183. فطاعةُ اللهِ ، عز وجل ، بتنفيذِ أمرهِ بالصومِ طيلةِ الشهرِ الفضيلِ ، تدريبٌ للنفسِ على التقوى. وكلما كانت طاعةُ اللهِ مبنيةً على الرضى ، وعلى الاقتناعِ بخيرِ أوامرِهِ ، زادت التقوى. وعندما تصبحُ النفسُ تقيةً ، فإنها تكونُ أكثرَ قدرةٍ على القيامِ بأعمالِ الخير المختلفة ، والتي تصبحً بدورها تعبيراً عن تقوى النفس وبرِّها ، كما ذكرت لنا الآيةً الكريمةً 2: 177.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة ، 2: 183).

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ۖ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ ۗ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (البقرة ، 2: 177).

2. يتميزُ شهرُ رمضانَ المبارك بقيامِ الليلِ ، أي بصلاةِ التراويحِ ، التي تؤدى بعدَ صلاةِ العشاءِ. ولهذه الصلاةِ فوائدَ روحيةٍ عظيمةٍ. فهي اتباعٌ لسنةِ النبيِّ ، عليه الصلاةُ والسلامُ ، خاصةً في مغالبةِ النفسِ الميالةِ للاسترخاءِ والنومِ. ولكونِها صلاةً جهريةً ، فهي مناسَبةٌ سنويةٌ للاستماعِ لتلاوةِ كتابِ اللهِ ، أو ما تيسر منه. ولأنها صلاةٌ جماعيةٌ ، فهي تجلبُ السعادةَ والألفةُ للمصلينَ نتيجةَ شعورِهم بالانتماءِ لجماعةِ المسلمين. كما تُختمُ صلاةُ التراويحِ بدعاءِ القنوتِ في ركعةِ الوترِ الأخيرةِ ، وهو المحببُ للمصلين ، إذ أنَّ "الدعاءَ هو العبادةُ" ، كما جاء في الحديثِ الشريف.

فعن النُّعمان بن بَشِير ، رضي الله عنهما ، أن النبيَّ ، صلى الله عليه وسلمَ ، قال: " الدُّعاءُ هوَ العبادةُ." ثمَّ قال: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ (غافر ، 40: 60). [193] 

ولصلاةِ التراويحِ فوائدَ جسديةٍ عظيمةٍ أيضاً ، تتمثلُ في كونِها تمارينَ رياضيةٍ لأعضاءِ الجسمِ ، لاشتمالِها على الوقوفِ والركوعِ والسجودِ والجلوس. ومما يزيدُ من فائدتِها أنها تبلغُ حواليَ الساعةِ في كلِّ ليلةٍ ، ولمدةِ شهرِ الصيامِ ، مما يؤدي إلى تقويةِ عضلاتِ الجسمِ ، وتنشيطِ الدورةِ الدمويةِ ، وحرق الكثيرِ من السعراتِ الحراريةِ التي يكتسبُها الجسمُ من وجباتِ الإفطارِ الثقيلةِ في رمضان.

وصلاةُ القيامِ (التراويحِ) ثماني ركعاتٍ ، بالإضافةِ إلى ركعتي الشفعِ وركعةِ الوترِ بعدَها ، أي ما مجموعُهُ إحدى عشرةَ ركعةً ، بعد صلاةِ العشاءِ ، اقتداءً بالإمام. فعن أُمِّ المُؤمِنِينَ ، عَائِشَةَ ، رضي الله عنها ، أنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُصَلِّي مِنْ اللَّيْلِ عَشْرَ رَكَعَاتٍ وَيُوتِرُ بِسَجْدَةٍ ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيْ الْفَجْرِ فَذَلِكَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً." [194]   

وبعدَ موتِ النبيِّ ، عليه الصلاةُ والسلامُ ، صلى أصحابُه أكثرَ من عشرِ ركعاتٍ. فهذا عمرُ ، رضي الله عنه ، وقد صلى عشرينَ ركعةً ، قبلَ الوترِ. وهكذا ، فالأمرُ متروكٌ للإمامِ ، ليصلي الإحدى عشرةَ ركعةً ، أو يزيدَ في ذلك. وعلى أيةِ حال ، فإنَّ رسولَ اللهِ ، صلى اللهُ عليه وسلم ، قد بينَ لنا أن صلاةَ القيامِ ليست واجبةً في كلِّ ليلةٍ من ليالِ شهرِ الصيامِ ، كما جاء في الحديثين الشريفين التاليين.

فعَنْ أَبِي ذَرٍّ الغفاري ، رضي الله عنه ، أنه قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ." [195]   

وعن أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، أَنَّ النَّبِيَّ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ ، فَصَلَّى بِصَلَاتِهِ نَاسٌ ، ثُمَّ صَلَّى مِنْ الْقَابِلَةِ ، فَكَثُرَ النَّاسُ ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا مِنْ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَلَمْ يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: "قَدْ رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ ، فَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنْ الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلَّا أَنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ." [196] 

3. رمضانُ هو شهرُ الصدقاتِ ، بما في ذلكَ زكاةِ الفطرِ ، للفقراءِ والمساكينَ ، كما أنه شهرُ دراسةِ القرآنِ الكريمِ ، اتباعاً لسنة النبيِّ ، عليه الصلاةُ والسلامُ ، الذي كان أجودُ الناسِ ، وخاصةً في شهرِ الصيام.

فعن ابن عباسٍ ، رضيَ اللهٌ عنهما ، قال: " كان رسولٌ اللهِ ، صلى الله عليه وسلم ، أجودَ الناسِ. وكان أجودٌ ما يكونٌ في رمضان ، حين يلقى جبريل. وكان جبريل يلقاهٌ في كلِّ ليلةٍ من رمضان ، فيدارسهٌ القرآنَ. فلرسول اللهِ ، صلى الله عليه وسلم ، حين يلقاهٌ جبريلٌ أجودٌ من الريحِ المرسلة." [197] 

وعن ابن عباسٍ ، رضيَ اللهٌ عنهما ، قال: "فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، زَكَاةَ الْفِطْرِ ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ. مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ." [198]  

وعن ابن عمر ، رضي الله عنهما: " أنَّ رَسولَ اللهِ ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، فَرَضَ زَكَاةَ الفِطْرِ مِن رَمَضَانَ علَى النَّاسِ ، صَاعًا مِن تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ، علَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، مِنَ المُسْلِمِينَ." [199]

4. ومِنْ بركاتِ شهرِ رمضانَ أنَّ الكثيرَ من المسلمين يُخرجون زكاةَ أموالِهم فيه ، مع أنَّ هذه الفريضةِ الثالثةِ في الإسلامِ (بعدَ الشهادتينِ وإقامِ الصلاةِ) يُمْكِنُ أن تؤدَّى في أي وقتٍ آخرَ من السنة. لكنَّ إخراجَ الزكاةِ في شهرِ الصيامٍ يمثلٌ مساندةُ ماديةً ومعنويةً للفقراءٍ والمساكينٍ في الشهرٍ الفضيل.

5. يمثلُ شهرُ رمضانَ المبارك فرصةً عظيمةً للتقربِ إلى الله ، سبحانه وتعالى ، من خلالِ أعمالِ الخيرِ التطوعيةِ ، النوافلِ ، بالإضافةِ إلى تلاوةِ القرآنِ ودراستِهِ ، وقيامِ الليلِ ، ومدِّ يدِ العونِ للمحتاجين. وفي مُقابلِ ذلكَ ، فإنَّ الجائزة الكبرى التي يحصل عليها عبدُ الله المتطوعُ بالنوافل ، هي حبُّ الله ، سبحانه وتعالى ، له. ففي الحديثِ القدسي الذي رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، روى عن الله ، سبحانه وتعالى ، أنه قال: "وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ. " [200]  

وتشملُ النوافلُ ما زادَ عن العباداتِ الخمسِ المفروضةِ (الشهادتان والصلاةُ والزكاةُ والصومُ والحج) ، من أعمالِ الخيرِ التطوعية ، مثل صيامِ الإثنينِ والخميسِ ، والستِّ البيضِ من الأيام ، والتاسعِ والعاشرِ من محرم ، وصلاةِ ركعاتِ السُّنةِ ، قبل وبعد الصلوات المفروضة ، وذكْرِ الله وتسبيحِه ، واتباعِ سُنةِ النبي ، عليه الصلاة والسلام ، مثل نظافةِ الجسمِ والأسنانِ ، والتصدقِ على الفقراءِ والمساكينَ ، والتواضعِ لله ورسولِه والمؤمنين. [201]

6. ومن أهم ما يميزُ شهرُ رمضانَ المبارك اشتمالُهُ على ليلةِ القدرِ ، وهي الليلةُ التي يمنُّ فيها الرحمنُ على عبادِهِ بالرحمةِ والغفرانِ والسلامِ والثوابِ العظيم ، وتتنزلُ الملائكةُ فيها بأوامرِ الله ، سبحانه وتعالى ، التي قدَّرها لعباده. ويتطلعُ المسلمونَ إلى تحريها في إحدى الليالي الفردية من العشر الأواخر من شهر الصيام ، خاصةً ليلةِ السابعِ والعشرينَ منه. ومن عظَمةِ هذه الليلة المباركة أنَّ ثوابَ العبادةِ فيها يعادلُ ثوابَ العبادةِ في ألفِ شهرٍ غيرِها ، أي حوالي 83 سنة ، وذلك يمثلُ متوسطَ حياةِ البشر ، كما جاء في الآياتِ الكريمةِ والأحاديثِ الشريفة. [202] 

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ ﴿١ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ ﴿٢ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ﴿٣ تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ ﴿٤ سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ ﴿٥ (القدر ، 97: 1- 5). 

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ 

حم ﴿١﴾ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ﴿٢﴾ إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ ﴿٣﴾ فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ﴿٤﴾ أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ﴿٥﴾ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿٦﴾ (الدخان ، 44: 1-6). 

وعَنْ أَبِي هُرَيْرَة ، رضي اللهُ عنه ، أَنَّ رَسُول اللَّه ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "مَنْ قَامَ لَيْلَة الْقَدْر إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ." [203] 

وعَنْ عُبَادَة بْن الصَّامِت ، رضيَ اللهُ عنهُ ، أَنَّ رَسُول اللَّه ، صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "لَيْلَة الْقَدْر فِي الْعَشْر الْبَوَاقِي ، مَنْ قَامَهُنَّ اِبْتِغَاء حِسْبَتهنَّ فَإِنَّ اللَّه يَغْفِر لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه وَمَا تَأَخَّرَ ، وَهِيَ لَيْلَة وِتْر تِسْع أَوْ سَبْع أَوْ خَامِسَة أَوْ ثَالِثَة أَوْ آخِر لَيْلَة." [204]  

وقد نصح رسولُ الله ، صلى الله عليه وسلم ، المسلمين بتحري ليلةَ القدرِ في الوتر ، من العشر الأواخر من شهر الصيام ، كما جاء في حديث أم المؤمنين ، عَائِشَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، التي قالت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي الْوِتْرِ ، مِنْ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ." [205]  

ولضمانِ إدراكِ ليلةِ القدر ، فإن المسلمين يكثرون من أعمال الخير والصدقات والدعاء ، ويداومون على تلاوة القرآن الكريم والاستماعِ له أثناء صلاة القيام (التراويح) في المساجد ، خاصة في العشر الأواخرِ من رمضان.

إحْيَاءُ لَيْلَةِ الْقَدْرِ

وعد الله ، سبحانه وتعالى ، المسلمين ثواباً عظيماً ، مكافأة لهم على إحيائهم لليلة القدر ، والتي يزيد ثواب العبادة فيها على ثواب العبادة في ألف شهر. ولذلك ، يحرص المسلمون على نيل ثوابها بالعبادة ، بما في ذلك ما يلي:

1. يستحب للمسلم أن يؤدي صلاة القيام ، أي صلاة التراويح ، في ليلة القدر. فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ.[206] 

2. كما يستحب له الدعاء. فعن أم المؤمنين ، عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت: قلت: يا رسول الله ، أرأيت إن علمت ليلة القدر ، ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللَّهمَّ إنَّك عفُوٌّ ، تُحبُّ العفوَ ، فاعْفُ عنِّي." [207] 

3. الإكثار من تلاوة القرآن الكريم ، في صلاة القيام ، وفي صلاة الليل ، التي تؤدى مثنى مثنى ، أي ركعتين ركعتين. فعن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "صلاةُ الليلِ مثنَى مثنَى ، فإن خشيت الصبحَ ، فأوترْ بركعةٍ." [208] 

الْخُلاصَةُ

كتب الله ، سبحانه وتعالى ، الصوم على المسلمين ، كما كتبه على المؤمنين من قبلهم ، لكنه أكرم المسلمين بجعل الصوم شهراً كاملاً في رمضان. وكمثل العبادات الأخرى ، فإن الصوم يعود على الصائمين بفوائد عديدة ، تقويهم روحياً وجسدياً.

ويمتاز شهر الصوم بأوجه أخرى من العبادة ، التي تقرب المؤمنين من خالقهم أكثر من أي وقت آخر خلال العام ، مثل دراسة القرآن الكريم ، وإخراج الصدقات ، وصلاة القيام (التراويح) ، وزيادة أعمال الخير. وفي ذلك كله فوائد عظيمة لا تعود على المتعبدين فقط ، وإنما على عائلاتهم ومجتمعاتهم والإنسانية جمعاء.

وهكذا ، فإن فريضة الصيام تمثل إحدى أعظم علامات حب الخالق ، عز وجل ، لعباده. فقد فرضها لخيرهم في هذه الحياة الدنيا أولاً ، ثم لخيرهم في الحياة الأبدية الأخرى. ولذلك ، فأقل ما ينبغي على الناس فعله هو الاعتراف بفضله وشكره ، سبحانه وتعالى ، على اهتمامه بهم ، وعلى تعليمهم بأن الصوم خير لهم ، كما جاء في قوله: "وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة ، 2: 184). 

صدق الله العظيم ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين.  

================================================================================================================================================

ملحق الفصل الرابع عشر

فوائد الصيام للجسم والنفس والروح

***

هناك العديد من المقالات والأبحاث المنشورة عن فوائد الصيام للجسم والنفس والروح ، فيما يلي تلخيص لنتائج بعضها ، على سبيل المثال:

للحصول على أفضل الفوائد الجسدية من صيام شهر رمضان المبارك ، ينبغي ألا يتغير طعام الصائم من الناحية الكمية ، حتى لا يزيد وزنه. أما في حالة الأوزان الزائدة ، فصيام رمضان فرصة مثالية لإنقاصها.

وللتخفيف من الشعور بالجوع أثناء الصوم ، من الأفضل تناول الأطعمة التي يتم هضمها ببطء ، وهي التي تحتوي على الحبوب والبذور ، مثل القمح والشعير والشوفان والدخن والسميد والفول والعدس ودقيق القمح والأرز غير المبشور ، والتي يطلق عليها بأنها الكربوهيدراتات المركبة. كما ينبغي تجنب الأطعمة السريعة الهضم ، التي تحتوي على السكر ، والدقيق الأبيض ، وهي التي يطلق عليها بالكربوهيدراتات المشتقة.

ومن أكثر الأطعمة صحة ، بالإضافة إلى ذلك ، تلك المحتوية على الألياف ، مثل القمح الكامل المحتوي على النخالة ، والخضروات ، مثل الفول والفاصوليا والبازلاء الخضراء ، والسبانخ والحلبة والبنجر والفواكه الطازجة والجافة ، مثل المشمش والتين والبرقوق واللوز.

وينبغي أن يكون الطعام متوازناً ، أي أن يحتوي على العناصر الغذائية المختلفة ، مثل الفواكه والخضروات واللحوم والخبز والحبوب ومنتجات الألبان. أما الأغذية الجافة فهي غير صحية وينبغي تجنبها ، لأنها تسبب عسر الهضم وحرقة المعدة (الحموضة) ومشكلات اختلال الوزن.

وبالإضافة إلى الفوائد الجسدية للصيام ، فإن له فوائد أخرى نفسية وعاطفية. فهو يساعد الصائم على تقوية إرادته ، وتحسين ذوقه وسلوكه ، كما أنه يقوي عقيدته الخيرة ، من خلال الابتعاد عن الجدل والتملق والتسرع ، مما يؤدي إلى نمو شخصيته لتصبح أكثر صحة وعقلانية.

وهكذا ، فالصوم يقوي مقاومة الصائم وقدرته على مواجهة الصعاب. كما أنه يحد من شراهة الإنسان ، ويكسبه مظهراً أفضل ، نتيجة لتخلصه من الدهون الزائدة. ومن أهم فوائده أنه يساعد على تجنب العديد من الأمراض ، وخاصة تلك المتعلقة بالجهاز الهضمي ، مثل آلام المعدة المزمنة ، والتهاب القولون ، وأمراض الكبد ، وعسر الهضم ، والبدانة ، وتصلب الشرايين ، وارتفاع ضغط الدم ، والأزمة ، والخِنَّاق (الدفتريا).

وبصفة عامة ، فإن الصوم يساعد على الإسراع في عملية تدمير الأنسجة المتحللة في جسم الإنسان ، وذلك بحرمانها من الغذاء ، ثم استبدالها بأنسجة جديدة ، يتم إمدادها بالغذاء. ولهذا السبب ، فإن العلماء يعتبرون الصوم وسيلة فعالة لإطالة العمر ، ولاستعادة الشباب ، حقيقة ومظهراً. لكن ذلك لا ينطبق على المرضى وكبار السن ، الذين لا يطيقون الصوم ، كما نصت عليه الآية الكريمة 2: 184. [209] 

ومن الملاحظ أن الصوم يؤدي لنفس الفوائد المرتجاة من جهود الناس لتحديد السعرات الحرارية التي تدخل أجسامهم ، مثل إطالة العمر ، وحماية الجهاز العصبي ، وزيادة حساسية الإنسولين ، وزيادة مقاومتهم للضغوط العصبية. ومن فوائده أيضاً الصفاء الذهني ، وإنتاج الهرمونات ذاتية النمو . [210]

وقد أظهرت الأبحاث أن الصوم لفترات متقطعة ، تمتد من 20 إلى 36 ساعة ، يمكن أن ينقص من مخاطر أمراض القلب والسكر ، وحتى السرطان. ومع أن الصوم لفترات قصيرة لا يؤدي بالضرورة إلى إنقاص الوزن دائماً ، إلا إنه يؤدي لذلك غالباً. كما أظهرت الأبحاث أنه عندما يتوقف الناس عن تناول إحدى الوجبات التي تعودوا عليها ، أو عندما لا يتناولون الطعام ليوم واحد ، فإنهم يأكلون أكثر من المعتاد عند تناولهم للوجبة التالية. ومع ذلك ، فإنهم لا يقومون بتعويض السعرات الحرارية التي فقدوها من قبل. [211] 

وهناك فوائد عديدة أخرى للصوم ، والتي تشمل الراحة للجهاز الهضمي ، والسماح بتنظيف الجسم وتخليصه من السموم ، وتمكينه من تغيير أنماط الأكل المعتادة ، وتنظيف النفس من المشاعر السلبية ، والشفاء منها. ويؤدي ذلك إلى الشعور بالخفة الجسدية ، وبزيادة مستويات الطاقة ، والسلام الداخلي ، وإلى تعزيز العلاقة بالخالق ، عز وجل. [212]     

وقد عُرف الصوم منذ آلاف السنين ، كعلاج لمختلف الأمراض ، ولاستعادة النشاط ، والصفاء الذهني ، واتخاذ القرارات السليمة ، وتنظيف الجسد وتقويته. فمن الملاحظ أنه عندما يمرض الإنسان ، تتناقص شهيته للطعام. وذلك ينطبق على الحيوانات أيضاً ، حيث ترقد على الأرض ولا تأكل أو تشرب. ويكمن السر في ذلك أن الجسم يستخدم الطاقة المتبقية فيه لشفاء السقيم من أعضائه ، بدلاً من استخدامها في هضم أطعمة جديدة.

ويتيح الصوم لنظام الإنزيمات في الجسد أن يركز على التخلص من السموم ، وعلى تكسيرها بسرعة وكفاءة ، بدلاً من الانشغال في وظيفته الأصلية الثقيلة ، وهي هضم الطعام. فأثناء الصوم ، يقوم الجسد بترحيل السموم من أماكن تراكمها لتمر عبر أعضائه المختلفة ، التي تقوم بنزع أسلحتها ، للتخلص من ضررها. ولذلك ، فإن من حكمة الجسد أنه لا يفعل ذلك بسرعة ، تجنباً لإطلاق كمية كبيرة من السموم دفعة واحدة ، الأمر الذي يكون ضرره أكثر من فوائده. [213] 

وذكر الدكتور ألَن غولدهامر في تقرير له بأنه أشرف على صوم سبعة آلاف شخص ، خلال خمس وعشرين سنة من عمله معهم. وخلص إلى أن الصوم كان وسيلة فعالة ومأمونة لمساعدة الجسد على زيادة قدرته على شفاء نفسه. وأضاف بأنه رأى العديد من الحالات الصحية التي تتحسن بالصوم ، مثل أمراض القلب والأوعية الدموية ، وضغط الدم المرتفع ، وأمراض المعدة والأمعاء ، ومرض السكر ، والأورام الليفية التي تصيب الرحم ، وآلام الظهر والرقبة ، وحالات الإدمان. [214]  

وهناك أسباب عديدة لاعتبار الصوم مفيداً للصحة. فهو يخلِّص الجسم من السموم المتراكمة في المخازن الدهنية عبر السنين. كما أنه يُمَكِّنُ الجسد من شفاء نفسه ، وإصلاح أعضائه المصابة بالتلف. وقد أظهرت التجارب على الديدان بأن الصوم يساهم في إطالة أعمارها بنسبة كبيرة جداً ، إذا ما طبقناها على الإنسان ، فإن بإمكانه البقاء على قيد الحياة حوالي 600 إلى 700 سنة. [215] 

وقد أنتجت هيئة الإذاعة البريطانية فيلماً ، ذكرت فيه أن الدكتور فالتر لونغو ، الباحث في جامعة جنوب كاليفورنيا الأميركية ، قام بإجراء بحث على الصوم ، قارن فيه فأراً يأكل بشكل طبيعي مع فأر آخر تم إخضاعه للصوم. وكانت النتيجة أن الفأر الذي أجبر على الصوم قد زاد عمره بنسبة 40% ، بالمقارنة مع الفأر الآخر ، وبدون الإصابة بأمراض القلب والسكر والسرطان.

وتفسير ذلك أن مستويات هرمون النمو ، المعروف ب IGF-1 ، يمكن تخفيضها بالامتناع عن الطعام لفترات زمنية محددة ، مما يؤدي إلى حياة أطول. وعلى ما يبدو ، فإن حرمان الجسم من الطعام يؤدي إلى تغيير نشاطه المعتاد. فبدلاً من انشغاله بالنمو نتيجة لتوفر الطعام ، فإنه ينشغل أثناء الصوم بإصلاح الأعضاء التالفة ، وبالتالي فإن ذلك يطيل في أعمارها.

وقام أحد العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية ، وهو مايكل موسلي ، بإجراء تجربة الصيام على نفسه. فقرر أن يستمر في تناول طعامه كالمعتاد في الخمسة أيام الأولى من الأسبوع ، ثم صام في اليومين السادس والسابع. وبعد خمسة أسابيع من تكرار هذا النظام الغذائي ، فإن نسبة الدهون في جسمه قد انخفضت من حوالي 20% إلى حوالي 27%. كما تناقص هرمون النمو ، المعروف ب IGF-1 ، بنسبة 50% ، وعاد مستوى الجلوكوز السكري إلى المعدل الطبيعي ، وطرأ تحسن كبير جداً على الكوليسترول. [216]  

=======================================================================================

الإسْلامُ

رُؤْيَةٌ عِلْمِيَّة لِرِسَالَةِ اللهِ لِلبَشَرِيَّةِ

***

الْفَصْلُ الخَامِسُ عَشَر

***

الْحَجُّ إلَى أوَّلِ بَيْتٍ للهِ عَلَى الأرْضِ

***

أعوذُ باللهِ منَ الشيطانِ الرجيم

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

***

مُقَدِّمَةٌ

يمثل الحج إلى بيت الله الحرام ، في مكة المكرمة ، العبادة الخامسة التي فرضها الله ، سبحانه وتعالى ، على المسلمين ، بعد الشهادتين والصلاة والزكاة وصوم رمضان. وهو رحلة في سبيل الله أولاً ، يترك فيها الحاج كل شيء ينتمي إليه في هذه الحياة وراء ظهره ، قاصداً وجه الله الكريم وحده ، ليكون ضيفاً على الرحمن في بيته. وبالتالي ، فإنه يعود من هذه الرحلة بالسعادة التي لا يماثلها شيء في هذه الدنيا ، وبالفوز برضى الله ونعيمه المقيم في الآخرة. كما أن الحج يمثل مؤتمراً عالمياً للمسلمين ، يلتقون فيه ممثلين لشعوب الأرض قاطبة ، بما في ذلك مختلف الجماعات العنصرية والثقافية ، ملبين لدعوة الله بزيارة بيته ، وشاكرين له نعمه التي لا تحصى ، وطائعين لأوامره للتعارف بينهم ، وعلى معاملة بعضهم البعض بالحب والرعاية والتسامح ، كما جاء في كتابه الكريم (49: 13) ، إذ لا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى ، كما علَّمنا الحديث الشريف.

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات ، 49: 13).

عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، أنه قال: قال رسولُ الله ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "يا أيها الناسُ ! إنَّ ربَّكم واحدٌ ، وإنَّ أباكم واحدٌ ، ألا لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأحمرَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أحمرَ ، إلا بالتقوى. إنَّ أكرمَكم عند اللهِ أتقاكُم." [217]

والحج فريضة تؤدى مرة واحدة في حياة المسلم البالغ العاقل ، والمستطيع مالياً وجسدياً. ولذلك ، يقوم بالحج عدة ملايين من المسلمين في كل عام ، ملبين لدعوة الله ، عز وجل ، ومؤدين لفريضته ، ومتذكرين لقصة رسوله إبراهيم ، عليه السلام ، الذي ترك زوجته هاجر وابنه إسماعيل ، عليهما السلام ، عند بيت الله الحرام ، ثم دعا ربه أن يهدي أفئدة من الناس لتهوي إليهم ، كما جاء في الآية الكريمة 14: 37. وهكذا ، ففريضة الحج هي جزء من استجابة الله ، سبحانه وتعالى ، لدعاء إبراهيم ، عليه السلام.

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم ، 14: 37).

وعلى الأخص ، يتذكر حجاج بيت الله الحرام قصة الذبيح إسماعيل ، الذي رأى أباه إبراهيم في المنام أنه يذبحه ، وكان ذلك امتحاناً من الله ، سبحانه وتعالى ، لرسوله ولآل بيته. وقد صدق إبراهيم الرؤيا ، أي أنه نجح في امتحان الله له ، من خلال طاعته لله ، عز وجل ، ورفضه لوسوسة الشيطان الرجيم. وبمجرد وضعه للسكين على رقبة ابنه ، طاعة لله ، جاءه جبريل ، عليه السلام ، ببشرى نجاحه في الامتحان ، وأعطاه ذبحاً عظيماً ليذبحه بدلاً عن ابنه ، كما تخبرنا الآيات الكريمة (37: 102-107).

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ ۚ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّـهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴿١٠٢﴾ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ﴿١٠٣﴾ وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ ﴿١٠٤﴾ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا ۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿١٠٥﴾ إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ﴿١٠٦﴾ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ﴿١٠٧﴾ (الصافات ، 37: 102-107).

ثم قام إبراهيم وإسماعيل ، عليهما السلام ، بإعادة بناء الكعبة المشرفة ، كأول بيت لله وضع للناس على الأرض ، لتصبح محجاً للمسلمين وقبلة لهم في صلواتهم ، ومركزاً لطوافهم. وبالإضافة إلى ذلك ، فإن مناسك الحج تشتمل على التواجد للعبادة في منى وعرفات والمزدلفة. [218] 

أَلْحَجُّ: الرُّكْنُ الخَامِسُ فِي الإسْلَامِ

أخبرنا الله ، سبحانه وتعالى ، في الآيات الكريمة 51: 56-58 من القرآن الكريم بأنه لم يخلق الجن والإنس إلا ليعبدوه ، لا ليطعموه أو يرزقوه ، لأنه هو الرزاق ، ذو القوة المتين.

وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾ مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ ﴿٥٧﴾ إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴿٥٨ (الذاريات ، 51: 56-58). 

فما الذي يريده الله ، عز وجل ، من عبادتنا له؟

إذا ما فكرنا في العبادات الخمس التي فرضها الله على المسلمين ، فإننا نجد أنها جميعاً تعود عليهم بفوائد جمة من شأنها أن تجعلهم على أفضل حال ، جسدياً وروحياً ، كأفراد وأسر ومجتمعات ، وكجنس بشري أيضاً. وهكذا ، فهي عبادات لأنها تمثل الطاعة للخالق العظيم ، ولكنها في نفس الوقت خير للبشر في حياتهم الدنيا ، كما أنها خير لهم في الآخرة ، حيث يكافؤون على طاعتهم لله ، بالحياة الأبدية في الجنة.

وذلك يعني أن الله ، سبحانه وتعالى ، يريد لنا أن نطيع أوامره بأداء العبادات التي فرضها علينا ، لأن ذلك من مصلحتنا ولخيرنا. فهو الغني الذي لا يحتاج إلى عبادتنا له ، ولا يستفيد منها. لكنه يناله التقوى والرضى من عباده ، عندما يستجيبون له ، ويطيعونه باختيارهم ، كما أوضح لنا في الآيتين الكريمتين 22: 37 و29: 6.

لَن يَنَالَ اللَّـهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَـٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّـهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ ۗ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ  (الحج ، 22: 37).  

وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (العنكبوت ، 29: 6).

الآيَاتُ الْكَرِيمَةُ ذَاتُ الصِّلَةِ بِفَرِيضَةِ الْحَجِّ

أمر الله ، سبحانه وتعالى ، المستطيعين من المسلمين ، بالحج إلى الكعبة المشرفة ، بيته الحرام في مكة المكرمة ، وهو أول بيت وضع لعبادة الله على الأرض ، كما تذكر لنا الآيتان الكريمتان 3: 96-97.

إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ ﴿٩٦ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿٩٧ (آل عمران ، 3: 96-97). 

وتشير الآية الكريمة 22: 26 إلى أن هذه العبادة كانت مفروضة من قبل ، حيث أمر الله ، سبحانه وتعالى ، إبراهيم ، عليه السلام ، بتطهير بيته ، تمكيناً للحجاج من الصلاة والطواف الآمنين حول الكعبة المشرفة. وتتضمن الآيات الكريمة 22: 27-29 أمر الله ، سبحانه وتعالى ، لرسوله الكريم ، محمد ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، وللمسلمين من خلاله ، بأداء فريضة الحج ، النافعة لهم في دنياهم (من مأكل وتجارة وتعارف) وأخراهم (من رضى الله عليهم ومكافأته لهم).

 وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ﴿٢٦ وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴿٢٧ لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّـهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ ﴿٢٨ ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ﴿٢٩  (الحج ، 22: 26-29). 

وفي معرض تفسيره للآية الكريمة 22: 28 ، ذكر ابن كثير أن على المسلمين عامة ، والحجاج بشكل خاص ، أن يكثروا من ذكر اسم الله وتعظيمه وحمده ، خلال العشرة أيام الأولى من شهر ذي الحجة. وأضاف بأن "أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ" إشارة إلى مدة الحج ، التي تبدأ بالوقوف بعرفه، ثم يوم الحج الأكبر (العيد) ، ويومين إلى ثلاثة أيام بعده.

أما بالنسبة للإشارة إلى " بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ " ، التي ذكرت في الآية الكريمة 22: 28 ، يورد ابن كثير أحاديث شريفة وأقوالاً للصحابة الكرام ، تجمع كلها على أن الهدف هو إطعام الناس ، بما في ذلك الحجاج أنفسهم ومعارفهم والفقراء أيضاً ، أي أن هذه الآية الكريمة تحض على توزيع لحوم الحيوانات المذبوحة أثناء الحج ، بأي طريقة ممكنة. وهكذا ، فإن نحر الحيوانات في الحج يهدف إلى فائدة عباد الله ، مثلما هو الحال في العبادات الأخرى ، كما تم تفصيله في الفصل الثامن من هذا الكتاب.

فبإمكان الحاج الاحتفاظ بنصف الذبيحة والتصدق بنصفها الآخر على الفقراء ، كما جاء في الآية الكريمة 22: 28. كما أن بإمكانه الاحتفاظ بثلثها ، والتصدق بثلثها "للقانع" ، أي للمعارف والجيران الذين لا يسألون ، والثلث الأخير "للمعتر" أي للفقراء الذين يسألون ، بحسب تفسير القرطبي للآية الكريمة 22: 36.

وقد فسر الطبري الآية الكريمة 22: 29 بأنها تشتمل على مناسك الحج التي أخذت عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، والتي تشمل الوقوف بعرفة ومزدلفة وذبح الحيوانات وقص الشعر والأظفار ورمي الجمرات والطواف بالكعبة المشرفة.

واتفق المفسرون الثلاثة على أن وصف بيت الله الحرام "بالعتيق" إشارة إلى قِدمه ، لأنه كان أول بيت وضع لعبادة الله على الأرض ، لكنهم أضافوا أيضاً أن الله ، سبحانه وتعالى ، وصفه بذلك لأنه أعتقه من حكم الجبابرة.

مَكَارِمُ الأخْلاقِ فِي الْحَجِ

من أجمل ما يشتمل عليه الحج التأكيد على ممارسة مكارم الأخلاق بين حجاج بيت الله الحرام ، وهي المكارم التي تنص عليها أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، وسنة رسوله الكريم ، عليه الصلاة والسلام. وتنبع أهمية ذلك من حقيقة أن هناك ملايين من الحجاج الذين يتواجدون في مكة المكرمة خلال أيام الحج ، الأمر الذي يحتم عليهم ممارسة مكارم الأخلاق الإسلامية ، حتى يُكْمِلُوا شعائر حجهم في يسر ومحبة وتسامح.

وقد جاء التأكيد على مكارم الأخلاق في الآيات الكريمة 2: 197-202 ، التي تتضمن توجيهات الله ، سبحانه وتعالى ، للحجاج بالامتناع عن الرفث (أي الجماع وفحش الأقوال والأفعال) والفسوق (أي ارتكاب المعاصي) والجدال. وتتضمن الآيات أيضاً الحث على عمل الخير والإكثار من الاستغفار وذكر الله والدعاء إليه ليمنحهم حياة طيبة في الدنيا والآخرة.

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّـهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴿١٩٧ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ﴿١٩٨ ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّـهَ ۚ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿١٩٩﴾ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّـهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ﴿٢٠٠﴾ وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴿٢٠١﴾ أولَـٰئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُوا ۚ وَاللَّـهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ ﴿٢٠٢ (البقرة ، 197-202).  

كما جاء التأكيد على أهمية التحلي بمكارم الأخلاق ، بصفة عامة ، في الحديث الشريف الذي رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، والذي قال فيه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "إنَّما بعثتُ لأتمِّمَ مَكارِمَ الأخلاقِ."  [219]

وتأكد ذلك أيضاً في البشرى التي ذكرها النبي ، صلى الله عليه وسلم ، للحجاج بغفران ذنوبهم ، إذا ما خلا حجهم من الرفث والفسوق. فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، يقولُ: "مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ ، ولَمْ يَفْسُقْ ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ." [220]

وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، أنه قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "الحجُّ المبرورُ ليسَ له جزاءٌ إلا الجنةُ." قالوا يا نبيَّ اللهِ ما الحجُّ المبرورُ؟ قال: "إطعامُ الطعامِ وإفشاءُ السلامِ." [221]

حِجَّةُ الْوَدَاعِ

كان فتح مكة في العشرين من شهر رمضان ، من العام الثامن للهجرة. وفي العام التالي ، أرسل النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أبا بكر أميراً للحج ، على رأس حوالي ثلاثمائة من الحجاج المسلمين. ثم قام النبي ، عليه الصلاة والسلام ، بالحج لأول وآخر مرة في العام العاشر للهجرة. ولذلك أسماها المسلمون حجة الوداع. وأثناء وقوفه بعرفات ، ألقى على المسلمين خطبته الشهيرة. وبعدها ، أي في عشية يوم الجمعة ، التاسع من ذي الحجة ، وهو ما زال في عرفات ، نزلت عليه آية من أعظم آيات القرآن الكريم ، ألا وهي الآية الكريمة 5: 3 ، التي أعلنت اكتمال دين الله ، سبحانه وتعالى ، وذلك بتمكين المسلمين من الحج ، بعد فتح مكة. كما تضمنت الإعلان عن تمام نعمة الله على البشرية ، بإكمال دينه لها ورضاه عنه. ومات خاتم الأنبياء والمرسلين ، عليه الصلاة والسلام ، بعد ذلك بواحد وثمانين يوماً.

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا (المائدة ، 5: 3).

واشتملت خطبة النبي ، عليه الصلاة والسلام ، التي ألقاها في حجة الوداع ، على ملخص لأهم مبادئ الشريعة الإسلامية ، وحقوق الإنسان ، ومكارم الأخلاق ، التي تسمو بالبشرية إلى المكانة الرفيعة التي أرادها الله ، سبحانه وتعالى ، لها.

فقد حث فيها ، عليه الصلاة والسلام ، على حرمة الدماء والأموال ، وأداء الأمانات لأصحابها ، والنهي عن الربا ، وإنهاء الثأر ، وعدم الاستماع للشيطان في صغائر الأمور وكبارها ، والالتزام بطاعة الله فيما حلل وما حرم. كما بين أهم أسس العلاقة بين الرجال والنساء وأمر بمعاملتهن بالحسنى ، وركز على الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله. وختمها بالتأكيد على أن المسلمين أخوة ، فلا ينبغي أن يعتدي أحدهم على الآخر أو أن يأخذ منه أياً من ممتلكاته بالقوة. [222]

مَنَاسِكُ الْحَجِ

يقوم حجاج بيت الله الحرام بأداء العديد من المناسك ، التي أخذوها عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. فقبل دخولهم لمكة المكرمة ، يرتدي الذكور منهم ملابس الإحرام ، التي تساوي بينهم في المظهر ، استعداداً للقيام بهذه العبادة الجليلة. وعند وصولهم إلى بيت الله الحرام ، فإنهم يحيون الكعبة المشرفة بطواف القدوم ، الذي يتكون من سبعة أشواط ، يدورون حولها بحيث تكون على يسارهم ، أي أنهم يطوفون بها على عكس عقارب الساعة. وذلك يتمشى مع قانون الحركة في الكون ، كما هو الحال في طواف الإلكترون حول النواة في الذرة ، وفي دوران الكواكب ، بما فيها الأرض ، حول نفسها وحول الشمس ، وطواف النجوم وكواكبها حول مراكز المجرات ، وكذلك دوران المجرات باتجاه معاكس لعقارب الساعة ، حول مركز الكون ، الذي لا يعلمه إلا الله ، سبحانه وتعالى. [223]

ويقوم الحجاج بعد الطواف بالسعي بين الصفا والمروة ، المحاذيين للكعبة المشرفة ، وذلك في سبع مرات ، محاكاة لما فعلته هاجر ، عليها السلام ، في محاولاتها للبحث عن الماء بعيداً عن ابنها إسماعيل ، عليه السلام ، والعودة السريعة خوفاً عليه. فسعت بين الصفا والمروة سبع مرات ، حتى قام جبريل ، عليه السلام ، بضرب الصخر لتمكين ماء زمزم من الظهور إلى سطح الأرض ، لتشرب هي وابنها منه ، ومن انضم إليهم من الناس بعد ذلك. [224]

ثم يذهب الحجاج إلى مِنَى ، التي تبعد عن البيت الحرام بحوالي سبعة كيلومترات للراحة من عناء السفر ، حيث يُصَلُّون بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، قصرا من غير جمع. وبعد طلوع الشمس في اليوم التاسع من ذي الحجة ، يسير الحجاج إلى نمرة ، فيبقون فيها إلى وقت الظهر ، ثم يسيرون إلى عرفات (عرفه )، التي تبعد عن البيت الحرام بحوالي عشرين كيلومتراً ، فيُصَلُّون الظهر والعصر ، ركعتين ركعتين ، يجمع بينهما جمع تقديم. وبعد غروب الشمس ، يسير الحجاج إلى مزدلفة ، حيث يُصَلُّون المغرب والعشاء ، بأذان واحد وإقامتين. ويبيتون بمزدلفة حتى طلوع الفجر ، فَيُصَلُّون الفجر بأذان وإقامة. وأثناء تأدية هذه المناسك ، يكثر الحجاج من ذكر الله وتعظيمه وتحميده ، ومن الدعاء بالخير للنفس والأسرة والمجتمع.

وقبل طلوع شمس العاشر من ذي الحجة ، يعود الحجاج إلى مِنَى لرمي جمرة العقبة ، بسبع حصيات متعاقبات ، مُكبرين مع رمي كل حصاة. ويلي ذلك ذبح الهدي (الذي يقوم به المطوفون في الغالب) ، وقص الأظفار ، والاستحمام ، وارتداء الملابس العادية ، وحلق شعر الرأس أو تقصيره للذكور وقص القليل منه للإناث. وذلك هو التحلل الأول ، الذي يُحِلُّ كل شيء إلا الجماع. ثم يتوجه الحجاج إلى مكة ،  لأداء طواف الإفاضة والسعي ، وبذلك يتحقق التحلل الثاني ، الذي يحلل كل شيء حرمه الإحرام.

ثم يعود الحجاج إلى مِنَى للراحة وأداء ما تبقى من مناسك الحج ، فيبيتون هناك ليلتي الحادي عشر والثاني عشر من ذي الحجة ، لرمي الجمرات الثلاث. وحينئذ ، يمكن للحجاج الخروج من مِنَى أو التأخر للثالث عشر ، ورمي الجمرات الثلاث ، وهو الأفضل. وفي هذا المنسك تقليد لما فعله إبراهيم ، عليه السلام ، برميه الشيطان بالحجارة عندما حاول أن يثنيه عن طاعة أمر الله ، عز وجل ، له في اختبار الذبح ، الذي نجح فيه. وتختم مناسك الحج بطواف الوداع ، حول الكعبة المشرفة ، قبل أن يغادر الحجاج مكة المكرمة ، عائدين إلى بلدانهم. [225]

وبينما يقوم حجاج بيت الله الحرام بأداء مناسكهم في المشاعر المقدسة ، يحتفل المسلمون في شتى بقاع الأرض بعيد الأضحى المبارك. فيتجمعون في المساجد والمصليات ، حيث تقام صلاة العيد ، التي يسبقها الكثير من التهليل والتحميد والتكبير لله ، رب العالمين ، والصلاة على رسوله الكريم وأهل بيته الأطهار ، والثناء على صحابته الأبرار. وبعد عودتهم إلى بيوتهم ، يقوم القادرون منهم بذبح أضحياتهم ، وإعطاء الفقراء والأصدقاء من لحومها. ثم يختمون هذا اليوم السعيد بزيارة الأرحام والأقارب ، أو الاتصال بهم هاتفياً إن كانوا يعيشون في أماكن أو بلاد بعيدة. [226]

الْخُلاًصَةُ 

الحج هو الفريضة الخامسة من العبادات في الإسلام. به أكمل الله ، سبحانه وتعالى ، دينه ، وأتم نعمته على البشرية. ومن خلال أداء هذه الفريضة ، يطبق المسلمون أعلى درجات مكارم الأخلاق والمعاملة الطيبة ، ويتعارفون ، ويتساوون أمام الله بغض النظر عن أحسابهم وأنسابهم وألوانهم ولغاتهم وثرواتهم. كما أن الحج تذكرة بأن دين الله واحد ، وإن تعدد الرسل ، أنزله الله في أزمان مختلفة ، وختمه بالقرآن الكريم ، الذي أنزله على خاتم رسله وأنبيائه ، محمد ، عليه أفضل الصلاة والسلام.

ويمثل الحج معاني في غاية العمق والسمو ، فهو يربط الأرض بالسماء ، من خلال زيارة بيت الله الحرام ، والطواف حوله ، كطواف الأجرام السماوية حول مراكزها. كما أنه يمثل درجة عالية من الإيمان ، حيث يترك الحجاج كل شيء في هذه الدنيا وراء ظهورهم ، ليكونوا ضيوفاً للرحمن في بيته الحرام ، فيفوزون بأعظم نعمه ، ألا وهي رضاه ومحبته وجنة خلده.

=====================================================================================================



مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثيِقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الأولِ

[1] يذكر القرآن الكريم أن جميع رسل الله والمؤمنين الذين اتبعوهم بإحسان ، من قبل بعثة خاتم الرسل محمد ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، كانوا مسلمين ، كما ذكر ذلك في الآيات 2: 132-133 (أي في الآيات 132-133 من سورة البقرة ، التي رقمها 2 في القرآن الكريم) و3: 19 ، 52 ، 67 ، 84 و7: 126 و12: 101 و27: 42 ، 91 و28: 53 و32: 12 و51: 36 و72: 14.

وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (البقرة ، 2: 132).

بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة ، 2: 112).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (البقرة ، 2: 208).

[2] رواه فضالة بن عبيد ، رضي الله عنه ، وأخرجه ابن حبان (4862). وقد تم الاعتماد على مصدرين معروفين للتحقق من وجود هذا الحديث ، وغيره من الأحاديث الشريفة المذكورة في هذا الكتاب. وهذان المصدران هما:

  https://dorar.net/ و http://hadith.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=261

كما تم الرجوع أيضاً إلى كتاب "رياض الصالحين: من كلام سيد المرسلين" للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي ، والمنشور في دمشق وبيروت من خلال دار ابن كثير عام 1428 \ 2007 ، والمنشور أيضاُ على مواقع عديدة من الشبكة العالمية ، منها النسخ المطبوعة ، مثل:

 https://ar.wikisource.org/wiki/

ومنها النسخ المصورة مثل:

 https://archive.org/stream/waq85745waq/85745#page/n518/mode/2up

[3] قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ (الحجرات ، 49: 14).

وقد روى عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أن جبريل عليه السلام أتي المسجد وسأل الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، عدة أسئلة وصدَّقه على إجاباته عليها ، ومن بينها أسئلة عن الإسلام والإيمان والإحسان ، فأجابه كالتالي: 

الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنْ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.

(الْإِيمَانِ) أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ.

(الْإِحْسَانِ) أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ.

وهذا الحديث الشريف أخرجه مسلم: 8 ، وأبو داود: 4695 ، والترمذي: 2610 ، والنسائي: 4990 ، وابن ماجه: 63 ، وأحمد: 367 ، باختلاف يسير بينهم. كما أنه الحديث السابع عشر من "الأربعين" النووية" ، والستون في "رياض الصالحين" ، للإمام النووي ، رحمه الله. كما أنه مثبت في صحيح مسلم: 8 (كِتَاب الْإِيمَانِ: بَاب بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ والْإِيمَانِ بِالقَدَرِ).

 https://dorar.net/  وhttp://hadith.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=194&BookID=25

[4] عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ (النجم ، 53: 5).

[5] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (الحجر ، 15: 9).

[6]  هؤلاء المفسرون الثلاثة لهم معرفة شاملة بكتاب الله وبسنة رسوله وبأقوال الصحابة ، فوظفوا ذلك في الوصول إلى أكثر من تفسير للكلمة أو الآية ، ورجحوا تفسيراً على آخر ، بل وانتقدوا بعض الشروح والمعاني التي لا تتماشى مع القرآن الكريم ، خاصة أن آياته تفسر بعضها بعضاً.

وأقدمهم أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري ، الذي ولد في طبرستان (في إيران) في عام 224 هجرية (840 ميلادية) وتوفى في بغداد ، في عام 310 هجرية (923 ميلادية). أما كتاب تفسيره للقرآن الكريم فهو بعنوان: "جامع البيان في تأويل أي القرآن" ، الذي استغرق في كتابته حوالي ست سنوات من أواخر عمره ، من عام 283 إلى عام 290 هجرية.

ويليه زماناً محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري القرطبي ، الذي ولد في قرطبة بالأندلس ، في العقد الأول من القرن السابع الهجري ، وتوفى في منية بني خصيب ، بصعيد مصر ، في عام 671 هجرية (1272 للميلاد). وكتاب تفسيره للقرآن الكريم بعنوان: "الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان."

أما ثالثهم زماناً فهو أبو الفدا إسماعيل بن عمر بن كثير ، الذي ولد في مجدل بصرى ، بجنوب سوريا ، في عام 700 هجرية (1300 ميلادية) ، ولكنه تعلم وعاش في دمشق حتى وفاته في عام 774 هجرية (1372 ميلادية). وعنوان كتابه هو: "تفسير القرآن العظيم."

[7] يقول الله ، سبحانه وتعالى ، في كتابه العزيز: "وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ (الحشر ، 59: 7). وقال رسوله الكريم في الحديث الذي رواه العرباض بن سارية ، رضي الله عنه: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المَهْدِيينَ مِنْ بَعْدِي" (أبو داود:4607 ، والترمذي: 2676 ، وابن ماجه: 42 ، وأحمد: 17145 ، وفي رياض الصالحين: 157).

وبصفة عامة ، أوصى ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، أصحابه بأن يحدثوا الناس عن سنته بلا حرج ، ولكنه نهاهم ، وخاصة كُتَّاب الوحي منهم ، عن كتابة أي شيء يقوله إلا القرآن الكريم. فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ، رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : "لا تَكْتُبُوا عَنِّي ، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ ، وَحَدِّثُوا عَنِّي وَلا حَرَجَ" )رواه مسلم: 3004 ، الزهد والرقائق/ 5326).

وبالنسبة لجواز كتابة الحديث والإذن به ، فقد حدث ذلك بعد المنع ، عندما لم يعد هناك خوف من اختلاطه بالقرآن الكريم. فقد روي الإمام أحمد في مسنده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما ، الذي قال فيه: كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أريد حفظه. فنهتني قريش ، فقالوا: إنك تكتب كل شيء تسمعه من رسول الله (وهو) بشر يتكلم في الغضب والرضا . فأمسكت عن الكتابة . فذكرت ذلك لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، فقال: "أكتب ، فوالذي نفسي بيده ، ما خرج مني إلا الحق" (أبو داود: 3646 ، وأحمد: 6510). وقد تبنت الدولة الأموية تدوين الأحاديث الشريفة ابتداء من عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، في 99-101 هجرية ، واستمر ذلك أيضاً أثناء حكم العباسيين.

أما عن كُتَّاب الوحي ، فقد وصل عددهم إلى ثلاثة وعشرين ، كما أورد ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" ، فمنهم الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي بن أبي طالب ، رضي الله عنهم. ومنهم أبان بن سعيد بن العاص ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، ومعاذ بن جبل ، وأرقم بن أبي الأرقم واسمه عبد مناف ، وثابت بن قيس بن شماس ، وحنظلة بن الربيع ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وخالد بن الوليد ، والزبير بن العوام ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح ، وعامر بن فهيرة ، وعبد الله بن أرقم ، وعبد الله بن زيد بن عبد ربه ، والعلاء بن الحضرمي ، ومحمد بن مسلمة بن جريس ، ومعاوية بن أبي سفيان ، والمغيرة بن شعبة ، رضي الله عنهم أجمعين. وقائمة كُتَّاب الوحي منشورة في شبكة الإسلام ، على الرابط التالي:

 http://www.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=69904  

[8] حديث " بُني الإسلامُ على خمسٍ" أخرجه البخاري: 8 ، ومسلم: 16 ، واللفظ له.

[9] فيما يلي أمثلة على الآيات الكريمة التي لخصها الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، في حديثه المذكور" بُني الإسلامُ على خمسٍ":

شَهِدَ اللَّـهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ ۚ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ  (آل عمران ، 3: 18).

 مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب ، 33: 40). 

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ  (البقرة ، 2: 110).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (البقرة ، 2: 183).

وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ (آل عمران ، 3: 97).

[10] جاء أمر الله ، سبحانه وتعالى ، باجتناب الخمر ، في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة ، 5: 90).

وقد فسر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، هذه الآية الكريمة ، في الحديث الصحيح الذي رواه أبو سعيد الخدري ، رضي الله ، والذي قال فيه أنَّ النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: " إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الخَمْرَ، فمَن أَدْرَكَتْهُ هذِه الآيَةُ وَعِنْدَهُ منها شيءٌ فلا يَشْرَبْ، وَلَا يَبِعْ" (مسلم: 1578).

وعن أنس بن مالك ، رضي الله عنهما ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أمَرَ مُنَادِيًا يُنَادِي: "أَلَا إنَّ الخَمْرَ قدْ حُرِّمَتْ" (البخاري: 2464).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "كلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وكلُّ مُسْكِرٍ حرامٌ" (مسلم: 2003).

لمزيد من التفصيل عن تحريم الخمر ، انظر الفتوى رقم 96868 ، الصادرة عن الهيئة العامة للشئون الإسلامية والأوقاف بدولة الإمارات العربية المتحدة ، على الرابط التالي:

https://www.awqaf.gov.ae/ar/Pages/FatwaDetail.aspx?did=96868

وقد ذكر الشيخ يوسف القرضاوي بأن المخدرات من الأشياء التي حرَّمها الشرع بلا خلاف بين علماء المسلمين ، وذلك بالقياس على تحريم الخمر. والدليل على حرمتها أنها داخلة في مسمَّى "الخمر" ، بناء على ما قاله أمير المؤمنين ، عمر بن الخطاب ، رضى الله عنه: "الخمر ما خامر العقل" (متفق عليه ، موقوفًا على عمر كما في اللؤلؤ والمرجان: 1905 ، ورواه أيضًا أبو داود: 3669). وهي محرمة أيضاً لكونها مفترة للجسم. فقد روت أم سلمة ، رضي الله عنها ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، "نهى عن كل مسكر ومفتر" (أبو داود: 3686).

 https://www.al-qaradawi.net/node/3657 

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الثَّانِي

[11] هذا الحديث الشريف هو السابع عشر من "الأربعين" النووية ، والستون في "رياض الصالحين" ، للإمام النووي ، رحمه الله. وأخرجه مسلم: 8 ، وأبو داود: 4695 ، والترمذي: 2610 ، والنسائي: 4990 ، وابن ماجه: 63 ، وأحمد: 367 ، باختلاف يسير، وابن منده في الإيمان: 2.

https://dorar.net/hadith

https://ar.wikisource.org/wiki/رياض_الصالحين/الصفحة_السابعة

http://hadith.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=194&BookID=25

الساعةُ هي أول أحداث اليوم الآخر، والتي تبدأُ بالنفخ الأول في الصور، كما هو مفصل في الفصل الرابع والعشرين.

[12] سيتم تناول العبادات الخمس بتفصيل أكثر في الجزء الثاني من الكتاب. أما الآية الكريمة التي تمت الإشارة إليها عن الوضوء والطهارة ، فهي كما يلي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (المائدة ، 5: 6).

[13] يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (الحجرات ، 49: 13).

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ  (البقرة ، 2: 197).

[14] هناك آيات عديدة تحتوي على الإعجاز العلمي في القرآن الكريم تمت الإشارة إليها في مختلف فصول الكتاب ، وخاصة في الفصلين الثالث والرابع.    

[15]  وفي إثبات وجود الله فلسفياً ، قال ابن رشد في "تهافت التهافت": "الموجودات كلها آحاد ، وكل واحد معلول لواحد آخر فوقه ، وعلة لآخر تحته ، إلى أن ينتهي إلى معلول لا معلول آخر تحته ، كما انتهى في جهة التصاعد إلى علة لا علة له." 

https://www.noorlib.ir/view/ar/book/bookview/text/13427/1/111

[16]  وردت بعض أسماء الملائكة وفئاتهم في كثير من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ، كما تم ذكره في الفصل السابع عشر: "الملائكة ، عباد الله المكرمون."

[17]   وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (الأنفال ، 8: 25).

وعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَا فَعَلَ بِهِ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَا أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَا أبْلاهُ" (أخرجه الترمذي: 2417 ، والدارمي: 537 ، باختلاف يسير، والبيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى": 494).

أما عبارة أن المؤمن "يدفع الأقدار بالأقدار" فتنسب إلى عبد القادر الجيلاني ، رحمه الله ، كما تم ذكره في الحاشية العاشرة ، من الفصل الخامس والعشرين.

[18] عبرت آيات كثيرة في القرآن الكريم عن المعاني السامية لكلمة "الإحسان." فالله ، سبحانه وتعالى ، يأمر بالإحسان (16: 90) ، قولاً وعملاً (41: 33) ، وبمعاملة الوالدين بالحسنى (17: 23) ، ويثنى على المحسنين بإعلان حبه لهم (2: 195) ، ويطمئنهم بألا خوف عليهم ولا هم يحزنون (2: 112) ، ويعدهم بالجزاء الأوفر في جنة خلده (5: 85) ، كما في الأمثلة التالية:

إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (النحل ، 16: 90).

وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّـهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (فصلت ، 41: 33).

وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا (الإسراء ، 17: 23).

وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّـهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة ، 2: 195).

بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّـهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (البقرة ، 2: 112).

فَأَثَابَهُمُ اللَّـهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ (المائدة ، 5: 85). 

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثيِقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الثَّالِثِ

[19] تمت الإشارة إلى أمية النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أي عدم معرفته للقراءة والكتابة قبل البعثة في قوله تبارك وتعالى: "وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ" (العنكبوت ، 29: 48). وكذلك في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، بأن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "إنَّا أُمَّةٌ أُمّيَّةٌ لا نَكتُبُ ولا نَحسُبُ" (البخاري: 1913 ، مسلم: 1080 ، أبو داود: 2319 ، النسائي: 2140 ، وأحمد: 6129 ، الألباني ، صحيح الجامع: 2282).

أما حديثُ أَبِي رَزِين الْعُقَيْلِيّ ، فقد أخرجه صحيح ابن حبان: 6141 ، الترمذي: 3109 ، والذهبي: 18 ، والطبري: 1\ 40 ، باختلاف يسير.

وجاء حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، في رده على سؤال عن معنى "وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ"  (هود ، 11: 7). فقال إنه كان "على مَتْنِ الريحِ" (الراوي سعيد بن جبير ، والمحدث الألباني ، الذي ذكر بأن إسناده جيد موقوف ، والمصدر تخريج كتاب السنة: 584).

قام فريق من علماء الفيزياء الفلكية ، تقودهم إلسدور كليفز ، بالبحث في عمر الماء ومقارنته بعمر الأرض. وتم نشر نتائج بحثهم ذاك في مجلة العلوم ، المجلد رقم 345 ، الإصدار 6204 ، الصفحات 1590-1593 ، في 27 سبتمبر 2014 ، بعنوان "الإرث القديم للماء المجمد في النظام الشمسي" ، وهو موجود على الرابط التالي:

http://science.sciencemag.org/content/345/6204/1590

وقد تم نشر ملخص لنتائج هذا البحث في صحيفة لوس أنجيليس تايمز الأميركية في 27 سبتمبر 2014 ، تحت عنوان "الماء على الأرض أقدم من النظام الشمسي ، وحتى من الشمس ، على الرابط التالي:

http://www.latimes.com/science/sciencenow/la-sci-sn-old-water-on-earth-20140923-story.html  

[20]  أنظر مثلاً مقالة إليزابث هاول ، والتي نشرت في مجلة الفضاء ، في 7 نوفمبر 2017 ، بعنوان "ما هي نظرية الانفجار العظيم؟" ، في مطبوعة "الفضاء" ، الموجودة على الرابط التالي:

https://www.space.com/25126-big-bang-theory.html

وانظر أيضاً مقالة ناسا عن الانفجار العظيم والتوسع المستمر للكون:

https://science.nasa.gov/astrophysics/focus-areas/what-powered-the-big-bang

[21] هناك اتفاق على أن العالِم الأميركي ، إدوين هَبِلْ ، هو أول من كتب عن توسع الكون ، بابتعاد أجزائه عن بعضها البعض بسرعة فائقة ، كما شهدت بذلك مطبوعة مكتبة الكونغرس ، على الرابط التالي:

   https://www.loc.gov/rr/scitech/mysteries/universe.html

وقد قدم مايك وول شرحاً موجزاً لنظرية هَبِلْ مع إيضاح سمعي وبصري ، على الرابط التالي:

https://www.space.com/35459-universe-expanding-faster-hubble-constant.html

 

كما قدم آخرون شروحاً لقانون هبل ونظريته على الكثير من الروابط الأخرى ، مثل:

http://www.physicsoftheuniverse.com/topics_bigbang_expanding.html

http://www.atnf.csiro.au/outreach/education/senior/cosmicengine/hubble.html

[22] أنظر ، على سبيل المثال ، مقالة بول رانتر عن احتمال أول إثبات على وجود أكوان متعددة ومتوازية ، والتي نشرت بتاريخ 18 مايو2017 ، الموجودة على الرابط التالي:

http://bigthink.com/paul-ratner/scientists-find-what-could-be-the-first-proof-of-parallel-universes

وكذلك مقالة إليزابث هاول ، عن نظريات الأكوان المتعددة المتوازية ، المنشورة في مجلة الفضاء ، بتاريخ 28 أبريل 2016 ، والموجودة على الرابط التالي:

https://www.space.com/32728-parallel-universes.html

[23] هناك العديد من الباحثين المسلمين المعاصرين الذين فهموا بأن المقصود من الآية هو السفر في الفضاء. ومن أمثلة هؤلاء عبد الدايم الكحيل ، ومحمد سمير العرش ، والشيخ محمد أمين الشنقيطي ، ومحمد زغلول النجار. ومن أمثلة كتاباتهم في ذلك ، مقالة حسني حمدان حمامة عن إعجاز "لتركبن طبقاً عن طبق" والمنشورة بتاريخ 13 أكتوبر 2016 ، على الرابط التالي: www.alukah.net/sharia/0/108483/.  

[24] في تفسيرهم للآية الكريمة 55: 33 ، لم يحاول المفسرون الثلاثة ، رحمهم الله ، حتى مجرد التفكير في إمكانية سفر الإنسان بين أقطار السماوات والأرض ، ولا لومَ عليهم في ذلك ، لأن سفر الإنسان في الفضاء الخارجي للأرض لم يحدث إلا في القرن الماضي. فقد فسر الطبري ، وهو أقدمهم ، وقوع ذلك في يوم القيامة ، حيث لا يستطيع أحدٌ الهرب من الموت بفراره إلى أطراف السماوات والأرض. أما ثانيهم ، وهو القرطبي ، فقد قال بمثله وزاد بأنه فسر "تنفذوا" ب "تعلموا" ، أي حاولوا أن تعلموا ، ولن تستطيعوا ذلك إلا بإذن من الله ، سبحانه وتعالى ، وبمساعدة من ملائكته. وتبعهما ابن كثير في تفسير الآية على أنها وصفٌ لما سيحدث في مقام الحشر، أي في اليوم الآخر ، ولكنه لم يتطرق إلى ذكر أقطار السماوات والأرض في الآية الكريمة.

[25] تقرير وكالة الفضاء الأميركية ، ناسا ، حول اكتشاف المجموعة الكوكبية ترابست 1 (TRAPPIST 1) موجود على الرابط التالي:

https://www.nasa.gov/press-release/nasa-telescope-reveals-largest-batch-of-earth-size-habitable-zone-planets-around

[26] مزيد من المعلومات عن الدقة والتوازن في الغازات الجوية ، وفي نسبة الماء ، وفي علاقة الأرض بالشمس ، وتأثير ذلك على الحياة النباتية والحيوانية فيها ، موجود على الروابط التالية:

https://www.calpoly.edu/~rfield/solstice.htm,

https://www.nasa.gov/vision/earth/everydaylife/jamestown-water-fs.html

http://www.theozonehole.com/twenty.htm

[27] فقد فسر الطبري كلمة "دحاها" بمعنى بسَطَها للرزق ، وأضاف الآية التالية لها: "أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا" (النازعات ، 79: 31) ، كشرح لها. وتبعه القرطبي في ذلك الشرح والمعنى. وشرحها ابن كثير بالمثل ، لكنه لم يتطرق إلى المعنى اللغوي للكلمة.

ولكن كثيراً من علماء المسلمين أدركوا كروية الأرض وكتبوا عنها ، مستشهدين بآيات القرآن الكريم ، منهم ابن حزم والرازي وابن خرداذبه وابن رسته والمسعودي والإدريسي والقزويني. أنظر إلى عرض موجز لكتاباتهم في هذا الشأن ، في مقالة راغب السرجاني المعنونة "المسلمون وإثبات كروية الأرض" ، والمنشورة على الرابط التالي من موقع "قصة الإسلام":  https://islamstory.com/     

 

وقد أكدت الدراسات الحديثة أن سطح الأرض لا يمثل دائرة تامة ، أي أن الأرض بيضاوية الشكل. فقطرها عند خط الاستواء يبلغ 12,756 كيلومتراً ، أما قطرها فيما بني القطبين ، فيبلغ حوالي 12,714 كيلومتراً ، أي أن هناك فرقاً قدره 43 كيلومتراً ، مما يجعل الأرض بيضاوية الشكل ، وليست كروية تماماً. لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع ، انظر مقالة مات وليامز ، المنشورة على موقع "الكون اليوم" في 6 أكتوبر 2016 ، على الرابط التالي:

 https://www.universetoday.com/15055/diameter-of-earth/  

[28]محاولات الإنسان للبحث في الفضاء الخارجي عن كائنات حية ذكية لا تتوقف ، وخاصة من قبل العلماء في مؤسسات أبحاث الفضاء في البلدان المختلفة. فعلى سبيل المثال ، بنت الصين أضخم راديو- تلسكوب في العالم لهذا الغرض ،  يبلغ قطره 500 متراً ، متفوقاً على التلسكوب الأميركي الموجود في بورتو ريكو ، والذي يبلغ قطره 350 متراً ، كما هو وارد في المعلومات المنشورة على الرابط التالي:

https://techcrunch.com/2016/07/05/china-invests-in-the-hunt-for-aliens-with-worlds-largest-radio-telescope/

[29] انظر المرجع التالي عن مستويات الظلام في مياه المحيطات:

http://www.mbgnet.net/salt/oceans/zone.htm

[30] لمزيد من المعلومات عن كيفية تكون المطر والبرَد ، انظر ملخصات هيئة الأرصاد الجوية الأميركية عن ذلك ، على الرابطين التاليين:

https://www.srh.noaa.gov/jetstream/global/precip.html

http://www.crh.noaa.gov/Image/mkx/2013/Finished%20Hail%20NewsStory.pdf

[31] أنظر المرجعين التاليين عن التكاثر الجنسي وغير الجنسي في النباتات:

http://biology.tutorvista.com/plant-kingdom/plant-reproduction.html

http://encysco.blogspot.com/2011/12/blog-post_30.html

آيات أخرى ذكرت فيها أزواج النباتات:

الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّىٰ (طه ، 20: 53).

وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ (الرعد ، 13: 3).

وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (لقمان ، 31: 10).  

[32] يقدم الرابط التالي مزيداً من المعلومات عن أن أنثى النحل ، التي تعمل وتنتج العسل:

https://www.perfectbee.com/learn-about-bees/types-of-bees/

ويعرض الرابط التالي مزيداً من المعلومات عن أنثى النمل ، التي تعمل داخل وخارج مساكنها:

https://projects.ncsu.edu/cals/course/ent425/library/tutorials/behavior/ants.html

ويبين الرابط التالي كيف أن أنثى البعوض تتغذي على دم الإنسان والحيوان ، حتى تتمكن من إنتاج بيضها:

http://www.tinymosquito.com/male-mosquitoes-female-mosquitoes.html

أنظر الرابط التالي لمزيد من المعلومات عن أنثى العنكبوت ، التي تبني بيتها الواهن ، والتي تأكل الذكر بعد الجماع الجنسي ، وبعضها يأكل الذكور حتى قبل الجماع:

https://www.livescience.com/45066-virgin-female-spiders-eat-males.html

https://www.livescience.com/7555-creepy-cannibalism-female-spiders-eat-mates.html

لمزيد من المعلومات عن أعمار الذباب ، ذكوراً وإناثاً ، انظر هذه الدراسة ، على الرابط التالي:

 https://www.sciencedaily.com/releases/2014/12/141201125154.htm

يمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات عن الفَراش ، ذكوراً وإناثاً ، على الرابط التالي:

https://www.butterfliesandmoths.org/

كما يمكن الاطلاع على مزيد من المعلومات عن الجراد ، ذكوراً وإناثاً ، على الرابط التالي:

http://www.nzdl.org/gsdlmod?e=d-  

انظر الفصل السابع والعشرين من كتاب حسين سانشيز- أرويو ، الذي ذكر فيه بأن أعداد الجراد في السرب الواحد يمكن أن تصل إلى عشرة بلايين ، على الرابط التالي:

http://entnemdept.ifas.ufl.edu/walker/ufbir/chapters/chapter_27.shtml

مزيد من المعلومات عن القُمَّل ، ذكوراً وإناثاً ، على الرابط التالي:

https://www.ridlice.com/en/what-are-lice-head-lice/

[33] فيما يلي إشارة إلى أعمال بعض الرواد الذين بحثوا في الإعجاز العلمي للقرآن الكريم ، كأمثلة فقط ، مع التأكيد على أن هناك الكثير من الباحثين المسلمين غيرهم ، الذين نشروا أبحاثهم القيمة في هذا المجال.

كتاب محمد زعلول النجار. 2005. الإعجاز العلمي للقرآن الكريم." أمازون. وكذلك مقالته عن "الإعجاز العلمي في القرآن الكريم" (2012) ، التي تشتمل على آيات عديدة من مختلف العلوم كالفلك والجيولوجيا والأحياء:

El-Naggar, Zaghloul. 2012. “The Scientific Connotations in the Holy Quran: The six days of creation of the Universe, as viewed by applied sciences.” Al-Jazeerah, June 1.

http://www.aljazeerah.info/Islamic%20Editorials/2012/June/The%20Scientific%20Connotations%20in%20the%20Holy%20Quran%20By%20Zaghloul%20El-Naggar.htm

El-Naggar, Zaghloul. 2005. “The Case of the Scientific Evidence in the Holy Quran (Arabic Edition: قضية الإعجاز العلمي فر القرآن الكريم). Amazon.com.

https://www.amazon.com/Dr-Zaghloul-El-Naggar/e/B00J0B4ELG/ref=dp_byline_cont_book_1

كتاب موريس بوكاي. 1976."الكتاب المقدس والقرآن والعلم: بحث في الكتب المقدسة في ضوء المعرفة الحديثة." مترجم عن الفرنسية ومنشور على موقع أركايف.

Bucaille, Maurice. 1976. “La Bible, le Coran et la Science: Les Écritures Saintes examinées à la lumière des connaissances modernes.” Seghers.

Bucaille, Maurice. 1986. “The Bible, The Quran and Science: The Holy Scriptures Examined In The Light Of Modern Knowledge.” Archive.org (The English translation was by Alastair D. Pannell and the author, published first in Delhi: Taj).

https://archive.org/stream/TheBibletheQuranScienceByDr.mauriceBucaille/TheBibletheQuranScienceByDr.mauriceBucaille_djvu.txt

كتاب إ إبراهيم و 12 آخرين ، بعنوان "دليل مختصر وتوضيحي لفهم الإسلام." من منشورات دار السلام ، وهو موجودٌ على الرابط التالي:

Ibrahim, I. A. and 12 others. 1996. “A Brief Illustrated Guide to Understanding Islam.” Darus Salam.

https://www.islam-guide.com/islam-guide.pdf

مقالة شاه منصور علَم. 1999. "الأهمية العلمية في آيات مختارة من القرآن." من منشورات جامعة الإمام محمد بن سعود ، وهو موجودٌ على الرابط التالي:

Alam, Shah Manzoor. 1999. “Scientific significance in selected Quranic verses.” Al-Imam Muhammad Ibn Saud Islamic University.

http://stepsquare.com/Scientific-significance-in-selected-Quranic-verses--or--cby-Shah-Manzoor-Alam--reviewed-by-Zaghloul-/8/befijdc

مقالة أزاربور ومرادتوشائي وبوزورجي. 2014. "المركبات الغذائية والبيوكيميائية للنباتات القرآنية." مجلة منتدى علم الأحياء: العدد 6 (2) ، الصفحات 242-248.   

Azarpour, Ebrahim, Maral Moraditochaee, and Hamid Reza Bozorgi. 2014. Nutritional and Biochemical Compounds of Quranic Plants.” Biological Forum – An International Journal 6(2): 242-248.

https://www.researchtrend.net/bfij/bf12/42%20EBRAHIM%20AZARPOUR-

فصل في كتاب يحيى أمريك. 2005. "ها هو الإسلام." من منشورات أمازون ، وهو موجودٌ على الرابط التالي:

Emerick, Yahiya. 2005. “What Islam is All About.” Amazon.com.

https://www.amazon.com/What-Islam-All-About-Hardcover/dp/1933269022

مقالة محمد هُمايون خان. 1982. "التصور الفيزيائي لكيفية حدوث اليوم الآخر." أثناء إقامته في المدينة المنورة ، وهو موجودٌ على الرابط التالي:

Khan, Mohammad Humayoun. 1982. “The Physics of the Day of Judgment.” Al-Madinah Al-Munawarra: http://www.endphysics.com/  

[34] من كتب رشاد خليفه ما يلي:

Khalifa, Rashad. 1973. “Miracle of Quran: Significance of the Mysterious Alphabets.” Louis, MO: Islamic Productions International, Inc.

Khalifa, Rashad. 1981. "The Computer Speaks: God’s Message to the World." Renaissance Productions International.

Khalifa, Rashad (1982). Quran: Visual Presentation of the Miracle. USA: Islamic Productions.

Khalifa, Rashad (1989). Quran: The Final Testament. USA: Islamic Productions.

[35] بسّام جرّار (2003): "مقدمات عددية للمتابعة" ، منشور على موقع مركز نون ، على الرابط التالي:

http://www.islamnoon.com/Motafrkat/mokademat.htm

Jarrar, Bassam. 2001. Numeric Miracles of the Holy Quran Chosen Examples. Al-Bireh: Noon Center for Quranic Studies & Research.

http://www.islamnoon.com/language/chosen%20examples.pdf  

[36] عدنان الرفاعي (2009): "المعجزة الكبرى: معجزة إحدى الكبر." النسخة الورقية: دار الخير للطباعة (1601): الصفحات 152-159.

Al-Rifa-i, Adnan. 2009(Dec. 31). “Al-Mu’jizatul Kubra” (Arabic for “The Great Miracle”): Pages152-159.

والكتاب منشور أيضاً على موقع المؤلف ، على الرابط التالي:

http://www.thekr.net/media/kotob/كتاب%20المعجزى%20الكبرى.pdf

    ]37]  عبد الدائم الكحيل. 2006. " إشراقات الرقم سبعة في القرآن الكريم." كحيل 7.   

http://www.kaheel7.com/book/number_seven_in_quran.pdf (عربي)

Al-Kaheel, Abdul Daem. 2012. Secrets of Quran Miracle_ some basic guidelines to numeric miracle.

Available online at: http://kaheel7.com/eng/Book-eng/Part%20-one.pdf

Al-Kaheel, Abdul Daem. (2018). “Numerical Software of the Holy Quran: Issue 4, the Golden Issue.”

عبد الدائم الكحيل. 2018. " برنامج إحصاء القرآن الكريم: الإصدار 4 ، الإصدار الذهبي."

http://www.kaheel7.com/ar/index.php/1/1690-2014-07-03-19-11-02>.

دلل عبد الدائم الكحيل (2006) على أهمية الرقم 7 في القرآن الكريم بإيراد العديد من الإحصائيات عنه ، واستخدم في ذلك طريقة صف أرقام الحروف والآيات والسور إلى بعضها ، مما ينتج عنه عدد يقبل القسمة التامة على الرقم 7. كما ذكر الكثير من الآيات الكريمة التي تشتمل على الرقم 7 أو مضاعفاته ، مثل سبع سنابل (البقرة ، 2: 261) ، و"سبعين" رجلاً (الأعراف ، 7: 155) ، و"سبعين" مرَّةً (التوبة ، 9: 80) ، وسبع بقرات وسبع سنبلات (يوسف ، 12: 43) ، وسبعة أبواب (الحجر ، 15: 44) ، وسبعة وثامنهم كلبهم (الكهف ، 18: 22) ، وسبعة أبحر (لقمان ، 31: 27) ، وسبع سماوات وسبع أرضين (الطلاق ، 65: 12) ، وسبع ليالٍ (الحاقة ، 69: 7) ، وسبعون ذراعاً (الحاقة ، 69: 32). كما تكررت كلمة القيامة سبعين مرة ، وكلمة جهنم سبع وسبعين مرة.

وأضاف بأن هناك سبعُ سور تبدأ بالتسبيح لله تعالى ، وهي: الإسراء (17) والحديد (57) والحشر (59) والصف (61) والجمعة (62) والتغابن (64) والأعلى (87). وهناك سبع آيات تتحدث عن خلق السموات والأرض في ستة أيام ، وهي: (الأعراف ، 7: 51) ، (يونس ، 10: 3) ، (هود ، 11: 7) ، (الفرقان ، 25: 59) ، (السجدة ، 32: 4) ، (ق ، 50: 38) ، و (الحديد ، 57: 4). كما ارتبط الرقم 7 بعدد السماوات السبع في سبع آيات هي: (البقرة ، 2: 29) ، (الإسراء ، 17: 44) ، (المؤمنون ، 23: 86) ، (فصلت ، 41: 12) ، (الطلاق ، 65: 12) ، (الملك ، 67: 3) ، و (نوح ، 71: 15).

وأشار إلى أن الحروف العربية ، التي كتب بها القرآن الكريم هي 28 ، وهو عدد من مضاعفات الرقم 7. كما أن سورة الفاتحة مكونة من سبع آيات (السبع المثاني: الحجر ، 15: 87) ، والتي تتألف من 21 حرفاً من حروف الأبجدية العربية ، وهذا أيضاً عدد من المضاعفات التامة للرقم 7. وعند حذف المكرر من الحروف المقطعة التي تبدأ بها 29 سورة من سور القرآن الكريم ، يتبقى لدينا 14 من هذه السور ، وهذا العدد أيضاً من المضاعفات التامة للرقم 7.  

كما ذكر بأن الذَّرة تتألف من سبع طبقات إلكترونية ، وهي التي تعد الوحدة الأساسية للبناء الكوني ، وأن عدد أيام الأسبوع سبعة أيام ، وعدد ألوان الطيف الضوئي المرئي هو سبعة ألوان . وكذلك فأن الكرة الأرضية تتكون من سبع طبقات. وأشار إلى أن الطواف حول بيت الله الحرام سبعة أشواط ، والسعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط أيضاً.

***

من كتاب عبد الدائم الكحيل. 2006. " إشراقات الرقم سبعة في القرآن الكريم." كحيل 7.  

http://www.kaheel7.com/book/number_seven_in_quran.pdf (عربي)

[38] خالد الفقيه . 2017. "ظاهرة حسابية في القرآن الكريم ذات أبعاد مزلزلة للأرض: نظرية قرآنية مبنية على حساب الجُمَّل ، وعلى الإحصاءات القرآنية الأولية (كلمات ، آيات ، سور) ، مبينة للعلاقة الرائعة مع النسبة الذهبية." من منشورات مجلة الفنون والإنسانيات (JAH) ، مجلد 6 ، رقم 6.

Al-Faqih, Khaled M. S. 2017. “A Mathematical Phenomenon in the Quran of Earth-Shattering Proportions: A Quranic Theory Based on Gematria Determining Quran Primary Statistics (Words, Verses, Chapters), and Revealing Its Fascinating Connection with the Golden Ratio.” Journal of Arts and Humanities, Volume 6, Number 6, MIR Center for Socio-Economic Research, MD, USA.

https://www.theartsjournal.org/index.php/site/article/view/1192

أشار خالد الفقيه (2017) إلى أن القيمة الأبجدية الكُلية للقرآن الكريم (باستخدام حساب الجُمَّل) تساوي مجموع القيم الأبجدية لثلاث مكونات فيه: يمثل المكون الأول القيمة الأبجدية للقرآن الكريم (23,506,544) ، والتي تشمل القيمة الأبجدية لسور القرآن الكريم (114) وآياته (6,236) وكلماته (322,604). ويتألف المكون الثاني من القيمة الأبجدية لحروف البسملة التسعة عشر (786) ، مضروباً في عدد البسملات غير المرقمة (112 x 786) = 88.032. أما المكون الثالث ، فتبلغ قيمته العددية 40,234 ، وذلك بناء على حساب القيمة الأبجدية لأسماء سور القرآن الكريم (114). وهكذا ، يصبح مجموع المكونات الثلاث: 23,506,544 ، وهو الذي يمثل القيمة الأبجدية الكُلية للقرآن الكريم.     

وقد لاحظ بعض العلماء أن هناك صفات حسابية مشتركة في تصميم وبناء الكثير من الأشياء الحية وغير الحية في الطبيعة ، أطلقوا عليها اسم النسبة الذهبية (Ф) ، أو 03398871.618 ، من الناحية العددية. ونظراً لانطباقها على كثير من الكائنات الحية والجمادات ، وصفها بعض العلماء بأنها من علامات وجود الخالق ، عز وجل. وخلص خالد الفقيه إلى أن بحثه قد أثبت وجود صلة قوية بين القرآن الكريم والنسبة الذهبية ، ولم تثبت تلك الصلة لأي كتاب آخر. وتوصل إلى ذلك بقسمة عدد سور القرآن الكريم على العامل الثابت لكتاب الله ، فكانت النتيجة أن النسبة الذهبية للقرآن الكريم (1.618189304 ) تماثل 99.99% من القيمة العددية للنسبة الذهبية (03398871.618).

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الرَّابِعِ

[39] الآيات الكريمة الست التي تذكر خلق الإنسان من تراب هي 3: 59 ، 18: 37 ، 22: 5 ، 30: 20 ، 35: 11 ، 40: 67.

[40] هناك دراسات عديدة توصلت إلى أن الحياة قد بدأت في بيئة شبيهة بالمستنقعات ، والتي تتكون بصفة أساسية من الماء والتراب ، أي من الطين ، كما جاء في الآية الكريمة 32: 7 ،  يمكن الاطلاع على بعضها على الروابط التالية:

Clay may have been birthplace of life on Earth, new study suggests

https://www.sciencedaily.com/releases/2013/11/131105132027.htm

http://www.natureworldnews.com/articles/4784/20131106/life-evolved-clay-researchers-find.htm

http://www.nytimes.com/1985/04/03/us/new-finding-backs-idea-that-life-started-in-clay-rather-than-sea.html

[41] وهذا الوصف الذي تقدمه لنا الآية ألكريمة 15: 26 ينطبق على الحياة في المستنقعات ، التي يختلط فيها الماء الراكد بتراب الأرض ، الذي يحتوي على العناصر الأولية المختلفة ، بما في ذلك النتنة الرائحة منها مثل الكبريت ، مكوناً الطين المنتن الملس.

والكبريت عنصر أساسي لأشكال الحياة المختلفة ، ولكن تنبعث منه رائحة كريهة منتنة ، وذلك نتيجة لمركباته العضوية ، مثل كبريتات الهيدروجين ، التي لها رائحة البيض الفاسد ورائحة المستنقعات وحيوان الظربان الأميركي (skunk).

http://undergroundhealthreporter.com/swamp-gas-hydrogen-sulfide/

https://en.wikipedia.org/wiki/Sulfur

http://www.water-research.net/index.php/sulfur

[42] يشير علماء الأحياء إلى كائنات المرحلة الأولى بأنها وحيدة الخلية (prokaryotes) ، وإلى كائنات المرحلة الثانية بأنها متعددة الخلايا (eukaryotes) ، وهي المرحلة الحيوانية. أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة الإنسان المعتدل (homo erectus) ، التي انفصل الإنسان فيها عن الحيوانات باعتداله ، نتيجة لوقوفه على رجلين ، الأمر الذي وسع مدى رؤيته ، وأتاح له الإلمام بمعلومات أكثر عن بيئته.

أنظر مثلاً الكتاب الدراسي الجامعي الذي ذكر مثل هذه المعلومات أعلاه ، من تأليف سولومون وآخرين:

Solomon, Eldra P., Linda R. Berg, and Diana W. Martin. 2006. "Biology." 7th Edition. Belmont, CA: Books/Cole-Thomson.

حديث " يَا اِبْن آدَم ، أَنَّى تُعْجِزنِي" رواه بسر بن جحاش القرشي ، رضي الله عنه ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة:  1143 وأخرجه أحمد: 17842 ، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني": 869 ، وابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول": 245 ، باختلاف يسير.

حديث "مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ" رواه أبو موسى الأشعري ، رضي الله عنه ، صحيح البخاري: 574 ، صحيح مسلم: 635 ، وصححه الألباني: 6337.

[43] التفوق العقلي للإنسان بالمقارنة مع الحيوان ، ناتج عن فروق في حجم الدماغ ومكوناته ، مكنت الإنسان من اختراع أساليب متقدمة من الاتصالات اللغوية والبدنية. فمثلاً ، يبلغ متوسط وزن مخ الشمبانزي البالغ 384 غراماً ، بينما يصل متوسط وزن مخ الإنسان المعاصر إلى 1352 غرام. والسبب الرئيس لذلك أن حجم مخ الشمبانزي لا يزيد بعد الولادة ، بينما حجم مخ الإنسان يستمر في النمو بعد الولادة بعقد أو عقدين أو ثلاثة عقود من السنين ، تبعاً لتوفر عوامل النمو المختلفة ، من وراثية ، وبيئية ، وغذائية.

https://www.npr.org/templates/story/story.php?storyId=141164708

 ويمكن الاطلاع على المزيد عن هذا الموضوع ككل على الرابط التالي:

http://humanorigins.si.edu/human-characteristics/brains

وقامت مجموعة من الباحثين ، برئاسة ألن ، بدراسة 46 شخصاً بالغاً ، تتراوح أعمارهم بين 22 و49 عاماً ، غالبيتهم من الأوروبيين. فوجدوا أن متوسط حجم مخ الرجال كان 1273.6 سنتمتراً مكعباً ، وباختلاف يتراوح ما بين 1052.9 سنتمتراً مكعباً و1498.5 سنتمتراً مكعباً. كما وجدوا أن متوسط حجم مخ النساء كان 1131.1 سنتمتراً مكعباً ، وباختلاف يتراوح ما بين 974. سنتمتراً مكعباً و1398.1 سنتمتراً مكعباً. وللمزيد من التفصيل عن هذا الموضوع ، أنظر (Allen, 2002) ، في نهاية هذا الفصل.

وقد ازداد حجم مخ الإنسان عبر التاريخ ، وخاصة خلال المليوني سنة الماضية. فكان حجم مخ الإنسان الماهر ، الذي عاش قبل 2.3 – 1.6 مليون سنة ، حوالي 550-687 سنتمتراً مكعباً. أما لإنسان المعتدل القامة ، الذي عاش قبل 1.7 – 0.2 مليون سنة ، فقد وصل حجم مخه حوالي 600-1250 سنتمتراً مكعباً. ووصل حجم مخ إنسان هايدلبرغ ، الذي عاش قبل 800 – 100 ألف سنة ، حوالي 1100-1400 سنتمتراً مكعباً. وبالنسبة إلى إنسان نياندرتال ، الذي عاش قبل 230 – 30 ألف سنة ، فقد وصل حجم مخه حوالي 1200-1750 سنتمتراً مكعباً. وأخيراً ، فإن حجم مخ الإنسان العاقل الحكيم ، والذي ظهر على الأرض منذ حوالي مائة ألف سنة ، قد وصل إلى حوالي 1400 سنتمتراً مكعباً في المتوسط. 

http://tolweb.org/treehouses/?treehouse_id=3710

في قياسهم لذكاء الحيوانات المختلفة ، لا يستعمل الباحثون حجم المخ ولا نسبته إلى حجم الجسم. وبدلاً من ذلك ، فإنهم يستخدمون مقياس EQ ، الذي هو عبارة عن مقياس نسبي لحجم المخ ، أي أنه نسبة محسوبة من مقارنة مخ حيوان ما مع ما هو متوقع من حجم مخ حيوان آخر ، له نفس حجم الجسم.

https://io9.gizmodo.com/5890414/the-4-biggest-myths-about-the-human-brain

بالإضافة إلى مقياس EQ ، فإن ذكاء حيوان ما له علاقة بمكونات المخ المختلفة. وينفرد الإنسان عن جميع الثدييات بأكبر مساحة نسبية للقشرة المخية (cerebral cortex). ويشتمل هذا الجزء من مخ الإنسان على نصفي المخ المقسمين إلى مناطق مختصة بالوظائف العالية ، مثل الذاكرة واللغة والتواصل والتفكير والتعبير والأخلاق والمنطق.

http://tdlc.ucsd.edu/educators/educators_myths_biggest_brain.html  

[44] نص تفسير القرطبي للآية 11: 56 ، كما يلي:

"وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ نَاصِيَة لِأَنَّ الْأَعْمَال قَدْ نُصَّتْ وَبَرَزَتْ مِنْ غَيْب الْغَيْب فَصَارَتْ مَنْصُوصَة فِي الْمَقَادِير , قَدْ نَفَذَ بَصَر الْخَالِق فِي جَمِيع حَرَكَات الْخَلْق بِقُدْرَةٍ , ثُمَّ وُضِعَتْ حَرَكَات كُلّ مَنْ دَبَّ عَلَى الْأَرْض حَيًّا فِي جَبْهَته بَيْن عَيْنَيْهِ , فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِع مِنْهُ نَاصِيَة ; لِأَنَّهَا تَنُصّ حَرَكَات الْعِبَاد بِمَا قَدَّرَ ; فَالنَّاصِيَة مَأْخُوذَة بِمَنْصُوصِ الْحَرَكَات الَّتِي نَظَرَ اللَّه تَعَالَى إِلَيْهَا قَبْل أَنْ يَخْلُقهَا وَوَصَفَ نَاصِيَة أَبِي جَهْل فَقَالَ : " نَاصِيَة كَاذِبَة خَاطِئَة " (الْعَلَق ، 96 : 16) يُخْبِر أَنَّ النَّوَاصِي فِيهَا كَاذِبَة خَاطِئَة."

وهكذا ، فإن التفوق الأخلاقي للإنسان بالمقارنة مع الحيوان مرده إلى تطور الجزء الأخلاقي للدماغ الموجود في الناصية ، أي خلف الجبهة مباشرة ، وخاصة فيما بين العينين ، كما تبين من الأبحاث العلمية أيضاً.

موقع الناصية ووظائفها:

تقع قشرة المخ المدارية الأمامية (orbital frontal cortex) في الجزء الأسفل من سطح المقطع الأمامي للمخ ، مباشرة خلف العينين. ومن وظائف هذا المقطع التحكم في التنفيذ ، وتأخير المتعة ، والتخطيط البعيد المدى. وهو متصل بكل جزء آخر من مخ الإنسان. وهكذا ، فعندما تحصل المقاطع الأمامية للمخ على المعلومات الصحيحة من الأجزاء الأخرى ، فإنها تصل إلى الاستنتاجات الصحيحة أيضاً.

أما قشرة المخ الأمامية الملاصقة للجبهة ، أي الناصية (prefrontal cortex) ، فإنها المركز المسؤول عن التركيز والمنطق والإبداع والمنع وتأخير المتعة والتخطيط والحُكم والتنفيذ والتعبير. أي أن الناصية هي المسؤولة عن قرارات الإنسان التي يمكن أن تكون خيِّرة أو شريرة. ومن هنا جاءت الإشارة لتلك المسؤولية في الآيات الكريمة. وللمزيد من التفصيل عن هذا الموضوع ، أنظر (Sapolsky, 2005) و (Allman, 2000) ، في نهاية هذا الفصل.

تطور المخ البشري:

تطور المخ البشري في ثلاث مراحل تاريخية أساسية. تتمثل المرحلة الأولى في الجزء الداخلي والأسفل من المخ (protoreptalian) ، الذي يشترك فيه الإنسان مع الزواحف البدائية. ويشتمل هذا الجزء من المخ على النُوى القاعدية ، والمخ الأوسط ، والجذع المخي الذي يتصل بالرقبة. ويقوم هذا الجزء بتأدية الوظائف الأساسية المشفرة وراثياً ، والمتعلقة بخطط الأعمال الغريزية ، المتصلة بأمور البقاء البدائية ، مثل الاستكشاف والطعام والعدوان والهيمنة والجنس.

وتتمثل المرحلة الثانية من تطور المخ البشري في الجزء الثاني الذي يحيط بالجزء الداخلي والأسفل (protomammalian) ، والذي يشترك فيه الإنسان مع الثدييات البدائية. ويشتمل هذا الجزء من المخ على اللوزة وقرن آمون والمهاد السفلي (amygdala, hippocampus, hypothalamus) ، وغير ذلك من مكونات ما يسمى بالنظام الطرفي (limbic system). وأهم وظائف هذا الجزء الثاني من المخ أنه المسؤول عن أنظمة التحفيز والعواطف الفطرية ، وعن تشكيل الردود السلوكية على المحفزات القادمة ، بناء على الغرائز والتجارب السابقة ، وهو بذلك يقوم بالتوسط ما بين العواطف الاجتماعية والتسلية وحنان الأمومة.

وتتمثل المرحلة الثالثة من تطور المخ البشري في الجزء الثالث الذي يحيط بالجزء الثاني ، وهو ما يعرف بالقشرة الجديدة (neocortex) ، أو بمكون الثدييات الجديدة (neomammalian) ، وهو أكبر الأجزاء الثلاثة. ومن أهم وظائفه أنه يقوم بتكوين المعرفة الناتجة عن الإدراك البصري والسمعي والحسي للبيئة التي يعيش الإنسان فيها ، ويتعامل معها. ويختلف حجم القشرة الجديدة للمخ اختلافاً كبيراً بين أجناس الثدييات ، فهو صغير جداً في القوارض ، ولكنه يصل إلى مساحة كبيرة في الحيتان وأجناس القرود الأربعة (الغيبون وإنسان الغاب والغوريلا والشمبانزي). أما في الإنسان ، فإنه يصل إلى القمة في حجمه بالمقارنة مع الجزئين الأوليين ، فهو بحق مخزن المهارات الإدراكية الإنسانية. وللمزيد من التفصيل عن هذا الموضوع ، أنظر (MacLean, 1990) ، في نهاية هذا الفصل.

مخ الإنسان يختلف في تركيبه عن مخ الحيوان:

بينت إحدى الدراسات المجهرية الحديثة للمخ الإنساني أنه يحتوي على هياكل عصبية ، وشبكة اتصالات معززة ، وأشكال أخرى من الاتصال بين الخلايا العصبية غير موجودة في أي حيوان. وهذا يعني أن المخ الإنساني يختلف في مكوناته عن مخ الحيوان ، بما في ذلك مخ الشمبانزي ، أي أنه ليس فقط أكبر منه حجماً وإنما يختلف عنه في مكوناته. وقد فحصت الدراسة ثمان حالات إدراكية تشمل التعليم ، والذاكرة القصيرة المدى ، والمنطق السببي ، والتخطيط ، والخداع ، والاستدلال المتعدي ، ونظرية العقل ، واللغة. وقد تبين من الدراسة أن أوجه التشابه كانت صغيرة بين القدرات الإنسانية والحيوانية في جميع هذه الحالات. أما الاختلافات ، فكانت كبيرة. وهذا يعني أيضاً أن هناك توافقاً بين العقل ومكونات المخ ، أي أن الإدراك العقلي هو انعكاس للقدرات المادية للمخ. وللمزيد من التفصيل عن هذا الموضوع ، أنظر (Premack, 2007) ، في نهاية هذا الفصل.

[45] يطلق علماء تاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) اسم هومو سابْيَن (homo sapiens) على إنسان المرحلة الحالية للبشرية ، أي المرحلة الخامسة من الخلق ، والتي بدأت بنفخ روح الله فيه. ويمكن ترجمة هذا الاسم إلى "الإنسان الحكيم" أو "الإنسان العاقل." وهو يتميز بدرجات أعلى من الذكاء والرشاقة والجمال عمن سبقوه في المراحل السابقة ، كما يتضح من حجم الجمجمة وملامح الوجه وتناسق أجزاء الجسم. ويقدر ظهوره على الأرض ابتداء من حوالي ثلاثمائة ألف سنة مضت ، كما جاء في أحدث الاكتشافات من المغرب. وأكثر التقديرات أن ذلك قد حدث قبل مائتي ألف سنة. وهناك تقديرات أخرى تقول بظهوره ابتداءً من آخر مائة ألف سنة ، وكان ذلك الظهور في أفريقيا أولاً ، ثم انتشر إلى غرب آسيا فشرقها ، وأخيراً إلى أوروبا (للمزيد من التفصيل عن ذلك أنظر الملحق رقم 2). 

وهناك دراسات تقول بأن الإنسان الحالي قد تطور كثيراً عن سلفه "العاقل \ الحكيم" مع بداية الثلاثين ألف سنة الأخيرة ، ولذلك تم تمييز اسمه بتكرار صفتي العقل والحكمة فيه ، فأصبح يعرف بأنه "الإنسان الحكيم الحكيم" أو "الإنسان العاقل-العاقل" (homo sapien sapiens). والأفضل مزج هاتين الصفتين ، بوصفه أنه "العاقل الحكيم" ، بالمقارنة مع من سبقوه. ولا ضير في أن بعض الناس لا يتصفون بالعقلانية والحكمة ، اللتين وضعهما الله في هذا الجنس البشري ، سواء كان ذلك جبراً أم اختياراً ، لأن الكثيرين يتصفون بهما.  وكان جُل هذا التطور في الدماغ ،  وبالذات في منطقة نيوكورتكس (neocortex) المسؤولة عن قدرة الإنسان على التفكير المعقد ، والتي لا يوجد مثيلٌ لها عند الحيوانات الثديية.  وقد أدى ذلك إلى التطور الكبير في التفكير ، والذي تم التعبير عنه ثقافياً. وشواهد ذلك ما تركه لنا من رسومات رائعة للحيوانات والنباتات على جدران الكهوف ، ثم ما تبع ذلك من صنعه واستعماله للحلي والأسلحة والأدوات.

وإن كان لنا أن نفكر في احتمال وقت ظهور آدم ، عليه السلام ، فذلك ربما كان خلال هذه الفترة الأخيرة ، التي شهدت ذلك التطور الثقافي الإنساني ، أي خلال الثلاثين ألف سنة الأخيرة ، ولكن قبل وصول الإنسان إلى فجر الحضارة مع العصر الزراعي ، الذي بدأ منذ ثمانية آلاف سنة ، وما صاحب ذلك من بدء الكتابة باللغات المختلفة ، لوصف كافة مجالات الحياة ، والتأريخ للأحداث ، ثم ما تلا ذلك من تشييد المباني والرموز الضخمة ، التي لا زالت قائمة إلى اليوم ، مثل المعابد والأهرامات.

وفيما يلي بعض الروابط عن اكتشاف حفريات المغرب وعن اختلاف الإنسان العاقل-العاقل عن سلفه:

https://www.npr.org/sections/health-shots/2017/06/07/531804528/315-000-year-old-fossils-from-morocco-could-be-earliest-recorded-homo-sapiens

http://www.columbia.edu/itc/cerc/danoff-burg/invasion_bio/inv_spp_summ/homo_sapiens_sapiens.html

https://earlyhumansdiv1.wikispaces.com/Homo+Sapien+Sapien+Clothes

[46] يذكر علماء الأحياء وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) العديد من الأجناس الإنسانية المنقرضة ، مثل الإنسان المعتدل القامة والنياندرتال . انظر التفصيل الموجود في الملحق رقم 2 ، الذي يلخص مراحل الخلق والتطور الإنساني ، بناء على الحفريات المكتشفة.

[47] انظر الرابط التالي الذي يصف تطور الأعضاء الجنسية الخارجية للجنين ، بالكلمات والصور: 

http://www.baby2see.com/gender/external_genitals.html

[48] أنظر الجزء الأول من الفصل الأول من كتاب "تعريف توضيحي مختصر لفهم الإسلام" عن تفسير الآيات الكريمة 23: 12-14 ، من تأليف إ. أ. إبراهيم وآخرين ، والذي تضمن رسوماً توضيحية وحقائق علمية عن المراحل الثلاث الأولى للخلق الثاني في الرحم ، أي النطفة والعلقة والمضغة ، والمنشور على الرابط التالي:

https://www.islam-guide.com/frm-ch1-1-a.htm

وانظر أيضاً البحث الذي كتبه الدكتور عبد الـجواد الصاوي ، بعنوان "أطوار الجنين ونفخ الروح" ، والذي يصف فيه الأطوار الخمسة للجنين في الرحم ، وهي النطفة والعلقة والمضغة والعظام واللحم ، مع رسوم وصور توضيحية. وقد فسر الآيات الكريمة بالرجوع إلى حقائق علم الأجنة الحديث وإلى ما قاله المفسرون القدامى ، وخاصة ابن كثير. والبحث منشور على موقع الهيئة العالمية للقرآن والسنة ، التابع لرابطة العالم الإسلامي ، على الرابط التالي:

https://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/66-Issue-VIII/542-Phases-of-the-fetus-and-breathed

مزيد من الرسوم التوضيحية بالفيديو لمراحل تطور الجنين ، مع تعريفات مختصرة ، يمكن رؤيتها على الرابط التالي:

https://www.babycentre.co.uk/1-week-conception

[49] الرأي الذي ذكرته دائرة المعارف البريطانية ، والذي يتلخص في أن الفرعون الذي تم خروج بني إسرائيل في عهده ، أي مرنبتاح (1212-1202 قبل الميلاد) ، موجود على الرابط التالي:

https://www.britannica.com/topic/biblical-literature/Non-European-versions#ref597585

أما كتابي موريس بوكاي المنشورين عن الموضوع: "أبحاث طبية حديثة عن مومياوات الفراعنة" و "الكتاب المقدس والقرآن والعلم"  فهما موجودان على الرابطين التاليين:

Mummies of the Pharaohs: Modern Medical Investigations  

(about examining the mummies of Pharaohs, including Merneptah)

https://www.amazon.com/Mummies-Pharaohs-Modern-Medical-Investigations/dp/031205131X

The Bible, The Quran and Science By Maurice Bucaille

Translated from French by Alastair D. Pannell and the Author

https://archive.org/stream/TheBibletheQuranScienceByDr.mauriceBucaille/TheBibletheQuranScienceByDr.mauriceBucaille_djvu.txt

The 1250-1200 BC opinion about entry of the Israelites to Palestine is mentioned at:

https://www.ancient.eu/canaan/

خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، الذي يرجح حدوث خروج بني إسرائيل خلاله ، حكم مصر ستة من الملوك (الفراعنة) ، هم رمسيس الأول (1295-1294) ، سيتي الأول (1294-1279) ، رمسيس الثاني (1279-1212) ، مرنبتاح (1212-1202) ، أمين ميسا (1202-1200) ، وسيتي الثاني  (1200-1194).

 أنظر أيضاً المقالات الموسوعية عن تاريخ مصر القديم ، التي كتبها جوشوا مارك ، والتي نفى فيها أن يكون رمسيس الثاني هو الفرعون الغارق ، في مطبوعته:  

Joshua J. Mark is a co-founder, editor, and a director of Ancient History Encyclopedia.

https://www.ancient.eu/timeline/pharaoh/

[50] انظر المقالة التالية عن الأحافير الحديدية ، المتكونة في منطقة ميزون كريك بولاية إلينوي الأميركية ، والمحفوظة في متحف الولاية:

www.museum.state.il.us/exhibits/mazon_creek/about_mazon_creek.html

وانظر أيضاً إلى صور حفريات إنسانية في صخور مختلفة على الرابطين التاليين:

http://humanorigins.si.edu/evidence/human-fossils   

https://www.google.com/search?q=fossilized+human+skeleton&biw0%3B336

للمزيد عن البعث للحساب في اليوم الآخر ، وكيفية حدوثه ، أنظر الفصل التاسع: "الْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالرُّوحُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ" ، والفصل الرابع والعشرين: "اليومُ الآخِرُ وَأَحْدَاثُهُ الأَرْبَعَةُ الْكُبْرَى: السَّاعَةُ ، وَالبَعْثُ ، وَالحِسَابُ ، والحُكْمُ بِالثَّوَابِ أو بِالعِقَابِ."

[51] لمزيد من المعلومات عن العلاقة ما بين لون البشرة والهجرات الإنسانية بعيداً عن خط الاستواء أنظر كتاب سكوبن (2008) ، الصفحات 43-45 ، 412-439.

يمكن الحصول على صور ومقالات عن قرود الماكك الثلجية ، الشقراء وذات العيون الملونة والزرقاء ، التي تعيش في شمال اليابان على مواقع عديدة في الشبكة المعلوماتية العالمية ، بما في ذلك الرابط التالي ، على سبيل المثال:

http://www.blueplanetbiomes.org/japanese_macaque.htm  

[52] انظر البحث القيم ، الذي كتبه جميل حمداوي ، عن الأصول المشرقية العربية للغة الأمازيغية ، خاصة الأصول الحميرية والكنعانية منها ، وهو منشور على موقع ديوان العرب ، على الرابط التالي:

www.diwanalarab.com/spip.php?article13856  

[53] لمزيد من المعلومات عن تطور اللغة من رَطانة (pidgin) إلى لغة مختلطة (creole) وإلى لغة كاملة ، ثم إلى استخدامها كلغة مشتركة (lingua franca) ، أنظر كتاب ريموند سكوبن (2008) ، الصفحات 96-124.

[54] لمزيد من المعلومات عن دوران الشمس حول مركز مجرتنا ، درب التبانة ، أنظر المقالة الإيضاحية المنشورة على موقع وكالة الفضاء الأميركية ، ناسا ، على الرابط التالي:

https://starchild.gsfc.nasa.gov/docs/StarChild/questions/question18.html

[55] تعريف ومعنى دحية في معجم المعاني الجامع:

عرَّف المعجم الجامع كلمة دحية بأنها بيضة ، وشرحها بإيراد الآية الكريمة 79: 30 ، التي تصف الأرض بأنها تشبه البيضة في شكلها:

"دحَى اللهُ الأرضَ ، دَحَاها ، بسَطَها ومدَّها ووسَّعَها على هيئة بيضة للسُّكنى والإعمار."

https://www.almaany.com/ar/dict/ar-ar/دحية/

[56] لمزيد من المعلومات عن الأقاليم المناخية للأرض ، أنظر الرابط التالي:

http://www.physicalgeography.net/fundamentals/7v.html   

أنظر الروابط التالية لمزيد من المعلومات عن الشكل البيضاوي للأرض:

https://www.scientificamerican.com/article/earth-is-not-round/

http://www.answering-christianity.com/egg-shaped_earth.htm

https://www.quora.com/Why-is-planet-Earth-not-a-perfect-sphere

أنظر الرابطين التاليين لمزيد من المعلومات عن الشكل البيضاوي لمجموعتنا الشمسية:

http://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-1031357/Our-solar-egg-shaped-according-distant-space-probe.html

https://www.thunderbolts.info/forum/phpBB3/viewtopic.php?f=3&t=816&sid=8b34cc2c915ff5737f55bf9c266b510c

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الْخَامِسِ

[57] على الرغم من أن المؤلف قد اطلع على ترجمات عديدة لمعاني القرآن الكريم ،  واستعان بها ، خاصة صحيح إنترناشيونال ويوسف علي ، والمنشورة على موقع شبكة تنزيل (www.tanzil.net) ، إلاَّ إنه مسؤولٌ وحدُه عن ترجمة معاني الآيات الكريمة التي ذكرت في هذا الفصل ، وفي الكتاب ككل.

أما الأعمال الكاملة للمفسرين الثلاثة الكبار، فهي منشورة في كتب ورقية ، وأيضاً على الشبكة العالمية ، في مواقع عديدة ، مثل: http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/  و http://waqfeya.com/book.php?bid=1696.

كما أن كتبَ تفاسيرهم للقرآن الكريم قد تم ذكرها تفصيلياً في الملاحظة التوثيقية السادسة من الفصل الأول.

[58] يورد محمد فؤاد عبد الباقي في "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" (القاهرة ، دار الفكر ، 1406 هجرية ، 1986 ميلادية) الآيات التي تحث على العلم واكتساب المعرفة وفضل الله ، سبحانه وتعالى ، في ذلك ، في الصفحات 469-480. وعلى الأخص ، فإنه يذكر 26 من تلك الآيات في الصفحات 474-475.

أما وسيلة البحث في ألفاظ القرآن الكريم ، المتوفرة في موقع شبكة تنزيل (www.tanzil.net) ، فإنها تورد 17 آيةً كريمةً تحتوي على كلمات مشتقة من الفعل "عَلَّمَ" ، والتي تشير إلى تعليم الله ، سبحانه وتعالى للإنسان. وهذه الآيات هي: 2: 31 ، 2: 239 ، 2: 251 ، 2: 282 ، 5: 4 ، 5: 5 ، 5: 110 ، 12: 37 ، 12: 68 ، 12: 101 ، 21: 80 ، 36: 39 ، 53: 5 ، 55: 2 ، 55: 4 و96: 5.

[59] عبد الرحمن بن خلدون هو مؤسس علم الاجتماع. وقد ولد في تونس في سنة 732 هجرية ، 1332 ميلادية ، ولكنه عاش في الأندلس وشمال أفريقيا ومصر أيضاً ، حيث مات في القاهرة في سنة 808 هجرية ، 1406 ميلادية. ومن أشهر أعماله ، كتابه "المقدمة" ، والذي أصبح يعرف بمقدمته لعلم الاجتماع. وقد كتبه قبل وجود مؤسس علم الاجتماع الحديث في أوروبا ، الفرنسي أوغست كونت ، بخمسة قرون.

ولم يكن ابن خلدون وحده الذي قرن العمارة بالحضارة. فقد اعترف باحثو علم تاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) المعاصرين بهذه الحقيقة ، فربطوا بداية الحضارة الإنسانية بالزراعة الكثيفة ، والتي ارتبطت بدورها ببناء خزانات المياه والسدود وشق القنوات وبناء المعابد والقصور والطرق والتماثيل والآثار الضخمة. ولم تكن تلك العمارة ممكنة بدون كتابة اللغات وتطور العلوم ، ومن ثم قيام الحضارة.

[60] لمزيد من المعلومات حول "النفس" الإنسانية ، أنظر الفصل التاسع: "الْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالرُّوحُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ."

[61]  الآيات الكريمة التي تمت الإشارة إليها ، والتي تذكر المسؤوليات الثقيلة الملقاة على عاتق الإنسان ، كخليفة لله على الأرض ، هي كما يلي:

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۗ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (الأنعام ، 6: 165).

ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُون (يونس ، 10: 14).

قَالُوا أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِيَنَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا ۚ قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (الأعراف ، 7: 129).

آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ (الحديد ، 57: 7).

وَعَدَ اللَّـهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ (النور ، 24: 55).

آمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ ۖ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (الحديد ، 57: 7).

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّـهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (الأعراف ، 7: 69). 

يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ (ص ، 38: 26). 

أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ (النمل ، 27: 62).

قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّـهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّـهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (الأعراف ، 7: 128).

وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا ۖ فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّـهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (الأعراف ، 7: 74).

هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ ۚ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ۖ (فاطر ، 35: 39).

فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا (يونس ، 10: 73).

وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ (الأنعام ، 6: 133).

فَإِن تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ۚ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا (هود ، 11: 57).

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ السَّادِسِ

[62] الآيات ذات الصلة بموضوعات هذا الكتاب ، كآيات القرآن الكريم الأخرى ، موجزة جداً ، وكل كلمة فيها لها معنىً خاصاً بها في سياق ما ، ولكنها ربما تحتمل معاني مختلفة في سياقات أخرى. ولذلك ، فإن الاقتصار على التفسير اللغوي للكلمة لا يكون كافياً في أحيان كثيرة. والأفضل أن تضاف الحقائق العلمية لشرح المعنى ، خاصة من علمي الأحياء وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) ، في هذه الحالة. كما أن الرجوع لشروح المفسرين الأوائل للقرآن الكريم ضروري لما يتضمنه من أحاديث شريفة ومن أقوال الصحابة ، رضوان الله عليهم. وقد استفاد هذا المؤلف بشكل خاص من أعمال المفسرين الثلاثة الكبار ، الطبري الذي توفى عام 310 هجرية (حوالي 922 للميلاد) ، والقرطبي الذي توفى عام 671 هجرية (حوالي 1272 للميلاد) ، وابن كثير الذي توفى عام 774 هجرية (حوالي 1372 للميلاد).

[63] الآيات ذات الصلة بموضوع مشيئة الله ، عز وجل ، بجعل الإنسان خليفة له في الأرض ، بما في ذلك قصة آدم ، عليه السلام ، موجودة في عدة سور من القرآن الكريم. وعلى الأخص ، فإن هذا الموضوع قد ذكر في الآيات 33 و59 من سورة آل عمران (3) ، والآيات 11-26 من سورة الأعراف (7) ، والآيات 26-43 من سورة الحجر (15) ، والآيات 61-65 من سورة الإسراء (17) ، والآية 50 من سورة الكهف (18) ، والآيات 115-123 من سورة طه (20).

[64]   فيما يلي نص الآية الكريمة والحديثين اللذين ورد ذكرهما في هذا القسم عن الوحي:

وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا (الكهف ، 18: 27).

عَنْ عائِشَةَ ، أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، أنَّها قالَتْ: أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، مِنَ الوَحْيِ ، الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ. فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا ، إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ (أي واضحة) (البخاري: 3 ، واللفظ له ، مسلم: 160).

وَعَنْ عائِشَةَ ، أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، أنَّ الحارثَ بنَ هشامٍ ، رضي الله عنه ، سأل رسولَ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: كيف يأتيك الوحيُ؟ فقال رسولُ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "أحيانًا في مثلِ صلصلةِ الجرسِ ، فهو أشدُّه عليَّ ، فيُفصَمُ عنِّي وقد وعيْتُ ما قال. وأحيانًا يتمثَّلُ لي الملَكُ رجلًا ، فيُكلِّمُني فأعي ما يقولُ." قالت عائشةُ: ولقد رأيتُه ينزلُ عليه الوحيُ في اليومِ الشَّديدِ البردِ ، فيُفصَمُ عنه ، وإنَّ جبينَه ليتفصَّدُ عرَقًا (ابن خزيمة ، في التوحيد: 358/1 ،  الترمذي: 3634 ،  ابن حبان: 38 ، وصححه الألباني ، باختلاف يسير بينهم). يفصم : ينقطع ، يتفصد : يسيل. 

[65] نص الحديث الشريف والآيات الكريمة التي ذكرت عن الوحي أثناء النوم ، والوحي للنحل:

عَنْ عائِشَةَ أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنها ، أنَّها قالَتْ: أوَّلُ ما بُدِئَ به رَسولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، مِنَ الوَحْيِ الرُّؤْيا الصَّالِحَةُ في النَّوْمِ. فَكانَ لا يَرَى رُؤْيا ، إلَّا جاءَتْ مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ (البخاري: 3 ، واللفظ له ، مسلم: 160).

إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّـهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا ۖ (الأنفال ، 8: 43).

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ (الصافات ، 37: 102).

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (يوسف ، 12: 4).

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ (يوسف ، 12: 43).

وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (النحل ، 16: 68). 

وقد ذكر العديد من المكتشفين والمخترعين أنهم توصلوا لاكتشافاتهم واختراعاتهم أثناء نومهم. ومن أمثلة هؤلاء في عصرنا الحالي نيلز بور ، إلياس حاوي ، ألبرت آينشتاين ، سرينيفازا رامانوجان ، أوتو لو وي ، أوغست ككولي ،  وفريدرك بانتنغ.

http://www.world-of-lucid-dreaming.com/10-dreams-that-changed-the-course-of-human-history.html

[66]  فيما يلي نص الآيات الخمس التي تم ذكرها عن الملائكة:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّـهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ (التحريم ، 66: 6).

وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَـٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (الأنبياء ، 21: 29).

لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّـهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ ۚ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا (النساء ، 4: 172).

وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الزمر ، 39: 75).

وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ (البقرة ، 2: 102).

[67]  نص الحديث الشريف والآيات الكريمة المذكورة في هذا القسم عن خلق الملائكة والجن:

عن أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، قالت ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم" (مسلم: 2996 ، 5448 ، وصححه الألباني).

فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَىٰ كَوْكَبًا (الأنعام ، 6: 76).

الْحَمْدُ لِلَّـهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ (فاطر ، 35: 1). 

وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِجٍ مِّن نَّارٍ (الرحمن ، 55: 15). 

وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا ۚ وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (الصافات ، 37: 158). 

[68] مَرَّ المجتمع الإنساني في ست مراحل من التطور هي الصيد والجمع ، الرعي ، الزراعة البسيطة ، الزراعة الكثيفة ، الصناعة ، وما بعد الصناعة (التقنية والمعلومات). للمزيد من التفصيل عن كل منها ، يمكن الرجوع إلى الكتب الدراسية لمساقات علمي الاجتماع وتاريخ الإنسان (الأنثروبولوجيا) ، مثل:

 Scupin, Raymond. "Cultural Anthropology: A Global Perspective," 9th Edition, Pearson, Printice Hall (2016: 134-141).

https://www.researchgate.net/profile/Raymond_Scupin/publication/289540273_Cultural_Anthropology_A_Global_Perspective_9th_ed/links/56902e5108aed0aed810f423/Cultural-Anthropology-A-Global-Perspective-9th-ed.pdf

Henslin, James. "Sociology," 13th Edition, Allyn and Bacon (2018).

https://www.alibris.com/Sociology-A-Down-To-Earth-Approach-James-M-Henslin/book/6172368    

وطبقاً لما توصل إليه غرينين ، فإن زراعة القمح والشعير قد بدأت في الشرق الأوسط ، وتحديداً في فلسطين وأعالي الفرات (سوريا والعراق) ومصر. وفي بعض الحالات ،  فإن هناك دلائل تشير إلى آثار لنباتات مزروعة وعظام لحيوانات مستأنسة (في تلك المنطقة) تعود إلى حوالي 15,000-14,000 سنة مضت.

Grinin L.E. Production Revolutions and Periodization of History: A Comparative and Theoretic-mathematical Approach. / Social Evolution & History. Volume 6, Number 2 / September 2007.

https://www.socionauki.ru/journal/articles/129510/

[69]  نص تفسير ابن كثير لكلمة "اهبطوا" في الآية 2: 36:

"فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ جَنَّة آدَم الَّتِي أُخْرِجَ مِنْهَا فِي السَّمَاء ، كَمَا يَقُول الْجُمْهُور مِنْ الْعُلَمَاء ، فَكَيْف تَمَكَّنَ إِبْلِيس مِنْ دُخُول الْجَنَّة وَقَدْ طُرِدَ مِنْ هُنَالِكَ طَرْدًا قَدَرِيًّا؟ وَالْقَدَرِيّ لَا يُخَالَف وَلَا يُمَانَع. فَالْجَوَاب أَنَّ هَذَا بِعَيْنِهِ اِسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ يَقُول إِنَّ الْجَنَّة الَّتِي كَانَ فِيهَا آدَم فِي الْأَرْض ، لَا فِي السَّمَاء ، كَمَا قَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي أَوَّل كِتَابنَا ، الْبِدَايَة وَالنِّهَايَة."

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ السَّابِعِ

[70] كيف تمت ترجمة وصف القرآن الكريم لرسل الله ، سبحانه وتعالى ، في 17 ترجمة ، منشورة في موقع www.tanzil.net. ؟

يصف القرآن الكريم رسل الله ، عليهم الصلاة والسلام ، بأن كلاً منهم هو "عبد" الله. فعلى سبيل المثال ، جاء ذلك في وصف عيسى بن مريم في الآية 4: 172 ، ومحمد في الآية 17: 1 ، ونوح في الآية 17: 3 ، وزكريا في الآية 19: 2 ، وداوود في الآية 38: 17 ، وأيوب في الآية 38: 41.

وتفسر لنا الآية الكريمة 4: 172 أن كلمة "عبد" الله تعني الذي يعبد الله ، أي أن الرسل هم عباد الله. ولا لبس في ذلك بالنسبة للقراء الذين يجيدون اللغة العربية ، ويستطيعون فهم (أو البحث عن) معاني كلمات النسخة العربية الأصلية للقرآن الكريم ، المعروفة بمصحف عثمان. لكن الأمر يختلف عند الترجمة إلى اللغات الأخرى ، مثل اللغة الإنكليزية في هذه الحالة. فالترجمة الدقيقة تتطلب إجادة اللغتين معاً ، وليس واحدة على حساب الأخرى. كما أن الترجمة الدقيقة لمعاني آيات القرآن الكريم تحديداً ، تتطلب أن يكون المترجم على علم بالقرآن جملة وتفصيلا.

وإذا لم تتوفر هذه الشروط ، فإن الترجمة ربما تسفر عن تقديم معانٍ مختلفة تماماً لكلمات الآيات الكريمة ، كما هو الحال في المثال المشار إليه أعلاه. فمن بين سبع عشرة ترجمة للقرآن الكريم إلى اللغة الإنكليزية ، توصلت ترجمتان فقط للمعنى الصحيح لكلمة "عَبْد" ، أي الذي يعبد الله. كانت الأولى (worshipper) لقريبُ الله ودرويش ، وكانت الثانية (votary) لأحمد علي ، وهي قديمة الاستعمال.

أما الترجمات الأخرى ، فلم يكن بعضها دقيقاً ، ولم يثبت بعضها الآخر على استعمال المعنى الصحيح باستمرار ، مما أدى بأغلبها أن تترجم فيها كلمة "عَبْد" بكلمة "خادم" (servant) أو بكلمة تعني "عبداً مملوكاً" (bondman) ، أو بكلمة تعني "عبداً رقيقاً" (slave) كما يوضح الجدول الأول (الذي تعذر تضمينه في النسخة المقروءة من خلال KDP-Amazon ، ولكنه موجود في النسخة الورقية من الكتاب ، وكذلك في نسخة الشبكة العالمية المنشورة على www.ccun.org  ).

ففي ترجمة كلمة "عِبَادَتِهِ" في الآية 4: 172 ، التي تقدم لنا التفسير القرآني لمعنى كلمة "عَبْد" ، أي الذي يعبد الله ، أظهرت ست ترجمات فهماً صحيحاً لمعناهما ، باستخدام كلمة (worship). وكانت تلك ترجمات أحمد خان ، هلالي وخان ، قريبُ الله ودرويش ، صحيح العالمي ، ساروار ، ويوسف علي. ولكن واحدة منها فقط هي التي طبقت ذلك الفهم في ترجمة الكلمة المفردة "عَبْد" بشكل صحيح ، وهي ترجمة قريب الله ودرويش(worshipper)  ، حيث تم استعمال المعنى الصحيح في ترجمة هذه الكلمة ، في جميع الآيات التي ذكرت فيها.

أما الترجمات الخمس الأخرى التي أظهرت فهماً صحيحاً لمعنى كلمة "عِبَادَتِهِ" ، فإنها لم تطبق ذلك الفهم في ترجمة الصفة المفردة "عَبْد." فقد طبق ساروار ذلك الفهم مرة واحدة ولكن باستعمال الاسم (worship) ، بدلاً من الصفة المفردة (worshipper). كذلك فعل يوسف علي ، لكنه استعمل الفعلين (to serve and worship) ، بدلاً من الصفة المفردة (worshipper). وترجمها أحمد خان بكلمة (bondman) ، وترجمها هلالي وخان بكلمة  (slave)، كما تُرجمت بكلمة (servant) ، من قِبَلِ صحيح العالمي.

ولم يظهر أحمد علي فهماً صحيحاً للاسم ، "عِبَادَتِهِ" ، فترجمه (to serve) ، لكنه أصاب في الصفة المفردة (votary). وترجمها داريابادي بكلمة(bondman)  ، كما ترجمت بكلمة (servant) من قِبَلِ آربِري وأسد ومودودي وشاكر. أما بِكتال ، فقد استخدم ثلاث ترجمات مختلفة للصفة المفردة "عَبْد" ، هي (slave, servant, bondman) ، وكذلك فعل يوسف علي ، الذي استعمل ثلاث ترجمات مختلفة أيضاً ، هي (to worship, servant, devotee).

وبحلول شوال 1439 (يونيو 2018) ، أضاف نفس الموقع (www.tanzil.info)  ، أربع ترجمات أخرى للقرآن الكريم ، من تأليف عيتاني ، ومبارك بوري ، وقراي ، ووحيدُ الدين. وقد أظهرت جميعها فهماً صحيحاً لمعنى كلمة "عِبَادَتِهِ" ، فترجمتها بكلمة (worship) . ومع ذلك ، فإنها لم تطبق ذلك الفهم على الصفة المفردة "عَبْد" ، التي ترجمت فيها جميعاً بكلمة "خادم" (servant) ، في الآيات الست المذكورة في الجدول الأول. وكان الاستثناء الوحيد في ترجمة مبارك بوري ، الذي ترجمها بكلمة "عبد رقيق" في آية واحدة فقط ، هي 38: 17.

[71] يوضح الجدول الثاني أن الترجمات السبع عشرة للقرآن الكريم كانت متسقة في ترجمة الصفة الجمعية "عِبَاد" مع ترجمتها للصفة الفردية "عَبْد" التي تمت مناقشتها في الجدول الأول. وبصفة عامة ، كانت الترجمة غير صحيحة ، حيث تمت ترجمة كلمة "عِبَاد" بالكلمات الثلاث (servants, bondmen, slaves) ، أي "خدم ، وعبيد مملوكون ، وعبيد أرقاء" (تعذر تضمين الجداول في النسخة المقروءة من خلال KDP-Amazon ، ولكنه موجود في النسخة الورقية من الكتاب ، وكذلك في نسخة الشبكة العالمية المنشورة على www.ccun.org  ).

وكانت ترجمة أحمد علي هي الأقل التزاماً بأي معنى محدد ، حيث أنه ترجم كلمة "عِبَاد" بأربع كلمات مختلفة هي (creatures, votaries, devotees, men) ، أي "مخلوقات ، وعباد ورعون ، ومخلصون ، ورجال." وتبعه في ذلك أسد ، الذي ترجمها بثلاث كلمات مختلفة ، هي (servants, beings, men) ، أي "خدم ، وكائنات ، ورجال." كذلك فعل بِكتال ، الذي ترجمها بثلاث كلمات مختلفة أيضاً ، هي (bondmen, slaves, men) ، أي "عبيد مملوكون ، وعبيد أرقاء ، ورجال."

وكانت ترجمة قريبُ الله ودرويش هي الوحيدة التي قدمت الترجمة الصحيحة (worshippers) لصفة الجمع "عِبَاد" ، في جميع الآيات الست ، التي هي محل البحث. كما قدم أحمد على ترجمة قريبة من الصحة ، باستعمال كلمتي (votaries, devotees) ، أي "عباد ورعون ، ومخلصون" ، ولكن في آيتين فقط. كذلك ، أتى يوسف علي بترجمة قريبة من الصحة ، هي (devotees) ، أي "مخلصون" ، ولكن في آية واحدة فقط. وفعل ساروار مثل ذلك ، في الإتيان بالترجمة الصحيحة (worshippers) ، ولكن في آية واحدة أيضاً.

وكما تمت ملاحظته في الجدول الأول ، فإن أغرب الترجمات كانت تلك التي تتعلق بوصف الملائكة الكرام. فالآية 43: 19 تصف الملائكة بأنهم "عباد الرحمن" ، لكنها تُرجمت بكلمات وصفتهم بأنهم "مخلوقات ، وعبيد مملوكون ، وعبيد أرقاء ، وخدم ، وكائنات"!

وقد أتى كل من أحمد خان وداريابادي بترجمة غريبة لوصف الملائكة الكرام ، وهي (bondmen) ، أي "الرجال من العبيد المملوكين"! وتبعهما في ذلك كل من بِكتال والهلالي وخان ، الذي وصفوا الملائكة بأنهم (slaves) ، أي "عبيد"! فهل الملائكة الكرام رجال ، من الناس؟ وهل هم عبيد يباعون ويشترون؟ حاشى لله أن يكونوا كذلك ، وقد وصفهم ربهم ، في الآية 21: 26 ، بأنهم "عبادٌ مكرمون."!

وبحلول شوال 1439 (يونيو 2018) ، أضاف نفس الموقع (www.tanzil.info)  ، أربع ترجمات أخرى للقرآن الكريم ، من تأليف عيتاني ، ومبارك بوري ، وقراي ، ووحيدُ الدين. وقد أظهرت جميعها فهماً صحيحاً لمعنى كلمة "عِبَادَتِهِ" ، فترجمتها بكلمة (His worship) . ومع ذلك ، فإنها لم تطبق ذلك الفهم على الصفة الجمعية "عِبَاد" ، التي ترجمت فيها جميعاً بكلمة "خدم" (servants) ، في الآيات الست المذكورة في الجدول الثاني. وكانت ترجمة وحيدُ الدين هي الاستثناء ، حيث جاءت بترجمة قريبة من المعنى ، وهي (human beings) ، أي "كائنات إنسانية" ، ولكن في آية واحدة فقط من الآيات الست محل البحث ، وهي الآية 50: 11.

[72] نص الآيات الكريمة ، 33: 69 و5: 72-73 ، التي ذكرت في هذا القسم كما يلي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَىٰ فَبَرَّأَهُ اللَّـهُ مِمَّا قَالُوا ۚ وَكَانَ عِندَ اللَّـهِ وَجِيهًا (الأحزاب ، 33: 69).

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ۖ ﴿٧٢﴾ لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّـهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلَّا إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ ۚ ﴿٧٣﴾ (المائدة ، 5: 72-73).

[73] القائمة الكاملة لآيات القرآن الكريم التي تشتمل على الفعل "عَبَدَ" ومشتقاته موجودة في الصفحات 441-445 من "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" ، تأليف محمد فؤاد عبد الباقي ، الذي نشرته دار الفكر بالقاهرة في عام 1406 (1986). وهناك العديد من مواقع الشبكة العالمية ألتي يمكن من خلالها البحث عن أية كلمة وردت في القرآن الكريم ، مثل موقع www.tanzil.net ، الذي استخدمه هذا المؤلف.

ومن المحتمل لكلمة "عباد" أن تشير إلى العبيد المملوكين ، كما جاء في الآية الكريمة 32 من سورة النور (24): "وَأَنكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ."

كما أنها من المحتمل أن تشير إلى غير المؤمنين ، كما هو الحال في أربع آيات من سورة غافر (40) ، وهي الآية 31: " مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّـهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ" ، والآية 44 ، التي تشير إلى آل فرعون: "فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّـهِ ۚ إِنَّ اللَّـهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ" ، والآية 48 ، التي تذكر مصير المستكبرين في النار: "قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّـهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" ، والآية 85 ، التي تخبرنا عن مآل الكافرين: "لَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّـهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ."

[74] وصفت الآيتان 2: 23 و8: 41 رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، بكلمة "عبدِنا" (بالجر). ووصفته الآية 72: 19 بأنه "عبدُ الله" (بالضم). كما أنه وصف بكلمة "عبدِه" في الآيات 18: 1 ، 25: 1 ، 39: 36 ، 53: 10 ، 57: 9 (بالجر والنصب).

وكذا كان وصف الأنبياء والرسل الآخرين ، عليهم سلام الله ورحمته. فوصف زكريا بانه كان "عبدَه" في الآية 19: 2 ، وعيسى بأنه كان "عَبْدًا لِّلَّـهِ" في الآية 4: 172 وبأنه "عَبْدُ اللَّـهِ" في الآية 19: 30 ، و "عَبْدٌ" في الآية 43: 59. ووصف الله ، سبحانه وتعالى ، داود قائلاً: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ" في الآية 38: 17 ، وسليمان بأنه "الْعَبْدُ" في الآية 38: 30. ووصف أيوب قائلاً: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ" في الآية 38: 41 و "الْعَبْدُ" في الآية 38: 44. ووصف نوح بأنه كان "عبداً" في الآية 3: 17 و "عبدنا" في الآية 54: 9 ، كما وصفه مع لوط على أنهما كانا "عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ" في الآية 66: 10. ووصف الخضر بأنه كان "عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا" في الآية 18: 65. وتصف الآيتان 34: 9 و50: 8 المؤمن بصفة عامة بكلمتي "عَبْدٍ مُّنِيبٍ" ، كما تذكر الآية 96: 10 "عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ."

[75] يصف القرآن الكريم الكفار والعصاة بأنهم "ظالمون" لأنفسهم ولغيرهم ، وذلك لأنهم يصدون الناس عن سبيل الله ، ويتبعون السبل الملتوية المعوَجَّة ، ولا يؤمنون باليوم الآخر ، كما تبين لنا الآيتان الكريمتان 7: 44-45.

  أَن لَّعْنَةُ اللَّـهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (الأعراف ، 7: 44). 

الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُم بِالْآخِرَةِ كَافِرُونَ  (الأعراف ، 7: 45). 

[76] ناقش الشيخ يوسف القرضاوي موضوع التخيير والتسيير ، ضمن حلقة عن القدر والقضاء ، من برنامجه الأسبوعي "الشريعة والحياة" ، الذي كان يبثه تلفزيون الجزيرة. ويمكن الاطلاع على نص هذه المناقشة على الرابطين التاليين:

Al-Qadha Wal Qadar By Shaikh Yousuf Al-Qaradawi  

http://www.qaradawi.net/site/topics/article.asp?cu_no=2&item_no=32&version=1&template_id=105&%20parent_id=16

[77] نص حديث النبي ، عليه الصلاة والسلام ، عن عدم التعارض بين الاختيار والقدر ، أي رد القضاء بالقضاء:

عَنْ أَبِي خُزَامَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ ، سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ رُقًى نَسْتَرْقِيهَا وَدَوَاءً نَتَدَاوَى بِهِ وَتُقَاةً نَتَّقِيهَا هَلْ تَرُدُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ شَيْئًا؟

قَالَ: "هِيَ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ" (سنن الترمذي ، الحديث رقم 2065). [78] حديث المؤمن القوي والمؤمن الضعيف رواه مسلم: 2664 ، وابن ماجه: 79 ، وأحمد: 2/370.

[79] نص ما قاله أمير المؤمنين عمر ، رضي الله عنه ، عن الفرار من قدر الله إلى قدر الله ، عندما سئل عن رجوعه عن الذهاب إلى بلاد الشام التي انتشر فيها الوباء:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، رضي الله عنهما ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ، رضي الله عنه ، خَرَجَ إِلَى الشَّامِ ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغَ لَقِيَهُ أُمَرَاءُ الْأَجْنَادِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ وَأَصْحَابُهُ فَأَخْبَرُوهُ أَنَّ الْوَباءَ قَدْ وَقَعَ بِأَرْضِ الشَّامِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: 

ادْعُ لِي الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ ، فَدَعَاهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّ االْوَباءَ قَدْ وَقَعَ بِالشَّامِ ، فَاخْتَلَفُوا ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْ خَرَجْتَ لِأَمْرٍ وَلَا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعَكَ بَقِيَّةُ النَّاسِ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا نَرَى أَنْ تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَباءَ .  

فَقَالَ عُمَرُ ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ ، فَدَعَوْتُهُمْ فَاسْتَشَارَهُمْ ، فَسَلَكُوا سَبِيلَ الْمُهَاجِرِينَ وَاخْتَلَفُوا كَاخْتِلَافِهِمْ.  

فَقَالَ ارْتَفِعُوا عَنِّي ، ثُمَّ قَالَ ادْعُ لِي مَنْ كَانَ هَاهُنَا مِنْ مَشْيَخَةِ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ الْفَتْحِ. فَدَعَوْتُهُمْ ، فَلَمْ يَخْتَلِفْ عَلَيْهِ مِنْهُمُ رَجُلَانِ ، فَقَالُوا نَرَى أَنْ تَرْجِعَ بِالنَّاسِ وَلَا تُقْدِمَهُمْ عَلَى هَذَا الْوَباءَ

فَنَادَى عُمَرُ فِي النَّاسِ إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ ، فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ.  

فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ؟ 

قَالَ عُمَرُ: لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا عُبَيْدَةَ!  

نَعَمْ ، نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ.  

أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطَتْ وَادِيًا لَهُ عُدْوَتَانِ ، إِحْدَاهُمَا خَصِبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ ، أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ اللَّهِ؟  

فَجَاءَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ ، وَكَانَ غَائِبًا فِي بَعْضِ حَاجَتِهِ ، فَقَالَ إِنَّ عِنْدِي مِنْ هَذَا عِلْمًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ

"إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ فَلَا تَقْدِمُوا عَلَيْهِ ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ."  

قَالَ فَحَمِدَ اللَّهَ عُمَرُ ثُمَّ انْصَرَفَ  (مُوَطَّأ مالك: 687 ، صحيح مسلم: 1742 ، صحيح البخاري: 2164).

http://hadith.al-islam.com/Loader.aspx?pageid=237&Words

[80] نص ما قاله عبد القادر الجيلاني عن منازعة القدر بالقدر:

"إن كثيرا من الرجال ، إذا وصلوا إلى القضاء والقدر ، أمسكوا ، إلا أنا. فإني فتحت لي فيه روزنة ، فنازعت أقدار الحق بالحق للحق، والرجل من يكون منازعاً للقدر ، لا من يكون موافقاً للقدر."

https://taimiah.org/index.aspx?function=item&id=949&node=4137

وقد ورد قوله هذا أيضاً في رسالة العبودية لابن تيمية ، وفي شرحها من تأليف عبد الرحيم السلمي ، الموجود على الرابط التالي:

http://shamela.ws/browse.php/book-36581/page-23

[81] في كتابه عن "العبودية" الذي كان جواباً لمتسائل عن معنى العبادة والعبودية ، رد ابن تيمية على القدرية والجبرية ، مبيناً أخطاءهما وخروجهما عن تعاليم الإسلام. والكتاب منشور على الرابط التالي:

http://www.islamicbook.ws/amma/alabwdit.pdf

أورد صلاح نجيب الدق ، في مقالته عن "القدرية والجبرية" ، بأن المتأخرين من الصحابة قد تبرأوا من القدرية. ومن هؤلاء الصحابة عبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وأبي هريرة وابن عباس وأنس بن مالك وعبد الله بن أبي أوفى وعقبة بن عامر الجهني ، وأقرانهم. لمزيد من المعلومات عن هاتين الفرقتين الضالتين والرد عليهما ، أنظر مقالته على الرابط التالي:

http://www.alukah.net/sharia/0/115029/#ixzz5LnnDY5dP

[82] من مظاهر عدم الدقة لدى الكثير من الكُتَّاب العرب أن يترجموا الحرفg  في اللغات الأوربية بحرف الجيم العربي (ج). والصحيح أن أقرب أصوات الأبجدية العربية لهذا الصوت الأوروبي هي الغين (غ) والقاف (ق) والكاف (ك) ، والأخير أخفها نطقاً. أما صوت الجيم المعطشة (لسان قريش) ، فهو بعيد تماماً عن منطقة نطق هذا الصوت الأوروبي.

وهناك ثلاث لهجات عربية لا يُعَطَّشُ فيها صوت الجيم ، وهي المصرية باستثناء الصعيد ، وبعض أجزاء اليمن وعُمان. فكُتَّاب هذه اللهجات لا يجدون مشكلة في استعمال كلمتي "اللغة الإنجليزية" كترجمة لكلمتي (English language). لكن ذلك يجانبه الصواب في باقي أنحاء الوطن العربي ، حيث تنطق الجيم معطشة ، كما تنطق في القرآن الكريم. وعلى ذلك ، فالصواب هو استعمال "اللغة الإنكليزية" وليس "اللغة الإنجليزية." أما الأصوب ، فهو استحداث حروف جديدة للأبجدية العربية للتعبير عن حروف اللغات الأخرى ، مثلما هو الحال مع الحروف الأوروبيةg p v ، خاصة أننا نعيش في عالم تتعايش فيه الثقافات المختلفة وتتفاعل باستمرار.

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الثَّامِنِ

[83] نصوص الأحاديث الشريفة ، التي تمت الإشارة إليها في هذا الفصل ، وفي الكتاب ككل ، أخذت من موقع  www.tanzil.net وموقع www.al-islam.com. كما أخذ بعضها من كتاب "رياض الصالحين" للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي ، المتوفي عام 671 هجرية ، الذي يحتوي على 1903 من الأحاديث الشريفة الصحيحة. وقد لاحظ هذا المؤلف أن ترقيم أحاديث الكتاب في النسخ المنشورة على الشبكة العالمية يختلف عن ترقيمها في نسخة الكتاب الورقية بثلاثة أرقام. فمثلاً حديث سمره يحمل رقم 777 في النسخة الورقية ، ولكنه يحمل رقم 780 في نسخ الشبكة العالمية.     

ذُكرت العبادات المفروضة الخمس في آيات عديدة من القرآن الكريم ، ولخصها الحديث الشريف ، كما يلي:

عَنْ عبدُ الله بنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

"بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَجِّ البَيْتِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ" (صحيح البخاري: 8 ، 4514 ، مسلم: 16 ، رياض الصالحين: 1075).

[84] تمت الإشارة للشهادتين في آيات عديدة من القرآن الكريم ، مثلما تم في الآيتين الكريمتين التاليتين:

اللَّـهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (البقرة ، 2: 255).

مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّـهِ (الفتح ، 48: 29).

[85] ذُكر الأمر الإلهي بالوضوء قبل الصلاة في الآية السادسة من سورة المائدة (6). واشتمل ذلك على غسل الوجه واليدين إلى المرافق ومسح الرأس والأرجل إلى الكعبين. أما المضمضة والاستنشاق وتنظيف الأذنين ، فقد ذًكرت فيما رواه الصحابة الكرام عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كما يلي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ (المائدة ، 5: 6).

عن لقيط بن صبره ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "إذا توضَّأتَ فمَضْمِضْ" (أبو داود: 144 ، وصححه الألباني).

عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم قال: "إذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلِيَجْعَلْ في أَنْفِهِ مَاءً ثُمَّ لِيَنْتَثِرْ(ليَستنثِرْ)" (البخاري: 162 ، مسلم: 237 ، أبو داود: 140 ، النسائي: 86 ، وصححه الألباني).

روت الرُّبَيِّع بنت معوذ ، رضي الله عنها ، أنها رأت أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يَتَوَضَّأُ ، قالت: مسحَ رأسَه ما أَقْبَلّ مِنْه ، وما أَدْبَرَ، وصَدغَيْه ،وأُذُنَيْه ، مرةً واحدةً (الترمذي: 34 ، وصححه الألباني).

وروى المقدام بن معد يكرب وعبد الله ابن عباس ، رضي الله عنهما ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، مسح رأسَه وأُذُنَيه ظاهرَهما وباطنَهما (أبو داود: 121 ، الألباني: 905\1).

[86] ذكر الأمر بالصلاة سبع عشرة مرة في القرآن الكريم ، منها خمس مرات بصيغة المفرد المذكر "أقم الصلاة" ، في الآيات الكريمة 11: 14 ، 17: 78، 20: 14 ، 29: 45 ، 31: 17 ، ومرة واحدة بصيغة الجمع المؤنث "أقمن الصلاة" ، في الآية الكريمة 33 :33 ، وإحدى عشرة مرة بصيغة الجمع المذكر "أقيموا الصلاة" ، في الآيات الكريمة 2: 43 ، 2: 83 ، 2: 110 ، 4: 77 ، 4: 103 ، 10: 87 ، 22: 78 ، 24: 56 ، 30: 31 ، 58: 13 ، 73: 20. كما ذكرت الصلاة كصفة من صفات المؤمنين في سبع عشرة آية أخرى ، هي:  2: 177 ، 2: 277 ، 4: 162 ، 5: 9 ، 5: 12 ، 5: 55 ، 9: 11 ، 9: 18 ، 9: 71 ، 19: 31 ، 19: 55 ، 21: 73 ، 22: 41 ، 24: 37 ، 27: 3 ، 31: 4 ، 98: 5.

ومن أمثلة تلك الآيات ما يلي:

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ (البقرة ، 2: 43).

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّـهِ (البقرة ، 2: 110).

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (النور ، 24: 56).

[87] أما الحديثان الشريفان عن كيفية الصلاة ، والدعاء أثناء السجود ، فهما كما يلي:

عن مالك بن الحويرث ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي." (البخاري: 631 ، 6008 ، ومسلم: 674 ، وصححه الألباني: 893).

عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "أقرَبُ ما يَكونُ العبدُ من ربِّهِ وَهوَ ساجِدٌ ، فأَكْثِروا الدُّعاءَ" (أبو داود: 875 ، مسلم: 482 ، الألباني: 95).

[88] ذكر الأمر بالزكاة تسع مرات في القرآن الكريم ، وكان يتبع الأمر بالصلاة في كل منها ، وهذه الآيات هي: 2: 43 ، 2: 83 ، 2: 110 ، 4: 77 ، 22: 78 ، 24: 56 ، 33: 33 ، 58: 13 ، 73: 20.

كما ذكرت الزكاة كصفة من صفات المؤمنين في سبع عشرة آية أخرى ، كانت تتبع ذكر الصلاة في كل منها ، كما مر بيانه في الملاحظة التوثيقية الرابعة ، وذكرت مرة واحدة بدون ذكر الصلاة ، في الآية 7: 156.

أما الأوجه التي تصرف فيها الزكاة فقد تحددت في الآية 60 من سورة التوبة (9) والآية 177 من سورة البقرة (2) والآية 25 من سورة المعارج (70) ، والتي سيتم تفصيلها في الفصل الثالث عشر من هذا الكتاب.

[89] فُرض الصيام في قوله ، سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" (البقرة ، 2: 183).

كما ذُكر شهرُ رمضانَ للصيام تحديداً في قوله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ " (البقرة ، 2: 185).

[90] أمر الله ، سبحانه وتعالى ، بالحَجِّ في قوله: "وَلِلَّـهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (آل عمران ، 3: 97).

[91] فُرضت صلاة الجمعة بالمساجد في قول الله ، سبحانه وتعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ" (الجمعة ، 62: 9).

[92] فيما يلي نصوصُ ثلاثةٍ من الأحاديث الشريفة ، عن ضرورة وصولِ المصلينَ إلى المسجد قبل أن تبدأ خطبةُ الجمعةِ ، وعن الإنصاتِ لها باهتمام:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ ، فَقَدْ لَغَوْتَ" (أحمد: 7672 ، مسلم: 851 ، البخاري: 934).

وعَنْ أَبي هُريرةَ ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أنه قالَ: قالَ رسولُ اللَّه ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ تَوَضَّأَ فأَحْسَنَ الوُضُوءَ ثُمَّ أَتى الجُمُعَةَ ، فاسْتَمَعَ وَأَنْصتَ ، غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَ والجُمُعَةِ إلى الجُمُعَةِ ، وزِيَادةَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ، وَمَنْ مَسَّ الحَصَى ، فَقَدْ لَغَا" (أبو داود: 1050 ، مسلم: 857 ، الترمذي: 498 ، ابن ماجه: 1090 ، أحمد: 9484 ، وصححه الألباني).

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً ، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ" (البخاري: 881 ، مسلم: 850 ، أبو داود: 351 ، وصححه الألباني).

[93] نص الحديث الشريف عن الاغتسال يوم الجمعة: عَن ابنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسولَ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قالَ: "إِذا جاَءَ أَحَدُكُمُ الجُمُعَةَ ، فَليَغْتَسِلْ" (البخاري: 877 ، مسلم: 844 ، النسائي: 1375 ، وصححه الألباني ، رياض الصالحين: 1151).

[94] فيما يلي نصٌ لحديثٍ شريفٍ ، ولأقوال لاثنين من الصحابة الكرام ، عن أن الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، قد لبس ملابس مختلفة الألوان ، بما في ذلك الأبيض والأحمر والأخضر ، كما لبس عمائمَ سوداَ:

عن سَمُرَةَ بنُ جُنْدُبَ ، رضيَ اللَّه عنه ، أنه قال ، قالَ رسُولُ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "الْبَسُوا البَيَاضَ ، فَإِنها أَطْهرُ وأَطَيبُ ، وكَفِّنُوا فِيها مَوْتَاكُمْ" (الترمذي: 2810 ، النسائي: 1896 ، ابن ماجه: 3567 ، أحمد: 20166 ، رياض الصالحين: 780).

وعن البراءِ بنُ عَازِبَ ، رضيَ اللَّه عنه ، أنه قَالَ: كانَ رَسولُ اللهِ ، صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ ، رَجُلًا مَرْبُوعًا ، بَعِيدَ ما بيْنَ المَنْكِبَيْنِ ، عَظِيمَ الجُمَّةِ إلى شَحْمَةِ أُذُنَيْهِ. عليه حُلَّةٌ حَمْرَاءُ ، ما رَأَيْتُ شيئًا قَطُّ أَحْسَنَ منه (البخاري: 3551 ، مسلم: 2337 ، رياض الصالحين: 781).

وعن أبي رِمْثة ، رفاعَةَ التَّيْمِيِّ ، رضيَ اللَّه عنه ، قَالَ: رأَيتُ رسُولَ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، وعلَيْه ثوبانِ أَخْضَرانِ (أَبو داود: 4206 ، الترمذي: 2812 ، النسائي: 5319 ، أحمد: 7117 ، رياض الصالحين: 783).

وعن جابر بن عبد الله ، رضيَ اللَّه عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، دَخَلَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وعَلَيْهِ عِمامةٌ سوْداءُ (رواهُ مسلم: 1358 ، رياض الصالحين: 784 ، وصححه الألباني).  

[95] فيما يلي نصوصٌ لأحاديث شريفة عن تنظيف الأسنان قبل كل صلاة ، وعن الامتناع عن أكل الثوم والبصل والكراث النيء قبل صلاة الجمعة ، لأن رائحتها تؤذي الملائكة والمصلين. لذلك ، فإن عمر ، رضي الله عنه ، قال بأنه ينبغي أكلها مطبوخة ، للتخلص من رائحتها الكريهة.

فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي (أَوْ عَلَى النَّاسِ أو على المؤمنين) لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ" (البخاري: 887 ، مسلم: 252 ، أبو داود: 46 ، الترمذي: 22 ، النسائي: 7 ، ابن ماجه: 287 ، أحمد: 9549).

وَعَنْ جَابِرٍ بنِ عبدِ اللهِ ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أنه قَالَ ، قَالَ رسول الله ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ أَكَلَ ثُوماً أَوْ بَصَلاً ، فَلْيَعْتَزلْنَا ، أَوْ فَلْيَعْتَزلْ مَسْجدَنَا" (البخاري: 855 ، مسلم: 564 ، أبو داود: 3822 ، الترمذي: 1806 ، النسائي: 707 ، أحمد: 15299 ، رياض الصالحين: 1703).

وَفي روايةٍ أخرى ، عَنْ جَابِرٍ بنِ عبدِ اللهِ ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أنه قَالَ ، قَالَ رسول الله ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "مَنْ أَكَلَ الْبَصَلَ ، وَالثُّوم ، وَالْكُرَاث ، فَلا يَقْرَبَنَّ مسْجِدَنَا ، فَإِنَّ المَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يتأَذَّى مِنْهُ بَنُو آدمَ" (مسلم: 564 ، البخاري: 854 ، رياض الصالحين: 1703).

وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ، أَنَّهُ خطَبَ يَوْمَ الجُمُعَةِ ، فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ تَأْكُلُونَ شَجَرَتَيْنِ ، مَا أُرَاهُمَا إِلاَّ خَبِيثَتَيْنِ: الْبَصَلَ ، وَالثُّومَ. لَقَدْ رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، إِذَا وَجَدَ ريحَهُمَا مِنَ الرَّجُلِ فِي المَسْجِدِ أَمَرَ بِهِ ، فَأُخْرِجَ إِلى الْبَقِيعِ. فَمَنْ أَكَلَهُمَا ، فَلْيُمِتْهُمَا طبْخاً (رواه مسلم: 567 ، رياض الصالحين: 1704).  

[96] فيما يلي نصان لحديثين شريفين عن تسوية الصفوف وتكملتها وتراصها ، عند إقامة الصلاة:

عَن جابِرِ بْنِ سمُرةَ ، رضي اللَّه عنْهُمَا ، قَالَ: خَرجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، فَقَالَ: "أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تُصُفُّ الملائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ " فَقُلْنَا: يَا رسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الملائِكةُ عِند ربِّها؟ قَالَ: "يُتِمُّونَ الصُّفوفَ الأُولَ ، ويَتَراصُّونَ في الصفِّ" (مسلم:  430 ، رياض الصالحين: 1082 ، وصححه الألباني: 818).

وعن أَنسٍ بنِ مالك ، رضي اللَّه عنْهُ ، قال: قال رسُولُ اللَّهِ ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: "سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فإنَّ تَسوِيَةَ الصُّفُوفِ مِن إِقَامة الصَّلاةِ" (البخاري: 723 ، مسلم: 433 ، رياض الصالحين: 1087).

[97] نهت آيات كريمة عديدة عن التكبر والخيلاء ، منها ما يلي:

إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (لقمان ، 31: 18).

قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (الزمر ، 39: 72).

فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ (الأحقاف ، 46: 20).

***

كما حذرت أحاديثُ شريفة من التكبر والخيلاء ، في المعاملات والمظاهر ، منها ما يلي:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، رضي الله عنه ، قَالَ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا ، وَلَا يَبْغِي بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ" (سنن ابن ماجه: 3415 ، البوصيري: 4/239 ، ابن حجر العسقلاني: 93).

وعن ابن عمر ، رضي اللَّه عنهما ، أَنّ النَّبيّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ: "مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلاءَ لَمْ يَنْظُر اللَّه إِليهِ يَوْم القِيَامَةِ" (البخاري: 3665 ، أحمد: 72\9 ، أبو داود: 4085 ، رياض الصالحين: 791 ، وصححه الألباني). 

[98] فيما يلي حديث شريف ينهى عن لبس الرجال للذهب والحرير:

 وعن أَبي مُوسى الأشْعريِّ ، رضي اللَّه عنه ، أنَّ رسُولَ اللَّه ، صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم ، قَالَ: "حُرِّم لِبَاسُ الحَرِيرِ وَالذَّهَب عَلَى ذُكُورِ أُمَّتي ، وَأُحلَّ لإنَاثِهِم" (الترمذي: 1720 ، النسائي: 5148 ، أحمد: 19533 ، رياض الصالحين: 808). 

[99] أمر الله ، سبحانه وتعالى ، النساء باللباس المحتشم عند خروجهن من منازلهن ، كما ورد في الآيتين التاليتين:

يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّـهُ غَفُورًا رَّحِيمًا  (الأحزاب ، 33: 59).

وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا (النور ، 24: 31).

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ التَّاسِعِ

[100]  تم تبيان الفروق بين مفاهيم الروح والعقل والنفس في الفصل الثامن من هذا الكتاب ، وقبل ذلك في الفصل الرابع ، وخاصة في الملاحظات الاستطرادية 6 ، 7 ، 8.

[101] في تفسيره للآية 17: 85 ، يجمل ابن كثير فهمه للروح ، برأيه الذي يوافقه فيه هذا المؤلف ، فيقول: "فَحَاصِل مَا نَقُول ، إِنَّ الرُّوح هِيَ أَصْل النَّفْس وَمَادَّتهَا ، وَالنَّفْس مُرَكَّبَة مِنْهَا وَمِنْ اِتِّصَالهَا بِالْبَدَنِ."

[102] لمزيد من التفصيل ، عن الحساب في اليوم الآخر ، أنظر الفصل الرابع والعشرين: "اليومُ الآخِرُ وَأَحْدَاثُهُ الأَرْبَعَةُ الْكُبْرَى: السَّاعَةُ ، وَالبَعْثُ ، وَالحِسَابُ ، والحُكْمُ بِالثَّوَابِ أو بِالعِقَابِ." أما ذكر البرزخ ، فقد جاء في القرآن الكريم والحديث الشريف كما يلي:

حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴿٩٩﴾ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴿١٠٠﴾ (المؤمنون ، 23: 99-100).

عن كعب بن مالك الأنصاري ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "إنَّما نسَمةُ المؤمنِ طائرٌ يُعلَقُ في شجرِ الجنَّةِ ، حتَّى يرجعَ إلى جسدِهِ يَومَ يُبعَثُ" (صححه الألباني ، عن ابن ماجه: 3465).

[103] في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر ، عن أبيه ، رضي الله عنهما ، والذي ذكر فيه حضور جبريل ، عليه السلام ، إلى المسجد ، وسؤاله لرسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، عن المسائل الأربع ، سأله عن معنى الإحسان:

قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ الْإِحْسَانِ؟ قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ ، فَإِنَّهُ يَرَاكَ.

هذا الحديث الشريف هو السابع عشر من "الأربعين" النووية ، والستون في "رياض الصالحين" ، للإمام النووي ، رحمه الله. وأخرجه مسلم: 8 ، وأبو داود: 4695 ، والترمذي: 2610 ، والنسائي: 4990 ، وابن ماجه: 63 ، وأحمد: 367 ، باختلاف يسير، وابن منده في الإيمان: 2.

https://dorar.net/hadith

https://ar.wikisource.org/wiki/رياض_الصالحين/الصفحة_السابعة

[104] يؤدي تدخين لفافات التبغ إلى موت 480,000 من المدخنين سنوياً ، في الولايات المتحدة ، بما في ذلك موت أكثر من 41,000 من غير المدخنين ، من جراء التعرض الثاني للتدخين.

https://www.cdc.gov/tobacco/data_statistics/fact_sheets/fast_facts/index.htm

وتصل تكلفة علاج المرضى المصابين بالأمراض الناتجة عن التدخين والعناية بهم إلى حوالي 170 مليار دولار سنوياً. 

https://www.cdc.gov/chronicdisease/about/costs/index.htm

ويؤدي الإفراط في استعمال المشروبات الكحولية (الخمور) إلى موت حوالي 88,000 إنسان في الولايات المتحدة سنوياً ، وذلك بناء على إحصائيات جمعت في الأعوام 2006-2010. وتشير أعمار هؤلاء إلى أن تعاطي الخمور يقصر عمر الإنسان بحوالي 30 سنة في المتوسط ، مما يمثل ضياعاً هائلاً في إنتاجية المجتمع ككل تقدر بحوالي 2.5 مليون سنه. وقد بلغت التكاليف الاقتصادية للاستهلاك المفرط للمشروبات الكحولية إلى حوالي 249 مليار دولار في عام 2010 ، على سبيل المثال.

https://www.cdc.gov/alcohol/fact-sheets/alcohol-use.htm

ويؤدي الإدمان على لعب القمار (الميسر) إلى عواقب وخيمة على الصحة النفسية والجسدية ، فتصيب المقامرين حالة من الكآبة (depression) ، الناتجة عن مشاعر الحزن وانخفاض الروح المعنوية وفقدان الأمل والشجاعة.

https://www.medicalnewstoday.com/articles/15929.php

[105] لتفصيل أكثر عن الطلاق عموماً ، وعن العلاقة ما بين الخيانة الزوجية والطلاق ، في الولايات المتحدة ، أنظر مقالتي المؤلف المنشورتين على الرابطين التاليين:

https://digitalcommons.kennesaw.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1120&context=jpps

https://digitalcommons.kennesaw.edu/cgi/viewcontent.cgi?article=1097&context=jpps

فيما يلي بعض الإحصائيات عن الحمل السفاح والإجهاض والأمراض الجنسية ، في الولايات المتحدة ، نتيجة للزنا ، قبل الزواج وخارجه:

في عام 2016 ، بلغ عدد المواليد للنساء غير المتزوجات 1,569,796. وقد مثل ذلك معدلاً بمقدار 42.4 مولود لكل ألف من النساء ، اللاتي تتراوح أعمارُهن بين 15 و 44 سنة. كما أنه قد مثل 39.8% من مجموع المواليد.   

https://www.cdc.gov/nchs/fastats/unmarried-childbearing.htm

وفي عام 2014 ، بلغ عدد عمليات الإجهاض المرخص لها ، والتي تم العلم بها ، 652,639 عملية. وقد مثل ذلك معدلاً بمقدار 12.1 عملية لكل ألف من النساء ، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و44 سنة. كما مثل ذلك أيضاً ما نسبته 186 حالة إجهاض في مقابل كل ألف من المواليد الأحياء. وكانت معظم عمليات الإجهاض في نفس العام للنساء اللاتي كُنَّ في العشرينيات من أعمارهن.  

https://www.cdc.gov/reproductivehealth/data_stats/abortion.htm

وفي عام 2015 ، وصل عدد المواليد الأحياء للمراهقات الأميركيات ، اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و19 سنة ، إلى 229,715 مولود ، أي بمعدل قدره 22.3 مولود لكل ألف منهن.

https://www.cdc.gov/teenpregnancy/about/index.htm

والإحصائيات التالية مأخوذة من التقرير السنوي لعام 2017 ، الذي نشرته مراكز التحكم بالأمراض (CDC) ، التابعة للحكومة الأميركية ، عن الأمراض الجنسية المنقولة (المعدية) الثلاثة ، الأكثر انتشاراً في الولايات المتحدة ، ألا وهي: الحراشف البرعمية (الكلاميديا) والسيلان والزهري (chlamydia, gonorrhea, syphilis).  

فقد بلغ عدد حالات العدوى من الحراشف البرعمية (chlamydia) ، التي تم العلم بها ، 1,708,569 حالة. وكان ذلك يمثل معدلاً مقداره 528.8 حالة لكل مائة ألف من السكان ، وبزيادة مقدارها 6.9 % بالمقارنة مع المعدل المحسوب في عام 2016.

وبلغ عدد حالات العدوى من السيلان (gonorrhea) ، في المرحلتين الأولى والثانية ، والتي تم العلم بها ، 30,644 حالة. وقد مثل ذلك زيادة مقدارها 75.2% بالمقارنة مع المعدل المحسوب في عام 2009 ، وبزيادة مقدارها 18.6% بالمقارنة مع معدل عام 2016.

وبلغ عدد حالات العدوى من الزهري (syphilis) ، التي تم العلم بها ، 555,608 حالة. ومثل ذلك معدلاً مقداره 9.5 حالة لكل مائة ألف من السكان ، وبزيادة مقدارها 10.5% بالمقارنة مع المعدل المحسوب في عام 2001.

https://www.cdc.gov/std/stats17/2017-STD-Surveillance-Report_CDC-clearance-9.10.18.pdf

وبينما تؤثر الأمراض الجنسية عموماً في الأميركيين من جميع الأعمار ، إلا إنها تؤثر أكثر في الشباب والشابات منهم ، بشكل خاص. وتقدر مراكز التحكم بالأمراض (CDC) ، التابعة للحكومة الأميركية ، أن هناك حوالي عشرين مليون حالة عدوى من الأمراض المنقولة جنسياً في الولايات المتحدة ، في كل عام. ويصاب مَن تتراوح أعمارهم بين 15 إلى 24 عاماً بحوالي نصف هذه الحالات ، مع أنهم يشكلون حوالي ربع من هم نشيطون جنسيا ً من السكان.

https://www.cdc.gov/std/life-stages-populations/adolescents-youngadults.htm

[106] لمزيد من المعلومات عن الحقيقة العلمية التي مؤداها أننا نرى النجوم في مواقعها الماضية ، لا الحالية ، كما أشارت إليه الآية الكريمة 56: 75 ، أنظر الروابط التالية (الثالث منها لمحمد زغلول النجار ، باللغة العربية).

https://physics.weber.edu/schroeder/ua/StarMotion.html

http://curious.astro.cornell.edu/physics/133-physics/general-physics/general-questions/835-why-is-looking-out-into-space-the-same-as-looking-back-in-time-beginner 

https://www.eajaz.org/index.php/component/content/article/79-Number-twenty-one/663-(-I-swear-by-the-locations-of-the-stars-and-that-oath,-if-you-know-a-great-)

[107] نَصُّ الآيتين الكريمتين المشار إليهما ، كما يلي:

وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ (النساء ، 4: 164).

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ (غافر ، 40: 78).

وقد ذكر القرآن الكريم أسماء خمسة وعشرين رسولاً ونبياً ، هم: آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون وداوود وسليمان وإلياس واليسع وذا الكفل ويونس وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد ، عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين. 

[108] أوامر الله ، سبحانه وتعالى ، ونواهيه هي موضوع كتاب آخر للمؤلف ، باللغة الإنكليزية ، بعنوان: "مَدْخَلٌ إِلَى الشَّرِيعَةِ الإسْلامِيَةِ: الجُزْءُ الأوَّلُ: أوَامِرُ التَّحْرِيمِ والنَّهْيِّ فِي القُرْآنِ الكَرِيمِ."

"Introduction to Islamic Law, Shari'a, Part I: Prohibition and Don't Do Commands in the Holy Quran." 

http://www.ccun.org/Introduction-to-Islamic-Law,Shari'a,Part-I 

[109] وردت أرقام الآيات الكريمة عن الطاعة والمعصية في وسيلة البحث في كلمات القرآن الكريم ، الموجودة على موقع www.tanzil.net  ، وكذلك في "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" من تأليف محمد فؤاد عبد الباقي ، الذي نشرته دار الفكر ، في عام 1406 هجرية (1986 ميلادية) ، وهي كما يلي:

تِلْكَ حُدُودُ اللَّـهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (النساء ، 4: 13).

وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَـٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّـهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقًا (النساء ، 4: 69).

وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّـهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (النور ، 24: 52).

وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (الأحزاب ، 33: 71). 

وَمَن يُطِعِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا (الفتح ، 48: 17).

وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ (النساء ، 4: 14).

وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (الأحزاب ، 33: 36). 

إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّـهِ وَرِسَالَاتِهِ ۚ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (الجن ، 72: 23).

[110]تمت الإشارة إلى الرَّوح مرتين:  في الآية 17: 85 ، وفي أنها نفخت في آدم في الآيتين 15: 29 و38: 72، وفي الإنسان في الآية 32: 9 ، وفي عيسى في الآية 4: 171 ، وفي مريم في الآية 66: 12 ، وكتأييد للمؤمنين في الآية 58: 22 ، وعلى أنها أمر من أوامره لمن يشاء من عباده في الآيات 16: 2 و40: 15 و42: 52.

كما تمت الإشارة إلى جبريل ، عليه السلام ، على أنه رُوحُ ٱلۡقُدُسِ في الآيات 2: 87 و2: 253 و5: 110 و16: 102. وتم وصفه على انه روح الله (روحنا) في الآيتين 19: 17 و21: 91. ووصف بأنه الرُّوحُ في الآيات 70: 4 و78: 38 و97: 4. كذلك مدحه ربه ، جل وعلا ، بنعته بأنه ٱلرُّوحُ ٱلۡأَمِينُ في الآية 26: 193.  

[111] ذُكر الفعل "تَعۡقِلُونَ" في القرآن الكريم 24 مرة ، في الآيات الكريمة التالية: 2: 44 ، 2: 73 ، 2: 76 ، 2: 242 ، 3: 65 ، 3: 118 ، 6: 32 ، 6: 151 ، 7: 169 ، 10: 16 ، 11: 51 ، 12: 2 ، 12: 109 ، 21: 10 ، 21: 67 ، 23: 80 ، 24: 61 ، 26: 28 ، 28: 60 ، 36: 62 ، 37: 138 ، 40: 67 ، 43: 3 ، 57: 17.

وذُكر الفعل "يَعْقِلُونَ" في القرآن الكريم 22 مرة ، في الآيات الكريمة التالية: 2: 164 ، 2: 170 ، 2: 171 ، 5: 58 ، 5: 103 ، 8: 22 ، 10: 42 ، 10: 100 ، 13: 4 ، 16: 12 ، 16: 67 ، 22: 46 ، 25: 44 ، 29: 35 ، 29: 63 ، 30: 24 ، 30: 28 ، 36: 68 ، 39: 43 ، 45: 5 ، 49: 4 ، 59: 14.

[112] ورد مديح الله ، سبحانه وتعالى ، للمؤمنين بأنهم "أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَـٰبِ" في 16 آية من الذكر الحكيم ، هي: 2: 179 ، 2: 197 ،  2: 269 ، 3: 7 ، 3: 19 ، 5: 100 ، 12: 111 ، 13: 19 ، 14: 52 ، 38: 29 ، 38: 43 ، 39: 9 ، 39: 18 ، 39: 21 ، 40: 54 ، 65: 10.

[113] كان جُورج هِرْبَرْت مِيد من أوائل علماء الاجتماع الأميركيين الذين بحثوا في نشوء النفس الإنسانية وتطورها ، وذلك من خلال تفاعلات الإنسان مع من حوله من البشر ، خاصة ما يكتسبه من معرفة وخبرات أثناء لعب الأدوار المختلفة في مراحل نموه المتعاقبة. كما أنه قد تطرق إلى مكونات النفس الإنسانية ، فقال إنها تتكون من مُكَوِّنَيْنِ رئيسين ، أولهما يتمثل في الأنا (I) ، التي تمثل مصالح الجسد والنفس وحدهما ، بمعزل عن المجتمع (مثل إشباع رغبات النفس والحاجات المادية للجسد). أما المُكَوِّنُ الثاني للنفس فهو الأنا العليا (Me) ، التي تمثل قيم المجتمع ومعاييره ، بما في ذلك التعاليم الدينية.

Mead, George H. 1934. “Mind, Self and Society,” edited by C. W. Morris. Chicago: University of Chicago Press.

وقد توصل عالم النفس الفرنسي سِغموند فرويد إلى نتائج مشابهة لتلك التي توصل إليها جُورج هِرْبَرْت مِيد. فذكر أن تطور النفس (الشخصية) هو نتيجة للتفاعل ما بين مكونيها الرئيسين ، أي ما بين الأنا السفلى (Id) الساعية للذة أبداً ، والأنا العليا (Superego) التي تمثل الضمير المعبر عن قيم المجتمع. وأضاف فرويد بأن هناك مكون ثالث للنفس (Ego) يتوسط باستمرار ما بين المكونين الرئيسين ، حتى لا يطغى أحدهما على الآخر بشدة. وبغير ذلك ، تميل النفس إلى أحدهما على حساب الآخر.

Freud, Sigmund. 2010. “The Ego and the Id.” Pacific Publishing Studio (pacps).

[114] نصُّ الحديثِ الشريفِ عن استنساخِ أجسادِ الناس من عَجْبِ الذَّنَبِ ، كما يلي:

عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "إنَّ في الإنْسانِ عَظْمًا لا تَأْكُلُهُ الأرْضُ أبَدًا ، فيه يُرَكَّبُ يَومَ القِيامَةِ. قالُوا أيُّ عَظْمٍ هُوَ ، يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: عَجْبُ الذَّنَبِ" (مسلم: 2955).

[115] جاء في الحديث الشريف أن أرواح المؤمنين تصعد إلى الجنة بعد الموت ، حيث تعلق في شجر الجنة إلى يوم القيامة ، عندما يأذن لها الخالق العظيم بالعودة إلى أجسادها ، حتى تتهيأ للحساب. أما أرواح الشهداء ، فإنها حية ترزق ، حيث تكون في جوف طيور تأكل من ثمار الجنة ، ثم تأوي إلى قناديل من ذهب ، معلقة في ظل العرش.

فعن كعب الأنصاري ، رضي الله عنهما ، أن النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال: "إنَّما نسَمةُ المؤمنِ طائرٌ يُعلَقُ في شجرِ الجنَّةِ ، حتَّى يرجعَ إلى جسدِهِ يَومَ يُبعَثُ" (صححه الألباني عن ابن ماجه: 3465).

وعن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، أن النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال: "إنه لَمَّا أُصِيبَ إخوانُكم يومَ أُحُدٍ ، جعل اللهُ أرواحَهم في جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ ، تَرِدُ أنهارَ الجنةِ ، تأكلُ من ثمارِها ، وتَأْوِي إلى قناديلَ من ذهبٍ مُعَلَّقةٍ في ظِلِّ العرشِ" (حسنه الألباني ، في تخريج مشكاة المصابيح: 3776).

 لمزيد من التفصيل عن البعث وعودة النفس (كأحد مكونات الروح) إلى الجسد ، أنظر الفصل الرابع والعشرين من هذا الكتاب ، "اليومُ الآخِرُ وَأَحْدَاثُهُ الأَرْبَعَةُ الْكُبْرَى: السَّاعَةُ ، وَالبَعْثُ ، وَالحِسَابُ ، والحُكْمُ بِالثَّوَابِ أو بِالعِقَابِ."

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الْعَاشِرِ

[116] ورد هذا التصنيف لكلمة "القلب" وصيغها المختلفة ، المذكورة أعلاه ، في الصفحات 549-551 من "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" ، من تأليف محمد فؤاد عبد الباقي ، الذي نشرته دار الفكر ، في عام 1406 هجرية (1986 ميلادية). ويمكن التحقق من ذلك أيضاً ، من خلال وسيلة البحث في كلمات القرآن الكريم ، الموجودة على مواقع كثيرة ، مثلwww.tanzil.net .

ذُكرت كلمة "القلب" ، بصيغها المختلفة ، 132 مرة ، في 126 آية من آيِّ الذكر الحكيم. وقد ذكرت 6 مرات بصيغة "قلب" و3 مرات بصيغة "قلبك" و8 مرات بصيغة "قلبه" ومرة بصيغة "قلبها" ومرة أخرى بصيغة "قلبي." وذكرت بصيغة المثنى "قلبين" مرة واحدة. أما بصيغة الجمع ، فقد ذكرت 112 مرة ، منها 21 مرة بصيغة "قلوب" و15 مرة بصيغة "قلوبكم" ، و6 مرات بصيغة "قلوبنا" و68 مرة بصيغة "قلوبهم" ومرة بصيغة "قلوبهن" ومرة أخرى بصيغة "قلوبكما."

[117] ذكرت الآيات الكريمة أربع مجموعات من الصفات التي يمكن أن يتحلى بها القلب ، وهي صفات حسنة وسيئة وضعيفة وعقلانية. فمن الصفات الحسنة ، وصفت الآيات القلب بأنه سليم (26: 89) ، منيب (50: 33) ، مطمئن (16: 106) ، مهدي (64: 11) ، محب (33: 4) ، تقي (22: 32) ، ساكن ، أي مطمئن (48: 4) ، رحيم (57: 27) ، صاغ ، أي سليم (66: 4) ، أليف ، قريب أو محب (3: 103) ، خيِّر (8: 70) ، طاهر (33: 53) ، يتزين فيه الإيمان (49: 7) ، يدخل فيه الإيمان ( 49: 14) ، مؤلَّف أي قريب أو محب (8: 63) ، ليِّن (39: 23) ، حَمِي (48: 26) ، خاشع (57: 16) ، طاهر (33: 53).

كما ذكرت الآيات الكريمة بأن القلب يمكن أن يتصف بالسوء ، فهو غليظ (3: 159) ، آثم (2: 283) ، غافل (18: 28) ، زائغ (9: 117) ، أعمى (22: 46) ، متقلب (24: 37) ، مشمئز (39: 45) ، مقفل (47: 27) ، قاس (2: 74) ، متعمد (33: 5) ، فيه حسرة (3: 156) ، غُلف أو مغلف (2: 88) ، فيه غل (59: 10) ، يأبى أو يرفض (9: 8) ، يغتاظ (9: 15) ، يرتاب (9: 8) ، منافق أو ينافق (9: 77) ، منكر (16: 22) ، لاهي (21: 3).

ويمكن للقلب أن يكون ضعيفاً ، فهو فارغ وبحاجة إلى أن يُربط عليه (28: 10) ، وهو مريض (33: 32) ،  يبلغ الحناجر من شدة الخوف (33: 10) ، مرتعب (3: 151) ، واجف (79: 8).

كما أن للقلب صفات عقلانية ، مثل قدرته على استقبال الوحي (26: 194) ، وهو فقيه (7: 179) ، كما أنه عاقل (22: 46) ، وكاسب ، أي عاقد للنية (2: 225).     

[118] حديث القلب الذي يخشع أو لا يخشع رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، وأخرجه الترمذي: 3482 ، وأبو داوود: 1549 ، والنسائي: 5536 ، وابن ماجه: 250 ، وأحمد: 8469. وقال عنه الألباني حسن صحيح.

وحديث القلب الذي يمكن أن يقسو أو يلين رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، وأخرجه أحمد: 2\263 ، وحسنه الألباني: 1410.

أما الحديث القدسي عن القلب الذي يمكن أن يتخيل ، فقد رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، وأخرجه البخاري: 3244 ، 3251 ، 3252 ، ومسلم: 2824 ، 2826 ، والترمذي: 3292 ، وصححه الألباني.

وبالنسبة لحديث استفتاء القلب ، فقد رواه وابصة بن معبد ، رضي الله عنه ، وأخرجه أحمد: 29\523 ، وحسَّنه النووي والألباني: 1734.

[119] هناك تسع آيات كريمة تشير إلى أن القلب موجود في صدر الإنسان ، وهي 3: 154 ، 8: 43 ، 10: 57 ، 22: 46 ، 39: 7 ، 40: 19 ، 57: 6 ، 64: 4 ، 100: 10.

[120] انظر مقالة خالد الإبراهيم ، التي استعرض فيها نتائج 24 دراسة طبية عن العلاقة ما بين القلب والعقل.

Al-Ebrahim reviewed 24 medical studies about the relationship between the heart and the mind.

Khaled Al-Ebrahim. 2016. “The Intellectual Heart.” Department of Surgery, King Abdul Aziz University.

https://www.researchgate.net/publication/307410420_The_intellectual_heart

[122] للمزيد يمكن الرجوع للبحث الذي نشره هوارد مارتن ، في مجلة "أوقات خفيفة" ، بعنوان "فهم العلاقة بين القلب والعقل والجسد" ، في عددها الصادر في مارس 2006.   

Martin, Howard. 2006. "Understanding the Relationship Between Heart, Mind & Body." In Light Times, (March).

http://www.inlightimes.com/old_site/archives/2006/03/heart-body-mind.htm

[123] مصدر هذا الموضوع هو البحث الذي نشره سعيد شاه ، س وايت ، و أ ليتل ، في "المجلة الطبية للدراسات العليا" ، بعنوان "القلب والعقل: (1) العلاقة بين أحوال الأوعية الدموية للقلب والأحوال الطبية النفسية." ، في المجلد 80 ، العدد 950 ، الصادر في عام 2003. 

Shah, Saeed U, A White, S White, W A Littler. 2003. "Heart and mind: (1) Relationship between cardiovascular and psychiatric conditions." Post Graduate Medical Journal, Volume 80, Issue 950.

http://pmj.bmj.com/cgi/content/abstract/80/950/683

[124] أنظر البحث الذي نشره سعيد شاه ، أ وايت ، و. س. وايت ، في "المجلة الطبية للدراسات العليا" ، بعنوان "القلب والعقل: (2) علاجات الأمراض القلبية والعقلية." ، في المجلد 81 ، العدد 951 ، الصادر في عام 2003.

Shah, Saeed U.Z. Iqbal, A White, S White. 2003. "Heart and mind: (2) Psychotropic and cardiovascular therapeutics." Post Graduate Medical Journal, Volume 81, Issue 951.

http://pmj.bmj.com/cgi/content/abstract/81/951/33

[125] هناك المزيد من المعلومات حول هذا الموضوع في مقالة سينثيا تشاتفيلد (2004) ، المنشورة في موقع "الشفاء من السرطان" ، بعنوان "جسمك هو عقلك الباطن" ، والتي استعرضت فيها نتائج الأبحاث التي قامت بها كانديس بيرت ، على الرابط التالي:

Cynthia Chatfield. 2004. “Your Body is your Subconscious Mind: Mind-Body Medicine Becomes the Science of Psycho-neuro-immunology (PNI).” Healing Cancer. Info.

http://www.healingcancer.info/ebook/candace-pert

كتاب كانديس بيرت (1999) ، "جزيئات العاطفة: الحقيقة العلمية التي تساند طب العقل والجسم" ، مذكور على الرابط التالي:

Pert, Candace B. 1999. “Molecules of Emotion: The Science Behind Mind-Body Medicine.” Scribner.

https://www.simonandschuster.com/books/Molecules-of-Emotion/Candace-B-Pert/9780684846347

[126] انظر البحث الذي نشره بول بيرسال وآخرون (2005) في مجلة الرابطة ، بعنوان "زراعة الأعضاء وذاكرة الخلايا ، على الرابط التالي:

Pearsall , Paul P., Gary E. Schwartz, and Linda G. Russek. 2005. “Organ Transplants and Cellular Memories.” Nexus Magazine, Volume 12, Number 3 (April - May).

https://www.paulpearsall.com/info/press/3.html

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الْحَادِي عَشَر

[127] لمزيد من المعلومات عن فوائد هذه العبادات للفرد والأسرة والمجتمع ، أنظر الفصل الثامن من هذا الكتاب: "العَلَاقَةُ مَا بَيْنَ النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي التَّعَاليمِ الإسْلَامِيَّةِ."

[128] لمزيد من المعلومات عن الله ، أنظر الفصل السادس عشر من هذا الكتاب: " اللهُ ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، كَمَا وَصَفَ نَفْسَهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ."

[129] لمزيد من المعلومات عن رسول الله ، عليه الصلاة والسلام ، أنظر الفصلين الثاني والعشرين والثالث والعشرين من هذا الكتاب: " مُحَمَّدٌ ، رَحْمَةُ اللهِ لِلْعَالَمِينَ" و " الإسْرَاءُ وَالمِعْرَاجُ."

[130] ذكرت الشهادة بوحدانية الله 37 مرة ، في 36 آية ، من آيات القرآن الكريم. وتضمنت هذه الآيات شهادة الله ، سبحانه وتعالى ، بأنه "لا إله إلا هو" 30 مرة ، هي 2: 163 ، 2: 255 ، 3: 2 ، 3: 6 ، 3: 18 (مرتان) ، 4: 87 ، 6: 102 ، 6: 106 ، 7: 158 ، 9: 31 ، 9: 129 ، 11: 14 ، 13: 30 ، 20: 8 ، 20: 98 ، 23: 116 ، 27: 26 ، 28: 70 ، 28: 88 ، 35: 3 ، 39: 6 ، 40: 3 ، 40: 62 ، 40: 65 ، 44: 8 ، 59: 22 ، 59: 23 ، 64: 13 ، 73: 9.

كذلك تضمنت الآيات الكريمة الشهادة بأن "لا إله إلا الله" مرتان (37: 35 ، 47: 19) ، و "لا إله إلا أنا" ثلاث مرات (16: 2 ، 20: 14 ، 21:25). ووردت الإشارة إلى وحدانية الله مرة على لسان يونس ، عليه السلام (21: 87) ، ومرة أخرى على لسان فرعون (10: 90) ، لكن بعد فوات الأوان.

[131] في تفسيره للآية الكريمة (النساء ، 4: 164) ، ذكر ابن كثير الحديث الذي يشير إلى إنه كان هناك 124.000 من الأنبياء و313 من الرسل ، ثم أورد آراء علماء الحديث ، الذين أجمعوا على إنه كان حديثاً ضعيفاً ، وحتى أن بعضهم قالوا إنه حديث موضوع. كما أجمعوا على نفس الرأي بشأن الأحاديث التي تذكر أعداداً أخرى للأنبياء والرسل. ولمزيد من التفصيل عن تخريج تلك الأحاديث والحكم عليها ، أنظر ما كتبه الشيخ محمد صالح المنجد ، على الرابط التالي:     

    https://islamqa.info/ar/answers/95747/هل-صح-في-عدد-الانبياء-والرسل-شيء

ذكر القرآن الكريم أسماء خمسة وعشرين من الأنبياء والرسل ، هم:

آدم ، وإدريس ، ونوح ، وهود ، وصالح ، وإبراهيم ، ولوط ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ويوسف ، وأيوب ، وشعيب ، وموسى ، وهارون ، وداود ، وسليمان ، وإلياس ، والْيَسَع ، ويونس ، وذو الكفل ، وزكريا ، ويحيى ، وعيسى ، ومحمد ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين.

وقد تم ذكر ثمانية عشر من الأنبياء والرسل في الآيات الكريمة 6: 83-86 ، كما يلي:

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَىٰ قَوْمِهِ ۚ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاءُ ۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴿٨٣ وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ ۚ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴿٨٤ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ ﴿٨٥ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا ۚ وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ﴿٨٦ (الأنعام ، 6: 83-86).

أما السبعة الباقون ، فهم آدم ، إدريس ، هود ، صالح ، ذو الكفل ، شعيب ، ومحمد ، عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، فقد ذكروا في الآيات 3: 33 ، 3: 144 ، 7: 85 ، 11: 89 ، و21: 85.

إِنَّ اللَّـهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (آل عمران ، 3: 33).

وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ  (آل عمران ، 3: 144). 

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (الأعراف ، 7: 85).  

وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِ‌مَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ (هود ،  11: 89).  

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ  (الأنبياء ، 21: 85). 

[132] هناك ست من آيات القرآن الكريم ، على الأقل ، التي تشير إلى أن دين الله (أي رسالاته الهادية للبشرية) هو الإسلام. وهذه الآيات هي: 3: 19 ، 3: 85 ، 5: 3 ، 6: 125 ، 39: 22 ، 31: 27.

كما أن هناك أيضاً ما لا يقل عن 27 من آيات القرآن الكريم ، التي تشير إلى أن الأنبياء والرسل السابقين وأتباعهم كانوا مسلمين. وهذه الآيات هي:  

2: 128 ، 2: 131 ، 2: 132 ، 2: 133 ، 3: 20 ، 3: 52 ، 3: 67 ، 3: 84 ، 5: 44 ، 5: 111 ، 6: 14 ، 6: 163 ، 7: 126 ، 10: 72 ، 10: 84 ، 11: 14 ، 12: 101 ، 27: 42 ، 27: 81 ، 27: 91 ، 28: 53 ، 29: 46 ، 39: 12 ، 40: 66 ، 46: 15 ، 51: 36 ، 72: 14.

[133] ذكرت آيات القرآن الكريم خمسة وعشرين من رسل الله وأنبيائه بالاسم ، ، كان منهم اثنا عشر رسولاً وثلاثة عشر نبياً. وفيما يلى الآيات التي ذكرت الرسل نصاً ، والباقي هم الأنبياء ، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.

1. لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ (الأعراف ، 7: 59 ، هود ، 11: 25).

2. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٢٤﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٢٥﴾ (الشعراء ، 26: 124-125).

    قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَـٰكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (الأعراف ، 7: 65).

3. إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٤٢﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٤٣﴾ (الشعراء ، 26: 142).

4. وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ۖ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ (الحديد ، 57: 26).

5. وَإِنَّ لُوطًا لَّمِنَ الْمُرْسَلِينَ (الصافات ، 37: 133).

6. وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا (مريم ، 19: 54).

7. وَقَالَ مُوسَىٰ يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (الأعراف ، 7: 104).

 8. فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (الشعراء ، 26: 16).

فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ ۖ (طه ، 20: 47).

الآية الكريمة 26: 16 تبين لنا أن موسى وهارون معا ، عليهما السلام ، كانا يقومان بمهمة رسول واحد. أما الآية الكريمة 20: 47 ، فقد أشارت إليهما بصيغة المثنى ، كرسولين لله ، عز وجل. وذلك يعني أنهما كانا رسولين يحملان رسالة واحدة إلى فرعون ، مؤداها السماح لبني إسرائيل الخروج من مصر. وكانت البداية أن الله ، سبحانه وتعالى ، اختار موسى لهذه الرسالة ، لكنه استجاب لطلبه إرسال أخيه هارون معه لأنه كان أفصح لساناً.

9. وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (الصافات ، 37: 123).

10. وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (الصافات ، 37: 139).

11. إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّـهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَىٰ مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ ۖ  (النساء ، 4: 171).

12. مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَـٰكِن رَّسُولَ اللَّـهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ۗ وَكَانَ اللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (الأحزاب ، 33: 40).

***

لآدم وداوود ، عليهما السلام ، خصوصية من بين الأنبياء. فقد تلقى آدم من ربه كلمات ، فتاب عليه. أما داوود ، فقد آتاه الله الزبور ، أي الأناشيد الملحقة بالتوراة ، ليترنم بها الناس في حمدهم وشكرهم لله ، عز وجل ، وللتوبة إليه.

فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (البقرة ، 2: 37).

وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (الإسراء ، 17: 55).

أما أولو العزم الخمسة من الرسل ، فقد وردت الإشارة إليهم في الآية الكريمة 46: 35 ، وتم ذكرهم في الآية 42: 13 من القرآن الكريم ، كما يلي:

فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (الأحقاف ، 46: 35).

شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ ۖ  (الشورى ، 42: 13).

[134] تبلغ المسافة المحسوبة للسفر جواً من مكة المكرمة إلى القدس الشريف حوالي 769 ميلاً. كما أن أسرع طائرة في العالم اليوم هي x-43  ، التي صنعتها وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) ، والتي تطير بسرعة 6,598 ميل في الساعة. وذلك يعني أنه يمكن السفر جواً من مكة المكرمة إلى القدس الشريف في أقل من سبع دقائق (6 دقائق و54 ثانية ، تحديداً). وهذه هي قدرة الإنسان الآن ، فما بالك بمقدرته المستقبلية ، ومقدرة الله ، عز وجل ، الذي أوكل القيام على رحلة الإسراء والمعراج لشديد القوى ، جبريل ، عليه السلام.

لمزيد من المعلومات عن أسرع الطائرات في العالم ، أنظر المقالة التالية:

https://militarymachine.com/fastest-military-jets/ 

المسافة المحسوبة للسفر جواً من مكة المكرمة إلى القدس الشريف حوالي 769 ميلاً:

https://www.distancecalculator.net/from-mecca-to-jerusalem

لمزيد من المعلومات عن السرعة الممكنة للسفر الإنساني في الفضاء ، أنظر المقالة التالية:

http://www.bbc.com/future/story/20150809-how-fast-could-humans-travel-safely-through-space

[135] عندما انتصر الفرس على الروم في عام 614-615 للميلاد ، حزن المسلمون آنذاك ، لأن الروم كانوا من أهل الكتاب ، أي أقرب لهم في العقيدة من الفرس. فنزلت الآيات الكريمة 30: 2-4 ، تبشر بانتصار الروم على الفرس في بضع سنين ، أي في أقل من عشر سنين ، بعد هزيمتهم. وتحققت هذه النبوءة القرآنية عندما حدث ذلك في الأعوام 622-624 للميلاد.

بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ

الم ﴿١﴾ غُلِبَتِ الرُّومُ ﴿٢﴾ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ﴿٣﴾ فِي بِضْعِ سِنِينَ ۗ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ ۚ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ ﴿٤﴾ بِنَصْرِ اللَّـهِ ۚ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ﴿٥﴾ (الروم ، 30: 1-5).

ووصفت الآية 30: 3 تحديداً أن المعارك التي هزم فيها الروم كانت في "أدنى الأرض" أي في أكثر مناطق الأرض انخفاضاً ، الأمر الذي لم يعلمه المفسرون القدامى. فقد حدثت المعارك في منطقة الغور ، في بلاد الشام ، والتي يقع فيها البحر الميت ، ويجري فيها نهر الأردن ، وهي أكثر مناطق العالم انخفاضاً ، حيث تصل إلى حوالي 400 متر تحت مستوى سطح البحر. وهكذا ، فإن استخدام كلمتي "أدنى الأرض" لوصف منطقة الغور ، يمثل حقيقة علمية في غاية الدقة ، لم تكتشف إلا حديثاً جداً ، ابتداء من نهاية القرن التاسع عشر ، وبذلك تعتبر من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم. أنظر مقالة محمد زغلول النجار عن الإعجاز العلمي في هذه الآية الكريمة ، على الرابط التالي:

 http://www.elnaggarzr.com/pg/51 / غلبت الروم

وأيضاً مقالة سيسيليا هولاند (2018) ، بعنوان "هرقل يركَّع فارس على ركبتيها" ، التي تذكر فيها المؤلفة الآية الكريمة وسنة هزيمة الروم ، أي 614 ميلادية ، وهي على الرابط التالي:

http://www.historynet.com/heraclius-brings-persia-knees.htm

[136] من النبوءات القرآنية التي لم تتحقق بعد ، عودة المسيح ، عليه السلام ، إلى الأرض ، وإيمان أهل الكتاب كلهم به ، كما جاء في الآية الكريمة 4: 159:

"وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا" (النساء ، 4: 159).

يخبرنا القرآن الكريم ، في الآية 4: 157 ، أن المسيح ، عليه السلام ، لم يصلب ولم يقتل ، في نهاية بعثته الأولى على الأرض ، وإنما رفعة الله إلى السماء. وهو حي يرزق هناك إلى أن يأمره الله ، سبحانه وتعالى ، بالعودة إلى الأرض ، لأداء بعثته الثانية ، والتي سيؤمن به خلالها أهل الكتاب كلهم جميعاً ، بما في ذلك اليهود الذين لم يؤمنوا به بعد. وبعد إتمام رسالته ، فإنه يموت ، عليه السلام (كما روى الطبري ، استناداً لتفسير الحسن والضحاك وسعيد بن جبير ، رضي الله عنهم أجمعين).

وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّـهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (النساء ، 4: 157).

[137]تحققت نبوءة إلحاق المسلمين الهزيمة بالإمبراطورية الفارسية أولاً في عهد الخليفة عثمان بن عفان ، رضي الله عنه ، ثم هزموا البيزنطيين في عهد الخليفة محمد الفاتح ، رضي الله عنه ، الذي فتح القسطنطينية في عام 1453 للميلاد ، وبذلك انتهى حكم قياصرة الروم البيزنطيين إلى الأبد. والحديث الشريف المتضمن لهذه النبوءة رواه أيضاً جابر بن سمرة ، رضي الله عنه ، وأخرجه البخاري: 3121 و3618 ، ومسلم: 2919 ، وصححه الألباني: 846. ولمزيد من العلم بمعنى هذا الحديث الشريف ، أنظر مقالة محمد إبراهيم السعيدي: "حديث إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده: بيان ورفع إشكال" ، على الرابط التالي:

حديث: «إذا هلك قيصر فلا قيصر» بيان ورفع إشكال | مركز سلف للبحوث والدراسات (salafcenter.org)

[138] الحديث الشريف المتضمن لنبوءة تطاول رعاة الشاة بالبنيان أخرجه مسلم: 8 ، وأبو داود: 4695 ، والترمذي: 2610 ، والنسائي: 4990 ، وابن ماجه: 63 ، وأحمد: 367 ، باختلاف يسير، وابن منده في الإيمان: 2.

[139] الحديث الشريف المتضمن للنبوءات الست أخرجه البخاري: 7121 ، 1036 ، وصححه الألباني: 7428 ، ولكن بخمس نبوءات ، أي بدون ذكر النبوءة الأخيرة (حتى يَكثر فيكم المال ، فيَفيض).

[140] الحديث الشريف المتضمن لنبوءة عودة شبه الجزيرة العربية إلى ما كانت عليه من مروج وأنهار أخرجه البخاري: 1036 ، ابن ماجه: 4047 ، مسلم: 157 ، أحمد: 8833 ، الألباني: 50.

أنظر البحث الذي نشره آش بارتون وآخرون ، عن التاريخ الجيولوجي للجزيرة العربية ، في العدد 43 من مجلة الجيولوجيا ، المجلد الرابع ، الصفحات 295-298 (2015) ، بعنوان:

"Alluvial fan records from southeast Arabia reveal multiple windows for human dispersa .”

https://pubs.geoscienceworld.org/gsa/geology/article-abstract/43/4/295/131827/alluvial-fan-records-from-southeast-arabia-reveal?redirectedFrom=fulltext

وقد لخص مايكل مارشال نتائج بحث بارتون ، وذكر أن شبه الجزيرة العربية كانت تعج بالمروج والأنهار قبل حوالي 23 ألف سنة ، وذلك في مقالته الموجودة على الرابط التالي:

http://www.bbc.com/earth/story/20150223-arabia-was-once-a-lush-paradise

أنظر أيضاً شرح زغلول النجار لحديث "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ ... حَتَّى تَعُودَ أَرْضُ الْعَرَبِ مُرُوجًا وَأَنْهَارًا" ، على الرابط التالي: http://www.elnaggarzr.com/pg/483/أرض%20العرب%20مروجا%20وأنهارا.html

[141] الحديث الشريف المتضمن لنبوءة ظهور المهدي أخرجه أبو داود ، 4285 ، الحاكم: 8670 ، وصحَّحه الألباني في صحيح الجامع: 6736.

[142] الحديث الشريف المتضمن للنبوءات العشر ، التي تعتبر من علامات الساعة الكبرى ، بما فيها نزول عيسى ، عليه السلام ، أخرجه مسلم: 2901 ، أبو داود: 4311 ، ولكن بترتيب مختلف للنبوءات ، وصححه الألباني.

[143] الحديث الشريف المتضمن لنبوءة حكم المسيح ، عليه السلام ، رواه النَّواس بن سَمعان ، وأخرجه مسلم: 2937. كما رواه أبو أمامة الباهلي ، وحدث به ابن كثير: 2/411. ورواه أيضاً أبو سعيد الخدري ، وحدث به ابن حجر العسقلاني: 5/94 (رضي الله عنهم جميعاً).

أنظر مقالة محمد بن عبد السلام ، "صدق نبوءات النبي" ، التي نشرها على شبكة الألوكة عام 1434 هجرية \ 2013 ميلادية ، والتي تذكر هذه الأحاديث ، وتقدم شرحاً مختصراً لها ، وهي على الرابط التالي:

https://www.alukah.net/sharia/0/50918/

وكذلك مقالة "نبوءات النبي ، عليه الصلاة والسلام" ، على الرابط التالي:

http://www.alsiraj.net/prophecy/html/page00.html

وأيضاً كتاب "نبوءات الرسول ، صلى الله عليه وسلم: دروس وعبر" ، في أربع مجلدات (2064 صفحة) ، من تأليف عبد الستار الشيخ ، الذي نشرته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في قطر ، عام 1433 هجرية ، 2012 ميلادية. وهو موجود على الرابط التالي:

 https://www.moswrat.com/books_view_27593.html 

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثيِقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الثَّانِي عَشَر

[144] فرضت الصلاة على المسلمين أثناء رحلة الإسراء والمعراج ، التي هي موضوع الفصل الثالث والعشرين من هذا الكتاب. وقد ذكر الأمر بالصلاة سبع عشرة مرة في القرآن الكريم ، منها خمس مرات بصيغة المفرد المذكر "أقم الصلاة" ، في الآيات الكريمة 11: 14 ، 17: 78، 20: 14 ، 29: 45 ، 31: 17 ، ومرة واحدة بصيغة الجمع المؤنث "أقمن الصلاة" ، في الآية الكريمة 33 :33 ، وإحدى عشرة مرة بصيغة الجمع المذكر "أقيموا الصلاة" ، في الآيات الكريمة 2: 43 ، 2: 83 ، 2: 110 ، 4: 77 ، 4: 103 ، 10: 87 ، 22: 78 ، 24: 56 ، 30: 31 ، 58: 13 ، 73: 20. كما ذكرت الصلاة كصفة من صفات المؤمنين في سبع عشرة آية أخرى ، هي: 2: 177 ، 2: 277 ، 4: 162 ، 5: 9 ، 5: 12 ، 5: 55 ، 9: 11 ، 9: 18 ، 9: 71 ، 19: 31 ، 19: 55 ، 21: 73 ، 22: 41 ، 24: 37 ، 27: 3 ، 31: 4 ، 98: 5.

[145] تم فرض الوضوء في الآية الكريمة 5: 6 ، والتي اشتملت أيضاً على التيمم في حالات المرض والسفر وتعذر الماء ، كما يلي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ۚ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا ۚ وَإِن كُنتُم مَّرْضَىٰ أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ ۚ مَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (المائدة ، 5: 6).

ومن الأحاديث الشريفة التي تشير إلى الفوائد الروحية للصلاة ، والفوائد الصحية للوضوء ، بشكل غير مباشر ، ما رواه أبو هُرَيْرَةَ ، رضي الله عنه ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: "أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا ، مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا ، قَالَ : فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا" (البخاري: 528 ، ومسلم: 670).

[146] وقد تمت الإشارة إلى الصلوات الخمس في آيات عديدة من القرآن الكريم ، منها ما يلي:

حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ (البقرة ، 2: 238).

وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ (هود ، 11: 114).

أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ۖ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (الإسراء ، 17: 78).

فَسُبْحَانَ اللَّـهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴿١٧﴾ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴿١٨﴾ (الروم ، 30: 17-18).

أورد ابن كثير تفسيرات عديدة للصحابة الكرام ، رضوان الله عليهم ، لهذه الآيات الكريمة. فذكر في تفسيره للآية 2: 238 ، أن "الصلاة الوسطى" إشارة إلى صلاة العصر، لأنها تتوسط صلاتين قبلها وصلاتين بعدها ، وهذا هو رأي جمهور التابعين ، ودلل على ذلك بالحديث. فعن علي ابن أبي طالب ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى ، صلاة العصر ، ملأ الله قلوبهم وأجوافَهُم أو بيوتهم نارا" (ابن حزم: 253\4). وكذلك ذكر ابن مسعود ، رضي الله عنه ، في رواية أخرى للحديث ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "الصلاة الوسطى ، صلاة العصر" (مسلم: 628).

أما تفسيره "لطرفي النهار" في الآية 11: 114 ، فهما الفجر من ناحية والظهر والعصر من ناحية أخرى. وفسر "زلفاً من الليل" ، كإشارة إلى المغرب ، الذي يبدأ بعد غروب الشمس ، والعشاء ، الذي يبدأ بعد الغسق ، أي بحلول ظلام الليل.

واشتملت الآية 17: 78 على ذكر ثلاث صلوات هي الظهر "دلوك الشمس" ، أي الزوال أو الحركة بعد وصولها كبد السماء. كما اشتملت على ذكر صلاة العشاء "غسق الليل" ، وعلى صلاة الفجر صراحة بذكر وقتها.

وفي تفسير ابن عباس ، رضي الله عنه ، للآية 30: 17 ، ذكر أنها تذكر صلاتين هما المغرب والعشاء في قوله ، سبحانه وتعالى "حين تمسون" وإلى صلاة الفجر في قوله "وحين تصبحون." أما الآية 30: 18 ، التالية لها ، فإنها تشير إلى صلاة العصر في قوله "وعشياً" ، وإلى صلاة الظهر في قوله "وحين تُظهرون."

وقد ذكر رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الصلوات الخمس في عدة أحاديث شريفة ، منها ما رواه عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، والمذكور في الحاشية الخامسة أدناه.

[147] من أهم شروط الصلاة حدوث الاطمئنان والتأني في أداء جميع حركاتها ومراحلها ، كما جاء في حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، الذي قال فيه أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، دخل المسجد ، فدخل رجل ، فصلى ، فسلم على النبي ، فقال (له): "ارجع فصل ، فإنك لم تصل" ثلاثاً. فقال (الرجل): والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره ، فعلمني. فقال (له): إذا قمت إلى الصلاة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تعدل قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً. وافعل ذلك في صلاتك كلها" (البخاري: 793 ، ومسلم: 45-397). 

لمزيد من المعلومات عن شروط الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها ، انظر ما ذكره الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد صالح المنجد والشيخ سعيد بن علي بن وهف القحطاني ، على المواقع التالية:

 https://www.facebook.com/FdyltAlshykhbdalzyzAbnBazRhmhAllhTaly/posts/916902398423957/

https://islamqa.info/ar/answers/65847/اركان-الصلاة-وواجباتها-وسننها

https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=341250

وبالإمكان تنزيل كتاب سعيد بن علي بن وهف القحطاني "أركان الصلاة وواجباتها، وسننها، ومكروهاتها، ومبطلاتها في ضوء الكتاب والسنة " ، على الرابط التالي:

https://d1.islamhouse.com/data/ar/ih_books/single4/ar_pillars_of_prayer.pdf

هناك العديد من الأبحاث عن الفوائد الجسدية للصلاة ، منها بحث قسطاس إبراهيم النعيمي ، بعنوان "إعجاز الصلاة" المنشور في 27 يناير 2013 ، على الرابط التالي:

http://www.jameataleman.org/main/articles.aspx?article_no=1794

وكذلك مقالة ماجد بن خنجر البنكاني ، بعنوان " فوائد وثمرات الصلاة " المنشورة في 15 مايو 2017 ، والتي ذكر فيها شروط الصلاة وأركانها وواجباتها وسننها ، كما أورد فيها 52 من فوائد وثمرات الصلاة ، خاصة إذا ما تم أداؤها بشكل صحيح. والمقالة موجودة على الرابط التالي:

https://saaid.net/Doat/majed-eslam/24.htm

[148] عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو ، رضي الله عنه ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: "وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ ، وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ ، مَا لَمْ يَحْضُرِ الْعَصْرُ. وَوَقْتُ الْعَصْرِ ، مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ ، مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ ، وَوَقْتُ صَلَاةِ الصُّبْحِ ، مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ ، مَا لَمْ تَطْلُعِ الشَّمْسُ. فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ ، فَأَمْسِكْ عَنِ الصَّلَاةِ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ" (مسلم: 612 ، أبو داود: 396 ، النسائي: 522 ، وأحمد: 6966 واللفظ له).

[149] يشتمل الجدول التالي على مقارنة لمواقيت صلاتي الفجر والعِشاء ، حسب تقويمي أم القرى و الجمعية الإسلامية في أميركا الشمالية (إسنا) ، في اليوم الأول من الخمسة أشهر الأولى من عام 2019. وقد أخذت المعلومات الخاصة بالتقويمين من موقع muslimpro ، الموجود على الرابط التالي:

https://www.muslimpro.com/Prayer-times-Atlanta-GA-GA-United-States-4180439

مقارنة لمواقيت صلاتي الفجر والعِشاء ، حسب تقويمي أم القرى والجمعية الإسلامية في أميركا الشمالية (إسنا)

الصلاة

اليوم الأول في أشهر عام 2019

الجمعية الإسلامية في أميركا الشمالية

أم القرى

الفرق بالدقائق

 

 

الفجر

 

 

 

 

العِشاء

 

 

1\1\2019

1\2\2019

1\3\2019

1\4\2019

1\5\2019

***

1\1\2019

1\2\2019

1\3\2019

1\4\2019

1\5\2019

6:28

6:23

5:58

6:16

5:34

***

18:54

19:19

19:42

21:07

21:35

6:11   

6:06

5:41

5:58

5:14

***

19:13

19:41

20:07

21:31

21:54

17

17

17

18

20

***

19

22

25

24

19

 

[150] يبدأ الفجر عندما نتمكن من التفريق ما بين الخيط الأبيض والخيط الأسود ، عند نهاية الليل ، كما نصت عليه الآية الكريمة الآية الكريمة 2: 187.

وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ (البقرة ، 2: 187).

ونبهنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى ضرورة التفريق ما بين الفجر الكاذب والفجر الصادق ، الذي يأتي بعده ، وذلك في عدة أحاديث ، منها ما يلي:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله ﷺ: "الفَجرُ فَجرانِ: فأمَّا الأوَّلُ فإنَّه لا يُحَرِّمُ الطَّعامَ ولا يُحِلُّ الصَّلاةَ ، وأمَّا الثَّاني فإنَّه يُحَرِّمُ الطَّعامَ ويُحِلُّ الصَّلاةَ" (ابن خزيمة: 1927 باختلاف يسير ، الحاكم: 687 مختصراً ، والبيهقي: 8260 ، 216\4 ، واللفظ له). 

وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "الفجرُ فجرانِ. فأمَّا الفجرُ الذي يكونُ كذنَبِ السَّرْحانِ فلا يُحِلُّ الصلاةَ ، ولَا يُحَرِّمُ الطعامَ. وأَما الفجرُ الذي يذهبُ مُسْتَطِيلًا في الأفُقِ ، فإِنَّه يُحِلُّ الصلاةَ ، ويُحَرِّمُ الطعامَ" (الحاكم: 688 ، البيهقي: 1837 ، وصححه الألباني: 4278).

وهكذا ، فالفَرْقُ بين الفَجْرِ الصادِقِ والكاذِبِ مِن ثَلاثَةِ وُجوهٍ: الأوَّلُ ، أنَّ الكاذِبَ يكونُ مُستَطيلًا في السَّماءِ طُولًا ، والصادِقُ يكونُ عَرْضًا. الثاني ، أنَّ الصادِقَ لا ظُلمَةَ بعدَه ، والكاذِبَ يكونُ بعدَه ظُلمَةٌ. الثالثُ ، أنَّ الصادِقَ يكونُ مُتَّصِلًا بالأُفُقِ ، والكاذِبَ يكونُ بينه وبين الأُفُقِ ظُلمَةٌ (شبكة دُرَر).

Source: https://dorar.net/hadith/sharh/92342  

انظر ، مثلاً ، إلى شرح الحديث عملياً ، لتحديد أوقات الصلاة ، بما في ذلك تعريف الفرق ما بين الفجرين الأول والثاني ، على الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/answers/9940/مواقيت-الصلوات-الخمس

كذلك شرح محمد بن صالح العثيمين لأوقات الصلاة (بيان المواقيت) ، على الرابط التالي:

https://ar.islamway.net/fatwa/12787/رسالة-في-مواقيت-الصلاة

وذكره بأن تقويم أم القرى يسبق الحساب الفلكي بخمس دقائق في تحديد وقت الفجر، في مكة المكرمة ، وهو على الرابط التالي:

https://ar.islamway.net/fatwa/12786  /فصل-في-أوقات-الصلوات-المفروضة

[151] لم يرد في القرآن الكريم تفصيل لعدد الركعات المفروضة في الصلاة ، وإنّما كان بيان ذلك في سنّة النّبي ، صلّى الله عليه وسلّم ، حيث قال في الحديث الذي رواه مالك بن الحويرث ، رضي الله عنه: "صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي" (البخاري: 631 ، مسلم: 674 ، ابن الملقن: 600\4 ، وصححه الألباني: 893).

وفي الحديث الذي رواه قيس بن عمرو بن سهل الأنصاري ، رضي الله عنه أن رسولُ اللَّهِ ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، رأى رجُلًا يصلِّي بعدَ صلاةِ الصُّبحِ ، فقالَ: "صلاةُ الصُّبحِ ركعتان." فقالَ الرَّجلُ: إنِّي لم أَكن صلَّيتُ الرَّكعتينِ اللَّتينِ قبلَهما ، فصلَّيتُهما الآنَ. فسَكتَ رسولُ اللَّهِ ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ (أبو داود: 1267 ، وصححه الألباني).

أمّا صلاة الظّهر والعصر ، فورد عدد ركعاتها في حديث أبي سعيد الخدري ، رضي الله عنه ، الذي قال فيه: كانَ رسولُ اللَّهِ ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، يَقومُ في الظُّهرِ في الرَّكعتينِ الأولَيينِ في كلِّ رَكْعةٍ ، قَدرَ قراءةِ ثلاثينَ آيةً ، وفي الأُخرَيَينِ بنِصفُ ذلِكَ. وَكانَ يَقومُ في العصرِ في الرَّكعتينِ الأولَيَينِ ، قَدرَ خمسَ عَشرةَ آيةً ، وفي الأُخرَيَينِ قدرَ نِصفِ ذلِكَ (مسلم: 452 ، صححه العيني: 4\21).

وذكرت أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، أن المغرب ثلاث ركعات والعشاء أربع ، وذلك في حديثها الذي قالت فيه: كان أول ما افتُرض على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، الصلاة ركعتان ركعتان ، إلا المغرب ، فإنها كانت ثلاثاً ، ثم أتم الله الظهر والعصر والعشاء الآخرة أربعاً في الحضر ، وأقر الصلاة على فرضها الأول في السفر (أحمد: 25806 ، 26338 ، البخاري: 350 ، مسلم: 685 ، النسائي: 453 ، الألباني: 6\765).

وللمزيد من الأحاديث الشريفة التي تذكر عدد ركعات كل صلاة ، انظر المقالة التالية المنشورة على موقع ملتقى أهل الحديث:

https://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=122679

وقد نقل ابن المنذر في كتابه (الأوسط في السنن والإجماع) إجماع العلماء على أن عدد ركعات كل صلاة على ما هو معلوم عند المسلمين الآن من كون الظهر والعصر والعشاء أربعاً، والفجر ركعتين، والمغرب ثلاث ركعات.

وقال الكاساني في كتابه (بدائع الصنائع) ، وهو يبين عدد ركعات الصلوات: وأما عدد ركعات هذه الصلوات فالمصلي لا يخلو إما أن يكون مقيما وإما أن يكون مسافرا. فإن كان مقيما ، فعدد ركعاتها سبعة عشر: ركعتان ، وأربع ، وأربع ، وثلاث ، وأربع. عرفنا ذلك بفعل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وقوله: "صلوا كما رأيتموني أصلي." وهذا لأنه ليس في كتاب الله عدد ركعات هذه الصلوات. فكانت نصوص الكتاب العزيز مجملة في حق المقدار، ثم زال الإجمال ببيان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قولا وفعلا ، كما في نصوص الزكاة والعشر والحج وغير ذلك.

https://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa&Option=FatwaId&Id=128245 

[152] تبين لنا الأحاديث الشريفة أن ركعات السُّنة الأساسية عشر ركعات ، يضاف إليها ست ركعات تسبق صلوات العصر والمغرب والعشاء ، ثم تختم بصلاة الوتر ، بركعة واحدة على الأقل ، فيكون المجموع سبع عشرة ركعة ، كحد أدنى. وذلك كما ورد في الأحاديث الأربعة التالية ، وفي أحاديث كثيرة غيرها.

عن ابن عمر، رضي الله عنهما ، أنه قال: "حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ المَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ فِي بَيْتِهِ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ" (البخاري: 1180 ، ومسلم: 729).

ومن المستحب أداء ركعتين قبل كل صلاة مفروضة ، كما جاء في حديث عن عبد الله بن مغفل ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم: "بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ" ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: "لِمَنْ شَاءَ" (البخاري: 601 \ 627 ، ومسلم: 838).

عن أبي بصرة الغفاري ، رضي الله عنه ، أنه قال ، قال النبي ، صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ زادَكم صلاةً ، وهي الوترُ، فصلّوها بين صلاةِ العشاءِ إلى صلاةِ الفجرِ )رواه الإمام أحمد: 6 / 7 ، والطبراني في " المعجم الكبير: 1 / 100 / 1 ، وصححه الألباني: 108).

وعن أبي أيوب الأنصاري ، رضي الله عنه ، أنه قال: قال النبي ، صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق واجب على كل مسلم ، فمن أحب أن يوتر بخمس فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بثلاث فليفعل ، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل (أبو داود: 1422 ، النسائي: 1712 ، ابن ماجه: 1190).

[153] ذُكر الأمر بالوضوء والتيمم في الآية الكريمة 5: 6 من القران الكريم ، والتي ذكرت في الملاحظة التوثيقية الثانية أعلاه.

وقد بين لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كيفية التيمم ، في الحديث الذي رواه عمار بن ياسر ، رضي الله عنهما ، والذي قال له فيه: "إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا." ثم ضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ، ثم مسح الشمال على اليمين ، وظاهر كفيه ووجهه (البخاري: 343 ، ومسلم: 587).

وفي رواية للبخاري: "وضرب بكفَّيْه الأرض ، ونفخ فيهما ، ثم مسح بهما وجهه وكفَّيْه."

[154] الحديث الشريف الذي رواه مالك بن الحويرث ، رضي الله عنه أخرجه البخاري: 602 ، ومسلم:  674. وقد وردت صيغتا الأذان وإقامة الصلاة في حديث الصحابي عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، رضي الله عنه ، كما يلي:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ قَالَ : لَمَّا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، بِالنَّاقُوسِ يُعْمَلُ لِيُضْرَبَ بِهِ لِلنَّاسِ لِجَمْعِ الصَّلَاةِ ، طَافَ بِي وَأَنَا نَائِمٌ رَجُلٌ يَحْمِلُ نَاقُوسًا فِي يَدِهِ. فَقُلْتُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَتَبِيعُ النَّاقُوسَ؟ قَالَ: وَمَا تَصْنَعُ بِهِ؟ فَقُلْتُ: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاةِ. قَالَ: أَفَلَا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ؟ فَقُلْتُ لَهُ: بَلَى. قَالَ: تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

قَالَ : ثُمَّ اسْتَأْخَرَ عَنِّي غَيْرَ بَعِيدٍ ، ثُمَّ قَالَ: وَتَقُولُ إِذَا أَقَمْتَ الصَّلَاةَ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، قَدْ قَامَتْ الصَّلاةُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ.

فَلَمَّا أَصْبَحْتُ ، أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا رَأَيْتُ. فَقَالَ: إِنَّهَا لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ ، فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ. فَقُمْتُ مَعَ بِلَالٍ ، فَجَعَلْتُ أُلْقِيهِ عَلَيْهِ وَيُؤَذِّنُ بِهِ. قَالَ: فَسَمِعَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ فِي بَيْتِهِ ، فَخَرَجَ يَجُرُّ رِدَاءَهُ وَيَقُولُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ رَأَيْتُ مِثْلَ مَا رَأَى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَلِلَّهِ الْحَمْد " (رواه أحمد: 15881 ، وأبو داود: 499 ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 469).

[155] هناك صيغتان مختلفتان لإقامة الصلاة ، أقرهما النبي ، صلى الله عليه وسلم. اشتملت الأولى على إحدى عشرة جملة ، ذكر التكبير فيها مرتان ، وأوترت فيها الشهادتان والنداء للصلاة والفلاح ، مع إضافة "قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة" ، قبل التكبير الأخير ، وهي الصيغة التي وردت في حديث زيد بن عبد ربه ، رضي الله عنه ، المذكور في الملاحظة الحادية عشرة أعلاه.

أما الصيغة الثانية لإقامة الصلاة ، فاشتملت على سبع عشرة جملة ، كما ورد في حديث أبي محذورة ، رضي الله عنه ، الذي ذكر فيه صيغتين للأذان والإقامة أطول من الصيغتين اللتين وردتا في حديث زيد بن عبد ربه ، رضي الله عنه ، كما يلي:

فعن أَبِي مَحْذُورَةَ ، رضي الله عنه ، قَالَ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، الْأَذَانَ تِسْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً (يقصد جملة) ، وَالْإِقَامَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً (يقصد جملة). الْأَذَانُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: ارْجِعْ فَامْدُدْ صَوْتَكَ ثُمَّ قُلْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ .  

وَالْإِقَامَةُ سَبْعَ عَشْرَةَ كَلِمَةً (يقصد جملة): اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ ، اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ" (رواه الترمذي: 192 ، وأبو داود: 502 ، والنسائي: 632 ، وابن ماجه: 709 ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود: 474).

[156] للمزيد من المعلومات عن النية والتكبير في الصلاة ، ومقولة النووي ، انظر الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/answers/204511/الماموم-يسر-بتكبيرات-الانتقال-ولا-يجهر-بها

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أنه قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا قَامَ فِي الصَّلاَةِ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَكُونَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ ، وَيَفْعَلُ ذَلِكَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ، وَيَقُولُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، وَلاَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي السُّجُودِ " (البخاري: 736 ، ومسلم: 390).

https://islamqa.info/ar/answers/298825/صفة-رفع-اليدين-في-الصلاة-وماذا-على-المصلي-لو-اخطا-فيها  

[157] في برنامج "نور على الدرب" ، قال الشيخ عبد العزيز بن باز ، رحمه الله ، بالاستعاذة والبسملة بعد تكبيرة الإحرام ، وقبل الفاتحة ، وذلك سراً للمأموم والمنفرد. أما الإمام ، فله الجهر بهما في الصلوات الجهرية ، تعليماً للمأمومين ، كما فعل الصحابة ، ومنهم أبو هريرة ، رضي الله عنهم أجمعين. والتعوذ من الشيطان الرجيم ، قبل البسملة ، تنفيذ لأمر الله ، سبحانه وتعالى ، الذي قال فيه: " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّـهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" (النحل ، 16: 98).

https://binbaz.org.sa/fatwas/8510/احكام-الاستعاذة-والبسملة-في-الصلاة

وقبل قراءة الفاتحة ، توضع اليد اليمنى فوق اليسرى ، فوق السرة وأسفل الصدر عند الشافعية ، وأسفل السرة عند الحنفية والحنابلة. أما مالك ، فعلى الرغم من موافقته للشافعي ، إلا أن الشائع عند المالكية إرسال اليدين. وفي كل الأحوال ، يمثل ذلك تأدباً مع الله ، عز وجل ، كما جاء في تلخيص الإمام النووي ، رحمه الله ، في شرح مسلم ، والمنشور على موقع إسلام ويب.

https://fatwa.islamweb.net/ar/fatwa/74043/ وأيضاً https://www.islamweb.net/ar/fatwa/4749/

[158] عن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، أنه قال: "ما صَلَّيْتُ وراءَ أَحَدٍ أَشْبَهَ صلاةً برسولِ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، من فلانٍ. قال سليمانُ: صَلَّيْتُ خلفَه ، فكان يُطِيلُ الركعتينِ الأُولَيَيْنِ من الظهرِ ، ويُخَفِّفُ الأُخْرَيَيْنِ ، ويُخَفِّفُ العصرَ ، ويقرأُ في الركعتينِ الأُولَيَيْنِ من المغربِ بقِصارِ المُفَصَّلِ ، وفي العشاءِ بوَسَطِ المُفَصَّلِ ، وفي الصبحِ بطُوَالِ المُفَصَّلِ (الألباني: 814 ، النسائي: 982 ، أحمد: 10882).

وتشير كلمة المُفَصَّلِ التي وردت في حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه ، إلى القسم الأخير من القرآن الكريم ، الذي يبدأ بسورة ق. ويضم هذا القسم معظم الأجزاء الأربعة الأخيرة من كتاب الله ، التي يكثر الفصل بين سورها بالبسملة. وهناك اتفاق على أن قصار سور المُفَصَّلِ تبدأ من الضحى وتنتهي بالناس. واتفق الشافعية والمالكية على الحجرات كبداية لطوال سور المُفَصَّلِ ، واختلفوا على النهاية ، وهي النبأ عند الشافعية والنازعات عند المالكية. أما الحنابلة ، فقالوا بأن سورة ق هي أول طوال المُفَصَّلِ والنبأ نهايته. وهكذا ، فما تبقى من السور بينهما يعرف بأوساط المُفَصَّل. ولمزيد من التفصيل ، انظر "الفقه على المذاهب الأربعة" ، المنشور على موقع المكتبة الشاملة:

 http://shamela.ws/browse.php/book-9849/page-231

وأيضاً " تحديد المُفَصَّل من القرآن ، وطواله وقصاره" ، المنشور على موقع الإسلام ، سؤال وجواب:

https://islamqa.info/ar/answers/143301/تحديد-المفصل-من-القران-وطواله-وقصاره 

[159] عن عقبة بن عامر ، رضي الله عنه ، أنه قال: لمَّا نزلت فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ اجعلوها في رُكوعِكم فلمَّا نزلت سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى قال : اجعلوها في سُجودِكم ، وكان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا ركع قال : سبحانَ ربِّي العظيمِ وبحمدِه ثلاثًا ، وإذا سجد قال : سبحانَ ربِّي الأعلَى وبحمدِه (أبو داود: 3\608 ، 869 ، أحمد: 17414 ، ابن ماجه: 887).

وعن حذيفة بن اليمان ، رضي الله عنه ، أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان يقول في ركوعه: "سبحان ربي العظيم ثلاثا ، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى ثلاثا" (الألباني: 668 ، أبو داود: 874 ولكن دون ذكر الرقم).

عن أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، أنَّ رسولَ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، كان يقولُ في ركوعِه وسجودِه: "سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ ، ربُّ الملائكةِ والرُّوح" (مسلم: 487 ، أبو داود: 872 ، النسائي: 1134 ، أحمد:  26293 ، وصححه الألباني).

وعن ، أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، أنها قالت أيضاً: كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ في رُكُوعِهِ وسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي" (البخاري: 794 ، مسلم: 484).

[160] وبعد الركوع ، يرفع المصلي رأسه ، ويقف باعتدال ، اتباعاً لما ورد في الحديث الذي رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، أن النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال: "ثمّ ارفعْ حتى تعدلَ قائمًا" (البخاري: 757). ثم يقول: "سَمِعَ اللهُ لِمَن حَمِدَه" ، سواء كان إماماً أم منفرداً ، وذلك اتباعاً لما كان يفعله رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، كما جاء في حديث أبي هريرة ، رضي الله عنه: "ثم يقول: سمع الله لمن حمده ، إذا رفع صلبه من الركوع." ويلي ذلك قول: "ربنا ولك الحمد" ، لكل من الإمام والمنفرد (البخاري: 789 ، ومسلم: 392). وكذا الأمر بالنسبة للمأموم ، الذي عليه أيضاً أن يقول: "ربنا ولك الحمد" ، كما جاء في حديث أنس ، رضي الله عنه: "وإذا قال: سمع الله لمن حمده ، فقولوا: ربنا ولك الحمد" (البخاري: 733 ، ومسلم: 411).

[161] انظر إلى الملاحظة التوثيقية رقم [159] ، بشأن ما يقال في السجود. أما كيفية السجود ، فقد وردت في حديث ابن عباس ، رضي الله عنهما ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "أُمرتُ أن أسجدَ على سبعة أعْظُمٍ: على الجبهة - وأشار بيده على أنفه ، واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين" (البخاري: 776 ، 812 ، ومسلم: 490).

[162] التشهد من كلام النبي ، عليه الصلاة والسلام ، ورد لنا بروايات أصحابه ، رضي الله عنهم ، أمثال عمر وابن عباس وابن مسعود. ولذلك ، كانت هناك اختلافات طفيفة من رواية إلى أخرى ، لكنها كلها صحيحة. فمثلاً ، تم تقديم لفظ الجلالة في رواية ابن مسعود ، في قوله: "التَّحِياتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيبَاتُ" ، بدلاً من: "التَّحِياتُ المُبَارَكَاتُ ، وَالصَّلَوَاتُ الطَّيبَاتُ لله" ، وهي الصيغة التي رواها ابن عباس. أما عمر ، فقد روى: "التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ ، الزَّاكِيَاتُ لِلَّهِ ، الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ ، الصَّلَوَاتُ لِلَّهِ" (وهذه روايات صحيحة في مسلم: 402 و405 ، وفي البخاري: 3370 ، 6265). ولمزيد من التفصيل ، انظر إلى الروابط التالية:

https://islamqa.info/ar/answers/98031/صيغ-التشهد-والصلاة-على-النبي-صلى-الله-عليه-وسلم

https://binbaz.org.sa/fatwas/12789/من-صيغ-التشهد

[163] التسبيح بعد الصلاة سنة ، سواء قل عدده أو كثر ، حسب وقت المسبح وظروفه. لكن المستحب أن يكون عدد كل تسبيحة 33 مرة ، أي بمجموع 99 مرة للتسبيحات الثلاث. وختامها القول مرة واحدة: "لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير." والمرجع في ذلك هو الحديث الذي رواه أبو هريرة ، رضي الله عنه ، والذي قال فيه أن النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال: "من سبح الله دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين ، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين ، وكبر الله ثلاثًا وثلاثين ، فتلك تسع وتسعون. وقال تمام المائة: "لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير" ، غفرت خطاياه ، ولو كانت مثل زبد البحر" (البخاري: 820 ومسلم: 597).

للمزيد من المعلومات عن الصيغ المختلفة لهذا الحديث ، انظر مقالة الشيخ صالح المنجد ، على الرابط التالي:

https://islamqa.info/ar/answers/228520/صيغ-التسبيح-والتحميد-والتكبير-والتهليل-دبر-الصلوات-المكتوبات

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثِيقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الثَّالِثِ عَشَر

[164] خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (التوبة ، 9: 103).

وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الحشر ، 59: 9).

وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم ۖ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ ۖ (آل عمران ، 3: 180).

وروى أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن رسولَ اللَّهِ ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ، قالَ لرجل من بني تميمٍ: "تخرجُ الزَّكاةَ من مالِكَ ، فإنَّها طهرةٌ تطهِّرُكَ" (أخرجه أحمد: 12417 ، والطبراني: 8802).

[165] أخذت إحصائيات هذه الآيات الكريمة من مصدرين ، تمثل الأول في أداة البحث في موقع www.tanzil.info ، الموجود على الشبكة العالمية. أما المصدر الثاني فهو "المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم" تأليف محمد فؤاد عبد الباقي (القاهرة ، دار الفكر: 1406 هجرية ، 1986 ميلادية).

وردت كلمة "الزكاة" في صيغة الاسم 32 مرة في القرآن الكريم. وفي 26 مرة منها ، كانت الإشارة إلى إيتاء الزكاة تلي الإشارة إلى إقام الصلاة ، تأكيداً لتلازم العبادتين الثانية والثالثة اللتين فرضهما الله ، سبحانه وتعالى ، على المسلمين. وهذه الآيات هي:

2: 43 ، 2: 83 ، 2: 110 ، 2: 177 ، 2: 277 ، 4: 77 ، 4: 162 ، 5: 12 ، 5: 55 ، 9: 5 ، 9: 11 ، 9: 18 ، 9: 71 ، 19: 31 ، 19: 55 ، 21: 73 ، 22: 41 ، 22: 78 ، 24: 37 ، 24: 56 ، 27: 3 ، 31: 4 ، 33: 33 ، 58: 13 ، 73: 20 ، و98: 5.

كما ذُكرت كلمة "الزكاة" 4 مرات في صيغة الاسم أيضاً ، بمعنى الصدقة وطهارة النفس ، ولكن بدون اقترانها بالإشارة إلى الصلاة ، وذلك في الآيات الكريمة 7: 156 ، 23: 4 ، 30: 39 ، و41: 7.

وذُكرت كلمة "الزكاة" في صيغة الاسم في الآية 18: 81 ، بمعنى طهارة النفس ، وفي الآية 19: 13 ، التي تصف نبي الله يحيى ، عليه السلام.

واشتملت الآية 35: 18 على ذكر الصلاة ، وعلى شكلين من الفعل "زكَّى" ، وهما تزكى ويتزكى.

وذُكرت أشكال أخرى للفعل "زكَّى" 20 مرة في القرآن الكريم ، ولكن بدون ذكر الصلاة معها. والآيات التي ذكرت فيها هي:

2: 129 ، 2: 151 ، 2: 174 ، 3: 77 ، 3: 164 ، 4: 49 (مرتان) ، 9: 103 ، 20: 76 ، 24: 4 ، 24: 21 ، 35: 18 (مرتان) ، 53: 18 ، 62: 2 ، 79: 18 ، 80: 3 ، 80: 7 ، 87: 14 ، و92: 18.

وأخيراً ، اشتملت 6 آيات من القرآن الكريم على صفات مشتقة من الفعل "زكَّى." وهذه الآيات هي: 2: 232 ، 18: 19 ، 18: 74 ، 19: 19 ، 24: 28 ، و24: 30.

[166] ذُكرت كلمة "صدقة" بصيغة الاسم المفرد ، بمعنى "زكاة" ، 5 مرات في القرآن الكريم ، في الآيات الكريمة: 2: 196 ، 2: 263 ، 4: 114 ، 9: 103 و58: 12.

وذكرت أيضاً بصيغة الجمع (صدقات) 9 مرات ، في الآيات الكريمة 2: 264 ، 2: 271 ، 2: 276 ، 4: 4 ، 9: 58 ، 9: 60 ، 9: 79 ، 9: 104 و58: 13.

كما وردت كصفة في 3 آيات كريمة هي: 12: 88 ، 33: 35 ، 57: 18. ووردت كفعل في 3 آيات كريمة أخرى هي: 2: 280 (تَصَدَّقُوا) ، 5: 45 و12: 88 (تَصَدَّقَ).

[167] الحديث الشريف عن أن الزكاة ترد إلى الفقراء أخرجه البخاري: 1395 ، مسلم: 19 ، أبو داود: 1584 ، الترمذي: 625 ، ابن ماجه: 1454 ، وصححه الألباني.

[168] الحديث الشريف عن تواد المؤمنين وتراحمهم وتعاطفهم أخرجه مسلم: 2586 ، البخاري: 6011 ، أحمد: 18,380 ، وصححه الألباني. 

[169] أنظر مقاربة الغفيلي (2008: 160) بشأن تقدير قيمة العشرين دينار في أيام الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، بحوالي 85 قراماً من الذهب الآن ، وتقدير قيمة الخمسة أواق بحوالي 559 قراماً من الفضة ، في أيامنا هذه.

الغفيلي ، عبد الله منصور. 2008. "نوازل الزكاة: دراسة فقهية تأصيلية لمستجدات الزكاة." رسالة لنيل شهادة الدكتوراه في الفقه من كلية الشريعة ، بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. طبعتها دار الإيمان للطباعة والنشر ، عام 1429 ه \ 2008 م.

https://ia802305.us.archive.org/16/items/waq94992/94992_text.pdf

[170] الحديث الذي رواه ابْنِ عُمَرَ وأم المؤمنين ، َعَائِشَةَ ، رضي الله عنهما ، والمتضمن لنصاب ومقدار زكاة المال في الذهب ، أخرجه ابن ماجه: 1460 ، وابن كثير: 1\256 ، وصححه الألباني.

[172] أنظر تلخيص الغفيلي لكلا الرأيين حول زكاة العروض التجارية المنتجة للأرباح (2008: 125- 135) ، وحول زكاة الأسهم والشركات الصناعة (2008: 154-160 ، 170-177 ، 182-184 و228).

[173] صحيح البخاري: 1459. وقد أخرج مسلم (980) رواية أخرى للحديث عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ،  أن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "ليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ أواقٍ مِنَ الوَرِقِ صَدَقَةٌ، وليسَ فِيما دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ مِنَ الإبِلِ صَدَقَةٌ، وليسَ فِيما دُونَ خَمْسَةِ أوْسُقٍ مِنَ التَّمْرِ صَدَقَةٌ."

[174] حديث زكاة الزروع أخرجه البخاري: 1483 ، الترمذي: 640 ، 232\3 ، وصححه الألباني: 4270. 

[175] ملخص مناقشة الغفيلي (2008: 98-103 ، 107) لنصاب الزكاة في المنتجات الزراعية كان كما يلي:

يشير الحديث الشريف إلى أن نصاب الزكاة في الزروع والثمار هو خمسة أوسق. والوَسْق ستون صاعًا بصاعِ النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيكون النصاب ثلاثمائة صاعٍ. وتبلغ زنة الصاع بالمعايير الحديثة 2,035 قراماً ، أي بجملة 610,500 قراما ، أي ستمائة وعشرة كيلوقرامات ونصف. ولا تجب الزكاة في أقل من ذلك (الغفيلي ،  2008: 103).

[176] انظر الغفيلي (2008: 115-122) بشأن حساب زكاة الحيوانات الأليفة المعدة للإتجار بها وبمنتجاتها ، في عصرنا الراهن.

ورد تفصيل نصاب وزكاة الأنعام في الحديث الذي رواه علي بن أبي طالب ، وفي توجيه أبو بكر الصديق للصحابي أنس ، رضي الله عنهم جميعاً ، وهما كما يلي:

وعَنْ عَلِيٍّ ، رضى الله عنه ، قَالَ زُهَيْرٌ أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ ، صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: "هَاتُوا رُبْعَ الْعُشُورِ ، مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ شَىْءٌ حَتَّى تَتِمَّ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ. فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَىْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ."

وَفِي الْغَنَمِ ، فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةٌ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إِلاَّ تِسْعًا وَثَلاَثِينَ فَلَيْسَ عَلَيْكَ فِيهَا شَىْءٌ.‏"‏ ‏وَسَاقَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ مِثْلَ الزُّهْرِيِّ.

قَالَ: ‏"وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ ، وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَىْءٌ."

وَفِي الإِبِلِ ‏، فَذَكَرَ صَدَقَتَهَا كَمَا ذَكَرَ الزُّهْرِيُّ قَالَ: ‏"‏وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسَةٌ مِنَ الْغَنَمِ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً ، فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ ، فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ ، إِلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً ، فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ ، إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً ، فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ إِلَى سِتِّينَ.‏"‏ ‏

ثُمَّ سَاقَ مِثْلَ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: ‏"‏فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً ، يَعْنِي وَاحِدَةً وَتِسْعِينَ ، فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ ، إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ. فَإِنْ كَانَتِ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ، فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.

وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ. وَلاَ تُؤْخَذُ فِي الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ وَلاَ تَيْسٌ ، إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ الْمُصَّدِّقُ (أبو داود: 1572 ، البخاري: 1454 ، وصححه الألباني).

http://qaalarasulallah.com/hadithView.php?ID=21573

لشرح مفصل للحديث ، أنظر المقالة المنشورة على موقع إسلام وِب ، على الرابط التالي:

https://library.islamweb.net/newlibrary/display_book.php?flag=1&bk_no=55&ID=2660

للمزيد من التفصيل عن موضوع الزكاة ، انظر كتاب القحطاني:

القحطاني ، سعيد بن علي بن وهف (1431 هـجرية ، 2010 ميلادية) ، "الزكاة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنة: مفهوم ومنزلة وحِكَمٌ وفوائد وأحكام وشروط ومسائل" ، الطبعة الثالثة. الناشر: مركز الدعوة والإرشاد بالقصب ، السعودية.

https://al-maktaba.org/book/33994

للمزيد من العلم عن موضوع الزكاة أيضاً ، ارجع إلى كتاب الزكاة ، الذي هو الجزء الثالث من كتاب المقدسي:

المقدسي ، الحافظ أبي عبد الله بن محمد بن أحمد عبد الهادي ( توفي عام 744 هجرية ، 1343 ميلادية).  "تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق." حققه سامي بن محمد بن جادالله وعبد العزيز بن ناصر الخياني. وهو من إصدار "أضواء السلف" بالرياض ، عام 1428 هجرية (2007 ميلادية). ويمكن الاطلاع عليه من خلال مواقع عديدة ، منها الرابط التالي:

https://archive.org/details/waq77126

***

في حديث أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، أن أبا بكر ، رضي الله عنه ، كتب له هذا الكتاب ، لما وجهه إلى البحرين ، لجمع الزكاة من أهلها: 

" بسم الله الرحمن الرحيم ، هذه فريضة الصدقة ، التي فرض رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، على المسلمين ، والتي أمر الله بِها رسوله ، فمن سُئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سُئل فوقها فلا يعط.  

في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم ، من كل خمس شاة ، فإذا بلغت خمسًا وعشرين إلى خمسٍ وثلاثين ففيها بنت مخاض أنثى. 

فإذا بلغت ستًّا وثلاثين إلى خمس وأربعين ، ففيها بنت لبون أنثى.  

فإذا بلغت ستًّا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الجمل. 

فإذا بلغت واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة. 

فإذا بلغت (يعني ستًّا وسبعين) إلى تسعين ففيها بنتا لبون.  

فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حقتان طروقتا الجمل. 

فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة.

ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها. فإذا بلغت خمسًا من الإبل ، ففيها شاة (البيهقي: 86\4 ، أحمد: 51\1 ، ابن حجر ، في فتح الباري: 3/319).

***

شرح ابن حجر (3\319) الألفاظ الواردة في توجيه أبوبكر الصديق لأنس ، رضي الله عنهما:

من الغنم ، قال ابن حجر ، رحمه الله: كذا للأكثر،  وفي رواية ابن السكن بإسقاط "من" وصوَّبَها بعضهم. 

وقال عياض: من أثبتها فمعناه زكاتـها ، أي الإبل من الغنم. ومن للبيان لا للتبعيض ، ومن حذفها فالغنم مبتدأ ،  والخبر مضمر في قوله: "في كل أربع وعشرين" وما بعده وإنما قدم الخبر، لأن الغرض بيان المقادير التي تجب فيها الزكاة. والزكاة إنما تجب بعد وجود النصاب ، فَحَسُنَ التقديم."  

بنت المخاض ، هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها ، والمخاض: الحامل ، أي دخل وقت حملها وإن لم تحمل.  

بنت لبون وابن لبون ، هو الذي دخل في ثالث سنة ، فصارت أمه لبوناً بوضع الحمل. حقة ، وهي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة.

جذعة ، وهي التي أتت عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة ، فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربّها، فإذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة (ابن حجر ، في فتح الباري: 3/319).

أنظر أيضاً شرح سعيد بن علي القحطاني لتوجيهات أبي بكر الصديق لأنس ، رضي الله عنهما ، في مقالته على شبكة الألوكة: (www.alukah.net). وكذلك شرح محمد بن صالح العثيمين ، على الرابط التالي:

http://www.ibnothaimeen.com/all/books/article_18068.shtml  

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثيِقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الرَّابِعِ عَشَر

[177] لمزيد من التفصيل عن الفوائد الروحية والجسدية للعبادات المختلفة ، أنظر الفصل الثامن من هذا الكتاب: " العَلَاقَةُ مَا بَيْنَ النَّوَاحِي الرُّوحِيَةِ وَالْجَسَدِيَّةِ فِي التَّعَاليمِ الإسْلَامِيَّةِ."

طبقاً لتقويم إسنا (ISNA) ، لمواقيت الصلاة ، المستخدم في مواقع كثيرة ، مثل islamiccity.com ، فإن بداية الفجر الصادق تختلف من يوم إلى آخر ، طيلة العام. فهو يبدأ من حوالي 68 دقيقة قبل شروق الشمس في شهري مارس وأكتوبر ، إلى حوالي 83 دقيقة قبل شروقها في يونيو. ولمزيد من التفصيل عن الفجر الصادق ، أنظر الملاحظة الاستطرادية رقم 7 من الفصل الثاني عشر ، "إقام الصلاة."

[178] للتفصيل عن معنى النفس ، انظر الفصل التاسع من هذا الكتاب ، " الرُّوحُ وَالْعَقْلُ وَالنَّفْسُ وَالسَّعَادةُ ، مِنْ مَنْظُورٍ إسْلامِيٍ."

[179] هناك العديد من مقالات الأبحاث المنشورة على الشبكة العالمية عن فوائد الصيام للجسم والعقل والروح ، تم تلخيص بعض نتائجها في الملحق الموجود في نهاية هذا الفصل.

[180] تشمل المصادر الرئيسة للأحاديث الشريفة الصحيحة المذكورة في هذا الفصل (وفي الكتاب ككل) ، صحيح البخاري وصحيح مسلم وكتب السنن ، المنشورة على كثير من المواقع ، في الشبكة العالمية ، مثل:

 https://dorar.net/hadith, http://hdith.com/, https://www.ahlalhdeeth.com/, and http://hadith.al-islam.com.  

كما ذُكرت بعض الأحاديث في كتب كبار مفسري القرآن الكريم ، خاصة الطبري والقرطبي وابن كثير ، وكذلك في كتاب "رياض الصالحين" الذي ألفه الإمام أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (المتوفي عام 671 هجرية) ، وهو منشور في مواقع عديدة على الشبكة العالمية. وقد نشرته دار العربية للطباعة والنشر والتوزيع ، في نسخة ورقية ، في بيروت ، لبنان.

لكن توثيق الأحاديث الشريفة الواردة في هذا الفصل بالذات مأخوذ من موقع الدرر السنية ، بإشراف علوي بن عبد القادر السقاف ، جزاه الله وفريقه خيراً عما فعلوا ، خدمة للباحثين (https://dorar.net/hadith).

[181] (البخاري: 1904 ، مسلم: 1151 ، وصححه الألباني).

[182] هناك طريقتان رئيستان لتحديد بداية هلال كل شهر قمري ، بما في ذلك شهر رمضان المبارك. تتمثل الطريقة الأولى برؤية الهلال بالعين المجردة (وبالوسائل المساعدة في أيامنا هذه ، مثل التلسكوبات). ولمزيد من التفصيل عن هذه الطريقة ، أنظر المقالة المنشورة على الرابط التالي:

 http://www.crescentwatch.org/cgi-bin/cw.cgi   

أما الطريقة الثانية ، فتتمثل بالحسابات التي يقوم بها الفلكيون ، وما ينتج عنها من إعداد تقاويم تحدد تواريخ وأوقات ظهور الأهلة لسنوات عديدة مستقبلاً. ولمزيد من التفصيل عن هذه الطريقة ، أنظر المقالة المنشورة على الرابط التالي:

http://eclipse.gsfc.nasa.gov/phase/phase2001est.html  

[183] (البخاري: 1909 ، مسلم: 1081).

[184] (البخاري: 6 ، 3220).

[185]  (الترمذي:  700 ، أحمد: 7241).

[186] (البخاري: 1957 ، 2/ 692 ، 1856، مسلم: 2/ 771 ، 1098).

[187] (أبو داود: 2356 ، الترمذي: 696 ، أحمد: 12676).

[188] (النسائي: 5 ، وأبو يعلى: 4569 ، وابن خزيمة: 135).

[189] (أبو يعلى: 154 ، الطبراني: 8032 ، القضاعي: 1079).

[190] (البخاري: 6669 ، مسلم: 1155).

[191] (البخاري: 1923 ، مسلم: 1095).

[192] (مسلم: 1092).

[193]  (رواه أبو داود: 1479 ، الترمذي: 2969 ، ابن ماجه: 3828 ، النسائي: 11464 ، أحمد: 18352 ، وصححه الألباني: 1329).

[194] (أبو داود: 1334 ،  مسلم: 738 ، النسائي: 1601 ، وصححه الألباني).

[195] (أبو داود: 1375 ، الترمذي: 806 ، ابن ماجه: 1327 ، النسائي: 1364 ، أحمد: 21419 ، وصححه الألباني).

[196] (أبو داود: 1373 ، البخاري: 1129 ، مسلم: 761 ، النسائي: 1603 ، وصححه الألباني).

[197] (ابن حبان: 6370 ، البخاري: 3220 ، النسائي: 2094 ، وصححه الألباني). 

[198] (أبو داود: 1609 ، ابن ماجه: 1492 ، وحسنه الألباني).

[199] (مسلم: 984 ، أبو داود: 1611 ، الترمذي: 676).

[200] (البخاري: 6502 ، الألباني: 1782 ، ابن تيمية: 316\25 ، اختلف بقوله "ولا يزال").   

[201] فيما يلي بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الأخرى ، عن النوافل:

أولاً ، آيات كريمة عن محبة الله ورسوله:

" قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " (آل عمران: 3: 31).

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة ، 5: 54).

قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّـهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّـهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (التوبة ، 9: 24).

ثانياً ، أحاديث شريفة تحث على النوافل ، التي تقرب المؤمن من الله ، عز وجل ، حتى يحبه. فإذا كان ذلك ، فله البشرى في عون الله له على كافة المستويات:

فعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال: قال رسولُ الله ، صلى الله عليه وسَلَّمَ: "إن الله قال: مَن عادى لي وليِّاً فقد آذنتُه بالحرب ، وما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أَحبَّ إليَّ مما افترضتُهُ عليه ، وما يزال عبدي يَتَقَرَّبُ إليَّ بالنوافل حتى أُحِبَّه ؛ فإذا أحببتُه كنتُ سَمْعَه الذي يَسمعُ به ، وبَصَرَهُ الذي يُبصِرُ به ، ويَدَهُ التي يَبطِشُ بها ، ورِجْلَه التي يَمشِي بها ، وإنْ سألني لأُعطِيَنَّه ، ولئن استعاذ بي لأُعيذنَّه" (البخاري:  6502 ، الألباني: 1782).

وعن أبي هريرة ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللهَ تعالى إذا أحبَّ عبدًا دعا جبريلَ ، فقال: إني أُحِبُّ فلانًا فأَحبَّه ، فيُحبُّه جبريلُ. ثم ينادي في السماءِ ، فيقولُ: إنَّ اللهَ تعالى يحبُّ فلانًا فأَحِبُّوه. فيُحبُّه أهلُ السماءِ ، ثم يُوضَع له القَبولُ في الأرضِ. وإذا أبغض عبدًا ، دعا جبريلَ ، فيقولُ : إني أُبغِضُ فلانًا ، فأَبْغِضْه. فيبغضُه جبريلُ ، ثم ينادي في أهلِ السماءِ: إنَّ اللهَ يُبغِضُ فلانًا فأَبغِضوه. فيُبغِضونه ، ثم يوضعُ له البغضاءُ في الأرض" (الألباني: 1705).

وعن أم المؤمنين ، عائشة ، رضي الله عنها ، أنَّ رَسولَ اللهِ ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ، بَعَثَ رَجُلًا علَى سَرِيَّةٍ ، فَكَانَ يَقْرَأُ لأَصْحَابِهِ في صَلَاتِهِمْ ، فَيَخْتِمُ ب قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ. فَلَمَّا رَجَعُوا ، ذَكروا ذلكَ لِرَسولِ اللهِ (للنبيِّ) ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ. فَقالَ: سَلُوهُ لأَيِّ شيءٍ يَصْنَعُ ذلكَ؟ فَسَأَلُوهُ ، فَقالَ: لأنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ ، فأنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بهَا. فَقالَ رَسولُ اللهِ ، صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: "أَخْبِرُوهُ أنَّ اللَّهَ (تعالى) يُحِبُّهُ" (البخاري: 7375 ، مسلم: 813 ، رياض الصالحين: 387).

ثالثاً ، أحاديث شريفة عن أفضلية صلاة النافلة في البيوت:

عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: اجْعَلُوا فِي بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلَاتِكُمْ ، وَلَا تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا" (البخاري: 1187 ، أبو داود: 1043 ، الألباني: 1448).

وعن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم: "إذا قضى أحدُكم صلاتَه في مسجدِه ، فليجعل لبيتِه نصيبًا من صلاتِه ، فإنَّ اللَّهَ جاعلٌ في بيتِه من صلاتِه خيرًا" (الترمذي: 84 ، مسلم: 778).

رابعاً ، عدد ركعات السُّنة قبل وبعد كل صلاة:

ثبت أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي عشر ركعات من السنن الرواتب. فعن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه قال: حفِظتُ عن رسولِ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، عشرَ ركعاتٍ: ركعتَينِ قبلَ الظهرِ ، وركعتَينِ بعدَ الظهرِ ، وركعتَينِ بعدَ المغربِ ، وركعتَينِ بعدَ العشاءِ ، وركعتَينِ قبلَ صلاةِ الفجرِ (ابن عدي: 6\68 ، البخاري: 1180 ، مسلم: 729 ، الترمذي: 433 ، أحمد: 5417 ، أبو داود: 1252 ، النسائي: 873).

[202] ذكر ابن كثير أن الله ، سبحانه وتعالى ، قد أنزل القرآن الكريم في ليلة القدر ، جملة واحدة من اللوح المحفوظ ، إلى بيت العزة في السماء الدنيا. ثم أوحي به جبريل ، عليه السلام ، إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في 23 سنة بعد ذلك ، بحسب الوقائع. وأضاف بأن الملائكة "تَهْبِط مِنْ كُلّ سَمَاء ، وَمِنْ سِدْرَة الْمُنْتَهَى ، وَمَسْكَن جِبْرِيل عَلَى وَسَطهَا. فَيَنْزِلُونَ إِلَى الْأَرْض وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاء النَّاس ، إِلَى وَقْت طُلُوع الْفَجْر ... كَمَا يَتَنَزَّلُونَ عِنْد تِلَاوَة الْقُرْآن ، وَيُحِيطُونَ بِحِلَقِ الذِّكْر ، وَيَضَعُونَ أَجْنِحَتهمْ لِطَالِبِ الْعِلْم بِصِدْقٍ تَعْظِيمًا لَهُ."

وذكر القرطبي أنها سميت بليلةُ القدرِ "لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى يُقَدِّر فِيهَا مَا يَشَاء مِنْ أَمْره ، إِلَى مِثْلهَا مِنْ السَّنَة الْقَابِلَة ، مِنْ أَمْر الْمَوْت وَالْأَجَل وَالرِّزْق وَغَيْره. وَيُسَلِّمهُ إِلَى مُدَبِّرَي الْأُمُور ، وَهُمْ أَرْبَعَة مِنْ الْمَلَائِكَة: إِسْرَافِيل ، وَمِيكَائِيل ، وَعِزْرَائِيل ، وَجِبْرِيل ، عَلَيْهِمْ السَّلَام." وقال أيضاً بأنها "سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ لِلطَّاعَاتِ فِيهَا قَدْرًا عَظِيمًا ، وَثَوَابًا جَزِيلًا."

وأشار الطبري بأنها "لَيْلَة الْحُكْم الَّتِي يَقْضِي اللَّه فِيهَا قَضَاء السَّنَة ، وفِيهَا يُفْرَق كُلّ أَمْر حَكِيم ، فِيهَا يَقْضِي اللَّه كُلّ أَجَل وَعَمَل وَرِزْق. وبأن "عَمَلهَا وَصِيَامهَا وَقِيَامهَا خَيْر مِنْ أَلْف شَهْر ، مِنْ كُلّ أَمْر قَضَاهُ اللَّه فِي تِلْكَ السَّنَة ، مِنْ رِزْق وَأَجَل وَغَيْر ذَلِكَ. وهي سَلَام مِنْ الشَّرّ كُلّه مِنْ أَوَّلهَا إِلَى طُلُوع الْفَجْر مِنْ لَيْلَتهَا ، أَيْ هِيَ خَيْر كُلّهَا إِلَى مَطْلَع الْفَجْر." 

[203] (البخاري: 1901 ، مسلم: 760 ، أبو داود: 1372 ، الترمذي: 683 ، أحمد: 9445 ، والنسائي: 2512). 

[204] (ابن عبد البر: 24/373 ، ابن كثير: 5729).

[205] (البخاري: 2017 ، الألباني: 2922).

[206] (البخاري: 1901 ، واللفظ له ، ومسلم: 760).

[207] (المنذري: 4\218 ، الترمذي: 3513 ، النسائي: 7712 ، ابن ماجه: 3850 ، أحمد: 25384).

[208] (أحمد شاكر: 7/96 ، البخاري: 990 ، مسلم: 749 ، أبو داود: 1326 ، الترمذي: 437 ، النسائي: 1693 ، ابن ماجه: 1175 ، أحمد: 5032 ، واللفظ له).

[209] المصدر: أكرام الله (2017):

Syed, Akramulla 2017. “Fasting and Health: Ramadan Fasting - Key to a good Health.” Ez Soft    Tech, December 14.

http://www.ezsoftech.com/ramadan/ramadan13.asp

[210] المصدر: مارك سَشِن (2011):

Sisson, Mark. 2011. “The Myriad Benefits of Intermittent Fasting.” Mark’s Daily Apple.                  

https://www.marksdailyapple.com/health-benefits-of-intermittent-fasting/ 

[211]  المصدر: مُونِكا ريناقل (2011):

Reinagel, Monica. “What are the Health Benefits of Fasting?” Quick and Dirty Tips.                        

https://www.quickanddirtytips.com/health-fitness/healthy-eating/what-are-the-health-benefits-of-fasting

[212] المصدر: إلسون هاس (2011):

Haas, Elson. “The Benefits of Fasting: Affecting our physical, mental, emotional, and spiritual       aspects.” All About Fasting. 

https://www.allaboutfasting.com/benefits-of-fasting.html

[213] المصدر: ريتشل هِند (2015):

Hynd, Rachel. 2015. “Fasting has many benefits for the body.” Chicago Tribune, February 24.

https://www.chicagotribune.com/lifestyles/health/sns-green-effective-fasting-benfits-story.html

[214]  المصدر: ألَن قولدهامر (2020):

Goldhamer, Alan. 2020. “Discover the Benefits of Fasting.” Health Promoting.                                 ]https://www.healthpromoting.com/benefits-of-fasting

[215]  المصدر: وِل كيرول (2013):

Carroll, Will. 2013. “The Health Benefits of Fasting.” Submission.                                                          

https://submission.org/Health_Benefits_Ramadan.html

[216]  المصدر: مايكل موسْلِي (2012):

Mosley, Michael. 2012. “The power of intermittent fasting.” BBC, August.              

Article Link: http://www.bbc.co.uk/news/health-19112549            

Video: http://www.documentarytube.com/eat-fast-and-live-longer-bbc-horizon-2012

 

مُلاحَظَاتٌ اسْتِطْرَادِيَّةٌ وَتَوْثيِقِيَّةٌ لِلْفَصْلِ الْخَامِسِ عَشَر

[217] الألباني ، السلسلة الصحيحة: 2700. كما رواه أبو نضرة ، رضي الله عنه ، باختلاف يسير ، عمَّن شهِد خطبةَ النبيِّ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، في أوسطِ أيامِ التشريقِ (البوصيري: 3\226 ، أحمد: 23489 ، أبو نعيم: 3\100). مصدر الأحاديث الشريفة هو الدرر السنية.  

https://dorar.net/hadith/search

[218] يمكن مشاهدة مناسك الحج المختلفة في العديد من الفيديوهات المنشورة على الشبكة العالمية ، مثل:

https://www.youtube.com/watch?v=m6t7_HLTRkk

[219] أشار المحدث ابن رجب إلى ذكر مالك للحديث في الموطأ بلاغاً ، وصححه الزرقاني في مختصر المقاصد: 184.

[220] صحيح البخاري: 1521.

[221] ذكر الألباني ، في إرواء الغليل: 3/241 ، أن فيه محمد بن ثابت ، هو العبدي ، الذي قال عنه الحافظ أنه صدوق ، لين الحديث. وقد أخرجه أحمد: 14522 ، واللفظ له ، والطبراني في المعجم الأوسط: 8405 ، باختلاف يسير.

[222] ذكر المفسرون الثلاثة ، الطبري والقرطبي وابن كثير ، في تفسيرهم للآية الكريمة 5: 3 ، بأنها نزلت على رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، في حجة الوداع ، عشية يوم عرفة ، وكان يوم جمعة ، كما روى ذلك عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن عباس وسمرة بن جندب ، رضي الله عنهم جميعاً. وقال أسباط عن السدي أنه لم ينزل بعدها حلال ولا حرام. ورجع رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، إلى المدينة المنورة ، ومات بعدها بواحد وثمانين يوما.

نص خطبة الوداع ، التي جاء سندها في أحاديث متفرقة ، طبقاً للألباني ، في فقه السنة: 454 ، وقسم كبير منها رواه مسلم (المصدر: الدرر السنية):

أيُّها النَّاسُ: اسمعوا قولي ، فإنِّي لا أدري لعلِّي لا ألقاكم بعدَ عامي هذا ، بِهذا الموقِفِ أبدًا.

أيُّها النَّاسُ: إنَّ دماءَكم وأموالَكم عليْكُم حرامٌ ، إلى أن تلقَوا ربَّكم كحُرمةِ يومِكم هذا ، وَكحُرمةِ شَهرِكم هذا. وإنكم ستلقونَ ربَّكم ، فيسألُكم عن أعمالِكم.

وقد بلَّغتُ ، فمن كانت عندَهُ أمانةٌ فليؤدِّها إلى منِ ائتمنَهُ عليْها.

وإنَّ كلَّ ربًا موضوعٌ ، ولكن لَكم رؤوسُ أموالِكم ، لا تظلِمونَ ولا تُظلَمونَ. قضى اللَّهُ أنَّهُ لا ربًا ، وإنَّ ربا العبَّاسِ بنِ عبدِ المطَّلبِ موضوعٌ كلُّهُ.

وإنَّ كلَّ دمٍ كانَ في الجاهليَّةِ موضوعٌ. وإنَّ أوَّلَ دمائكم أضعُ دمَ ربيعةَ بنِ الحارثِ بنِ عبدِ المطَّلب ، وَكانَ مستَرضَعًا في بني ليثٍ ، فقتلتْهُ هُذيلٍ. فَهوَ أوَّلُ ما أبدأُ بِهِ من دماءِ الجاهليَّةِ.

أما بعدُ أيُّها النَّاس: إنَّ الشَّيطانَ قد يئِسَ أن يعبدَ في أرضِكم هذِهِ أبدًا ، ولَكنَّهُ أن يطاعَ فيما سوى ذلِكَ ، فقد رضِيَ بهِ ، مِمَّا تحقِّرونَ من أعمالِكم ، فاحذروهُ على دينِكُم.

أيُّها النَّاسُ: " إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ ۖ ، يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ، يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا ،  لِّيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّـهُ ، فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّـهُ ۚ " (جزء من الآية الكريمة 9: 37) ، ويحرِّموا ما أحلَّ اللَّه.

وإنَّ الزَّمانَ قدِ استدارَ كَهيئتِهِ يومَ خلقَ اللَّهُ السَّمواتِ والأرضَ ، وَ "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ " (جزء من الآية الكريمة 9: 36) ، ثلاثةٌ متواليةٌ ، ورجبُ الَّذي بينَ جُمادى وشعبانُ.

أمَّا بعدُ أيُّها النَّاسُ: فإنَّ لَكم على نسائِكم حقًّا ، ولَهنَّ عليْكم حقًّا. لَكم عليْهنَّ أن لا يوطِئْنَ فُرُشَكم أحدًا تَكرَهونَه ، وعليْهنَّ أن لا يأتينَ بفاحشةٍ مبيِّنةٍ. فإن فعلنَ ، فإنَّ اللَّهَ قد أذنَ لَكم أن تَهجُروهنَّ في المضاجِعِ ، وتضرِبوهنَّ ضربًا غيرَ مبرِّحٍ. فإنِ انتَهينَ ، فلَهنَّ رزقُهنَّ وَكسوتُهنَّ بالمعروفِ. واستوصوا بالنِّساءِ خيرًا ، فإنَّهنَّ عندَكم عَوان لا يملِكنَ لأنفسِهنَّ شيئًا. وإنَّكم إنَّما أخذتُموهنَّ بأمانةِ اللَّهِ ، واستحللتُم فروجَهنَّ بِكلمةِ اللَّهِ.

فاعقلوا أيُّها النَّاسُ قولي ، فإنِّي قد بلَّغتُ. وقد ترَكتُ فيكم ما إنِ اعتصمتُم بِهِ فلن تضلُّوا أبدًا ، أمرًا بيِّنًا: كتابَ اللَّهِ وسنَّةَ نبيِّهِ .

أيُّها النَّاسُ ، اسمعوا قولي واعقِلوهُ: تعلمُنَّ أنَّ كلَّ مسلمٍ أخو للمسلِمِ ، وأنَّ المسلمينَ إخوَةٌ. فلا يحلُّ لامرئٍ من أخيهِ إلا ما أعطاهُ عن طيبِ نفسٍ منه ، فلا تظلِمُنَّ أنفسَكمُ.

اللَّهمَّ ، هل بلَّغتُ؟ قالوا: اللَّهمَّ نعَم. فقالَ رسولُ اللَّهِ ، صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم: اللَّهمَّ اشْهَدْ.

https://dorar.net/hadith/search 

[223] أنظر فيديو زغلول النجار ، عن حكمة الطواف حول الكعبة:

https://www.youtube.com/watch?v=pZJqbL6Czm4

ومقالة عماد مجاهد: "الإعجاز العلمي في الطواف حول الكعبة المشرفة" ، المنشورة في صحيفة الدستور الأردنية ، في 23 تموز / يوليو 2012.

https://www.addustour.com/articles/876409-أسرار-الاعجاز-العلمي-في-القرآن-الكريم-الإعجاز-العلمي-في-الطواف-حول-الكعبة-المشرفة 

[224] أحاديث شريفة عن السعي بين الصفا والمروة ، وزمزم ، ورمي الجمرات.

قال جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما ، لخالته أم المؤمنين عَائِشَةَ ، زَوْجِ النبيِّ ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، و(هو) يَومَئذٍ حَديثُ السِّنِّ: أرَأَيْتِ قَوْلَ اللَّهِ ، تَبَارَكَ وتَعَالَى: "إنَّ الصَّفَا والْمَرْوَةَ مِن شَعَائِرِ اللَّهِ فمَن حَجَّ البَيْتَ أوِ اعْتَمَرَ فلا جُنَاحَ عليه أنْ يَطَّوَّفَ بهِمَا" (البقرة ، 2: 158). فَما أُرَى علَى أحَدٍ شيئًا أنْ لا يَطَّوَّفَ بهِمَا؟ فَقالَتْ عَائِشَةُ: كَلَّا ، لو كَانَتْ كما تَقُولُ ، كَانَتْ: فلا جُنَاحَ عليه أنْ لا يَطَّوَّفَ بهِمَا. إنَّما أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ في الأنْصَارِ ، كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ ، وكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ. وكَانُوا يَتَحَرَّجُونَ أنْ يَطُوفُوا بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلَامُ ، سَأَلُوا رَسولَ ، اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، عن ذلكَ. فأنْزَلَ اللَّهُ الآية الكريمة (البخاري: 4495).

عن عمرو بن دينار ، رضي الله عنه ، أنه قال: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عنْهما ، عن رَجُلٍ طَافَ بالبَيْتِ في عُمْرَةٍ ، ولَمْ يَطُفْ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ ، أَيَأْتي امْرَأَتَهُ؟ فَقالَ: قَدِمَ النبيُّ ، صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، فَطَافَ بالبَيْتِ سَبْعًا ، وصَلَّى خَلْفَ المَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ، فَطَافَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ سَبْعًا ، "لقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ" (الأحزاب ، 33: 21). وسَأَلْنَا جَابِرَ بنَ عبدِ اللَّهِ ، رَضِيَ اللَّهُ عنْهما ، فَقالَ: لا يَقْرَبَنَّهَا حتَّى يَطُوفَ بيْنَ الصَّفَا والمَرْوَةِ (البخاري: 1623 ، مسلم: 1234 ، ذكر اسم الراوي عمرو بن دينار في موقع إسلام ويب).

عن عبد الله بن عباس ، رضي الله عنهما ، أنَّ إبراهيمَ جاء بإسماعيلَ ، عليهما السلامُ ، وهاجرُ. فوضعَهما بمكةَ في موضعِ زمزمَ. فذَكَرَ الحديثَ ، ثم جاءت من المروةِ إلى إسماعيلَ وقد نَبَعَتْ العَيْنُ ، فجعلت تَفْحَصُ العَيْنَ بيدِها هكذا ، حتى اجتمع الماءُ من شقِّهِ ، ثم تأخذُه بقَدَحِها فتجعلُه في سِقَائِها. فقال رسولُ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "يرحمُها اللهُ ، لو ترَكَتْها لكانت عينًا سائحةً تجري إلى يومِ القيامةِ" (أحمد شاكر: 4\77 ، عن مسند أحمد).

عن التابعي محمد بن مسلم بن شهاب الزهري ، رضي الله عنه ، أنَّ رسولَ اللهِ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، كان إذا رَمى الجَمرةَ التي تَلي المسجِد ، مسجِدَ مِنًى ، يَرميها بسَبعِ حَصياتٍ ، يُكَبِّرُ كُلَّما رَمى بحَصاةٍ. ثم تقَدَّمَ أمامَها فوقَفَ مُستَقبِلَ البَيتِ ، رافِعًا يَدَيْه ويَدْعو ، وكان يُطيلُ الوُقوفَ. ثم يأتي الجَمرةَ الثانيةَ فيَرميها بسَبعِ حَصياتٍ ، يُكَبِّرُ كُلَّما رَمى بحَصاةٍ. ثم يَنحَدِرُ ذاتَ اليَسارِ ممَّا يَلي الواديَ ، فيَقِفُ مُستَقبِلَ البَيتِ رافِعًا يَدَيْه يَدْعو. ثم يأتي الجَمرةَ التي عِندَ العَقَبةِ ، فيَرميها بسَبعِ حَصياتٍ ، يُكَبِّرُ كُلَّما رَمى بحَصاةٍ. ثُمَّ يَنصَرِفُ ولا يَقِفُ عِندَها. قال الزُّهْريُّ: سمِعتُ سالِمَ بنَ عَبدِ اللهِ يُحَدِّثُ بهذا عن أبيه ، عنِ النَّبيِّ ، صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. قال: وكان ابنُ عُمَرَ يَفعَلُه (شعيب الأرناؤوط ، عن سنن الدارقطني: 2684).

[225] لمزيد من التفصيل عن مناسك الحج ، أنظر صفحة وزارة الحج والعمرة بالمملكة العربية السعودية ، على الرابطين التاليين:

https://www.haj.gov.sa/

https://www.youtube.com/watch?v=bxwwkHN3Noc (Arabic)

ويمكن للقراء أيضاً الاطلاع على ما ذكره الألباني وابن عثيمين ، رحمهما الله ، عن مناسك الحج ، على الروابط التالية:

http://www.aljazeerah.info-IDescriptionof-Haj-and-Umrah-By-Al-Albaani-and-Ibn-Al-'Uthaymeen (بالإنكليزية)

https://islamqa.info/en/31822 (المنجد بالإنكليزية)

https://islamqa.info/ar/answers/31822/صفة-الحج  (المنجد ، مناسك الحج)

https://islamqa.info/ar/articles/77/الحج-فضله-ومنافعه (المنجد)

https://ar.islamway.net/article/2669/صفة-الحج-والعمرة (ابن عثيمين بالعربية)

https://www.noor-book.com/كتاب-اختصار-مناسك-الحج-والعمرة-للشيخ-الألباني-pdf

[226] عنِ ابنِ عباسٍ ، رضي الله عنهما ، أنَّه كان يُكبِّرُ عُقَيبَ صَلاةِ الغَداةِ يَومَ عَرَفةَ ، إلى آخِرِ أيَّامِ التَّشريقِ ، دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ، يَقولُ: اللهُ أكبَرُ كَبيرًا، اللهُ أكبَرُ كَبيرًا، اللهُ أكبَرُ، وللهِ الحَمدُ، اللهُ أكبَرُ وأجَلُّ ، اللهُ أكبَرُ ما هَدانا (شعيب الأرناووط ، تخريج شرح السنة: 7/146). 

وتبين لنا الآثار المروية عن الصحابة والتابعين ، رضوان الله عليهم ، أنه لم تكن هناك صيغة معينة لتكبير العيد. وقد أدخل الصحابة مع التكبير تحميداً وتهليلاً وثناءً ودعاء. أما الصيغة المشهورة لتكبيرات العيد ، التي يتبعها أكثر المسلمين اليوم ، فهي منسوبة إلى ما ذكره الأمام الشافعي (520/2) ، رحمه الله ، وهي كما يلي:

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله. 

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد. 

اللهُ أكبرُ كبيرا ، والحمدُ للهِ كثيرا ، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلا. 

اللهمَّ صلِّي على سيدنا محمد ، وعلى آلِ سيدنا محمد

وعلى أزواجِ سيدنا محمد ، وعلى أصحابِ سيدنا محمد

وعلى ذريةِ سيدنا محمدٍ ، وسلم تسليماَ كثيرا. 

لا إلهَ إلا الله ، ولا نعبدُ إلا إياه ، مخلصينَ لهُ الدينَ ، ولو كرهَ الكافرون.

لا إلهَ إلا الله وحده ، نصرَ عبده ، وأعزَّ جنده ، وهزمَ الأحزابَ وحده 

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله. 

الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد.

مصادر عن التكبيرات:

http://albayan.co.uk/article2.aspx?ID=3046 

https://www.albawabhnews.com/1512547 

https://www.elwatannews.com/news/details/527662

 


 

 

 

Opinions expressed in various sections are the sole responsibility of their authors and they may not represent Al-Jazeerah & ccun.org.

editor@aljazeerah.info & editor@ccun.org